محتويات
- ١ البيئة الأدبية في العصر العباسي
- ٢ الشعر في العصر العباسي الأول
- ٣ الشعر في العصر العباسي الثاني
البيئة الأدبية في العصر العباسي
ما هي عوامل تطور الأدب العباسي؟
بدت الحياة في العصر العباسي أكثر ازدهارًا وتألقًا ممّا كانت عليه في العصر الأموي لا سيما على الصعيد الأدبي منها، ولعل اتساع رقعة الدولة الإسلامية آنذاك بفعل الفتوحات الإسلامية واستقرار الناس في المدن والأمصار واختلاط العرب بغيرهم من الشعوب والأجناس الأخرى، أدى إلى تفعيل الحركة الأدبية والثقافية في العصر العباسي، فقد تأثر النشاط الأدبي بما قدمته الشعوب الأخرى من ألوان الثقافات والآداب، ولعل حركة الترجمة كانت قد ساعدت الأدباء على الانخراط في ثقافات الغير والتأثر بها والنسج على منوالها مما أنعش الثقافة الأدبية في العصر العباسي حيث أخرجها عن تلك النمطية المألوفة والتقاليد الفنية الأدبية التي كانت شائعة في العصر الإسلامي والعصر الجاهلي.[١]
الشعر في العصر العباسي الأول
كيف انعكست صورة المجتمع العباسي على الشعر؟
لطالما مثّل الشعر انعكاسًا للمجتمع الذي يقال فيه، فيتأثر بما يمر به من تخبّطات سياسية واجتماعية، ويتلوّن بتلوُّن الثقافات الإنسانية المتاحة وطبيعة أهله وتوجهاتهم الفكرية، وبذلك فإنّ الشعر العباسي قد استوى على صورته الجديدة التي لم يعهدها الشعر في سابق عهده بفضل الأحداث التي مر بها المحتمع العباسي من فتن وحروب وصراعات فكرية وسياسية أدت إلى نشوء حضارة جديدة لا على المستوى الاجتماعي وحسب، إنما على المستوى الأدبي أيضًا.[٢]
لقد بدا شعر هذا العصر كحلقة وصل بين الماضي المتمثل بالتقاليد الفنية الشعرية العريقة والآتي المتمثل بارتباكات النزوع والتمرد التي شهدها العصر على أيدي شعراء كأبي نواس وبشار بن برد، ومن جهة أخرى كان قد مثّل حلقة وصل بين الثقافة العربية للمجتمع العباسي والثقافات الأخرى، ويبرز ذلك جليًا في قصائد الشعراء المولدين من الفرس وغير العرب، بالإضافة إلى تفرع أغراضه ومجالاته بفضل إقحامه في شتى أحداث الحياة الإنسانية.[٣]
قد مر الشعر خلال فترة الحكم العباسي بمراحل شهدت تطوره وازدهاره في مواضع، وضعفه ووهنه في مواضع أخرى، كما نشأت فيه أغراض شعرية جديدة لم يعهدها شعراء العصور السابقة في قصائد مستقلة، واندثرت فيه أغراض لم تعد تلبّي حاجة العصر، فقد ضعف الشعر السياسي الحماسي والغزل العذري، وحل محلهما شعر التكسب والغزل الصريح، كما تبدلت فيه الكثير من الألفاظ والمعاني والأخيلة المفعمة بروح البداوة، وحل محلها ما يوائم البيئة الحضرية الجديدة، كما ظهرت أنواع من الشعر التي تتحد مع العلوم كالشعر الفلسفي الذي يعالج فيه الشاعر بعض قضايا الفلسفة والفكر والذي كان أبو العلاء المعري من أبرز رواده.[٤]
عوامل ازدهار الشعر
لقد كان للازدهار الحضاري والتقدم العلمي والثقافي اللذين شهدهما العصر العباسي أثر بارز في تطور الشعر، وقد ترك كل منهما صداه في الشعر العباسي فظهرت فيه مجالات متعددة للقول كان للشعراء حظ وافر منها، كما كان للتحول الاجتماعي الذي شهده العصر العباسي بفعل امتزاج العرب بغيرهم من الأمم، أثر في استحداث موضوعات وأغراض شعرية جديدة فظهر شعر اللهو والمجون والخمريات والزهد وغيرها.[٤]
قد تأثّر الشعر العربي في بداية العصر العباسي بحالة الاستقرار السياسي التي حدثت عقب سقوط الدولة الأموية وانتهاء الصراع الدامي الذي قام بين الأمويين والعباسيين على الحكم والرياسة، ممّا جعله يمر بمرحلة جديدة تتيح له التقاط أنفاسه بعد أن غرق في وحل الفتن والخلافات السياسية في أواخر العصر الأموي، ولكن هذا لا يعني أن الشعر في العصر العباسي الأول قد أصبح بعيدًا عن ميدان السياسة، فتوالي الحكام وتعدد الولاة واختلاف سياساتهم كانت حقلًا واسعًا يغذي الشعر ويعزز مضامينه.[٥]
كما أن خلفاء بني العباس كان لهم ميل بالغ للشعر، فكانوا يتخذون من الشعراء ألوانًا إلى جانبهم في القصور والرحلات يؤرخون لهم ويسجلون آثارهم وأبرز إنجازاتهم من خلال الشعر، وهذا كان قد ساعد على ازدهار الشعر في العصر العباسي وحث الشعراء على الإكثار من النظم فظهر ما يعرف بشعر التكسب لا سيّما أن أكثر الشعراء كانوا يتخذون شعرهم مهنة ويتكسبون به ويتقربون من الخلفاء والحكام.[٦]
قوة الملكة اللغوية للشعراء
إنّ المتمعّن في تاريخ الأدب العباسي ومسار النقد الأدبي الذي كان شائعًا آنذاك، ليدرك أن الشعراء العباسيين قد سجلوا نقطة تحول في منهج الشعر العربي، وهذا لا يصدر إلا عن أصحاب القريحة الشعرية والملكات الإبداعية المبنية على أساس من الأصالة الشعرية، فقد تتلمذ الشعراء العباسيين وتفتحت قرائحهم على الشعر الجاهلي والإسلامي الذي امتاز بقوته اللغوية وفصاحته وبلاغته التي لا تجارى.[٧]
