الخطابة في العصر الأموي

كتابة:
الخطابة في العصر الأموي

محتويات

فن الخطابة في العصر الأموي

لماذا عُدّ العصر الأموي هو النموذج المكتمل للخطابة؟

ازداد النثر توسُّعًا بعد أن جاء الإسلام في العصر الإسلامي، وذلك للحاجة إلى المراسلات بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، والحاجة كذلك إلى الخطابة من أجل تعليم الناشئين والداخلين إلى الإسلام، ثمَّ تطورت الخطابة وازدهرت في العصر الأموي، إذ افتتن الخطباء فيها، كما عُدَّ العصر الأموي هو النموذج المكتمل للخطابة دون العصور السابقة الأخرى، إذ ازداد عدد الخطباء ازديادًا بالغًا، وتعدّدت طوائفهم ومذاهبهم الفكريّة، فكان لكل حزب من الأحزاب خطباؤه الخاصين، وكان الخطيب الأموي يتعمّد إلى استخدام أساليب خاصة من أجل التأثير في عواطف الجمهور وتفكيرهم كحُسن الحلية اللفظية من الطباق، والجناس، والسجع، ومن ثمَّ أصبحت الخطابة فنًا عمليًا وإصلاحيًا، وبه يستتبع الخطيب هدفًا تعليمًا مهمًا.[١]


عوامل ازدهار الخطابة في العصر الأموي

كيف خففت الخطابة من حِدة الحروب والفتن؟

ازدهر فن الخطابة في العصر الأموي، إذ تطوّر تطورًا ملحوظًا، ويُلاحظ ذلك بعدد الخُطب والخطباء آنذاك، كما كان لازدهار الخطابة عوامل وأسباب أدت إلى ذلك، ومن تلك العوامل ما يأتي:[٢]


عوامل سياسيّة

قامت الدولة الإسلاميّة على أنقاض فتنة عثمان، إذ انتهت إلى حروب بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، فظهر جيش الخوارج وحارب بني أمية[٣]، ومن هنا تعددت الفرق وزادت الأحزاب السياسية المعارضة، وكثر مشعلوا الحروب الداخليّة والفتن، مما جعل الأمر يحتاج إلى الدعوة السريّة والخطابة العلنيّة، إذ كانت هذه الأحزاب والثورات تستعين بالخطباء من أجل النهوض والتخفيف من حِدة الفتن.[٢]

عوامل دينية

كان للسبب السياسي دوره في العامل الديني، وذلك لأن الخطباء هم من المسلمين الذين اقترنت خطبهم بالدين، إذ كان في كل بلد إسلامي مدرسة دينية، تضم الخطباء والعلماء المسلمين، الذين يتحاورون ويتناقشون في أمور دينية، إذ تُصبح هذه المواضيع بمثابة قصص الوعظ والإرشاد فتُلقى على شكل خطابة، ومن ثم أصبح الأحزاب السياسية تتخذ هذا النوع من الخطابة من أجل الدعوة الإسلامية، إذ زاد عدد الخطباء وحوت كتب الأدب بمواعظهم وخطبهم المختلفة.[٤]

عوامل اجتماعية وعقلية

بدأ العقل العربي في العصر الأموي بالاستفادة من الثقافات الأجنبية الأخرى، ممّا نهض بقوة الجدل والحجاج في أساليب الخطابة، إذ كثرت المعرفة وزادت المعاني فصار الخطيب أكثر قدرة في التصرف بالألفاظ واختيار ما يناسبه، ومن ثم أصبح الخطباء يُدخلون الخطابة في كافة ظروفهم وقضاياهم، أي في الأحزاب السياسية، وفي المعتقدات الدينية، ومن ثمَّ يتناقشون فيها في المساجد والطرقات والأسواق، ومن هنا جاء الجاحظ فخُصّ العرب بفن الخطابة.[٥]


أنواع الخطابة في العصر الأموي

كيف أدى الإسلام إلى تطور فن الخطابة؟

الهدف من فن الخطابة هو استمالة الآخرين إلى رأي أو موقف، لذلك فقد لا يخلو مجتمع من هذا الفن، وذلك طبقًا للظروف والمواقف التي تستدعي ذلك، ومن هنا فقد كان لكل موقف وقضية نوع خاص من الخطابة، إذ توزعت أنواع الخطابة كما يأتي:[٦]


