محتويات
الحكم الثلاث من قصة ذبح إسماعيل
قد يتساءل القارئ عن الحكمة من ذبح إسماعيل عليه السلام، وفيما يأتي ذكرٌ للحِكَم الثلاث من أمر الله -سبحانه وتعالى- لسيدنا إبراهيم بذبح ابنه:
تحقيق معنى العبودية لله
طلب سيدنا إبراهيم -عليه السلام- من ربِّه أن يهب له غلامًا، وحين استجاب ربُّه لسؤله ورزقه إسماعيل، أحبَّ إبراهيم ولده حُبًّا جمَّا وتعلَّق قلبه به، ولمَّا كان إبراهيم خليل الله تطلَّب ذلك ألا يكون في قلبه أحدٌ غيره، فجاء أمر الله -تعالى- بأن يذبح إبراهيم ولده إسماعيل، ولم يكن من إبراهيم خليل الله إلا الاستجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى-، وعندما باشر بذبح ابنه تبيَّن أنَّ محبة الله وعبوديته أكبر في قلب إبراهيم من حبِّه لولده إسماعيل، وهنا لم تعُد من الذبح غاية، فأنهى الله -تعالى- هذا الأمر بفداء الذبيح إسماعيل -عليه السلام- بكبش عظيم.[١]
إقرار وجوب المسارعة إلى تنفيذ أمر الله
عندما جاء أمر الله -سبحانه وتعالى- لإبراهيم بذبح ولده إسماعيل لم يتردَّد بذلك أبدًا؛ بل ذهب إلى ابنه وأخبره بما رأى من أمر الله، وكان هذا اختبار لكليهما، وقد أسرع إبراهيم -عليه السلام- لتنفيذ ما أمره به الله -تعالى- والانقياد لأوامره، يقول -عزَّ وجلَّ-: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)،[٢] إضافة إلى ذلك كان أيضاً إسماعيل -عليه السلام- صابرًا على هذا البلاء العظيم، وساعد والده على قبول أمر الله -تعالى- والانصياع إليه.[٣]
الرحمة بسارة والجبر لقلب هاجر
كانت السيدة سارة شديدة الغيرة من السيدة هاجر أم إسماعيل والتي كانت جاريتها، وحين أنجبت هاجر ولدها إسماعيل ازدادت الغيرة في قلب سارة؛ فقد أحبَّه أبوه كثيرًا، عندئذٍ جاء أمر الله -تعالى- لنبيه إبراهيم أن يأخذ هاجر وابنها إلى مكة ويُسكنها هناك، وذلك حتى تخف الغيرة عند سارة، وهذا من فضل الله -تعالى- ورحمته بها.[١]
كما جاء أمر الذبح لابن هاجر دون ابن سارة حتى يرقَّ قلب سارة على هاجر وابنها، وتتحول الغيرة الشديدة إلى رحمة وحب، أمَّا هاجر فقد جبر الله -سبحانه وتعالى- قلبها، وذلك حين جعل نهاية الوحدة، والبعد، والاستسلام لأمر الله بذبح ابنها تكريمًا لهما، فأصبحت آثارهما والمكان الذي مشت فيه بحثًا عن الماء أماكن عبادة يأتيها المسلمون من كل البلاد إلى أن يبعث الله العباد.[١]
لم يكن أمر الله -سبحانه وتعالى- لنبيه إبراهيم بذبح ابنه إلا لحكمة يعلمها هو، ويمكن القول أنَّ الله -تعالى- أراد أن يُحقِّق عبوديته في قلب إبراهيم، ويُعلِّم الناس المسارعة إلى طاعة أوامره حتى وإن خالف الأمر رغبات المسلم، كما أنَّ هذا الأمر جاء رحمة بقلبيِّ السيدة سارة والسيدة هاجر.
