الصبر في القرآن

كتابة:
الصبر في القرآن

الصبر في القرآن

ورد ذكر الصبر في القُرآن الكريم في تسعين موضعاً منه، كما ذكر ذلك الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-،[١] وجاءت مادّة صبر في مائة وثلاثة مواضع، ومنها واحد وأربعين بصيغة الاسم؛ كقوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)،[٢] وجاءت في اثنين وستين موضعاً بصيغة الفعل؛ كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)،[٣] وقد تكرّرت بصيغة الفعل الماضي المُفرد تسعة عشر مرّة؛ كقوله -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)،[٤] وجاءت بصيغة جمع المُذكر السالم في ثماني عشر موضعاً؛ كقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)،[٥] وجاءت بصيغة المُبالغة في أربعة مواضع، وهي في نهاية الآية الخامسة من سورة إبراهيم، والآية واحد وثلاثين من سورة لُقمان، والآية التاسعة عشر من سورة سبأ، والآية ثلاثة وثلاثين من سورة الشورى، ومنها قوله -تعالى- في سورة لقمان: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)،[٦][٧] وجاء ذكره في القُرآن على ست عشرة نوعاً، وهي كما يأتي:[٨]

  • النوع الأول: الأمر به؛ كقوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ).[٥]
  • النوع الثاني: النهي عن عدمه؛ كقوله -تعالى-: (فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)،[٩] وتولية الأدبار تكون بترك الصبر، وقد قال -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا)،[١٠] والوهن هو ترك الصبر.
  • النوع الثالث: الثناء على الصابرين، وقدّ تكرر هذا النوع في الكثير من آيات القُرآن؛منها قوله -تعالى-: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[١١]
  • النوع الرابع: محبّة الله -تعالى- للصابرين، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).[١٢]
  • النوع الخامس: معيّة الله -تعالى- مع الصابرين؛ بحفظهم ونُصرتهم وتأييّدهم، وهي معيّةٌ خاصةٌ بهم؛ لقوله -تعالى-: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).[١٣]
  • النوع السادس: إخبار العباد بأنّ الصبر خيرٌ لصاحبه؛ لقوله -تعالى-: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).[١٤]
  • النوع السابع: وجوب الجزاء الحسن للصابرين، قال -تعالى-: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[١٥]
  • النوع الثامن: الجزاء للصابرين يوم القيامة بغير حساب، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).[١٦]
  • النوع التاسع: البشرى للصابرين في قوله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).[١٧]
  • النوع العاشر: النصر والتأييّد للصابرين من الله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).[١٨]
  • النوع الحادي عشر: أهل الصبر هم أهل العزيمة، قال -تعالى-: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).[١٩]
  • النوع الثاني عشر: الإخبار عن الصابرين بأنهم أهل الأعمال الصالحة والخير العظيم، قال -تعالى-: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).[٢٠]
  • النوع الثالث عشر: الإخبار عن الصابرين بأنّهم الذين يتعظون وينتفعون بالآيات والعبر، قال -تعالى-: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).[٢١]
  • النوع الرابع عشر: الإخبارعن الصابرين بأنهم أهل الفوز بالجنة، والنجاة من المصائب والنار، قال -تعالى-: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).[٢٢]
  • النوع الخامس عشر: الإمامة في الدين تكون للصابرين، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[٢٣]
  • النوع السادس عشر: اقتران الصبر بالإسلام والإيمان واليقين والتقوى والتوكّل والعمل الصالح والرحمة؛ فهو بمنزلة الرأس من جسد الإنسان، وجُزءٌ من الإيمان؛ فالمرء من غير رأس لا حياة له، وكذلك من غير صبر لا إيمان له، كما أنه نورٌ وضياءٌ لصاحبه، وخيرٌ للمرء في دينه ودُنياه، لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)،[٢٤] وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر أصحابه والأنصار بالصبر على الفتن والمصائب حتى يلقوه على الحوض، فهو خيرٌ لهم من التضجّر والتشكّي.


وتجدر الإشارة إلى أنّ الصبر من الأُمور الواجبة بإجماع الأُمّة، كما نُقل ذلك عن الإمام أحمد؛ لأنّ الإيمان نصفان، صبرٌ وشكر.[٢٥]


معاني الصبر في القرآن

وردت كلمة الصبر في القُرآن الكريم بخمسةِ معانٍ، وأكثر معانيها وروداً أنها تكون بمعنى الكفّ عن الجزع، وتحمّل المصائب، وبمعنى الثبات بالدرجة الثانية، وبعدها بمعنى الرضا، ثُمّ الصوم، ثُمّ الجُرأة، وفيما يأتي بيان ذلك:[٧]

  • الصبر بحبس النفس عن المكاره وعدم الجزع، وهو أكثر معانيها ذكراً، قال -تعالى-: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ).[٢٦]
  • الصبر بمعنى الجُرأة، مثل قوله -تعالى-: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)،[٢٧] فقال الحسن وابن جُبير وغيرهم: أي ليس لهم عليها صبر، ولكن ما أجرأهم عليها.
  • الصبر بمعنى الصوم، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)،[٢] فقال مُجاهد: إنّ الصبر هُنا يعني الصوم، ولذلك يُسمى رمضان شهر الصبر.
  • الصبر بمعنى الرضا بقضاء الله -تعالى- وقدره مع التسليم له، قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)؛[٢٨] أي كون العبد راضياً بقضاء الله -تعالى- ولا يتضجّر أو يتذمّر منه.
  • الصبر بمعنى الثبات، قال -تعالى-: (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ)؛[٢٩] أي اثبتوا على عبادتها؛ فقد كان المُشركون سيرفضون عبادة الأصنام بعد مجيء الإسلام، ولكنّهم ثبتوا على عبادتها.