الخطابة السياسية والحربية

يُعد هذا النوع من الخطابة السياسية في العصر الأموي هو الأهم، فله الأثر الكبير في التاريخ العربي وتدوين أحداثه، إذ تكون الخطابة السياسة على شكل كلام شفاهي يُلقى أمام الجمهور، فيتناول الخطيب الحديث عن قضايا الحُكم، وما يتعلق به، كما عُدّت الخطب السياسية بأنها الأداة المثلى القادرة على التأثير في الجمهور خاصة في أوقات الحرب والسلم، كما كان كل حزب سياسي يتخذ الخطابة لنقد خصومه، أو لبيان نظرته السياسية وآرائه، ومن ثمَّ استمالة الناس إليها، لذلك فقد كان لهذه الحزب والمذاهب السياسية دورها في ازدهار الخطابة، إذ كان هذا الاختلاف يؤدي إلى حدوث حروب ونزاعات أدت إلى ظهور الخطابة الحربيّة السياسية.[٦]

الخطابة الدينية

أدى ظهور الإسلام إلى الاعتناء بفن الخطابة وتطوره، وخاصة أنه أعلى من قدرها فجعلها ركن من أركان يوم الجمعة، فهي ذات موضوع واحد يسعى إلى توحيد المسلمين، وتذكيرهم بالخير، وتحذيرهم من الشر والفتن، فكانت الخطابة الدينية عند الأمويين قد تطورت بسبب ظهور الفرق الدينية[٧]، إذ كان كل خطيب يدعو لمذهبه بطريقته الخاصة، فبرزت نزعة الزهد والوعظ والإرشاد، مما أدى إلى تقسيم موضوعات الخطب الدينية إلى أكثر من نوع، ومنها: الوعظ الديني، وخطب الجمعة، وخطب العيدين، وخطب الاستسقاء، إضافة إلى خطب القصص الدينية، والمناظرات الدينية، وهنا فقد كان للخطابة الحظ الأوفر في مجال الدين والهداية في العصر الأموي.[٨]

الخطابة الاجتماعية

عُرفت الخطابة أنها عادة ما تُلقى في مجالس الخلفاء والامراء، وفي الأماكن العامة والأسواق، ذلك لتؤدي أحد الأغراض المتعلقة بالحياة الاجتماعية عامة، إذ كانت تُعبر عن أحوال المجتمع وأنشطتهم، ومن ثمَّ فقد تعدّد مضامينها تبعًا للظروف الراهنة في العصر الأموي، ومن هذه المضامين خطب المحافل والوفود، وهي الخطب التي تلقى في مجالس الولاة والأمراء للحديث عن قضايا المجتمع العامة، إضافة إلى خطب النكاح والتي كانت تقام في العلاقات والمناسبات العامة، إضافة إلى ظهور خطب التأبين وهي الخطب التي تلقى في المقابر أو مجالس العزاء، وبذلك يظهر أن الحياة الاجتماعية في العصر الأموي أدت إلى ظهور أنواع خطب اجتماعية قيّمة ومتنوعة.[٩]


السمات البديعية في الخطابة في العصر الأموي

كيف أسهمت المحسنات البديعية في إدخال الإيقاع الموسيقي إلى الخطابة الأموية؟

تزخر نصوص الخطابة في العصر الأموي بعلم البديع، إذ كانت تصدر المحسنات اللفظية والمعنوية في خطب الخطباء، فلا تؤثر على صحة المعنى ولا جودته، ومن هذه السمات البديعية ما يأتي:[١٠]


السجع

عُني الخطيب في نصوصه بالسجع، إذ يضفي على النص قيمة موسيقية، والسجع هو تواطؤ الفواصل في الخطبة في حرف واحد، والذي يؤدي إلى تماثل إيقاعي في نهاية كل جملة ومقطع، إذ يؤدي الخطيب التوازي في وصفه للأمراء والخلفاء، من خلال مدحهم بجمل مسجوعة وقصيرة، إذ يعطي الجمل ترابطًا موسيقيًا، كما تسهم هذه الجمل المسجوعة إلى جذب اهتمام السامعين، إذ يعد هذا التوازي اللفظي من أبرز النتائج التي تُجنى من الخطب.[١٠]


