الصبر عند الصدمة

كتابة:
الصبر عند الصدمة

الصبر عند الصدمة الأولى

إنّ للصابرين أجراً عظيماً عند الله -تعالى-، وفيما يأتي بيان مفهوم الصبر عند الصدمة الأولى وسبب عِظم ثوابه:

  • مفهوم الصبر عند الصدمة الأولى: إنّ الصبر عند الصدمة الأولى يعني الصبر عند أوّل لحظات المصيبة، وهو شديدٌ وعظيمٌ، حيث إن الصبر على المصيبة وقت وقوعها أصعب، لذلك فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- الثواب على ذلك أعظم، ومع مرور المِحنة يصبح الصبر على الإنسان أسهل، لذلك يُقاس الصبر بلحظاته الأولى، ولا يعني ذلك عدم حزن الإنسان وتعبيره عن خوالجه، وقد قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ)،[١] فلا لوم على الحزن أو انسكاب الدموع، فهذه من السلوكيات البشرية التي فطروا عليها.[٢]
وفي اللغة العربية معنى صَبر أي: "تجلّد وَلم يجزع، وانتظر فِي هدوءٍ واطمئنانٍ، وَيُقَال صَبر على الْأَمر؛ احتمله وَلم يجزع، وَحبس نَفسه عَنهُ"،[٣] أما اصطلاحاً فهو: "حبس النفس على الطاعة، أو عن المعصية، أو على أقدار الله المؤلمة".[٤]
  • عِظم أجر الصبر عند الصدمة الأولى: لأن الصبر وقت الشدّة صعبٌ، فقد بشّر الله -سبحانه وتعالى- عباده الصابرين عند المصائب بقوله: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)،[٥] وتابع بيان جزاؤهم بقوله -سبحانه-: (أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)،[٦][٤] يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "نِعْمَ الْعِدْلانِ، وَنِعْمَت الْعِلاوَةُ"، والمراد بالعدْلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء، فيظهر جليا مما سبق أن البشرى التي وعدها الله للصابرين منها الصلاة والرحمة والاهتداء، فأي جزاء أحب للمسلم من ذلك.[٧][٨]
  • سبب عِظم الأجر للصبر عند الصدمة الأولى أكثر من أي وقتٍ آخر خلال فترة المحنة والابتلاء: يعود سبب عِظم الثواب والأجر عند أوّل المصيبة لِما قد يقوم به العبد من سلوكيّات قد تنمّ عن السّخط وعدم القبول بقضاء الله وقدره في الشّدة، فلا يكون الأجر الأعظم للصبر بعد حينٍ من الابتلاء، بل يكون في بادئ الأمر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى).[٩][١٠][١١]
وقد ورد الحديث عن امرأة كانت تنوح على صبيٍّ لها، فمرّ بها رسول لله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اتَّقِى اللهَ وَاصْبِرِى، فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِى بِمُصِيبَتِى. فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهَا مِثْلُ المَوْتِ. فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ)،[١٢][١٠][١١] فيُحمد الصبر عند حدّة المصيبة وشدّتها.[١٣] فالصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر العظيم هو ما يقع من الثبات في القلب حين يهاجمه شيء من مقتضيات الجزع.[١٤]


آداب الصبر

إنّ للصبر العديد من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها ليكون صبره كاملاً ولينال الأجر العظيم من الله -سبحانه-، وفيما يأتي ذكرها:[١٥]

  • الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره: فمن الأمور التي كتبها الله -سبحانه وتعالى- على البشر المصائب والابتلاءات لامتحانهم، فيحرص المسلم على تهيئة نفسه والرضى بما كتبه الله -سبحانه- عليه من القضاء والقدر، وكلّ شيءٍ بيد الله، قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ).[١٦]
  • الاستعانة بالله والتوكل عليه: وتكون الاستعانة بالله والتوكّل عليه بطلب العون منه، والثقة التامة به وبأن العِوَض آتٍ، فكلما كانت ثقة الإنسان بربّه كبيرة خفّ بلاؤه، وازداد صبره وطمأنينته بما كتبه الله عليه، وعلم أنّ الله أراد به خيراً، ومن أهم الأمور التي تعين الإنسان في محنته؛ أن لا يفقد الأمل بالفرج وقدوم الغيث من الله؛ قال -تعالى-: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ).[١٧]
  • حسن الظن بالله: وذلك يكون بأن يعتقد الإنسان جازماً أن الحكمة والخيرة فيما اختاره الله، وأن الله -سبحانه- ينزّل من الابتلاءات ما يمتحن به عباده ليرى فيهم الصبر والإيمان والرضا، وبذلك يرفع الله الصابر الدرجات، ويضاعف الأجور، ويمحوا السيئات، ويأتي بالعوض الجميل، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي)،[١٨] ومن الأمور التي قد تغيب عن الإنسان؛ أنّ النعمة قد تأتي أحيانا بصورة المنع، فليس كل منعٍ شرّ.
  • الإخلاص لله: يكون الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- في الصبر بالنية الصادقة في أن هذا الصبر خالصٌ لوجه الله -تعالى-، وابتغاءً لمرضاته، ونيلاً لرضاه وثوابه، وليس تفاخراً أو تظاهراً أمام أيٍّ كان، فقد قرن الله -سبحانه وتعالى- الصبر بالإخلاص في القرآن الكريم لمن يستحقّون عقبى الدار بقوله: (وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ).[١٩]
  • عدم تمني الموت: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تمنّي الموت، فذلك لا يأتي إلا عندما يفقد الإنسان الأمل، ويدلّ على أنّه بعيداً عن الثقة بالله والرضا بقضائه وقدره، لذلك كان تمنّي الموت مذموماً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي).[٢٠]
  • سكون الجوارح واللسان: ويكون ذلك بأن لا يفعل الإنسان ما يُغضب الله -سبحانه- في لحظة الصدمة، كالنّواح، والصّراخ، والسّخط مما حدث، أو محاولة إيذاء النفس، أو إيذاء الآخرين.[٢١]
  • عدم كثرة الشكوى: فكثرة الشكوى نوعٌ من عدم الرضا بقضاء الله وقدره، والله -تعالى- هو المستعان وهو الملجأ الذي يعلم بحال عباده وينفعهم، أما الشكوى لغير الله فهي غالبا ما تضرّ بالإنسان بدل أن تنفعه.[٢٢]


أنواع الصبر

إنّ للصبر ثلاثة أنواعٍ رئيسية، وهي:


الصبر على طاعة الله

الصبر على طاعة الله هو الصبر المرتبط بأداء العبادات والطاعات التي فرضها الله -تعالى-، لأن الصبر على العبادة صبرٌ على الشدائد، فالإنسان مجبولٌ على حبّ الهوى والشّهوات والرّاحة، والعبادات تحتاج لهمّةٍ وإرادةٍ لأدائها، فالكسل مثلاً يُثقل النفس عن أداء الصلاة، والبُخل يثقلها عن أداء الزكاة، وكلاهما يثقلها عن أداء الحج والجهاد، كما أن الصيام من أكثر العبادات التي تحتاج إلى الصبر لأدائها، فالامتناع عن الطعام والشراب والشهوات من الأمور التي يؤجر عليها الإنسان بأضعافٍ كثيرة، وقد حدّد الله مقادير الأجر للعبادات، أما الصيام فإنّه -سبحانه- يعطي أجره بغير حساب، لأنه يحتاج إلى صبرٍ عظيم ومجاهدة للنفس، ومن الأمثلة للصبر على الطاعة: قصة إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، حيث رأى إبراهيم -عليه السلام- في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، فباشر سيّدنا إبراهيم لتطبيق ذلك امتثالاً لأمر الله -تعالى- وطاعته، ولكنّ الله -سبحانه- فدا إسماعيل -عليه السلام- بكبشٍ من الجنة.[٢٣][٢٤]


الصبر عن معصية الله

يكون الصبر عن المعاصي عن طريق الابتعاد عن المحرّمات وما نهى الله عنه، ومجاهدة النفس للشهوات، وكبحها عن الوقوع بما يغضب الله -تعالى-؛ كاللّغو، والرفث، والزور، وقد أورد الله سبحانه في كتابه العزيز آياتٍ عن عاقبة الصبر عن المعاصي، فقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)،[٢٥] فالصبر عن المعاصي هو أشدّ أنواع الصبر، وذلك أنّ الشّهوات تحيط بالإنسان من كل جانب، فلا رادع لذلك عند الإنسان المؤمن إلا بالصبر، ومن الأمثلة على الصبر عن المعاصي؛ امتناع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شرب الخمر حين نزل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).[٢٦][٢٤][٢٧]


