محتويات
مفهوم الرسائل الإخوانية في العصر العباسي
بماذا تختص الرسائل الإخوانية؟
الرسائل هي أحد أشكال النثر الفني، ومن أنواعها الرسائل الإخوانية ويُقصد بهذا النوع من الرسائل تلك التي تكون بين الأفراد في معاملاتهم مع بعضهم البعض، وتشمل الرسائل الشخصيّة والأدبيّة بالإضافة إلى الرسائل الاجتماعيّة وغيرها، فهي أيضًا الرسائل الشخصيّة التي كانوا يحبّرونها في ذلك الوقت بعيدًا عن الدّيوان إلى أحد الإخوان في بعض الأمور الخاصّة التي لا تمسّ شؤون الملك ولا تشمل سياسة الدّولة ولا تتعلّق بها، ومن أمثلتها: التهنئة والتعزية والعتاب والشكوى، بالإضافة إلى الاستعطاف وغير ذلك ممّا يمكن من خلاله تصوير العواطف الخاصّة وروابطهم وصلاتهم ببعضهم البعض.[١]
تختصّ الرسائل الإخوانيّة بتصوير عواطف الأفراد وما يجول في نفوسهم مع تميّز هذه الرّسائل بدقّة تصوير المعاني واستخدام أساليب جديدة في التّعبير[٢]، وقد نمت الرسائل الإخوانيّة وتطوّرت في العصر العباسيّ بصورة سريعة وواضحة، وذلك لأنّ تلك الرّسائل كانت تصوّر عواطف الناس ومشاعرهم، فهي في العصور السّابقة كانت تُؤدّى بواسطة الشّعر، أمّا في العصر العباسيّ أخذ النثر يزاحم الشّعر لوجود طبقة من الكُتّاب يجيدون هذا الفنّ لمرونة النثر وبساطة تعابيره وقدرته الهائلة على تصوير المعاني[٣]، بالإضافة إلى تأثّره بالآداب الفارسيّة، فأخذ النثر يميل إلى السّهولة في العبارات والتأنُّق في الألفاظ.[٤]
موضوعات الرسائل الإخوانية في العصر العباسي
ما هي أبرز الموضوعات التي تناولتها الرسائل الإخوانية؟
لقد تعدّدت موضوعات الرسائل الإخوانية في العصر العباسي باختلاف الغرض المطلوب منها، وفيما يأتي يمكن تسليط الضوء على أبرز موضوعات الرسائل الإخوانية:
التهنئة
لقد كانت التهنئة أحد أبرز موضوعات الترسل الإخواني، بل كانت الأكثر شيوعًا لدى معظم الكُتّاب، فالتهنئة ضدّ التعزية، وقد كانت على قسمين: الخاصّة: وهي التي تتعلّق بالشخص نفسه أو عند حصوله على منصب هامّ أو تولية أو من شفاء أو زواج وغير ذلك، أمّا العامّة: فهي تتعلّق باشتراك النّاس بالأعياد والفتوحات والنّصر، لذا فالتهنئة كانت تعتمد على التّهاني والتيمُّن والمعاني السّارة.[١]
التعزية
التعزية بمفهومها العامّ هي: الصّبر على فقدان الشّيء، وخاصّة في مجال الموت فقد ارتبطت رسائل التعزية بحدث الموت الذي بدوره مصير كل كائن حيّ، ومجال رسائل التعزية واسع يتضمّن توصية من الكاتب بالصّبر على المصيبة والتسليم لقضاء الله وقدره.[١]
الشّكر
يُقصد بالشّكر الحمد والثّناء والعرفان، وقد كان موضوع الشّكر من أكثر الأغراض بروزًا في عناصر الرسالة الإخوانية، فقد كان متداولًا بين الأصدقاء والأحبّاء وذلك لتبادل عبارات المدح والثّناء وشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه التي وهبها للإنسان. [١]
الشّكوى
لطالما كان النّاس في العصر العباسيّ غارقين بالحياة التي تغلب عليها نوائب الدّهر، فكثيرًا ما كانوا يشكون ممّا هم فيه، وشكواهم تدلّ على التّهالك بالجزع بالإضافة إلى ضعف تماسكهم واستيلاء القنوط واليأس على حياتهم، فكانوا يعبّرون عن كلّ هذه الأمور بالشّكوى.[١]
الشّوق
يُعدّ الشّوق من أبرز الموضوعات التي حظيت بعناية المسترسلين والكُتّاب في العصر العباسيّ، وتتضمّن هذه الرّسائل المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها الكاتب تجاه أصدقائه أو أحبّته فيُعبّر من خلال كتاباته عن خلجات قلبه مُستخدمًا ألفاظًا عذبةً ورقيقةً.[١]
الاعتذار
لقد كان لموضوع الاعتذار النّصيب الوافر من رسائل العباسيّين، إذ انتشرت رسائل الاعتذار بين النّاس وغالبًا ما كانت تتمّ بين الأصدقاء أو لمن ترتبط بينهم علاقات مشتركة، فيُحاول الطّرف الأوّل استمالة الطّرف الثّاني وتقديم الاعتذار له.[١]
