العواطف
إنّ العواطف Emotions هي مزيج من الإثارة الفسيولوجيّة، والسلوكيات، والأفكار ذات الخبرة الواعية والمشاعر، ويهتمّ علم النفس باكتشاف كيف تتناسب هذه المكونات الثلاث معًا في تكوين العواطف، ويمكن أن تكون العواطف حالات -مثل الهلع- أو تصرفات -مثل العدوان- ويمكن أن تكون قصيرة الأمد -مثل الغضب- أو طويلة الأمد -مثل الحزن-، وتوصف العواطف على أنها موجودة في سلسلة متواصلة من الشدّة أو الحِدّة، إذ قد يتراوح الخوف والقلق من القلق البسيط إلى الرعب، أو قد يتراوح الشعور بالعار بين الإحراج البسيط والعار الذي يؤدي الى القتل، وقد تم وصف العواطف على أنها تتكون من مجموعة منسقة من الاستجابات، والتي قد تشمل استجابات لفظية و فسيولوجية وسلوكية وعصبية.[١]
وظائف العواطف
تؤدّي العواطف مجموعة كبيرة من الوظائف، فللعواطف وظيفة المعايرة، والتي تعمل على مقارنة نشاط الفرد بالقوى الأخرى وتصديقها، مما يؤدي إلى الاقتناع العام بالحقيقية أو الموثوقية، إذ لا يمكن الاعتماد فقط على الحواس البشرية لسبب بسيط، هو أن الحواس معرّضة إلى التكيف الحسي، إن الحواس في الواقع لا تُخبر الفرد شيئًا، أي لا تخبره بالحقيقة ولا بالكذب، وتؤدّي العواطف أيضًا وظيفة وجودية، فالعواطف وسيلة لاكتشاف البيئة المحيطة، وبالتالي تلعب دورًا في اتخاذ القرارات الفردية، بعض العواطف تجعل الفرد ينظر إلى العالم على أنّه مُعادٍ أو مقيت أو مهم، إذ يُنظر إلى الكائن المدرك مباشرة على أنه خارجي بالنسبة للفرد.[٢]
في الواقع، تلعب العواطف العديد من الأدوار المهمّة في حياة الناس، منها ما هو متعلق بالوظائف الانفعالية الذاتية، والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف داخل كل فرد على حدة، ومنها ماهو متعلق بالوظائف بين-الشخصية للعاطفة، والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف في العلاقة بين الأفراد داخل المجموعة، ومنها ما هو متعلق بالوظائف الاجتماعية والثقافية، والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف في الحفاظ على النظام الاجتماعي داخل المجتمع، بشكلٍ عامّ، فإن العواطف تخبر الأفراد عن ذواتهم، وعلاقاتهم مع الآخرين، وكيف يتصرفون في التفاعلات الاجتماعية، فالعواطف تعطي معنى للأحداث، ودون عواطف، ستكون هذه الأحداث مجرد معلومات، ومن بعض وضائف العواطف الآتي:[٣]
تجهز الجسم للسلوك الفوري
تعدّ العواطف أنظمة معالجة معلومات سريعة، تساعد الأفراد على العمل بأقل قدر من التفكير، وقد تطورت العواطف لمساعدة البشر في التكيف مع المشاكل بسرعة وبأقل تدخل إدراكي واعٍ، فإذا لم يكن لدى الأفراد عواطف، فلن يتمكن الإنسان من اتخاذ قرارات سريعة تتعلق بمهاجمة الآخرين أو الدفاع عنهم أو الفرار أو رعاية الآخرين أو رفض الطعام أو الاقتراب من شيء مُفيد، وقد أسهمت العوطف والانفعالات على قابلة التكيّف والقدرة على البقاء.[٤]