الطباق

يُعد الطباق ظاهرة أسلوبية، وهذه الظاهرة تعتمد على الانفتاح على المعاني المتضادة، وجمعها في نسق تركيبي يحمل علاقات دلالية، وهو يؤدي إلى تؤكيد المعاني، وتثبيتها في نفس السامع، إضافة إلى تحسين النظم والنثر من خلال تزيين اللفظ وتطويره، كما يأتي التضاد غالبًا في خطب التهديد والوعيد، وذلك من خلال ذكر الفعل وضده، فالبضدّ تتمايز الأشياء وتظهر تأثيرها، وبذلك فقد انتشر الطباق في أغلب الخطب الدينية والمختلفة في العصر الأموي، ذلك لأنّ هدف الخطبة الحقيقي هو الوعظ والإرشاد، ولا بد من هذا الهدف أن يذكر الخطيب الشيء وضده، والأمر الحسن وما يقابل من باطل، وذلك من أجل هداية الناس وإرشادهم.[١١]


التكرار

يعتمد التكرار على الإعادة، أي لفظ الكلمة أكثر من مرة، وذلك لغرض التأكيد أو التنبيه أو التهويل، إذ انقسم التكرار إلى ما هو موجود باللفظ والمعنى، وما هو موجود في المعنى دون اللفظ، كما استخدم الخطباء الأمويون التكرار في الكثير من خطبهم، وذلك من أجل تعظيم الشيء الذين يخطبون لأجله، أو من أجل تهويل الناس من بعض القضايا، وخاصة القضايا المتعلقة في الحكم والدين، كما يأتي التكرار من أجل التأكيد على الجمهور في الاستماع والهداية.[١٢]


التورية

يُقصد بالتورية أن يلفظ المتكلم لفظًا مفردًا ولكنه يقصد به أكثر من معنى، وهذه المعاني إما أن تكون قريبة لدى المستمع ولكنها غير مقصودة، وقد تكون بعيد عن المستمع ومقصودة، ومن ثم فقد جاءت الخطب الأموية زاخرة بهذا الأسلوب، كما استخدمه الخطباء من أجل التحكم باللفظ ومعناه، إذ يختصر الخطيب المعنى القريب ذلك لأنه غير مقصود، بينما يشير إلى المعنى البعيد وغير الظاهر لدى المستمع فيكون هو المقصود، وهذا الأسلوب من الأساليب التي تجذب الجمهور لاستماع الخطبة والتركيز بها، لمعرفة ما يقصده الخطيب في خطبته.[١٢]


الازدواج

يُقصد بالازدواج بأنه هو تجانس الألفاظ المتجاورة، إذ اشتهر هذا الأسلوب في خطب الأمويين، كأن يأتي الخطيب ويعتمد خطبته كاملة على الجمل القصيرة، وهذه الجمل هي عبارة عن كلمتين مزدوجتين، إذ زخرت الخطبة الأموية بذلك، والسبب أن الازدواج هو أسلوب فني يؤدي إلى ترابط النصوص الأدبية وتماسك أفكارها وموضوعها، إضافة إلى ما يضفيه من قيمة أسلوبية عالية للنص الخطابي الأموي، وهذه الأساليب هي تدل على قدرة الخطيب، وإبداعه، ومدى تمكنه من التأثر في المستمع وجذب انتباهه وحواسه.[١٣]


الأساليب الخطابية في العصر الأموي

ما هي الخطبة البتراء؟

يُعد العصر الأموي من أقرب العصور إلى النبوة وإلى الخلفاء الراشدين والأمراء علمًا وأدبًا وخلقًا، فكان لا بد أن يظهر جيد المنثور آنذاك، وخاصة الخطابة، والتي تأثرت بالمؤثرات الدينية والسياسية والاجتماعية، ولعل من أبرزالأساليب الخطابية الظاهرة آنذاك هي:[١٤]


الأساليب الخطابية لدى خلفاء العصر الأموي

برز في العصر الأموي الخطباء أصحاب البلاغة والفصاحة، إذ تنوعت خطبهم وتعددت أهدافها وأساليبها، فكان لكل خطيب طريقته وأسلوبه المتبع في خطبته وذلك تبعًا للسبب الذي ألقيت من أجله، ومن أشهر أنواع خطب الخلفاء هي خطبة الخليفة معاوية بن أبي سفيان، والتي ألقاها حين حضره الموت، وكان أسلوبه في هذه الخطبة أنه بدأها بالنصيحة، ووجّهها لعامة الناس وكافة المستمعين، كما خص منها لابنه يزيد، وفي آخر الخطبة وجّههم إلى تركه بعد موته والتركيز على أمورهم، وفي نصّ الخطبة فهي لم تكن تخلو من السجع والتكرار والوعظ والإرشاد، إذ كان يظهر في أسلوب معاوية التبليغ والتنبيه، وذلك مما كان يرمي له في جمل خطبته وألفاظها، وهذا الأسلوب ما يتخذه اغلب الخلفاء في خطبهم.[١٤]