كما أنّ النقاد العباسيين كانوا قد اتخذوا الشعر القديم أنموذجًا يقيسون بناء عليه قوة الشعر العباسي ووهنه، وعلى الرغم من كل هذا الحرص على جعل الشعراء العباسيين يسيرون على خطى الشعراء القدامى بوصفهم الأبلغ والأفصح، إلا أن الذات المبدعة الكامنة في شعراء بني العباس ظلت تطل في أشعارهم من خلال الحركات التجديدية والثورية التي كانت تتمرد في كثير من الأحيان على التقاليد الشعرية القديمة، فكانت أشعارهم تتراوح بين الأصالة الشعرية التي صقلت لغتهم الشعرية، والإبداعية الذاتية التي تنم عن ملكة شعرية إبدايعية.[٧]
التجديد في الموضوعات القديمة
حافظ الشعراء العباسيون على كثير من الأغراض الشعرية القديمة التي عرفت في العصرين الجاهلي والإسلامي، وظلوا ينظمون فيها قصائدهم، إلا أن روح العصر لا بد وأن تترك بصمتها في نتاج شعرائها وأدبهم، لذلك فقد ارتأى للشعراء العباسيين النظم في الأغراض الشعرية القديمة بأسلوب عصري جديد يمنح قصائدهم تميزًا وتفوقًا على ما سبق من نظم في الأغراض نفسها، ولعلهم قد أحسنوا المزج بين روح العصر العباسية وبين الأصالة الشعرية الموروثة.[٨]
لعل من أبرز الموضوعات والأغراض الشعرية القديمة التي تابع العباسيون النظم فيها: موضوعي المدح والوصف، ففي المدح ارتكز الشعراء على الصفات الخلقية والإنجازات الفعلية للأبطال والخلفاء في المدح سيرًا على نهج الشعراء القدامى، إلا أنهم استقو صورهم وأخيلتهم من البيئة الحضرية وبدت ألفاظهم أكثر سلاسة ومرونة من الألفاظ التي استخدمت في الشعر القديم وبدت لغتهم أقرب إلي العربية العامية المستخدمة في العصر العباسي، وكثيرًا ما كان يخالجها شيئًا من العبارات والألفاظ التي استحدثها المولدون.[٩]
أما في شعر الوصف فقد اتبع شعراء العصر العباسي الوصف التفصيلي وملاحظة المحاسن للعناصر الموصوفة إنسانية كانت أو مكانية كما هو الحال لدى الشعراء القدامى، إلا أنّ شعر العباسيين كانت قد اندثرت فيه ملامح البداوة والصحارى والأطلال التي كان الشعراء القدامى ينكبون على وصفها، وأغرقوا في وصف ملامح الحضارة من قصور وبرك ومغاني وصفًا دقيقًا يضج بشتى أساليب الصنعة الفنية والمحسنات البديعية حتى بات الشعر عندهم صناعة لا تُتاح للجميع، ثم إن هذا التلوين والتجديد في الموضوعات القديمة لم يكن مقصورًا على الوصف والمدح، وإنما شمل سائر الأغراض الشعرية كالفخر والهجاء وغيرها. [٩]
الإتيان بموضوعات جديدة
لم يكتف شعراء العصر العباسي بالموضوعات القديمة التي نظم بها الشعراء القدامى، بل عمدوا إلى ابتكار موضوعات شعرية جديدة لم يعهدها السابقون، منها ما اندرج تحت الموضوعات الاساسية القديمة كوصف عمليات الصيد التي كان يقوم بها الخلفاء في إطار المدح الشعري، ومنها ما كان بديلًا لموضوع شعري قديم كوصف مظاهر الحضارة بدلًا من وصف الأطلال وملامح البداوة والصحارى، هذا بالإضافة إلى موضوعات أخرى كثيرة كتصوير الشقاء والألم، وتصوير غيرة الزوج ووصف الحمى.[١٠]
قد تمكن الشعراء العباسيون من استحداث موضوعات شعرية جديدة نظمت في قصائد مستقلة وعرفت بها، كالخمريات وهي قصائد قيلت في وصف الخمر وشربها واستحسانها، واشتهر بها أبو نواس، ومنها أيضًا قصائد اللهو والمجون، وتشكل وصف مجالس اللهو والغناء، وأنواع الألعاب والرياضات كالشطرنج ولعبة الجوكان والسيف، والغزل بالغلمان وغيرها من الموضوعات التي تتصل بطبيعة الحياة الجديدة في المجتمع العباسي.[١١]
التجديد في الأوزان والقوافي
اجتاحت موجة تجديد الشعر العباسي على كافة مستويات اللفظ والمضمون الإيقاع الموسيقي الذي شهد حالة من الثبات في كافة العصور السابقة، إذ يعدّ الوزن والقافية ركنين أساسيين يقوم عليهما الهيكل العام للقصيدة العربية، ويبدو أن ثورة التجديد لم تغفل عن تحريك الإيقاع الموسيقي المتمثل بالأوزان والقوافي في الشعر العباسي، فقد عمد بعض الشعراء الثائرين على التقاليد الشعرية الموروثة إلى تبديدها وخلخلة الثابت منها، ولذلك فإنّنا نجدهم قد أخذوا ينوّعون في القوافي والأوزان لتنسجم والغاية الغنائية التي أصبحت القصائد تنظم لأجلها في ذلك العصر.[١٠]
لقد شاع الغناء في العصر العباسي وكثرت مجالسه، وشجّع الحكام عليه ولاقى منهم استحسانًا كبيرًا ممّا استدعى الشعراء لنظم القصائد الغنائية تلبية لحاجات العصر، وقد تطلب هذا إحداث تغيير وتنويع على المستوى الإيقاعي للقصيدة والمتمثل في الوزن والقافية، فظهرت قصائد تعرف بالمخمسات والمسمطات و الأراجيز التي تتيح للشاعر حرية أكبر للتنويع في الأوزان والقوافي، كما ظهر لون جديد من القصائد يسمى بالقصائد المزدوجة ومن أبرز روادها أبو العتاهية، ويرتكز فيها الشاعر على أسلوب التصريع في سائر أبيات القصيدة.[١١]
لقراءة المزيد حول خصائص شعر العصر العباسي، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: خصائص الشعر في العصر العباسي.