والعواطف تجهّز للسلوك، فعند إثارة الانفعالات، تقوم بتنسيق الأنظمة مثل: الإدراك والانتباه والاستدلال والتعلم والذاكرة واختيار الهدف والأولويات التحفيزية والتفاعلات الفسيولوجية والسلوكيات الحركيّة واتخاذ القرارات السلوكية، كما تعمل العواطف في الوقت نفسه على تنشيط أنظمة معينة وتعطيل أنظمة أخرى، من أجل منع فوضى الأنظمة المتنافسة التي تعمل في الوقت نفسه، ممّا يسمح باستجابات منسقة للمنبهات البيئية، فعلى سبيل المثال، عندما يشعر الإنسان بالخوف، يغلق جسمه العمليات في الجهاز الهضمي غير الضرورية مؤقتًا ، مما يؤدي إلى تقليل اللعاب وحصول جفاف في الفم؛ ثم يتدفق الدم بشكل غير متناسب إلى النصف السفلي من الجسم؛ ويتوسّع المجال البصري؛ وتزداد سرعة التنفس، وكل هذه العمليات تجهّز الجسد للفرار.[٥]
تؤثر على الأفكار
ترتبط العواطف أيضًا بالأفكار والذكريات، فالذكريات ليست مجرّد حقائق مشفرة في دماغ الانسان، إنّها تتغير اعتمادًا على العواطف التي شعر الانسان بها في تلك اللحظة التي حدثت فيها الحقائق وبالتالي، فإن العواطف تعد بمثابة الرابط العصبي الذي يربط تلك الحقائق المتباينة في دماغ الأفراد، هذا هو السبب في أنه من الأسهل تذكر الأفكار السعيدة عندما يكون الفرد سعيدًا، والأوقات التعيسة عندما يكون الفرد غاضبًا، وقد اشارت الابحاث النفسية ان العواطف تخدم الأساس العاطفيّ للعديد من المواقف والقيم والمعتقدات التي تحيط بالأفراد حول العالم، وتؤثر العواطف على عمليات التفكير، أحيانًا بطرق بناءة، فمن الصعب التفكير بشكل نقديّ وواضح عندما يشعر الفرد بمشاعر شديدة، ولكن ذلك يكون أسهل عندما لا تكون هناك مشاعر.[٦]
تحفز السلوكيات المستقبلية
لأنّ العواطف تجهز الأجسام للعمل الفوريّ، وتأثر على الأفكار، ويمكن الشعور بها، فهي محفّزات مهمّة للسلوك المستقبلي، إذ يسعى الكثير من الأفراد لتجربة مشاعر الرضا والقناعة والفرح والفخر أو الانتصار في الإنجازات، وفي الوقت نفسه، فهم يعملون أيضًا لتجنب المشاعر السلبية القوية، فعلى سبيل المثال، ومجرد أن يشعر الفرد بانفعال الاشمئزاز عند شرب اللبن الفاسد، فإن هذا الشعور سيعمل بشكل عام على العواطف، وبالتالي، فهو لا يؤثر فقط على السلوكيات الفورية ولكنه يعمل أيضًا بمثابة أساس تحفيزيّ مهمّ للسلوكيات المستقبلية.[٧]
تسهل التعامل مع الآخرين
نظرًا لأن تعابير الوجه للعاطفة هي إشارات اجتماعيّة عامة، فإنها لا تحتوي على معنى حول الحالة النفسية للمعبِّر فقط، ولكنها تحتوي معنى حول نيّة ذلك الشخص وسلوكه اللاحق أيضًا، وتؤثر هذه المعلومات على إدراك السلوك المحتمل لذلك الشخص، فقد وجدت إحدى الدراسات النفسية إن الأشخاص الذين يلاحظون الوجوه السعيدة، هم أكثر عرضة لإنتاج سلوكيات مرتبطة بالتقارب، في حين أن الأشخاص الذين يلاحظون الوجوه الغاضبة سيكونون أكثر عرضة لإنتاج السلوكيات المتعلّقة بالتجنب.[٨]
التعبيرات العاطفية تشير إلى طبيعة العلاقات الشخصية