الأساليب الخطابية لدى ولاة العصر الأموي

تأثرت الخطابة في العصر الأموي بالمؤثرات الخارجية السائدة آنذاك، إذ ارتبطت هذه المؤثرات بالأحداث التابعة لقيام الدولة الأموية، فاعتنى الخطباء بتحسين خطبهم، وبصناعة الكلام، فكان كل خطيب يُعبر عن حزبه ورأيه وفرقته، كما اعتنوا بأسلوب السجع، فبالغوا بالتأنق فيه، ذلك التأنق الذي يوافق الموقف الذي يتخذونه فيه والمجلس الذي يقيمون داخله، وتعد خطبة زياد بن أبية الخطبة البتراء هي النموذج الشامل لهذا النوع من الأساليب الخطابية، إذ كان سبب الخطبة حين وُلي البصرة لمعاوية بن أبي سفيان، فاستهل الخطبة ببيان غواية المجتمع البصري وضلالتهم، إذ كانت ظروف المجتمع هي التي تحكمت بأسلوب الخطبة ومعانيها وألفاظها، واختتامها بأسلوب التهديد والوعيد الذي يشوبه الترغيب.[١٥]


الأساليب الخطابية لدى الخوارج والشيعة

يُعد الخوارج والشيعة مكونين مُهميين في تطور الخطبة السياسية وازدهارها، إذ كان الخلفاء الأمويون يهتمون بالقضاء على هاتين الحركتين، ومن هنا انصبت خطب الخوارج والشيعة بالتحريض ضد الأمويين والمحاولة بكسب ود الناس وتأييدهم، فكان لكل خطيب أسلوبه الأدبي الخاص في كل مجال، إذ كان أسلوب الخطبة يتميز بالقدرة على الإقناع، وبالذكاء، وبالتفقه بالقرآن الكريم من أجل التأثير بالجمهور، ومن أشهر خطباء الشيعة المختار الثقفي والذي كان خطيبًا مميزًا، اشتهرت خطبته التي كان غرضها بالحديث عمّا دار بين الخوارج وبني أمية، إذ تميزت بقصر الجمل، وكثرة المحسنات البديعية والصور الفنية، إضافة إلى التأثر بالقرآن الكريم، فكان هذا الأسلوب هو الغالب على خطب الخوارج والشيعة.[١٦]


صور التناص في الخطابة الأموية

كيف يتداخل نص الخطابة مع النصوص الدينية؟

تُعد ظاهرة التناص من الظواهر التي تساعد بافتتاح النصوص على بعضها البعض، وهذه الظاهرة هي ظاهرة قديمة، ولكنها برزت بشكل ملحوظ في الخطابة في العصر الأموي، فكانت صور التناص تتوزع كما يأتي:[١٧]


  • التناص الديني في الخطابة الأموية: وهو نوع من التناص أدى إلى التأثير في الخطابة الأموية، وإعطائها رؤية جديدة للأحداث، وذلك التناص يعتمد على تداخل النص الأصلي مع نصوص دينية من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة والقصص الدينية، بحيث تندمج هذه النصوص مع سياق الخطبة وهدفها.[١٧]
  • التناص الأدبي والتاريخي في الخطابة الأموية: ويعتمد هذا التناص بتداخل النص الأصلي للخطبة مع نصوص أدبية قديمة، أو أبيات شعريّة، أو مع جمل نثرية، إذ تكون هذه النصوص منسجمة مع النص الأصلي، ودالة على فكرة الخطبة، وموضحة لهدف الخطيب وغرضه من الخطبة.[١٨]


الصور الفنية في الخطابة الأموية

كيف خالف الخطياء الألفاظ الدالة على المعنى الحقيقي؟

تُعد الصور الفنية ممن أهم أدوات التنويع في النص الأدبي، كما أنها لا تعد شكلًا من أشكال الزينة، بل هي عملية خلق فني، تُكسب النص كيانه وأهميته وإبداعه، ومن أهم أدوات الصور الفنية في الخطابة هي:[١٩]


التشبيه

إنَّ التشبيه هو وسيلة لتوضيح الصفة المراد وصفها للموصوف، وهي أن تثبت للمشبه حُكمًا ووصفًا من أوصاف المشبه به، إذ اشتهر خطباء العصر الأموي بالتشبيه، وخاصة في الأساليب الخطابية للخلفاء الأمويين، ومنها: خطبة عبد الملك بن مروان في مكة.[١٩]


لقراءة المزيد، انظر هنا: تعريف التشبيه في اللغة العربية.