أغراض الشعر وموضوعاته
حرص الشعراء في أوائل العصر العباسي، على ترسيخ التقاليد الموروثة في الشعر العربي وبناء قصائدهم على الهيكل العام المألوف للقصيدة العربية، ولذلك فإنهم قد عمدوا لنظم قصائدهم في الأغراض الشعرية التي كانت شائعة في العصرين الجاهلي والإسلامي، وحرصوا على أن تنسج أغراضه على منوال فحول الشعر المتقدّمين، هذا بالإضافة إلى كثير من الموضوعات المُستحدثة التي ابتكرها شعراء العصر العباسي الأول ونتيجة للنشاط العقلي والفني الذي امتازوا به فقد تمكّنوا من المزج بين هذه الأغراض الشعرية قديمها وجديدها مُحافظين بذلك على روح الأصالة للقصيدة العربية والفنية التجديدية فيه، فنظموا في الغزل والزهد والسياسة والمجون والدعوة العباسية والمدح والرثاء وسائر الأغراض الشعرية المعروفة.[١٢]
الدعوة العباسية
منذ بداية تسلُّم بني العباس للسلطة وإظهار سطوتهم وبطشهم، أخذ الشعراء يتوافدون على قصور الخلفاء يمدحونهم ويتغنون بأمجاد بني العباس وإنجازاتهم في الدولة الإسلامية، ويدعون لموالاتهم ودعم حقهم في الخلافة والحكم، وقد كثر شعراء الدعوة العباسية على هذا الحال كثرة مفرطة، ولا عجب أن انضم لشعراء بني العباس الكثير من شعراء الكيسانية والشيعة الذين كانوا يراؤون تجنّبًا لبطشهم ورغبة في خيرهم وكف الشر عن أنفسهم، وكان شعراء بني العباس يرتكزون على أساس إظهار حقّ العباسيين في الخلافة ويتصدّون لأعدائهم من الشيعة وغيرهم، ومن أبرز شعرائهم: أبو دلامة ومروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر.[١٣]
الغزل
كثر شعراء الغزل في هذا العصر وعنوا بالنظم فيه وصاغوه بعقلياتهم الخصبة الحديثة وما أوتوه من قدرة على التوليد في المعاني القديمة واستنباط الكثير من الخواطر والأخيلة الجديدة، ولعلهم في هذا التيار قد تابعوا ما أقدم عليه شعراء بني أمية من الغزل العذري والصريح، إلا أن الغزل الصريح كان أشد عنفوانًا وانتعاشًا في العصر العباسي لا سيما وأن دور النخاسة وما كانت تعج به من إماء وقين كانت قد شجعت هذا اللون من الغزل الذي خرج به شعراؤه من أمثال أبي نواس وبشار بن برد عن كل حشمة ووقار، وكأنهم من خلاله باتوا يعلنون ثورة وتمردًا على النظم الأخلاقية في المجتمع العباسي.[١٤]
المجون والزندقة
وهو من أبرز الأغراض الشعرية المستحدثة التي نظم فيها شعراء بني العباس نظرًا لشيوع الفتن والدعوات العباسية للحريات المسرفة، بالإضافة لتشجيع الخلفاء على الغناء ومجالس اللهو، وشيوع شرب الخمر والإدمان عليه حتى بلغ الأمر ببعض الفقهاء أن حللوا بعض أنواع النبيذ كنبيذ التمر والزبيب المطبوخ، وقد انغمس كثير من الشعراء بمظاهر اللهو والمجون هربًا من أعباء الحياة حتى باتوا لا يرون من الحياة سوى الجانب المختص بالمتع وأنواع الفساد القيمي والأخلاقي، وتمثل أشعارهم بحق جانبًا من جوانب الحياة الواقعية في الدولة العباسية إثر اختلاط الشعوب العربية بغيرها وانحلال الحكم وضعف الريادة، وقد برز من شعراء المجون والزندقة بشار بن برد وأبو نواس، ومطيع بن إياس.[١٥]
الزهد
لقد كان من الطبيعي أن ينشأ تيار الزهد في العصر العباسي ردًا على تيار المجون واللهو والانصراف للمُتع، وكان مقابل أولئك القيان واللاهين المتهافتين على مجالس الغلفاء، النساك والزهاد والوعّاظ الذين يتردّدون على بلاط الخلفاء للنصح والإرشاد، من أمثال ابن السماك، وعمرو بن عبيد، وشاع شعر الزهد تلبية لجانب من جوانب الواقع في المجتمع العباسي، وكان من بينهم مالك بن دينار وأبو العتاهية وغيرهم كثير، ومنهم من انصرف إلى الزهد في أواخر حياته بعد عمر من المجون والفسق مثل أبي نواس، وكان الزهاد من الشعراء ينبذون في أشعارهم الدنيا الفانية ومتعها المؤقتة وينصرفون بدلًا من ذلك إلى تأمل الحياة الباقية في الآخرة والتغني بها.[١٦]
الاعتزال
ازدهرتالمعتزلة ونشطت في العصر العباسي، وكان لها أثر بالغ في السياسة والدين، ونادو بالعقلية والمنطقية فكانوا بناء على ذلك يقدمون حكم العقل ولو تعارض مع النص القرآني أو الحديث النبوي، وكان موقفهم من المجون وسطيًا فقد أحب الكثير منهم الغناء ومسامرة الخلفاء، كما شارك بعض المعتزلة الخلفاء في مجالسهم لتأييدهم ونشر فكرهم ووجدوا المتعة في الغناء وسماع الموسيقى، ومن أبرز شعرائهم: صفوان الأنصاري، والعتابي، وكانوا كلما امتدحوا الخلفاء العباسيين وصفوهم بالحريصين على مصالح الأمة، وكانت لهم قصائد في الرد على المرتدين والزنادقة وإبطال ادعاءاتهم بالحجة والبرهان. [١٧]
