الحكمة من فرض الصيام

وسيلة لتحقيق التقوى في قلب المؤمن

كيف يزيد الصيام من تقوى العبد الصائم؟

ودليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،^[١] وتكون التقوى بامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه،^[٢] فرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ"،^[٣] فالله -تعالى- لم يفرض الصيام على العباد كي يجوعوا ويعطشوا، وإنّما فرضه لمقاصد عظيمة من أهمها امتثال أمره والكف عن المحرّمات واستشعار مراقبته سبحانه وتعالى.^[٤]

هل فرض الصيام بوقت محدد؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: متى فرض الصيام

وسيلة لتطهير قلب المؤمن من الذنوب والمعاصي

كيف يقهر الصيام الشيطان؟

من فضائل الصيام أنّه يُكفّر الذنوب والخطايا التي يقترفها الإنسان دون أن يدري، وهو سبب في مغفرة الذنوب والآثام، وهو أيضًا وسيلة لقهر الشيطان؛ وذلك من خلال الامتناع عن تلبية دواعي الشهوات، فعندما يجوع المسلم ويعطش تتضيق مجاري الدم عنده ولا يصبح لإغواء الشيطان وإضلاله أثرٌ كبيرٌ عليه؛ لأنّ الشهوات إنّما تقوى بالأكل والشرب، فهو امتنع بصيامه عن المباحات فسيترك المحرّمات والمعاصي من باب أولى، فيبتعد عن جميع ما يخدش صومه ويقلّل من أجره.^[٥]

وسيلة لشحذ الهمم بالعبادات

بمَ تنشغل نفس الصائم؟

يرغب الصائم بالاستزادة من الطاعات والإكثار من العبادات والأعمال الصالحة، فالصيام يشحذ نفسه بالهمّة والنشاط فيتفرّع للعبادة من صلاة وقراءة للقرآن وذكرٍ وتسبيح،^[٦] كما أنّه يُخلّي القلب والعقل للتفكّر والتدبّر؛ لأنّ النفس تسمو عن التفكير في الطعام والشراب والاشتغال بهما وتنشغل بما هو أهم وأعظم،^[٧] والصيام أعظم سُبل الهداية فهو يحثّ العبد على الطاعة ويُرغّبه بعمل الخير والإحسان، والإقبال على جميع ما يُرضي الخالق العظيم من أعمال البر.^[٨]

وسيلة لتجديد نفسية المؤمن

كيف يفكر الصائم؟

يُجدّد الصيام نفسية المؤمن ويجعلها تستكين لكل ما فيه خير ورحمة ويُبعد عنها ما علق بها من الأدران؛ لأنّ ما يُفكّر به الإنسان عندما يكون صائمًا ممتنعًا عن طعامه وشرابه امتثالًا لأمر خالقه ليس هو ذاته ما يدور بفكره عندما يكون منشغلًا بطعامه وشرابه وملّذاته؛ فالصيام مدرسة خُلُقية تتربّى فيها النفوس وتسمو نحو معالي الأخلاق ومكارمها، وفيه تقوية للفكر وصفاء للذهن وغير ذلك من الفوائد العظيمة والأسرار العجيبة.^[٩]

وسيلة لتقوية الصلة بين العبد وربّه

كيف يُنمّي الصيام علاقة المخلوق بالخالق؟

يُقوّي الصيام علاقة العبد بربّه وصلته به؛ فهو يُعلّمه الأمانة ويُشعره بمراقبة الله -تعالى- له سرًّا وعلنًا، فلا أحد يعلم إذا كان الإنسان ممتنعًا عن الصيام والشراب حقيقةً إلّا الله تعالى، فادّعاء المرء لكونه صائمًا وهو مفطر يمكن أن يتم دون أن يدري أحدٌ بذلك إلّا الله -تعالى- الرقيب للعبد في كلّ سكناته وحركاته، وهذا سبب شعور الصائم بقربه من ربّه وصلته به، ولذلك أثرٌ عميقٌ على جميع جوانب حياته الأخرى وتعاملاته مع الآخرين.^[٩]

وسيلة لتقوية الصلة بين أفراد المجتمع

ما هي أسس الوحدة التي يرسيها الصيام في النفوس؟

للصوم أثر في توحيد الأمّة وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع الواحد؛ فهو يُشعر المسلمين بوحدتهم فهم يعبدون الله وحده ويؤدّون فريضة الصوم طاعةً له في الميعاد نفسه من صيامٍ وإفطار، كما أنّه يقوّي الرحمة والعطف في النفس ويزيد من شعور الأخوة الإيمانية، ولهذا أثر إيجابي في ترابط المجتمع وتعاونه أفراده فيما بينهم للحد والتقليل من وجود الفقر، بالإضافة إلى أنّ إحساس الصائم بالجوع والعطش يدفعه للإحساس بغيره وتقديم يد العون له، وهذه الأمور جميعها تُقوّي المجتمع وتُساهم في ازدهاره ومحبة أفراده لبعضهم البعض.^[٩]