سمات الرسائل الإخوانية في العصر العباسي
ما المميزات التي تفرّدت بها الرسائل الإخوانية؟
تميّزت الرسائل الإخوانية في العصر العباسي بمميزات عديدة جعلتها مختلفة عن باقي أنواع الرسائل وفيما يأتي سيتمّ عرض أهم مميّزات وسمات هذه الرسائل:
التصنيع والتجميل
لقد أخذ كتّاب الرّسائل الإخوانيّة بتهذيب لغة رسائلهم والمبالغة في أناقة تعبيرهم في الرسائل، بالإضافة إلى دقة أذواقهم حتى أصبح أسلوبهم في كتابة الرّسائل يعتمد على استخدام الأساليب المليئة بالقطع الزخرفيّة الأنيقة كاستخدام السّجع والاعتماد على التّشبيه في إيصال المعنى بالإضافة إلى استخدام الاستعارات والتنميق بشكلٍ لافتٍ بالإضافة إلى توظيف الصُّور والأخيلة.[٥]
الاستشهاد بالشعر
لقد اعتمد كثيرًا من الكتّاب على إيراد بعض الأبيات الشعريّة في رسائلهم بما يتّصل بموضوع الرّسالة، وهو ما يزيد المعنى طلاوةً ووضوحًا، وإكساب المعنى قوّة على إبداء ما يجول في خاطر الكاتب، حتى أصبحت الرّسائل فيها من الشّعر والنّثر.[٣]
الاستشهاد بالقصة
لطالما كانت القصّة ثمرة من ثمرات الثقافة الإسلاميّة، وقد غلب على رسائل الكتّاب العباسيّين أحيانًا طابعًا قصصيًّا وكثيرًا ما كان يلجأ الكاتب إليها لما يمكن أن تحققه القصّة من القدرة على إفهام السّامعين وتوصيل الفكرة بصورة أفضل، وتحتوي رسائل بني العباس على العديد من القصص التي استشهدوا بها.[٣]
الإيجاز والإطناب
ويقصد بالإيجاز إيضاح المعنى بعدد قليل من الكلمات، ومن الرّسائل التي كانوا يعمدون فيها إلى الإيجاز رسائلهم للملوك ولذوي المكانة العالية، أمّا الإطناب فهو زيادة الألفاظ على المعاني لفائدة، أو أداء المقصود بعدد أكبر من الكلمات، ومن الرسائل العباسيّة التي كان يكثر الإطناب فيها تلك المنشورات التي كانت تُقرأ للعامّة لشرح مذهب سياسيّ أو توضيح أمر من أمور الدّين.[٣]
البناء الفني للرسائل الإخوانية في العصر العباسي
كيف تُبنى الرسائل الإخوانية في العصر العباسي؟
اختلف شكل الرسائل الإخوانية عن غيرها من الفنون النثرية الأخرى، فتكونت جميعها من المقدمة والموضوع والخاتمة، وفيما يأتي تفصيل لتلك العناصر.
المقدمة
ويُقصد بالمقدمة: افتتاح الرّسالة، وهو أن يجعل الكاتب مطلع رسالته كلامًا من الشعر أو ما يدلّ على المعنى الذي يقصده، وقد خُصّت البدايات بالاختيار؛ لما يطرق السّمع من الكلام، فكلما كان الابتداء لائقًا بالمعنى الذي سيرد بعده توافرت الدّواعي لاستعماله، وبالرّغم من ذلك كلّه فقد كان ضبط بدايات الرّسائل الإخوانيّة غير ممكن بسبب اختلاف مذاهب الكتّاب فيها.[٣]
الموضوع
يشكّل الغرض الأساسيّ من الرّسالة الذي يُقصد من أجله العمل الأدبيّ، وعليه يمكن للرّسالة أن تنشأ، وقد تعدّدت موضوعات الرّسائل الإخوانية في العصر العباسيّ، فمنها ما كان للوصف، ومن الكتّاب من بالغ في الرسائل بالجمل الدّعائية أو التّحميدات أو الموضوعات التي تختصّ بشؤون الناس في حياتهم الاجتماعية؛ كالرّسائل التي تحمل بين طيّاتها معاني الاعتذار والشوق والتهنئة والعتاب وغير ذلك.[٣]
الخاتمة
وهو آخر ما يمكن أن يعيه السّمع ويُؤثر في النّفس، فإذا كان مُختارًا وجميلًا فإنّه يجبر عمّا قبله من التقصير، وإذا لم يكن مُختارًا ربما أنسى محاسن ما قد ذكر قبله، وقد كانت الرّسالة العباسيّة خاتمتها قويّة ومؤثّرة تحمل في طياتّها تلخيص جميع ما اشتملت عليه الرّسالة، فكانت بعيدة عن الإسهاب والتعقيد.[٣]
نماذج من الرسائل الإخوانية في العصر العباسي
من أبرز الأمثلة التي حفظها التّاريخ على أغراض الرسائل الإخوانيّة ما يأتي.
