الرمز في الشعر الحر

كتابة:
الرمز في الشعر الحر

الشعر الحر

الشعر الحر هو شعرٌ متمردٌ على القوافي الشعريّة الموروثة، بعدما فرض الواقع تغيّرًا في مضمون الأدب عامةً والشعر خاصّةً، فهو ترتيب جديد للتفعيلات، بحيث لم يعد يتقيّد الشاعر بعددها، وقد استطاع الشاعر من خلاله التعبير عن هواجسه وعواطفه بعد أن كانت قد قيدته القافية الواحدة والوزن الواحد، وكل ذلك كان استجابةً لعوامل حضاريّة واجتماعية وثقافية [١]، والشعر الحر هو أكثر أنواع الشعر انتشارًا منذ الثلاثينات، وله عدة أسماء منها النظم المرسل المنطلق، أو الشعر الجديد، أو شعر التفعيلة، أو الشعر المرسل، وقد أُطلق عليه اسم الشعر الحر بعد الخمسينات، وقد اشتهر شعراؤه باستخدام الرمز في الشعر الحر. [٢]

سمات الشعر الحر

إن التغيرات التي طرأت على مناحي الحياة أدت إلى التأثير بالأدب عامةً والشعر خاصةً، وهرع الأدباء لتطويع الشعر ليناسب هذي المتطلبات الجديدة في الحياة، فكان لهذا الرداء الجديد للشعر سمات عديدة منها: [١]

  • ابتعدت عن المضامين التقليديّة كالهجاء والفخر وحلّ بدلًا منها مضامين جديدة.
  • كل قصيدة كان لها تفعيلتها الخاصة بها، وتنوعت القوافي فيها.
  • الاعتماد على الشطر الشعري الواحد فابتعد عن الكتابة العمودية للشعر.
  • توظيف الأساطير بالشعر.
  • حضور الرمز وتوظيف اللغة الإيحائيّة، وهذا ما سيوضّحه مقال الرمز في الشعر الحر.

الرمز في الشعر الحر

الرمز أو الإشارة هو الإيحاء والتعبير عن المشاعر والأحوال النفسيّة المستترة والغامضة، والتي لا تقوى اللغة على التعبير عنها، حتى الشاعر لا يبغي من شعره البوح عنها بشكل مباشر، ومنه نشأ مذهب الرمزية واستخدام الرمز في الشعر الحر، ويقوم الرمز على محورين أساسيين أولهما التقاط التجربة والحالة الشعورية في أرقّ حالاتها، أما المحور الثاني فهو التماس الإطار الشعري المرن الذي يستطيع استيعاب هذه المشاعر بطريقة غير مباشرة، فالرمز أداة تعبير عالمية، وما زال الناس على مر العصور يعبرون عن مكنونات أنفسهم ومقاصدهم بالرمز سواءً كان بالرسم أم بالإشارة أو بالألفاظ. [٣]

لم يكن الرمز في الشعر وليد العصر الحديث، إنما وُجِدت جذوره بالشعر القديم كما عند الحلاج وابن الفارض في أشعاره بالحب الإلهي، ولكن في العصر الحديث تشكل نمطًا جديدًا في الشعر خاصّةً في الشعر الحر، حيث أوغل الشعراء بالرمزية في أشعارهم حتّى أنّ بعض الشعراء لا يُفهم من كتابتهم إلا البُعد الذي ترمي إليه القصيدة فقط، وقد رأى بعض النقاد الرمزية بصفتها اتجاهًا فنيًا برز في الإبداع الشعري المعاصر، ترتقي فوق موجودات الظواهر المادية المتناثرة في العالم الواقعي إلى مدارك الآمال والأحلام، المنشودة في العالم المثالي، مستنجدة بالرمز ليربط بين هذين العالمين. [٣]

وهذا ما انتبه له صاحب كتاب نظرية الأدب عندما قال: "إنّ الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه لذاته بصفته شيئًا معروضًا"، وهذا القول ينسجم مع تعريف الرمز الذي ورد قبل قليل، ولما كان الرمز يتجاوز العالم الحسي ليصل للإشارات الخفية فيه، والدلالات الخبيئة وراء الرمز الذي استخدمه، فهذا يفرض على الشاعر أن يكون لديه الملكة الحسية والحدسية ليبدع بتطويع الرمز في أشعاره، فسيبقى الرمز في الشعر الحر يعبّر عن حالة الحدس الروحية للشاعر. [٣]

أنواع الرمز في الشعر الحر

لمّا كان الرمز هو التحرّر من المحسوس إلى الغور في أعماق النفس والوعي الباطني، فقد كان الرمز يختلف باختلاف أشكال بنائه فمنها ما يستغرق القصيدة كلها ومنها ما يشوبها الرمز ويزينها تزينًا، وعلى هذا انقسم الرمز إلى قسمين رئيسَيْن، قسم كليّ وقسم جزئيّ، فالرمز الجزئي هو ما تكتسبه الصورة الجزئية أو الكلمة الشعرية من القيمة الرمزية، فيرتقي بها الشاعر من مدلولها المتواضع المادي الذي كانت ترتبط به إلى مدلولها الرمزي، أمّا الرمز الكليّ فهو معنى محوري تتمركز عليه جلّ الصورالشعرية الجزئية التي تؤلف العمل الشعري وتشدّه لترتقي به نحو هدف جماليّ أراده الشاعر. [٣]