وسيلة لتقوية البدن والجسد

كيف يحمي الصيام الجسم؟

يُقوّي الصيام البدن؛ فهو يُجدّد خلايا الجسم ويُريح المعدة وجهاز الهضم، فهو حمية للجسد تُخلّصه من الفضلات المترسبة والأطعمة غير المهضومة، وجميع العفونات والرطوبات التي تُخلّفها الأطعمة والأشربة، وقد قال الحارث بن كلدة: "المعدة بيت الداء، والحِمْية رأس كل دواء"، فهذه إحدى الفوائد التي يجنيها العبد من صيامه.^[٩]

وسيلة لتعويد المؤمن على التحمّل والصبر

لماذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصوم من لم يستطع الزواج؟

يتعوّد المؤمن من خلال الصيام على قوة التحمّل والصبر عن الملّذات؛ ففيه تربية للنفس على الإرادة وتهذيب لها وكبح لجماحها؛ لأنّ الصائم يترك ما اعتاد عليه وما هو مباح له في العادة من طعامٍ وشراب وجماع، وهذا يحتاج إلى قوّة وإرادة ومع الاستمرار عليه يُصبح الصبر والقدرة على التحمّل سجية وطبع للصائم، ولهذا فقد نصح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أراد الزواج ولم يتمكّن منه بالصيام؛ لأنّه وسيلة للالتزام وحفظ الفرج وغض البصر والانتصار على الرغبات.^[٥]

وسيلة لاختبار صبر المؤمن

ما أنواع الصبر التي يعانيها الصائم؟

يجمع الصوم بين أنواع عديدة من أنواع الصبر، ففيه صبر على طاعة الله -تعالى- من خلال الامتثال لأمر الصوم، وفيه صبر على المحارم من خلال الامتناع عن المفطرات، وفيه صبر على أقدار الله -تعالى- من جوع وعطش؛ فإذا حقّق المؤمن جميع هذا نال أجر الصيام والصبر بإذن الله، وكُتب عند الله -تعالى- من الصابرين.^[٧]

وسيلة لاستشعار نعم الله على العبد

هل للجوع والعطش أثر في معرفة قيمة النعمة؟

يستشعر الصائم نعم الله -تعالى- عليه فيشكره على هذه النعم الكثيرة، فهو يمتنع عن الأكل والشرب وهما من أجلّ النعم وأعظمها، فهو يعلم أنّ امتناعه هذا لزمن محدّد فيعرف قدْر هذه النعم ويشكر الله -تعالى- على هذه الفضائل؛ ففقدان النعمة هو سبب في معرفة قيمتها وحمد الله عليها، وعندما يُفطر الصائم يجد لذّة عظيمة للطعام الذي اعتاده والماء البارد؛ لأنّ شربه هذا كان بعد ظمأ وعطش، فيلهج لسانه بالشكر والاعتراف لله -تعالى- بالفضل والمنّة.^[٧]

وسيلة لاختبار قوة إيمان العبد

هل الصيام دليل على الإيمان؟

تظهر من خلال الصيام قوة إيمان العبد وصدق محبته لربّه، فهو وسيلة للتفريق بين من كان عابدًا لله -تعالى- وبين من كان متبعًا لهواه، فهو علامة على صدق التوجّه والإخلاص لله تعالى، فالكثير من المؤمنين لو خُيّر بين الضرب أو الحبس والإفطار في رمضان وإفساد صومه لاختار الضرب والعذاب على الإفطار، وهذا من عظيم محبّته لخالقه وإيمانه به سبحانه.^[٧]

هل يؤثر الصيام على الفرد من الناحية التربوية؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: وقفات تربوية مع الصيام

المراجع

1. ↑ سورة البقرة، آية:183
2. ↑ نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، صفحة 4. بتصرّف.
3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1903، حديث صحيح.
4. ↑ عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 15. بتصرّف.
5. ^ ^{أ ب} مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية، صفحة 278-282. بتصرّف.
6. ↑ عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 11. بتصرّف.
7. ^ ^{أ ب ت ث} سعيد بن وهف القحطاني، فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح، صفحة 33-36. بتصرّف.
8. ↑ عبد الله حماد الرسي، دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي، صفحة 5. بتصرّف.
9. ^ ^{أ ب ت ث} وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 1617-1620. بتصرّف.