النزعة الشيعية
مع نهاية فترة حكم الأمويين وبدء نظام حكم جديد لبني العباس، كانت قد خمدت نار الفتن بسقوط الأحزاب السياسية التي كانت نارها تستعر طوال فترة حكم بني أمية، كالخوارج والزيدية والزبيرية، إلا أنّ شعلة من بين كل هذه الأحزاب والفتن ظلت تتقد وهي شعلة الشيعة الذين ظلوا في أوائل فترة الحكم العباسي يطالبون بإنزال بني العباس عن الحكم.[١٨]
خشي الشيعة العباسيّين فكتموا أمرهم في تنظيمات سرية، وشعراؤهم يرتادون مجالس الخلفاء فيمدحونهم ويبالغون في مديحهم حتى ليبدو وكأنه من دعاتهم، ومنهم من بلغ به الأمر لتصوير بلاء العباسيين في تقويض الحكم الأموي، والأخذ للعلويين بثأرهم، ومن هؤلاء الشعراء: ديك الجن، ودعبل الخزاعي، والسيد الحميري ومنصور النمري.[١٨]
أبرز أعلام الشعر
برز في العصر العباسي الأول عدد كبير من الشعراء المبدعين الذين أغنوا مصادر الأدب بأجود القصائد والأشعار، واتسمت أشعارهم بملامح الجدة ورواء الحداثة، من أمثال: بشار بن برد وأبي نواس وأبي العتاهية ومسلم بن الوليد وأبي تمام وعلي بن الجهم وغيرهم كثير، هذا بالإضافة إلى كثير من الشعراء المغمورين ممّن فقدت أشعارهم أو كانوا من المقلّين.[١٩]
قد تفاوتت مراتبهم الإبداعية بين كل غرض وآخر، فتجد أبي العتاهية يبرع في شعر الزهد مقارنة بغيره، بينما ترى أبي نواس قد تفوق في شعر المجون على الرغم من أن قصائده في الزهد لم تكن تقل أهمية عنها، وكذلك فقد برع أبو تمام في الشعر الفلسفي مقارنة بغيره، بينما عرف بشار بن برد بغزله ومجونه الذي لا يجاريه فيه مجارٍ.[١٩]
بشار بن برد
وهو من فحولة الشعراء وسابقيهم المجيدين، كان غزير الشعر قليل التكلف وكان من أبرع الشعراء المولدين، وكان شاعرًا راجزًا وسجاعًا خطيبًا، قال فيه الجاحظ أنّه لم يكن في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه[٢٠]، ومن أبرز ما قاله في الشعر:[٢١]
أَجارَتَنا ما بِالهَوانِ خَفاءُ
- وَلا دونَ شَخصي يَومَ رُحتُ عَطاءُ
أَحِنُّ لِما أَلقى وَإِن جِئتُ زائِرًا
- دُفِعتُ كَأَنّي وَالعَدُوَّ سَواءُ
وَمَنَّيتِنا جودًا وَفيكِ تَثاقُلٌ
- وَشَتّانَ أَهلُ الجودِ وَالبُخَلاءُ
أبو نواس
هو الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي، من أشهر الشعراء العباسيين، يُكنّى بأبي علي وأبي نواس والنؤاسي، عُرف بخمرياته وسُمّي بشاعر الخمر، قيل إنّه تاب في آخر عمره واتجه إلى الزهد وله قصائد كثيرة في الزهد والمجون والغزل[٢٢]، ومن أبرز أشعاره:[٢٣]
أسقياني من شمولِ
- في مدى اليوم الطويل
خمرةً في عَرفِ مِشكٍ
- عُصرت من نهرِ بيلِ
ويحُها يسطعُ منها
- فائحًا من رأس ميل
أبو العتاهية
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان أبو إسحاق من الموالي، كنيته أبو إسحق، ولقبه أبو العتاهية، لقّب بذلك لأنّ المهدي قال له يومًا أنت إنسان متحذلق متعته، أي: متظرف، فاستوى له هذا اللقب، وهو شاعر عباسي معروف بزهدياته[٢٤]، ومن أبرزها:[٢٥]
تولت جدّة الدنيا
- فكل جديدها خَلقُ
وخان الناس كلهم
- فما أدري بمَن أثِقُ
كأن معالم الخيرا
- ت قد سُدّت لها الطُرقُ
مسلم بن الوليد
هو مسلم بن الوليد الأنصاري صريع الغواني، أحد أبرز أعلام الشعر في العصر العباسي، من أصل فارسي، ولد في الكوفة واشتغل في الحياكة إلا أنه مضى يثقف نفسه، برع في قول الشعر منذ صغره، إلا أنه لم يتقرب به من الولاة والخلفاء وكان يكتفي بالقليل الذي يعود عليه منه. من شعرِه:[٢٦]، ومن شعره:[٢٧]
وَقائِلٍ لَيسَت لَهُ هِمَّةٌ
- كَلّا وَلَكِن ما لَهُ مالُ
وَهِمَّةُ المُقتِرِ أُمنِيَّةٌ
- عَونٌ عَلى الدَهرِ وَإِشغالُ
لا حِدَّةٌ تَنهَضُ في عَزمِها
- وَالناسُ سُؤّالٌ وَبُخّالٌ
أبو تمام
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، وهو من أبرز شعراء الفلسفة في العصر العباسي، أحد أمراء البيان، ولد بقرية جاسم من قرى حوران في سورية، اتسم شعره بالقوة والجزالة وله تصانيف كثيرة منها: ديوان الحماسة وفحول الشعراء، ونقائض جرير والأخطل[٢٨]، ومن شعره:[٢٩]
مِثلُ وُدّي لا يُغَيِّرُهُ
- لَكَ هِجرانٌ وَلا بُعُدُ
وَجُفوني لا يَزالُ بِها
- طَيفُ حِلمٍ مِنكَ يَطَّرِدُ
وَضَميري أَنتَ تَعلَمُهُ