رسالة يحيى البرمكي إلى هارون الرشيد
كانت هذه الرسالة عندما سجن الرشيد يحيى البرمكي، يقول فيها: "من شخصٍ أسلمتْه ذنوبُه وأوثقتْه عيوبُه، وخذلَه شقيقُه، ورفضَه صديقُه، ومالَ به الزّمانُ، ونزلَ به الحدثانُ، فحلّ في الضّيقِ بعد السّعةِ، وعالجَ البؤسَ بعد الدّعةِ، وافترشَ السّخطَ بعد الرّضا، واكتحلَ السّهاد بعد الهجودِ، ساعتُه شهرٌ، وليلتُه دهرٌ، قدعاينَ الموتَ، وشارفَ الفوتَ، جزعًا لموجدتِك يا أميرَ المؤمنينَ وأسفا على ما فاتَ من قربِك".[٦]
رسالة اعتذار من عبد الله بن علي إلى يوسف بن علي
ما كتبه عبد الله بن عليّ إلى يوسف بن عليّ، يعتذر عن تأخّر عطائه له في بداية كلّ شهر، وقد كان يبرّه كثيرًا، فغفل عنه شهرين، فكتب إليه، فاعتذر ابن عليّ بقوله: "لم يكنْ تأخير بِرّنا عنك لبُخلٍ وضنّ، ولا إهمال وتناسٍ، لكنّها غفلةٌ من موجبٍ لحقّكَ عارف، شغلَهُ عنك ما يُقسِّمُ قلبه، ومتَّكِلًا على معرفتك به، وبسطِ عُذركَ لهُ"، فالرّسالة تدلّ على حسنِ أخلاق الكاتب، فهو المنعم المتفضّل ومعَ ذلك يعتذرُ عن تأخّر برّه وإنعامه.[٧]
رسالة تعزية من إسحاق بن الخطاب إلى الهزبر
ما كتبه إسحاق بن الخطّاب -أحد البلغاء العبّاسيّين- في تعزية الهزبر بن صُبيح بوفاة أبيه، وقد حاول إسحاق إدخال الصّبر إلى نفس الهزبر، ودعاه ليقف موقف الرّاضي بقضاء الله وقدره، فيقول: "وهذا أوان اختيارِ اللهِ إيّاك بشكر ذلك، وإقراركَ بالحجّة عليه فيما كنت به محتجًّا على غيرِك ودليلًا عليه ممّا ذخَرَ الله لأهلِ الفضلِ، ووعدهم إيّاه على ما رضي من القول عند وقوع قضائه وقدَرِه، وما أخبَرَ بهِ خلقَهُ وبلاهم بحَسَنه وسيِّئهِ، وحلوه ومرّه"، لفت الكاتب نظر صديقه إلى وقوع الموت بين النّاس صباح مساء، وأثرهُ في نفوس أهل المتوفّى.[٨]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ رونق بن عبد الحفيظ، هالة محبوب، بنية الرسائل في العصر العباسي، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ حسين علي الهنداوي، أشكال خطاب النثر الفني الأدبي في العصر العباسي، صفحة 132. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ أسماء عطية الله، الرسائل في العصر العباسي أنواعها وخصائصها الفنية، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ تهاني المبرك، تاريخ أدب النثر العباسي، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في النثر العربي، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ "الرسائل الديوانية والعهود والوصايا والتوقيعات"، مكتبة جوجل، اطّلع عليه بتاريخ 01-07-2019م.
- ↑ الدكتور خالد الحلبوني (2009)، الرّسائل النّثريّة الشّخصيّة في العصر العبّاسي ، دمشق: جامعة دمشق، صفحة 19.
- ↑ أحمد زكي صفوت، جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة، بيروت-لبنان: المكتبة العلمية، صفحة 286، جزء 3.