الصبر على المحن والمصائب

يكون الصبر على المصائب بالرضا بأقدار الله -سبحانه وتعالى-، وعدم السّخط على ذلك، ومن المصائب: موت عزيز، أو المرض بعد الصحة، أو الخسارة والفشل في الحياة، وكما ذكرنا سابقا فإن تطبيق الصبر في هذه المحن يُورث رضا الله والعوض الجميل والثواب الكبير بغير حساب، ويكتب للصابر النجاح والفلاح، ولا بد أن يتذكّر الإنسان أن البلاء لا بد منه، وهو مكتوبٌ على كل البشر، فهذه الدنيا دار ابتلاءٍ وامتحان، كما أنّ الابتلاء دليلٌ على حبّ الله -تعالى- للمسلم حتى إذا قبض روحه كان سليماً لا خطايا عليه، فيدخل الجنة دون حسابٍ ولا سابقة عذاب بإذن الله -تعالى-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ).[٢٨][٢٩][٣٠]


فضائل الصبر

إنّ للصبر فضائل عديدة، ومنها ما يأتي:[٣١][٣٢]

  • صلوات الله ورحمته وهدايته للصابرين: إن الصابرين الذين أصابتهم مصائب آلمت قلوبهم؛ كالحزن والفقد، أو آلمت أبدانهم؛ كالمرض، أو كلاهما، بشّرهم الله -سبحانه وتعالى- بمنحٍ عظيمة، فقول العبد الذي حلّت به المصيبة كما حثّه الله: (إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)،[٣٣] هو تسليمٌ خالصٌ لله -سبحانه- الذي لا معبود سواه، والمدبّر لأمره، والمتصرّف بخلقه كيف يشاء، فكانت صلوات الله ورحمته وهدايته جزاء له.
  • معية الله للصابرين من أسباب السعادة والراحة: حثّ الشرع على الاستعانه بالله -سبحانه- لقضاء كافّة الحوائج، فالله هو المعطي والآخذ، يقول -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)،[٣٤] فإدراك المعنى الحقيقي للاستعانه بالله والصبر يعطي العبد الشعور بالرِّضى والتسليم الذي يبعث الشعور بالراحة والسعادة في القلوب.
  • محبة الله للصابرين: فمن أعظم ما يحفّز العبد المسلم على الصبر هو ذكر الله -سبحانه- في القرآن الكريم أنّه يحب الصابرين، قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)،[٣٥] فحب الله للعبد بركةٌ في حياته الدنيا وفوزٌ له في الآخرة، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حب الله لعباده فقال: (إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى إذَا أحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبَّهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ في السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ويُوضَعُ له القَبُولُ في أهْلِ الأرْضِ).[٣٦]
  • الصبر سببٌ لدخول الجنّة: قال -تعالى-: (أُولَـئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا).[٣٧]
  • الصابرون يوفّون أجورهم بغير حساب: إن أشدّ يومٍ يمرّ على البشر هو يوم القيامة، فلا مفرّ منه، وعندما كان الصبر من أعظم العبادات، كتب الله -سبحانه- للصابرين دخول الجنة من غير حساب، قال -تعالى- في كتابه الكريم: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).[٣٨]
  • جميع المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ: قبل أن يخلق الله سبحانه وتعالى الناس اجمعين؛ قد كتب جميع أحوال الناس في الكتاب المحفوظ، حيث أنه سبحانه بعلمه السابق قد علم ما قد يحل من مصائب في الأرض وفي الناس، لذلك لابد للإنسان بالتحلي بالصبر وعدم لوم النفس والرضا بما كتبه الله وقدره، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[٣٩]
  • الله تعالى يجزي الصابرين بأحسن ما كانوا يعملون: قال -تعالى-: (ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَّـهِ باقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذينَ صَبَروا أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ)،[٤٠] حيث أقسم الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية أنّه يوفّي الصابرين أجورهم بأحسن مما عملوا، أي يُضاعف أجورهم، فالحسنة بعشرة أمثالها إلى أضعافٍ كثيرة، فهو -سبحانه- الكريم لا يضيع عنده حق، ولا يُظلم عنده أحد.

وقد ورد في القرآن الكريم فضائل كثيرة للصبر منها:[٤١]