الاستعارة

تُعد الاستعارة من الأركان الأساسية للخطابة، وذلك لِما تُحققه من تعبير صادق للمشاعر، وعمق الصورة التي تجيش بها نفس المستمع، كما أن الاستعارة تدل على براعة الخطيب، وهي تظهر واضحة في كثير من خطب الأمويين، وخاصة خطبة الحجاج عن توليه زمام الأمور في الكوفة.[١٩]


لقراءة المزيد، انظر هنا: تعريف الاستعارة.


المجاز

إنَّ المجاز يعتمد على نقل اللفظ من حقيقته إلى كلمة أخرى، إذ اشتملت الخطب الأموية على صور المجاز، ومنها خطبة قطريّ بن الفجاءة والذي استخدم المجاز ببعض الكلمات الدالة على معنى مخالف للحقيقة، إذ وصف حال الدنيا المتقلب فاستخدم كلمة ظهرًا لوصف الجفاء التي تُبديه الدنيا للناس، وغيرها من الكلمات المجازية التي انتشرت في خطبته وفي كافة الخطب الأموية.[٢٠]


الكناية

اشتهرت الكناية في الخطبة الأموية، فكان الخطيب يريد إيضاح معنى من المعاني وإثباته ولكنه لا يُصرح باللفظ الحقيقي الموضوع له في اللغة، وإنما يأتي بمعنى آخر يجعله دليلًا عما يريد إثباته، إذ تعتمد الكناية على التلميح وهو الأوقع بالنفس من التصريح، ومن أشهر الخطب التي وردت في الكنايات هي خطبة طارق بن زياد.[٢٠]


لقراءة المزيد، انظر هنا: الفرق بين الكنابة والمجاز.


أشهر الخطباء في العصر الأموي

من هم أبرز الخطباء الذين عُرفوا بفصاحتهم الخطابيّة؟

ظهر في العصر الأموي عدد كبير من الخطباء، والتي انقسمت إلى جماعات تنتمي كل منها إلى أسر مختلفة، ومن أشهر الخطباء في العصر الأموي هم:[٢١]


  • الإمام علي -رضي الله عنه-: كانت خطب الإمام علي في العصر الأموي متنوعة بمختلف موضوعاتها السياسية والحربية والوعظية، وذلك يدل على مدى فصاحة العرب بعد الإسلام، إذ صبغت خُطبه بالصبغة الدينية، وتميزت بالإيجاز والسجع وسهولة الألفاظ والمعاني.[٢١]
  • معاوية بن أبي سفيان: اشتهر معاوية بن أبي سفيان بخُطبه الكثيرة، وقدرته البالغة في التأثير بالمستمعين من خلال أسلوبه ومعانيه، كما كانت أغلب خُطبه تدور حول مواضيع التحريض على الجهاد، لذلك فقد غلب على أسلوبه الإنشاء الطلبي والخبري إضافة إلى المحسنات البديعية الأخرى.[٢٢]


  • عمر بن عبد العزيز: اشتهر عمر بن عبد العزيز بسعة عِلمه وغزارة معرفته، وذلك كان يُعضد من أسلوب الاحتجاج في خطبه وأقواله، إذ كان يضارع مشاهير الأئمة والخطباء في عصره، ومن أشهر خطبه رسالته الطويلة في الرد على القدرية وحججه القوية فيها، إذ كان يخطب بمنطق قويم ودليل قوي.[٢٣]
  • موسى بن نصير: يُعد موسى بن نصير من أبرز مجاهدي الدولة الأموية وأشهر خطبائها، إذ قام على دعائم قيادية كثيرة، فكان يركز على الدعوة إلى الجهاد والالتزام بالتعاليم الدينية من خلال مختلف الخطب الدينية والحربية.[٢٤]