توفّر التعبيرات العاطفية معلومات حول طبيعة العلاقات بين المتفاعلين وكيفية التعامل مع الآخرين، وتأتي بعض أهم الفرضيات والنتائج في هذا المجال من دراسات تشمل المتزوجين، ففي إحدى الدراسات، زار الأزواج مختبرًا بعد أن لم يشاهدوا بعضهم البعض لمدة 24 ساعة، ثم انخرطوا في محادثات حميمة حول الأحداث اليومية أو حول قضايا الصراع بينهم، تنبأت عبارات الازدراء المتقطعة، وخاصة من قبل الرجال، والشعور بالاشمئزاز، وخاصة من قبل النساء، بعدم الرضا الزوجي في وقت لاحق وحتّى الطلاق.[٩]
التعبيرات العاطفية تحفز السلوك الاجتماعي المطلوب
تعدّ تعابير الوجه من المؤثّرات المهمة للتفاعل الاجتماعي، فقد وجدت إحدى الدراسات الخاصة بسلوكيات الرضّع عندما يلاحظون تعبيرات امهتهم، وتم وضع الأطفال الرضع على لوح زجاجيّ موضوع عليه دمية لجذبهم، وأشارت النتائج أنه في حال ابتسمت الأمهات لأول مرة للرضع، يبدأ الرضع بالزحف دائمًا إلى أمهاتهم، عندما كان الرضّع في وسط الطاولة، بينما شكلت الأم تعبيرًا في وجهها عن الخوف أو الحزن أو الغضب أو الاهتمام أو الفرح، وكانت النتائج مختلفة بشكل واضح باختلاف الوجوه، فلم يعبّر الرضع الطاولة عندما أبدت الأم خوفها؛ بينما قام بذلك 6٪ من الأطفال عندما شكلت الأم تعبير الغضب، و 33٪ تحركوا عندما كانت الأم تشعر بالحزن، وحوالي 75٪ من الأطفال عندما كانت الأم تعبّر عن الفرح أو الاهتمام.[١٠]
جذور العواطف
في نظريات العواطف النفسيّة، يظهر نوع معين من الصعوبة في إعطاء حساب لجذور العاطفة؛ ذلك لأن العاطفة ليس لها مكوّن معرفيّ محدّد ومن الممكن أيضًا رؤية هذه التعقديات اعتمادًا على الملاحظة اليومية ووضع تصورات مختلفة للعواطف، وعلى الرغم من أن نظريات العاطفة النفسية أحيانًا ما تكون نادرة للغاية، لكن بشكل عام فإنّ العاطفة غير منظمة أو متناقضة إلى حد ما مع الإدراك، بحيث يصعب إجمالها ووصفها[١١]. وفي النظريات المبكرة، يمكن أيضًا رؤية نشأة العديد من القضايا التي تثير دراسة العاطفة، وربما تغيرت تقنيات البحث والتطور النظري، ولكن القضايا لا تزال قائمة، من السهل أن تتم ملاحظة كيف ولماذا نشأت العواطف، وكيف يمكن أن ينظر إلى العاطفة على أنّها مجموعة من ردود الفعل والظواهر التي تتناقض مع العقل أو العقلانية، وهو شيء يجب التعامل معه والانتباه اليه، لكن المنظرين الأوائل للعاطفة لم يستغرقوا وقتًا طويلاً قبل أن يبدأوا في إظهار أن العاطفة هي كثيرة التعقيد[١١]، ويمكن إجمالًا وضع شرح بسيط للنظريات التي فسرت أصل العواطف وتأثيراتها وعملها على النحو التالي:[١١]
نظريات العواطف ومفهوم الذات
هناك عدد من النظريات القائمة على الظواهرية phenomenologically ، التي ترتبط العاطفة بالوعي الذاتي، على سبيل المثال فإن إبشتاين هو في المقام الأول منظّر حول الوعي ذاتي، لكنه مهتمّ أيضًا بالنظر في العلاقة بين مفهوم الذات والعواطف والدوافع، اقترح نظرية ذاتية معرفية-تجريبية CEST، يؤكد فيها أن جميع الناس يقومون تلقائيًا ببناء نظريات ضمنية للواقع، حيث توجد أقسام فرعية لنظرية الذات، والنظرة عن العالم، وافتراضات الربط بينهها وبين العاطفة.[١٢]
