السيرة الغيرية لطه حسين

كتابة:
السيرة الغيرية لطه حسين

مفهوم السيرة

برزَ فنّ السيرة في أول ظهوره في أوروبّا على يد الفرنسي جان جاك روسو من خلال كتابه الاعترافات، وقيل أنّه قد وصل إلى العرب إبان الاحتلال الفرنسي، رغم أن ملامحه الأولى قد بدت في كتب دارسي الحديث النبوي التي حرصت على تتبع تراجم الرواة وحياة الرسول، فقد عرفت السيرة في معاجم اللغة بالسنة أو الطريقة، وهي أيضًا تاريخ حياة المرء وترجمانها[١]، ومن هذه الدلالة اللغوية اشتق مفهوم السيرة الأدبية التي عرفت كفن أدبي نثري يقوم بعرض المسيرة التاريخية لحياة صاحبها أو غيره، وقد شهد الأدب العربي ظهور كثير من المصنفات العربية في فن السيرة الأدبية مثل: السيرة الغيرية لطه حسين "سيرة أديب".

أنواع السيرة الأدبية

بدا فنّ السيرة وقت ظهوره لدى الفرنسيين مختلفًا عما كانت عليه ملامحه لدى رواة الحديث العرب، فقد آثر جان جاك روسو أن يترجم لحياته الخاصة في كتابه الاعترافات، في حين تفرغ دارسو الحديث لترجمة حياة آخرين غيرهم، وعليه فإنّ فن السيرة الادبية ينقسم تبعًا لنوع محتواه وللاشخاص الذين يترجم لهم فيه إلى قسمين هما:[٢]

  • السيرة الذاتية: وهي فن أدبيّ نثري يقوم فيه الكاتب بتصنيف ترجمة لحياته الخاصة لتشمل أبرز إنجازاته، والمواقف الحياتية التي تركت أثرًا في شخصيته أو نفسيته وكان لها دور بارز في صنع مستقبله، ومن أبرز النماذج الأدبية التي تمثلها: السيرة الذاتية لإحسان عباس في كتابه "غربة الراعي" وكذلك كتاب السيرة الذاتية لعباس العقاد" سارة".
  • السيرة الغيرية: تعني الجنس الأدبي الذي يؤلفه بعض الأفراد عن غيرهم من الناس، سواء كانوا من الشخصيات التي عاشت في الماضي أم في الزمن الحاضر، ومن أبرز النماذج التي تمثلها: السيرة الغيرية لطه حسين" سيرة أديب"، و السيرة الغيرية لفدوى طوقان" أخي إبراهيم".

السيرة الغيرية لطه حسين

يعد طه حسين من رواد السيرة الأدبية؛ إذ صنف كتبًا في لونيها: الذاتي والغيري، فقد ترجم لحياته وأثر مجرياتها في خلق قيمه الفكرية ومسيرته العلمية في كتابه الأيام، بينما آثر أن يصنف ترجمانًا لحياة صديقه الأدبية في كتابه سيرة أديب، وتعد السيرة الغيرية لطه حسين" سيرة اديب" رائعة من روائع الأدب العربي؛ نظرًا لما حملته من قيم فكرية تبين أثر الأدب على الأديب وشغفه به، وأهميته في تشكيل جسر للتواصل مع المتلقي، وقيم جمالية تتمثل فيما تضمنته من سمات وميزات خاصة جعلتها تندرج ضمن الأداب متعددة الأجناس؛ إذ اختلف في تصنيفها بين السيرة والرواية، فطه حسين يروي من خلالها قصة صديق له شَغِف بالأدب إلى حد الجنون، ويقول فيه:"لست أعرف من الناس الذين لقيتهم وتحدثت إليهم رجلا أضنته علة الأدب، واستأثرت بقلبه ولبه كصاحبي هذا. كان لا يحس شيئا، ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئا ولا يرى شيئا ولا يسمع شيئا إلا فكر في الصورة الكلامية، أو بعبارة أدق في الصورة الأدبية التي يظهر فيها ما أحس.[٣]

وعلى الرغم من أنّ سيرة أديب قد أدرجت ضمن السيرة الغيرية لطه حسين، إلا أنها لم تخلُ من حسٍ ذاتي يظل يربطها بفن السيرة الذاتية التي عرف بها طه حسين، فحديثه عن الأديب وشغفه بأدبه وحالات الإلهام التي تكتنفه في أوقات مختلفة وغير متوقعة، يبدو كوصف عام يشمل سائر الأدباء كما يشمله هو بذاته، فقد يلتمس القارئ في وصف طه حسين للأديب صورة طه حسين وحاله مع الأدب، هذا بالإضافة إلى ما كان يتخلل كتاب سيرة أديب من حديث عن ذات طه حسين وعلاقتها بذلك الأديب الصديق، حيث يقول: واستطاع على هذا النحو أن يخرجني من غير خادمي، وأن يتحكم في أذني وفي رأسي وفي رجلي كما أراد، حتى إذا انتهى بي إلى داره نحو منتصف الليل كنت محطمًا أو كالمحطم، وكنت لا أتمنى إلا مجلسًا أستريح إليه من هذا العناء، وكنت واثقًا أني لن أبلغ غرفته الحرام ولن أجلس على ذلك المجلس من الخشب تغطيه الوسائد، فهو بهذا القول يصف حدثًا خاصًا به مشحونًا بكمٍ عاطفي لا يمكن أن يحمله نص غيري بحت، إضافة إلى ما يحمله هذا الوصف من إشارات تتصل بعماه وحاجته لخادمه، مما يجعل فن السيرة الغيرية لطه حسين مجرد ارتداد ذاتي في محور دلالي وموضوعي مختلف، حتى كأنه أراد أن يسلط الضوء على حياته من جانب أكثر عمقًا وحساسية.[٣]

وقد يعكس المنهج السردي في السيرة الغيرية لطه حسين" سيرة أديب " انسياقه نحو الذاتية المحضة وتشبعه بها، لا سيّما أنه كان يلعب دور الراوي العالم المطلع بكل حيثيات الأحداث السردية التي تجري مع صديقه، أو بالأحرى أنه لم يكن يسرد من أحداث صديقه وصفاته إلا تلك التي كان على اطلاع تام بها وكانت تربطه بها بوجه أو بآخر، كما أن السياق السردي اللغوي قد كان مشحونًا بالتفاتات طه حسين بين ضمائر التكلم والخطاب التي تظهر من خلالها ذاته بصورة مباشرة، والغياب من خلال شخصية الراوي التي كانت تتقمصها ذاته لتكون سيرة أديب فنًا أدبيًا ازدواجيًا يحمل في ظاهره سيرة الصديق الأديب، بينما تتغلغل في أعماقه ذات طه حسين التي طالما سعت لتبديد المألوف وتحقيق لون من الاختلاف النوعي في فن الكتابة.[٣]

المراجع

  1. مجمع اللغة العربية (2004)، المعجم الوسيط (الطبعة الرابعة)، الأردن: مكتبة الشروق، صفحة 467. بتصرّف.
  2. ندى محمود الشيب (2006)، فن السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني (الطبعة الأولى)، نابلس: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 7.
  3. ^ أ ب ت طه حسين (2012)، أديب (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، صفحة 7.
4969 مشاهدة
للأعلى للسفل
×