- لَكَ لا يَلوي بِهِ أَحَدُ
نماذج من الشعر العباسي الأول
- قال أبو تمّام:[٣٠]
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
- في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
- مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
- بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
- قال مسلم بن الوليد:[٣١]
وَساحِرَةِ العَينَينِ ما تُحسِنُ السِحرا
- تُواصِلُني سِرّاً وَتَقطَعُني جَهرا
أَبَت حَدَقُ الواشينَ أَن يَصفُوَ الهَوى
- لَنا فَتَعاطَينا التَعَزِّيَ وَالصَبرا
وَكُنّا أَليفَي لَذَّةٍ شَملَ صَفوَةٍ
- حَليفَي صَفاءٍ ما نَخافُ لَهُ غَدرا
- قال بشار بن برد:[٣٢]
قَد لَعِبَ الدَهرُ عَلى هامَتي
- وَذُقتُ مُرّاً بَعدَ حَلواءِ
إِن كُنتِ حَربًا لَهُمُ فَاِنظُري
- شَطري بِعَينٍ غَيرِ حَولاءِ
يا حُسنَها حينَ تَراءَت لَنا
- مَكسورَةَ العَينِ بِإِغفاءِ
- قال أبو نواس:[٣٣]
خذِ العيشَ الهنيَّ من المجوس
- معاقرةَ العقارِ الخندريسِ
ودع لهوَ العُرَيب بطردِ صيد
- له يأبى العناء على النفوس
ذر الوحشيَّ يرعى جلمتيهِ
- وخلّ الطيرَ يعدُ بغيرِ بوس
الشعر في العصر العباسي الثاني
ما موقف العباسيين من الحركات التجديدية في الشعر والادب؟
بدا الشعر في العصر العباسي الثاني وقد اتخذ منحى أكثر جدية تجاه الحركات التجديدية والتمردية التي برزت في أوائل العصر العباسي ولاقت ردات فعل مختلفة من الشعراء والنقاد والمتلقين بين رافض لها بين مقبل عليها وراغب بها، إذ أصبح التجديد بصمة العصر الخاصة التي تفرده عما سبقه من العصور وتميز النتاجات والأدبية والفنية فيه وتفردها عما سواها، فقد بات التقليد الفني للقصيدة القديمة أمرًا مستنكرًا ومنبوذًا لدى شعراء هذا العصر، فما يجرؤ على النظم فيه سوى قلائل الشعراء المجيدين المتمرسين من أمثال البحتري.[٣٤]
لقد كان التقليد الفني للقصيدة العربية متّصلًًا بغرض أو اثنين من أغراض الشعر كغرض المدح أو مدح الخلفاء والملوك تحديدًا، لكونه يمنح القصيدة إجلالًا وهالة خاصة من الوقار والعظمة، بينما تألقت القصيدة العباسية في سائر الأغراض الشعرية الأكثر مرونة كالغزل والهجاء والوصف على الطريقة الجديدة التي ابتكرها العباسيون في عصورهم الأولى، ولعل الفضل في ذلك يعود للغنائية الشعرية التي تمكّنوا من خلالها من الجمع بين الأصالة والتجديد الشعري.[٣٥]
عوامل ازدهار الشعر
تابع الشعر في العصر العباسي الثاني انطلاقته نحو التطور والازدهار، ولعل اللغويين كان لهم دور بارز في تطور الشعر ورقيّه لا سيّما أنهم كانوا قد وقفوا على دقائق اللغة وتفاصيل الإيقاع الشعري، وقاموا بتدوينها وتثبيتها ليسهل على الشعراء المحدثين والناشئين الحفاظ على المستوى الإبداعي المتألق الذي بلغه السابقون، والنهوض بالشعر والأدب من لوثة اللغة العامية المشوبة بتحريفات العامة والتي قد تترك أثرًا يوهن اللغة الشعرية لدى المحدثين من الشعراء، ومن أبرز عوامل الازدهار الشعري:[٣٦]
ثقافة الشعراء واطلاعهم
أشارت الدراسة سابقًا إلى الدور الذي أدّاه اللغويون في خدمة العربية والشعر والشعراء، من خلال ما قدموه من جمع وشرح وتقعيد لأصول اللغة تبعًا للشواهد من الشعر والأدب، ولا شك أن شعراء العصر العباسي كانوا قد اطلعوا على تلك الإنجازات وأفادوا منها حتى نبغ عدد كبير منهم كابن المعتز الذي انصرف إلى إبراز دور البديع زخرف الكلام وألف فيه كتابًا.[٣٧]
التجديد في الموضوعات
ظلت الموضوعات الشعرية المألوفة من مدح وهجاء وغيره تُسيطر على الشعر والشعراء، وكأنّما كان هناك إصرار قوي أن تظل للشعر شخصيته وموضوعاته، وأن يظل حيًا على الألسنة مع حياة الأمة فلا يضعف ولا يذوي، بل يقوى ويزدهر غير متحول عن أصوله، ومهما انعكست على الشعر تلك الآثار الحضارية والثقافية الجديدة إلا أنها لا تحدث تعديلًا في جوهرها، وإنما هي إضافات تكثر وتقل تبعًا للملكات الشعرية للشعراء وطبيعة ثقافة كل منهم.[٣٨]
نمو الموضوعات الجديدة
بالإضافة إلى الموضوعات الشعرية القديمة التي تمسك بها الشعراء، ظهرت موضوعات شعرية جديدة مبتكرة ومنقولة عن موضوعات قديمة، ومن أبرز الموضوعات المنقولة: شعر التهاني الذي تحول عن شعر المديح ووصف الأطلال إلى وصف الحضارة، أما من الموضوعات المبتكرة فشعر الخمريات الذي خصصه شعراء العصر لوصف الخمر ومجالسه.[٣٩]
ظهور الشعر التعليمي