  • اقتران الصبر بالأعمال الصالحة في القرآن: ورد في القرآن الكريم تسعون موضعاً مختلفاً تحدّث به الله -سبحانه- عن الصبر، ويستأنس المسلم عندما ينظر إلى القرآن الكريم فيجد أن الصبر قد اقترن مع الصلاة، والجهاد، والأعمال الصالحة عموماً، واليقين بالله، والصدق، والحق، والتقوى، والتوكّل، والشّكر، فيُوقن أنه من الخصال التي لا بدّ أن يتحلّى بها لكي يظفر بالأجر العظيم.
  • ضمن الله سبحانه النصر والمدد للصابرين وحفظهم من الشرور والأشرار: فقد قال -تعالى-: (بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)،[٤٢] كما أن الله يؤيّد عباده الصابرين بإبعاد الأذى والضرّ عهم، قال -تعالى-: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).[٤٣]
  • مدْح الله سبحانه لعباده الصابرين: فمن الفطرة أنّ الإنسان مجبولٌ على حبّ تلقّي الثناء من الغير، فكيف إذا علم أن الله -سبحانه- يثني على الصابرين من عباده؟! قال -تعالى-: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[٤٤]
  • الصبر من عزم الأمور: جعل الله سبحانه الصبر من عزم الأمور لأنه من أعظم العبادات وأشدّها، قال -تعالى-: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).[٤٥]
  • الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين: وهي مكانةٌ عظيمةٌ في الدين وشرفٌ لكل من يحظى بها، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[٤٦]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2315، صحيح.
  2. مُحَمَّدِ الصَّنْعَانِيِّ (2011)، كتاب التنوير شرح الجامع الصغير (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية - الرياض: مكتبة دار السلام، صفحة 57-58، جزء 7. بتصرّف.
  3. إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر وآخرون، المعجم الوسيط، مصر - الإسكندرية: دار الدعوة، صفحة 505، جزء الأول.
  4. ^ أ ب أسامة سليمان، شرح صحيح البخاري، صفحة 7، جزء 10. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 155-156.
  6. سورة البقرة، آية: 157.
  7. زكريا الأنصاري (2005)، كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية - الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، صفحة 374-375، جزء 3. بتصرّف.
  8. علي بن خلف (2003)، شرح صحيح البخارى لابن بطال (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية - الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، صفحة 286، جزء 3. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1302، صحيح.
  10. ^ أ ب عياض السبتي (1998)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (الطبعة الأولى)، مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 368، جزء الثالث.
  11. ^ أ ب محمد التتوي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الجيل، صفحة 484، جزء الأول.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 926، صحيح.
  13. ابن قيم الجوزية (1989)، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (الطبعة الثالثة)، دمشق، بيروت، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية: دار ابن كثير، مكتبة دار التراث، صفحة 77.
  14. عبد الرحمن المباركفوري، كتاب تحفة الأحوذي، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 54، جزء 4.
  15. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 172-177، جزء 75.
  16. سورة الحديد، آية: 22.
  17. سورة الحج، آية: 15.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7505، صحيح.
  19. سورة الرعد، آية: 22.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5671، صحيح.
  21. أحمد بن حنبل (2009)، الجامع لعلوم الإمام أحمد - الأدب والزهد (الطبعة الأولى)، جمهورية مصر العربية: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، صفحة 248، جزء 20.
  22. أحمد بن حنبل (2009)، الجامع لعلوم الإمام أحمد - الأدب والزهد (الطبعة الأولى)، جمهورية مصر: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، صفحة 248، جزء 20.
  23. محمد العثيمين (1426 ه)، شرح رياض الصالحين، المملكة العربية السعودية - الرياض: دار الوطن للنشر، صفحة 267، جزء 5. بتصرّف.
  24. ^ أ ب الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 136-155، جزء 75. بتصرّف.
  25. سورة النازعات، آية: 40-41.
  26. سورة المائدة، آية: 90-91.
  27. مجموعة من المؤلفين، مجلة جامعة أم القرى 19 - 24، صفحة 276، جزء 10.
  28. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 2398، حسن صحيح.
  29. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 136-155، جزء 75. بتصرّف.
  30. محمد العثيمين (1426 ه)، شرح رياض الصالحين، المملكة العربية السعودية - الرياض: دار الوطن للنشر، صفحة 267، جزء 5. بتصرّف.
  31. سعيد الفحطاني، أحكام الجنائز، المملكة العربية السعودية - الرياض: مطبعة سفير، توزيع مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، صفحة 170، 172-175، جزء 1. بتصرّف.
  32. سعيد الفحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 1185- 1187، جزء 3. بتصرّف.
  33. سورة البقرة، آية: 156.
  34. سورة البقرة، آية: 45.
  35. سورة آل عمران، آية: 146.
  36. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7485، صحيح.
  37. سورة الفرقان، آية: 75.
  38. سورة الزمر، آية: 10.
  39. سورة الحديد، آية: 22-23.
  40. سورة النحل، آية: 96.
  41. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 178-187، جزء الخامس والسبعون.
  42. سورة آل عمران، آية: 125.
  43. سورة آل عمران، آية: 120.
  44. سورة البقرة، آية: 177.
  45. سورة الشورى، آية: 43.
  46. سورة السجدة، آية: 24.
4967 مشاهدة
للأعلى للسفل
×