كيفية الاستعانة بالصبر والصلاة

يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)،[٥] وهو إرشادٌ منه لعباده بذكره وشُكره، ثُمّ الاستعانة بالصبر عن معصيته؛ فالصلاة عمود الدّين، والجمع بين الذكر والشُكر والاستعانة بالصبر والصلاة؛ فيه توفيقٌ لطاعة الله -تعالى-، وتأدية أوامره؛ فالاستعانة بالصبر والصلاة يكون بالصبر على أداء الفرائض؛ لأنّها أُمّ العبادات، وفيه يكون البُعد عن الجزع والمُحرّمات،[٣٠] كما وتكون الاستعانة بتوجّه العبد إلى خالقه بالدُعاء، وفعل العبادات،[٣١] والصبر والصلاة تحلّ العُقد، وفيه حبسٌ للنفس عن المُحرّمات،[٣٢] وكذلك يكون الصبر على الطاعة حتى تُؤدّى، وعن المعصية حتى تُترك، وعلى قدر الله -تعالى- لكي لا يتسخّط، وبالصلاة يكون النهي عن الفحشاء والمُنكر، والاستعانة بها على جميع الأُمور.[٣٣]


والاستعانة بالصبر والصلاة تملئ القلب بالخشوع والخشية من الله -تعالى-، وتساعد العبد على تحمّل المصائب والمشاق، ويعزّز ذلك ثقة المُسلم بخالقه، وقد خصّهما الله -تعالى- بالذكر؛ لأنّ الصبر أشدّ الأمور الباطنيّة على النفس، والصلاة أشدُّها في الأُمور الظاهريّة، وفيها الانقطاع عن الدُنيا، والتوجّه إلى الله -تعالى-، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا اشتدّت عليه الأُمور اتّجه إلى الصلاة.[٣٤]


تعريف الصبر

يُعرف الصبر في اللُغة بأنّه عكس الجَزَع والحبس في ضيق؛ فالصبر هو حبس الإنسان نفسه عن الجزع، ولسانه عن الشكوى، وجوارحه عن التشويش، فيُقال فُلانٌ صبر: إذا أُمسك وحُبس للقتل،[٣٥] وهو من الأخلاق الفاضلة التي تمنع صاحبها وتحبسه عن فعل القبيح، ويستعين بها على صلاح شأنه وقوام أمره،[٣٦] كما أنّه من أكثر الأخلاق التي اهتمّ بها القُرآن الكريم، من خلال ذكره في الكثير من آياته،[٣٧] وفي هذا المقال بيانٌ للصبر في القُرآن، وأنواعه، ومعانيه، وكيفيّة الاستعانة به وبالصلاة.


المراجع

  1. محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (1989)، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (الطبعة الثالثة)، المدينة المنورة: مكتبة دار التراث، صفحة 71. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة البقرة، آية: 45.
  3. سورة آل عمران، آية: 200.
  4. سورة لقمان، آية: 17.
  5. ^ أ ب ت سورة البقرة، آية: 153.
  6. سورة لقمان، آية: 31.
  7. ^ أ ب إسلام ويب (18-12-2017)، "لفظ (الصبر) في القرآن الكريم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2020. بتصرّف.
  8. محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (1996)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 151-155، جزء 2. بتصرّف.
  9. سورة الأنفال، آية: 15.
  10. سورة آل عمران، آية: 139.
  11. سورة البقرة، آية: 177.
  12. سورة آل عمران، آية: 146.
  13. سورة الأنفال، آية: 46.
  14. سورة النحل، آية: 126.
  15. سورة النحل، آية: 96.
  16. سورة الزمر، آية: 10.
  17. سورة البقرة، آية: 155.
  18. سورة آل عمران، آية: 125.
  19. سورة الشورى، آية: 43.
  20. سورة فصلت، آية: 35.
  21. سورة سبأ، آية: 19.
  22. سورة الرعد، آية: 23.
  23. سورة السجدة، آية: 24.
  24. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي ، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.
  25. حامد بن محمد بن حسين بن محسن (1996)، فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد (الطبعة الأولى)، الرياض: دار المؤيد، صفحة 363. بتصرّف.
  26. سورة الحج، آية: 35.
  27. سورة البقرة، آية: 175.
  28. سورة الطور، آية: 48.
  29. سورة ص، آية: 6.
  30. أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني (1992)، فتحُ البيان في مقاصد القرآن، صيدا - بيروت: المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صفحة 317، جزء 1. بتصرّف.
  31. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 18، جزء 4. بتصرّف.
  32. أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل (2010)، الأخلاق الزكية في آداب الطالب المرضية (الطبعة الثالثة)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 98. بتصرّف.
  33. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، موسوعة فقه القلوب، عمان - الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 1864، جزء 2. بتصرّف.
  34. وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418 هـ )، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر المعاصر ، صفحة 39-40، جزء 2. بتصرّف.
  35. محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس ، مصر: دار الهداية ، صفحة 272، جزء 12. بتصرّف.
  36. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة - مفهوم، ونظر، وتطبيق، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 177، جزء 1. بتصرّف.
  37. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 309، جزء 1. بتصرّف.
3697 مشاهدة
للأعلى للسفل
×