وهي ظاهرة ابتكرت في العصر العباسي الأول وأخذت تنمو وتزدهر في العصر العباسي الثاني على يدي نخبة من الشعراء كعلي بن أبي الجهم الذي نظم مزدوجة في التاريخ، وابن المعتز كان قد عني بنظم سيرة الخليفة العباسي المعتضد، أما ابن دريد فقد كتب قصيدة ضمنها ثلث المقصور في اللغة.[٤٠]
أغراض الشعر وموضوعاته
إنّ الاغراض الشعرية في هذا العصر غالبًا ما كانت امتدادًا لما هي عليه في العصور السابقة، إنّ كفة المديح هي الراجحة وكميته هي الفائقة وهذا يعود إلى كثرة المدّاحين الذين سخروا شعرهم لكسب المال والجاه، حتى أن الكثيرين منهم في أواخر العصر العباسي اختصوا بالخلفاء عرفوا بشعراء الديوان وقد كانوا يتقاضون أجورًا شهرية من الدولة وينالون هدايا وعطايا من الخلفاء أنفسهم في مناسبات كثيرة، ولرؤساء الدويلات دور مهم في اجتذاب الشعراء والانفاق عليهم وتحفيزهم على نظم الشعر مثل سيف الدولة الحمداني، فإنه ضرب دنانير خاصة للصلات وزن كل دينار عشرة مثاقيل وعليها اسمه وصورته.[٤١]
الثورات السياسية
خاض الشعراء ثورات ضارية إلى جانب الثورات السياسية التي كانت شائعة في العصر العباسي كثورات الشيعة والعلويين، ولعلّها ثورات مختلفة عن ثورات الأحزاب فهي ثورات كلامية زائفة؛ إذ إنّ كثير من الشعراء كانوا قد زيفوا لأنفسهم شعارًا علويًا لجمع العامة في صفوفه وتحت لوائهم، كما كان الكثير من زعماء هذه الأحزاب شعراء ثائرين على مستوى القول والفعل، ومن أبرز هؤلاء الثوار محمد بن البعيث فقد كان قائدًا ثوريًا وكان يحسن الشعر أيضًا.[٤٢]
الهجاء
ظل الهجاء الفن الشعري القديم الجديد الذي أبحر الشعراء فيه ولم يتوانوا عن النظم فيه وهو في العصر العباسي، ورغم شيوعه ونظم الشعراء فيه إلا أنه لم يكن على ذات الصورة التي بدا بها في العصر الأموي حيث أوج ازدهاره وتألقه، لا سيما وقد حل محله ما يعرف بالشعر الشعوبي، إلا أنه عاود للظهور في أوائل العصر العباسي الثاني لا سيما بعد تشجيع الخلفاء عليه وكأنهم كانوا يتخذونه سلاحًا لهم، فكان شعراؤهم يهجون المقصود بالمثالب الجسدية والخلقية، هذا بالإضافة إلى هجاء الشعراء الملوك أنفسهم كما في هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي.[٤٣]
الغزل
ظل تيار الغزل نشطًا وفاعلًا في العصر العباسي الثاني على نوعيه الغزل العذري والصريح، مع غلبة الغزل الصريح لدى شعراء العصر، وإن كان شعراء هذا اللون يستمدون الكثير من معانيهم وصورهم وأخيلتهم من قصائد الغزل العذري العفيف، وكان من شعراء الغزل بعض الخلفاء العباسيين مثل الخليفة الراضي، وكان من أشعر شعراء الخلفاء الغزليين ابن المعتز، والوزير إبراهيم بن المدبر.[٤٤]
اللهو والمجون
ظل الكثير من الشعراء ينغمسون في اللهو والمجون كما فعل أسلافهم من قبل لأسباب عديدة منها ما يعود لهروبهم من الحياة والواقع، ومنها ما يرجع إلى التحلّل من الأخلاق والفساد الاجتماعي والسياسي، هذا بالإضافة إلى ظهور الكثير من الفتن السياسية والدينية كالزندقة وشيوع الفرق المنحرفة عن الدين القويم كالكيسانية وظهور ألوان الإلحاد، بالإضافة إلى انتشار دور الخمر وشعراء المجون، إذ يقولون هذا اللون من الشعر فإنّما هم يسلّطون الضوء على جانب حي من المجتمع العباسي الثاني.[٤٥]
الزهد والتصوف
ذكرت الدراسة سابقًا كيف أنّ شعر الزهر والتصوف إنما نشأ كردة فعل على الفساد واللهو والمجون الذي كان شائعًا في العصور العباسية، فكما أنّ هناك الكثير من الأغنياء والمترفين المنصرفين إلى اللهو، هناك الكثير ممّن صرفوا أنفسهم عن اللهو والترف والانغماس في الآثام، وقد ظهر فيهم شعراء يعرفون بشعراء الزهد والتصوف كل له منهجه الخاص في الانصراف عن ملذات الحياة والتعبير عنها في الشعر والأدب.[٤٦]
الطرد والصيد
أولع الخلفاء العباسيون والكثير من الناس بالصيد، وكان من بينهم الشعراء ومن يحسنون قول الشعر فينظمون فيه مغامراتهم ورحلاتهم للصيد وشغفهم به، وكان مِن الشعراء مَن يُرافق الخلفاء والوزراء في رحلاتهم للصيد فيتغنون بها في قصائدهم ويسجلون أحداثها ووقائعها، وكان من بين الخلفاء الذين يخرجون للصيد الخليفة المتوكل على الله والخليفة المعتضد، حيث أولعوا بصيد الفهود والاسود.[٤٧]
لقراءة المزيد حول اتجاهات الشعر العباسي، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: اتجاهات الشعر في العصر العباسي.
