الحياة الثقافية في العصر العباسي

كتابة:
الحياة الثقافية في العصر العباسي
يعد العصر العباسي من أطول العصور السياسية للعرب حيث قُسم إلى قسمين العصر العباسي الأول والثاني.[١]


الحياة الثقافية في العصر العباسي الأول (132-233) هـ

نشأت في العصر العباسي الأول ثورة عقلية وثورة سياسية، أثّرت في تنمية الحياة العقلية والأدبية، وهذا يرجع إلى اتساع الدولة وامتزاج ثقافات متعددة التي ساهمت في سير حركة الفكر والعلم والأدب وتشجيع الخلفاء للترجمة والنقل، لذلك ازدهرت الثقافة العربية الإسلامية إلى جانب ثقافات أخرى كاليونانية والهندية والإيرانية.[٢]


كما انتشرت المدارس،[٣] حيث كان خلفاء العصر العباسي الأول من أكثر الملوك رغبةً في العلم، فجالسوا العلماء والأدباء وبالغوا في إكرامهم بالهدايا والرواتب، لذلك أصبحت بغداد مركزًا ثقافيًا متقدمًا،[٢] وملامح الحياة الثقافية في العصر العباسي الأول فيما يأتي:


دور الخليفة المنصور

يُعتبر الخليفة المنصور العباسي هو أول من شجع الترجمة للاستفادة منها في الشؤون السياسية والاجتماعية والطب والفلك والنجوم والرّياضيات والفلسفة والمعارف والعلوم الأخرى وأول خليفة تُرجمت له كتب من اللغات الأعجمية إلى العربية، مثل: (كليلة ودمنة) و(السند والهند)، وكتب بالمنطق والفلسفة.[٤]


المسلمون والدولة العباسية

كان المسلمون في هذا العصر بحاجة إلى الانفتاح على تراث الأمم المتطورة، فكان الاهتمام عامًا وشاملًا بين فئات الناس في بغداد والبصرة والكوفة وسائر أرجاء الدولة الإسلامية، والسبب هو اتّساع الحياة العقلية، فمختلف العلماء المسلمين كانوا على اطلاع واسع على مناهج البحث وأساليبه عند الأمم المختلفة وخاصةً الفارسية واليونانية.[٢]


خلال فترة قصيرة استطاع المسلمون نقل المعرفة بمجالات مختلفة، ممّا أدى إلى نشأة اليقظة الفكرية؛ لتشمل فروع الثقافة والمدنية الشائعة في ذلك العصر، وأثناء غارتهم على بلاد الروم خاصةً (أنقرة، وعمورية) غنم المسلمون بمخطوطات كثيرة وسعوا إلى ترجمتها للعربية،[٢] وكان من أشهر المترجمين لديهم في مجال التراث الفارسي هو عبدالله بن المقفع.[٥]


تأثير الثقافة الفارسية

لعبت الثقافة الفارسية دورًا كبيرًا في التأثير في تلك النهضة، بفضل وزراء الفرس الذين ساهموا في تلك النهضة العلمية، حيث بدأت من زمن كسرى قديمًا، لذلك اتخذت الدولة العباسيّة وجهًا فارسيًا في حياتها السياسية وفي حياتها الثقافية، بالإضافة إلى إدخال التنظيمات الإدارية الفارسية في جميع شؤون الحياة.[٦]


تأثير الثقافة الهندية

دخلت الثقافة الهندية إلى الحياة الإسلامية عن طريق بلاد فارس المتصلة بالعرب، حيث ازدهرت التجارة والفتح الإسلامي، وقد قال البعض إنّ الهند اشتهرت بتراجمها للحساب وعلم النجوم وأسرار الطب والتصوير والصناعات الكثيرة، وواكب البرامكة حركة الترجمة بترجمة النصوص الهندية، حيث تُرجمت بعض الكتب في مجال الزراعة.[٦]


كما اهتموا بشكل كبير بترجمة التراث الفارسي، واستطاعوا نقل نماذج كثيرة في الأدب وبعض القصص والحكايات مثل حكايات "ألف ليلة وليلة" إلى العربية، وكان للأعمال الهندية أثر في القصص المترجمة إلى العربية، مثل: (السندباد)، و(ملك الهند القتّال) والكثير من الحِكَم.[٦]


تأثير الثقافة اليونانية

جاءت في المرتبة الثالثة بسبب تأثر العرب بها وازدهرت الترجمة اليونانية في أيام الخليفة هارون الرشيد، حيث أسس مركزًا للترجمة أسماه (خزانة الحكمة)، وتُرجمت كتب عديدة في الطب من اليونانية إلى العربية، وحين تولى المأمون الخلافة أنشأ (بيت الحكمة) وجعله معهدًا للترجمة والنقل، ونصّب عليه حنين بن إسحق وإسحق بن حنين.[٦]


كما تُرجمت شوامخ الكتب اليونانية إلى العربية وأشهرها كتاب (التنجيم) لبطليموس، ومن أشهر المترجمين من اليونانية والسريانية، هم: ابن بختيشوع وحنين بن إسحق وابنه إسحق بن حنين اللذان كانا من السريان ونقلا كتبًا كثيرةً في الطب.[٦]


الحياة الثقافية في العصر العباسي الثاني (232هـ - 334هـ)

ظلت الحياة الثقافية تزدهر نتيجة الاتصال بالحضارات الأخرى، وذلك حتى بدأت الاضطرابات تظهر في عهد الخليفة المتوكل مما أثر على مناحي الحياة، وكان يُعرف هذا العصر بعصر الأتراك لظهور نفوذ الأتراك، واستئثار المناصب الكبرى في الدولة فسيطروا على الإدارة والجيش، وظهرت بوادر الضعف وعدم الاستقرار بهذا العصر ممّا أدى إلى انشغالهم عن العلوم والثقافة.[٧]


أما في فترة سقوط الدولة العباسية على أيدي المغول والتتار بدأ المغولييون بالهجمات على بغداد ودكهم على معالم الحضارة، فكانت كارثةً من كوارث العالم، إذ أحرقوا الكتب والمؤلفات القيمة في مُختلف المجالات، بالإضافة إلى تدمير بيت الحكمة، فهي كانت من أعظم المكتبات حينها وألقوا كتبها في نهري دجلة والفرات، فقد دمروا العلم والثقافة التي كانت تزدهر بها الدولة العباسية العظمى بذلك الوقت.[٨]

المراجع

  1. سيد إبراهيم آرمن (28/12/2009)، "دراسة الحالة الثقافية في العصر العباسي الأول"، ديوان العرب، اطّلع عليه بتاريخ 19/01/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث شوقي ضيف، كتاب تاريخ الأدب العربي، صفحة 89-98. بتصرّف.
  3. كامل محمود الدليمي، أساليب تدريس قواعد اللغة العربية، صفحة 63. بتصرّف.
  4. سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز، سنن سعيد بن منصور، صفحة 38-40. بتصرّف.
  5. عبد المنعم ماجد، تاريخ الحضارة الاسلامية فى العصور الوسطى، صفحة 133. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج طارق محمد عبد الرحيم الكردي، المنهج الحضاري في كتابة التاريخ: أحمد أمين نموذجا، صفحة 89-93. بتصرّف.
  7. شوقي ضيف، كتاب تاريخ الأدب العربي، صفحة 5-20. بتصرّف.
  8. إيناس محمد البهيجي، تاريخ المغول و غزو الدولة الإسلامية، صفحة 220. بتصرّف.
5605 مشاهدة
للأعلى للسفل
×