العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة

كتابة:
العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة

العاطفة في الأدب

لا ينفصل الشعر عن العاطفة؛ فهو كيان لغوي تتابع فيه المضامين وفقًا لتلك الدفقات الشعورية التي اكتنفت الشاعر في لحظة ما، واستحالت في قالب لغوي يمكن الشاعر من خلق جسر للتواصل الانفعالي والفكري بينه وبين المتلقي، فلفظة شعر تبدو محملة بهالة من العاطفة التي تبعد بالقول عن المنطق والجمود العقلي، لا سيما إن امتزجت العاطفة بالخيال حيث تضفي على الشعر واقعية تكفل له القدرة على مخاطبة القلوب والعقول في آن واحد، ولا بد للعاطفة أن تتسم بالصدق لتمكن الشاعرمن التأثير على المتلقي وإثارة الانفعال الذي يعيشه الشاعر لحظة الكتابة في نفسه[١]، والعاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة مثالًا حيًا قام الشاعر من خلاله بتجسيد مشاعر أمته في حس خيال عاطفي.

العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة

اهتم ميخائيل نعيمة بنقد الواقع الاجتماعي ومحاولة تغييره وإعادة تهيئته من خلال التأثير العاطفي على المتلقي في قصائده، فقد انطلق لتجسيد الحرب وآثارها الوخيمة التي تعمل على تدمير المجتمع بتفكيك أفراده وسحقهم ماديًا ونفسيًا من خلال العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة حيث يقول فيها:[٢]

أخي! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ
وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ ماتوا وعَظَّمَ بَطْشَ أبطالِهْ
فلا تهزجْ لمن سادوا ولا تشمتْ بِمَنْ دَانَا
بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشِعٍ دامٍ
لنبكي حَظَّ موتانا

تبدو العاطفة في قصيدة اخي لميخائيل نعيمة في بداية المقطع الشعري، واهنة مقيدة بقيود المنطق التي يفرضها أسلوب الشرط وأسلوب النهي وأفعال الأمر، وحتى ملامح الحزن واليأس التي تضفيها كلمات مثل نبكي، وقلب خاشع، في آخر المقطع قد ظلت محصورة في نطاق اللفظ بعيدًا عن الإحساس والشعور الذي يعكسه أسلوب النداء الذي عمد إلى تكراره في سائر مقاطع القصيدة إذ يقول: [٢]

أخي! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو يزرَعْ
ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً هَدَّهُ المِدْفَعْ
فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ مَأْوَانا
ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في أراضِينا
سوى أجْيَاف مَوْتَانا

فعلى الرغم من أن ميخائيل نعيمة لايزال يلجأ فيه إلى أسلوب الشرط، إلا أن منطقه يبدو فاقدًا للفاعلية أمام تيار العاطفة الذي أخذ يجتاح النص الشعري بقوة، إذ تخيم أجواء من اليأس والحزن في أرجاء المقطع وتحيق به سوداوية عالية تحبط مغارس الأمل التي يحاول الفلاح التمسك بها، ويقول:[٢]

أخي! قد تَمَّ ما لو لم نَشَأْهُ نَحْنُ مَا تَمَّا
وقد عَمَّ البلاءُ ولو أَرَدْنَا نَحْنُ مَا عَمَّا
فلا تندبْ فأُذْن الغير ِ لا تُصْغِي لِشَكْوَانَا
بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفْشِ والمِعْوَل
نواري فيه مَوْتَانَا

في هذا المقطع الشعري يبرر الشاعر سبب سوداويته التي قضت على ملامح الأمل وإعادة الحياة في المقطع السابق، فهو لا يلقي باللوم على الوقائع والحروب، إنما على البشر الذين كانوا سببًا رئيسًا في تحقيق الخراب والدمار وكل ما يليه من انخذال وانكسار، لذلك فهو قد يبدو محقًا في تفضيله للموت على الحياة والنجاة في قوله: [٢]

أخي! مَنْ نحنُ؟ لا وَطَنٌ ولا أَهْلٌ ولا جَارُ
إذا نِمْنَا، إذا قُمْنَا رِدَانَا الخِزْيُ والعَارُ
لقد خَمَّتْ بنا الدنيا كما خَمَّتْ بِمَوْتَانَا
فهات الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر
نُوَارِي فيه أَحَيَانَا

تبدو العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة مشحونة بالتناقض إذ يمتزج فيها الألم والحزن والتشاؤم، بنكهة القرب والحنين التي تنبثق من كلمة أخي والتي لا تنفك تتكرر في سائر مقاطع القصيدة، فكان الواقع يحمله على اتخاذ وجهة لا يرغب بها، والبوح بكلمات لم يكن يريد البوح بها يومًا، إلا أن المرارة التي تكتنفه، والرغبة الجامحة بتحقيق تغيير للواقع لاتزال مكبوتة في داخله تتنشقها أنفاسه التي تراقب الواقع وما يحل به من أعراض الدمار في كل حين.

العاطفة والمضمون الفكري

يعدّ الشاعر ميخائيل نعيمة شاعرًا اجتماعيًا بصفته فردًا من أفراد الرابطة القلمية التي اخذت على عاتقها الاهتمام البالغ بالتركيز على الحياة الاجتماعية والنزوع نحو الإنسانية الحية التي تنهض بالمجتمعات وتعمل على تطويرها.[٣].

وقد وظف ميخائيل نعيمة شعره عامة لخدمة الإنسانية من خلال مضامينه المبذولة في سبيل تغيير الواقع وتحسينه، وقد بدت العاطفة في قصيدة أخي لميخائيل نعيمة سبيله في تحقيق ذلك، إذ اتخذ من السوداوية والتشاؤمية فيها سوطًا يجلد به الإنسانية لعلها تفوق من غفلتها فتكتشف أثر الدمار الذي حققته باندفاعاتها الوحشية التي تناقض الطبيعة الفطرية للإنسانية، ولعله قد ارتكز على العاطفة في تحقيق ذلك، فقد تجاوز آثار الحرب المادية وسلط الضوء على مخلفاتها النفسية وحسب ليستجذي بذلك انفعالات القراء وتفاعلهم العاطفي الذي يأمل منه الشاعر أن يبدد خمودهم ويطلق ثورتهم لاستعادة الحياة كما وجبت منذ بدء الخليقة للإنسانية.[٣].

المراجع

  1. محمد الحاج ميدغو (2015)، العاطفة والخيال في شعر غنيمي البرناوي دراسة أدبية تحليلية لنماذج مختارة (الطبعة الأولى)، نيجيريا: جامعة ولاية يوبي ، صفحة 3. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث "أخي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-09-2019.
  3. ^ أ ب فصل سالم أحمد العيسى (2004)، النزعة الإنسانية في شعر الرابطة القلمية (الطبعة الأولى)، الأردن: جامعة آل البيت، صفحة 68. بتصرّف.
7122 مشاهدة
للأعلى للسفل
×