أبرز أعلام الشعراء
برز في العصر العباسي الثاني عدد كبير من الشعراء الذين نظموا قصائدهم في الأغراض الشعرية المختلفة التي كانت متاحة آنذاك، وشكلت أشعارهم نماذج لغوية وفنية يحتذى بها من قبل الناشئة من متعلمي الشعر وغيرهم من دارسي اللغة والباحثين، وكانت أشعارهم على درجة من البراعة والإتقان والجدة والابتكار لا تقل شأنًا عن أشعار السابقين، ومن أبرز هؤلاء الشعراء:[٤٨]
البحتري
هو من أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي، وهو الوليد بن عبيد بن يحيى، وكنيته أبو عبادة، سُمّي بالبحتري لقصره، فقد كان دميم الخلق إلا أنّه كان شاعرًا له ديوان ضخم ونتاج أدبي عظيم[٤٩]، ومن أبرز أشعاره:[٥٠]
تَعاطَ الصَبابَةَ أَو عانِها
- لِتَعذِرَ في بَرحِ أَشجانِها
وَما نَقَلَت لَوعَتي لِمَّةٌ
- تَنَقَّلُ في حُدثِ أَلوانِها
أَوائِلُ شَيبٍ يُشيرُ العَذو
- لُ إِلَيها وَيُكبِرُ مِن شانِها
علي بن الجهم
علي بن الجهم وكنيته أبو الحسن وأصله من خراسان، المولود في 188 للهجرة في بغداد، سليلًا لأسرة عربية متحدرة من قريش أكسبته فصاحة لسان وأحاطت موهبته الشعرية بالرازنة والقوة، وحمتها من تأثير مدينة بغداد التي كانت تعج بالوافدين من أعاجم البلاد المحيطة بها[٥١]، ومن شعره قوله:[٥٢]
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
- جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
- سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمرًا عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
- تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
ابن الرومي
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، شاعر كبير من العصر العباسي، من طبقة بشار والمتنبي، شهدت حياته الكثير من المآسي والتي تركت آثارها على قصائده، تنوعت أشعاره بين المدح والهجاء والفخر والرثاء، وكان من الشعراء المتميّزين في عصره، وله ديوان شعري مطبوع[٥٣]، ومن قصائده:[٥٤]
يا سائلي عنْ مجمع اللذّاتِ
- سألتَ عنه أَنْعَتَ النُّعاتِ
فهاكَ ما استنبأْته من قَصِّهِ
- مُسلَّمًا من شَوْبهِ ونقصِهِ
خذ يا مُريدَ الأكل اللذيذِ
- جَرْدَقَتَي خُبْزٍ من السَّيمذِ
ابن المعتز
عبد اللهابن المعتز هو من أمراء هذا القصر العباسي العظيم، وهو سلالة مباشرة لجماعة من كبار الخلفاء الإسلاميين؛ فأبوه المعتز كان خليفة، وجده المتوكل ثم المعتصم ثم الرشيد، وتنتهي هذه السلسلة إلى العباس بن المطلب، نشأ ابن المعتز نشأة لا تخلو من نعمة، نشأ في قصور الخلفاء، ولكن حياته لم تخلُ من الحرمان، كان منعمًا بالقياس إلى الذين كانوا يعيشون في ظلم وذل من أبناء الأمراء والخلفاء[٥٥]، ومن شعره:[٥٦]
أَلا اِنتَظِروني ساعَةً عِندَ أَسماءِ
- وَأَتآبِها مِنهُنَّ بُرئي وَأَدوائي
ثَنَينَ الذُيولَ وَاِرتَدَينَ بِسابِغٍ
- كَحَيّاتِ رَملٍ وَاِنتَقَبنَ بِحَنّاءِ
وَوَلَّينَ ما بالَينَ مَن قَد قَتَلنَهُ
- بِلا تِرَةٍ تُخشى وَلا قَتلِ أَعدائي
الصنوبري
أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي الأنطاكي أبو بكر، شاعر اقتصر في أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار، يعود نسبه إلى قبيلة ضَبَّة، ولُقِّب بالصنوبري لأن جدّه كان يعمل في دار الحكمة لعهد المأمون، فاشترك في مناظرة بين يديه، وأعجب به، فقال له: إنك لصنوبري الشكل، دلالة على ذكائه وحدّة مزاجه، وقد افتخر بهذا اللقب في شعره[٥٧]، ومن شعره:[٥٨]
سقى حَلَبُ المزنِ مغنى حَلَبْ
- فكم وصَلَتْ طربًا بالطَّرَبْ
وكم مـستطابٍ من العيشِ لذَّبها
- لي إِذِ العيشُ لم يُسْتَطبْ
إِذا نشر الزهرُ أَعلامَه
- بها ومطارفَهُ والعَذَب
لقراءة المزيد حول شعراء العصر العباسي، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أبرز شعراء العصر العباسي.