نماذج من الخطابة في العصر الأموي

كيف عبّرت الخطابة عن الذوق الأدبي في العصر الأموي؟

إن العصر الأموي هو عصر مليء بالثقافة والذوق الأدبي، إذ اتخذ التعبير لديهم الأساليب المختلفة والمتنوعة، ومنها الخطابة والتي برزت بمجموعة من الأسماء التي كان لها الأثر البارز في الإرتقاء بالنثر، ومن نماذج هذه الخطب:[٢٥]


خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل ابن الزبير

"ألا إنّ ابن الزبير كان من أحبارِ هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة ونازع فيها، وخلع طاعة الله، واستكنَّ بحرم الله، ولو كان شيئًا مانعًا للعصاة، لمنع آدم حرمة الجنة؛ لأن الله تعالى خلقَه بيده، وأسجدَ له ملائكتَه، وأباحَه جنتَه؛ فلما عصاه أخرجه منها بخطيئته، وآدم على الله أكرم من ابن الزبير، والجنة أعظم حرمة من الكعبة".[٢٦]


خطبة عبدالله بن الزبيرعندما علم بمقتل بمقتل أخيه مصعب في العراق

"الحمد الله الذي يُعِز من يشاء ويُذِلُّ من يشاء، إنّه لن يذلَّ من كان الحق معه وإِن كان فردًا، ولن يُعز مَنْ كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام، أتانا خبر من قبل العـراق أجزعنا وأفرحنا: قتل مصعب -رحمه الله-، فأما الذي أحزننا من ذلك فإِنَّ لفراق الحميم لَذعة يجدها حميمه عند المصيبة به، ثم يرعوي بعدها ذوو الرأي إِلى جميل الصبر وكريم العزاء، وأما الذي أفرحنا من ذلك فعلمنا أنّ قتله شهادة، وأنّ ذلك لنا وله الخِيِرة".[٢٧]


خطبة معاوية بن أبي سفيان عندما أحس بقرب وفاته

"أيُّها الناس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود وفي زمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئًا، ويزداد فيه الظالم عُتُوًا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا، فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القرظ، وقُراضة الجَلَمين، واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من يأتي بعدكم، فارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم".[٢٧]

المراجع

  1. عيسى متقى زاده، فن الخطابة في ضوء الحياة الاجتماعية في العصر الأموي، صفحة 4-5. بتصرّف.
  2. ^ أ ب حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الأموي، صفحة 34-37. بتصرّف.
  3. محمود شاكر أبو فهر، العهد الأموي، صفحة 9-10. بتصرّف.
  4. حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الأموي، صفحة 38-40. بتصرّف.
  5. حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الاموي، صفحة 39-42. بتصرّف.
  6. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 32-35. بتصرّف.
  7. وسيلة مرجاجو ونزة عواس، الخطابة في العصر الأموي دراسة فنية وفكرية، صفحة 41-43. بتصرّف.
  8. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 38-40. بتصرّف.
  9. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 40-42. بتصرّف.
  10. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 74-77. بتصرّف.
  11. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 77-79. بتصرّف.
  12. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 81-83. بتصرّف.
  13. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 84-85. بتصرّف.
  14. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 45-47. بتصرّف.
  15. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظ التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 50-52. بتصرّف.
  16. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 55-56. بتصرّف.
  17. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 63-65. بتصرّف.
  18. محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 68-70. بتصرّف.
  19. ^ أ ب ت محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 87-89. بتصرّف.
  20. ^ أ ب محمد أحمد ضاعن الخوالدة، تطور الخطابة في ظل التنافس السياسي في العصر الأموي، صفحة 91-93. بتصرّف.
  21. ^ أ ب لعاني غانية، بلاغة النثر في العصر الأموي، صفحة 24-26. بتصرّف.
  22. لعاني غانية، بلاغة النثر في العصر الأموي، صفحة 28-30. بتصرّف.
  23. عبد الستار الشيخ، عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، صفحة 62-64. بتصرّف.
  24. محمود شيت خطاب، قادة فتح الأندلس، صفحة 333-335. بتصرّف.
  25. حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الأموي في المشرق، صفحة 31. بتصرّف.
  26. أحمد زكي صفوت ، جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، صفحة 287. بتصرّف.
  27. ^ أ ب مجموعة مؤلفين، الأدب العربي وتاريخه، صفحة 151-152. بتصرّف.
7425 مشاهدة
للأعلى للسفل
×