سمات المذهب الرمزي

وكما لكلّ مدرسةٍ انتهجها الشعراء سمات وصفات تميزها عن بقية المدارس، فمدرسة الرمزية لها أيضًا خصائص ترسم للشعراء مسارهم وحدودهم، ويمكن أن تكون أهم سمات المذهب الرمزي التي انتهجها الشعراء الرمزيون في قصائدهم هي: [١]

  • الغموض: حيث يرجع غموضهم إلى اهتمامهم بالمعنى الخفي للتراكيب.
  • الإيحاء: حيث يرتبط عندهم معنى الإيحاء بالغموض فهم لا يُعطونَك المعنى بشكلٍ مباشر.
  • الموسيقى: اهتمام الشعراء الرمزيّين بموسيقى الشعر، فكلّ من انتهج نهجَ الرمز في الشعر الحرّ اعتبَرَ الموسيقى الجزءَ الماديّ لتكوين قصيدتهم.
  • الفن: الفن عندهم للفن فلا يؤمنون بفكرة أن يوظف الفن لتحسين الواقع.
  • تراسل الحواس: هناك سمة واضحة تظهر في القصائد التي تنتمي إلى المدرسة الرمزية، ألا وهي تراسل الحواس، كأنْ يَستخدم حاسة اللمس لِما يقتضيه السّمع.

قصائد الرمز في الشعر الحر

يعدّ إبداع الشاعر، الذي يتراكم في داخله مخزون من الثقافات والتراكيب البديعة منبعًا أساسيًّا لتطويع الرمز في قصائده وممّن برع في بالرمز في الشعر الحر، بدر شاكر السياب بقصيدته أنشودة المطر وجبران خليل جبران وغيرهم، وفيما يأتي شواهد على قصائد الرمز في الشعر الحرّ:

  • الشاعرة فدوى طوقان في مقطع شعريّ لها استحضرت المرأة الهاشمية التي استنجدت بالمعتصم، وهند بنت عتبة التي لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب وهنا رَمَزت لأشرسِ عمليّة ثأر وانتقام، واستحضرت أيضًا ليلى بنت لكيز التي أسَرَها الروم وهي في طريقها مزفوفة لزوجها ودمجت بين هذي الرموز الثلاثة لتسبكَ أروع قصيدة تجسّد ثقلَ الاحتلال الصهيوني لبلدها فلسطين، إذ تقول: [٤]
آه وا معتصماهُ
آه يا ثأر العشيرة
آه جرحي مرغ الجلادُ جُرحى في الرُّغام
ليت للبراق عيناً
آه يا ذل الإسار
ألف هند تحت جلدي
جوع حقدي فاغر فاه
سوى أكباد هملا يشبع الجوع الذي استوطن جلدي
آه يا حقدي الرهيب المستثار
  • ومن شعراء الرمز أيضًا أدونيس الذي استطاع أن يطوّع اللغة ويوظّفها بإبداع شعره الذي كان يتوجه الرمز في كثيرٍ من الأحيان، فقد سَمَا بشعره عن التقليد، ولكن دون أن يخرجَ العربية عن فصاحتها: [٥] فقال قصيدته المشهورة:
غبْتَ، اختفَيْتَ؟ عرفتُ أنكَ سائحٌ
شرَرًا ولؤلؤةٌ وموجَ غواية
تمضي تعودُ مع الفصولْ
ورأيتُ نارك في الحقولْ
عيناك أجنحةٌ ووجهك طالعٌ
كالأفقِ، يكتنزُ الشموس، ويغسلُ الأرضَ الكئيبه
غبت، اختفيتَ؟ رأيتُ وجهكَ في الحقولْ
ماءٌ يسافر في الجذور إلى مدائنه الغريبَهْ
في العشب ، في نَهَرِ الفصول
  • ومن استخدام الرمز ما يتجلى واضحًا في القصيدة التي استمدت أسطورة مصاص الدماء وألبستها تجربتها الشعرية، فبرزت تلك الصورة الرمزية التي أرادت بها الشاعرة أن تكون رمزًا للفساد الذي يمتص دماء الشعب إذ قال الشاعر أمل دنقل: [٤]
طالعوا لي برهة
ولم يرد واحد منهم تحية المساء..
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء..
نظرت في الوعاء..
هتفت.. ويحكم.. دمي هذا دمي فانتبهوا
ولم يأبهوا
وظلت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاه تلعق الدماء

المراجع

  1. ^ أ ب ت "الشعر الحر والعامودي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2019. بتصرّف.
  2. "شعر حر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث " الرمز في الشعر المعاصر بقلم - فالح الحجية"، majles.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الرمزية في الشعر المعاصر"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2019.
  5. "الحلم"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2019.
7504 مشاهدة
للأعلى للسفل
×