نماذج من الشعر العباسي الثاني
- قال ابن المعتز:[٥٩]
قُل لِغُصنِ البانِ الَّذي يَتَثَنّى
- تَحتَ بَدرِ الدُجى وَفَوقَ النَقاء
رُمتُ كِتمانَ ما بِقَلبي فَنَمَّت
- زَفَراتٌ تَغشى حَديثَ الهَواء
وَدُموعٌ تَقولُ في الخَدِّ يا مَن
- يَتَباكى كَذا يَكونُ البُكاء
- قال البحتري:[٦٠]
وَكانَ الشَلمَغانُ أَبا مُلوكٍ
- فَصارَ أَبًا لِسوقَةِ ما دَرايا
أَكُلُّ بَني دَساكِرِها بَنوهُ
- لَأَوشَكَ أَن يَكونَ أَبا البَرايا
يُحَلِّأُنا عُقوقُ أَبي يَزيدٍ
- عَنِ الصَهباءِ صافِيَةَ العَشايا
- قال ابن الرومي:[٦١]
كُفِّي مَلامَكِ قد ملكتُ عناني
- وحفِظتُ فيك نصيحة النَّدمانِ
أأغيبُ عنكِ فتنعمينَ برقدةٍ
- لا خيرَ بعدك في حبيب ثاني
هلّا وَفيْتِ بما وعدت كما وفى
- لكِ من وطئت به على الإحسان
المراجع
- ↑ محمد خفاجي، الحياة الأدبية في العصر العباسي، صفحة 36. بتصرّف.
- ↑ وزارة التربية والتعليم التطوير التربوي، الأدب العربي، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ حملاوي مروة، لعور إيمان، بنية القصيدة العباسية عند الشعراء المولدين بشار بن برو وأبي نواس أنموذجًا، صفحة 10. بتصرّف.
- ^ أ ب ياسمينة محمد محمود عمر، خصائص الشعر في العصر العباسي، صفحة 307. بتصرّف.
- ↑ أمينة بيطار، تاريخ الغصر العباسي، صفحة 388. بتصرّف.
- ↑ ياسر عبد الكريم الحوراني، الشعر والتكسب، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 138. بتصرّف.
- ↑ أحمد الطيب خوجلي عباس، الاتجاه التجديدي وأثره في نهضة الشعر في العصر العباسي الأول، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 160. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 197. بتصرّف.
- ^ أ ب شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 181. بتصرّف.
- ↑ ناصر الحميدي، الشعر في كتاب الأوراق للصولي دراسة تحليلية، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ أمينة البيطار، تاريخ العصر العباسي، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ مدينة خالد الزبير، الشعراء البدو في العصر العباسي الأول، صفحة 52. بتصرّف.
- ↑ آمال بو عطيط، شعر اللهو والمجون في العصر العباسي، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ زركوك سميرة، البني الأسلوبية في زهديات أبي العتاهية، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ عائشة أرفيس، سمية مام، تداعيات آراء فرقة المعتزلة على الأوضاع العامة للخلافة العباسية، صفحة 22. بتصرّف.
- ^ أ ب ساهرة حمدان، صورة الخلافة في الشعر العباسي في القرنين الثاني والثالث الهجريين، صفحة 38. بتصرّف.
- ^ أ ب بطرس البستاني، أدباء العرب في الأعصر العباسية، صفحة 32. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الأعصر العباسية، صفحة 33. بتصرّف.
- ↑ "أجارتنا ما بالهوان خفاء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الأعصر العباسية، صفحة 48. بتصرّف.
- ↑ "أسقياني من شمول"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ زركوك سميرة، البنى الأسلوبية في زهديات أبي العتاهية، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ "تولت جدة الدنيا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ فؤاد حنا ترزي، مسلم بن الوليد صريع الغواني، صفحة 44. بتصرّف.
- ↑ "وقائل ليست له همة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ الخطيب التبريزي، شرح ديوان ابي تمام، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ "مثل ودي لا يغيره"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "السيف أصدق أنباء من الكتب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "وساحرة العينين ما تحسن السحرا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "قد لعب الدهر على هامتي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "خذ العيش الهني من المجوس"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ هبة رشاد الدسوقي، مظاهر التجديد في العصر العباسي الأول، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ طه حسين، تقليد وتجديد، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ أحمد الطيب عباس ، الاتجاه التجديدي وأثره في نهضة الشعر العباسي الأول، صفحة 35. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 181. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 204. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 229. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 246. بتصرّف.
- ↑ ناصر الحميدي، الشعر في كتاب الأوراق للصولي دراسة تحليلية، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 400. بتصرّف.
- ↑ عبد المنعم إبراهيم الحاج محمد، الهجاء في العصر العباسي الثاني دراسة تحليلية في شعر البحتري وابن الرومي وابن المعتز، صفحة 45. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 444. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 459. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 473. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 486. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الاعصر العباسية، صفحة 163. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الأعصر العباسية، صفحة 164. بتصرّف.
- ↑ "تعاط الصبابة أو عانها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 255. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم، ديوان علي بن الجهم، صفحة 141.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الأعصر العباسية، صفحة 180. بتصرّف.
- ↑ "يا سائلي عن مجمع اللذات"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 324. بتصرّف.
- ↑ " ألا انتظروني ساعة عند أسماء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 347. بتصرّف.
- ↑ الصنوبري، ديوان الصنوبري، صفحة 392.
- ↑ "قل لغصن البان الذي يتثنى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "وكان الشلمغان أبا ملوك"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.
- ↑ "كفي ملامك قد ملكت عناني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020.