قصة ذبح إسماعيل
إنَّ السورة التي وردت فيها قصة ذبح إسماعيل هي سورة الصافات، وفيما يأتي ذكر للقصة حسب ورودها في القرآن الكريم والسنة النبوية:
الرؤية
رأى سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في منامه أنَّه يذبح ابنه إسماعيل، ومن المعروف أنَّ رؤيا الأنبياء ما هي إلا وحيٌ وحق،[٤] وكانت هذه الرؤيا اختبارًا لنبي الله إبراهيم بأن يذبح ابنه الذي جاءه بعد أن صار كبيرًا بالسنِّ وليس عنده ولد غيره، إلا أنَّ إبراهيم -عليه السلام- استجاب لأمر الله -تعالى- وتوكَّل عليه، فذهب إلى إسماعيل وقصَّ عليه ما رأى في منامه، يقول -تعالى-:(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)،[٥] وعندما سمع إسماعيل الرؤيا من والده قال له افعل ما أمرك الله به، يقول -تعالى-: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).[٦][٧]
تنفيذ أمر الله
سلَّم إبراهيم -عليه السلام- أمره لله -تعالى- وكذلك ابنه إسماعيل، وانطلقا لتنفيذ أمر الله -عزَّ وجل-،[٧] وعندما جاء وقت الذبح ألقى إبراهيم ولده إسماعيل على وجهه حتى لا يراه وهو يذبحه فيشفق عليه، ووضع عند حلقه صفيحة من النحاس ليذبحه بها، وقال بسم الله وكبَّر وتشهَّد مهيِّئًا إسماعيل للذبح، في ذلك الوقت نادى الله -عزَّ وجلَّ-: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)،[٨] أي قد تحقَّق المطلوب من أمر الذبح، وهو اختبار إبراهيم في إيمانه وطاعته لربه.[٧]
الفداء بالكبش
بعد أن عزم سيدنا إبراهيم على تنفيذ أمر الله -تعالى- في الذبح، أنزل الله -تعالى- عليه كبشًا يفدي إسماعيل، يقول -جلَّ وعلا-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)،[٩] فذبح إبراهيم -عليه السلام- الكبش،[٧] أمَّا عن مكان ذبح إسماعيل فقد تنوعت الآراء فيه على أربعة أقوال؛ أولها في المقام في مكة وهو أرجح الأقوال، والثاني في المنحر عند الجمار، والثالث عند جبل ثبير الموجود في منى، أمَّا القول الرابع فهو في الشام.[١٠]
سارع إبراهيم -عليه السلام- لتنفيذ أمر -الله سبحانه وتعالى- وساعده على ذلك ابنه إسماعيل، إلا أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أنزل كبشًا عظيمًا فداءً لإسماعيل -عليه السلام-، ومن الجدير بالذكر أنَّه لم يُذكر في التاريخ عمر سيدنا إسماعيل عند الذبح.
الدروس المستفادة من قصة ذبح إسماعيل
فيما يأتي مجموعة من الدروس والعبر المستفادة من قصة ذبح إسماعيل -عليه السلام-:[١١]
- التوجه بالدعاء لله -سبحانه وتعالى- وحده وعدم التوجه لغيره، فهو من الشرك والأعمال المذمومة.
- دعاء الله -تعالى- وطلب الولد الصالح منه؛ فمن أعظم نعم الله -تعالى- على الإنسان أن يهبه ولدًا صالحًا يُعينه في الحياة الدنيا والآخرة.
- الحرص على اختيار المرأة الصالحة عند الزواج؛ فهي الأم التي ستربي الأبناء على فضائل الأخلاق.
- استخدام أسلوب الحوار مع الأبناء،؛فإبراهيم -عليه السلام- جاء يسأل إسماعيل عن رأيه في الرؤيا التي رآها ولم يفرضها عليه بشكل مباشر.[١٢]
- الصبر على الابتلاء حتى ينال المسلم عظيم الأجر والثواب.[١٢]
تفيد قصة ذبح إسماعيل -عليه السلام- المسلمين في العديد من أمور حياتهم؛ إذ إنَّها تعلمهم الصبر على الابتلاءات، والاعتصام بحبل الله -عزَّ وجلَّ-، والالتزام بالدعاء فالله هو القادر على كل شيء.
المراجع
- ^ أ ب ت "الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام وفداؤه بالكبش"، طريق الإسلام، 4/4/2014، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية:37
- ↑ "الأمر بذبح إسماعيل رؤيا من الله تعالى"، إسلام ويب، 31/3/2003، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 221. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:102
- ↑ سورة الصافات، آية:102
- ^ أ ب ت ث "قصة الذبيح عليه السلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:104-105
- ↑ سورة الصافات، آية:107
- ↑ "مسألة ذبح إبراهيم لولده ومكان ذلك ليست من أصول الدين"، إسلام ويب، 2/10/2004، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ↑ "مِنَ الدروس المستفادة مِنْ قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب "12 درس تربوي من {وفديناه بذبح عظيم}"، طريق الإسلام، 8/1/2015، اطّلع عليه بتاريخ 2/8/2021. بتصرّف.