داخل هذه النظرية، يُنظر إلى العواطف على أنها مؤثرة وتتأثر بنظرية الواقع الضمنية للشخص، وتلعب دورًا مهمًا في تطوير النظم المفاهيمية، ويُنظر إلى البُنيات العاطفية على أنها تتطور حول العواطف الأولية، التي يراها آبشتاين على أنها منظّمة وتعمل على تنظيم الجوانب المعرفية والعاطفية للفرد، فالعواطف المتصورة بهذه الطريقة هي وحدات معرفية عاطفية تنظم أنماط سلوكية متكيفة، توفر خلفية مرجعية يمكن أن يتطور فيها نموذج الذات والعالم.[١٢]
النظرية السلوكية للعاطفة
طرح واتسون في السنوات 1929 ، 1930 أول النظريات السلوكية الواضحة للعاطفة، على الرغم من أنّه أكّد الأشياءَ الفسيولوجية أيضًا، فالعاطفة من وجهة نظره رد فعل نمطي وراثي ينطوي على تغييرات عميقة لآلية الجسم ككل، وبشكل خاص الجهاز الحشوي والغدي، وذهب واتسون للتمييز بين ردود الفعل العاطفية والغريزية، من خلال اقتراح أن التحفيز العاطفي يصدم كائنًا في حالة مؤقتة من الفوضى، بالرغم من أن رد الفعل الغريزي ليس فوضويًا، إن العواطف غير منظمة، وبناءً على أساس عمله المعروف بشكل خاص مع الأطفال، افترض واطسون أن هناك ثلاثة أنواع من رد الفعل العاطفي الأساسي: الخوف والغضب والحب، وأكد أنه بسبب الارتباك اللفظي سيكون من الأفضل تسمية ردود الفعل الثلاثة X و Y و Z، بسبب الإزالة المفاجئة للدعم الذي يوفره الأبوان للرضيع والأصوات الصاخبة والمحفزات الخفيفة والمفاجئة، تمامًا مثلما ينام الطفل أو يستيقظ، والنتيجة هي التقاط الأنفاس، والتقاط اليد، وإغلاق العين، والشفاه، والبكاء، ويحدث رد فعل Y بسبب إعاقة الحركات ويتضمن الصراخ والبكاء وتيبّس الجسم وتهيّج الأطراف وحبس النفس، ويحدث الابتسام والهدوء الذي يميز التفاعل Z بسبب التلاعب اللطيف، خاصة في المناطق الجنسية.[١٣]
لقد كان إسهام واتسون الرّئيس في نظرية العاطفة هي تقديم وجهة النظر الثلاثة هذه، والتي كان لها تأثير لاحق على الكثير من الدراسات النفسية، لا سيّما على التأكيد على السلوك بدلًا من المشاعر أو الحالات الداخلية، ووضعت نظرية العوامل الثلاثة والدراسة المقتبسة منها الكثير من التوضيح حول تكييف الخوف من الأطفال الصغار حول الأساس لبناء النظريات السلوكية اللاحقة للعاطفة.[١٣]
العاطفة والاستجابة الفسيولوجية
يساوي وينغر 1950 الاستجابات الداخلية لجسم الانسان بالعاطفة، ولكنّه يصف أيضًا كيف يمكن أن تعمل العاطفة بوصفها روبوت افتراضي، وهو يركز على السلوك، لكنه ينظر إلى الحالات العاطفية على أنها مجموعة استجابات داخلية عاطفية، وهو بذلك يصف لماذا لا توجد لدى الأفراد لغة كافية لوصف العاطفة، ويقترح وينجر كذلك أن إدراك المنبهات العاطفية يعتمد على الاقتران بالمحفزات المكيفة وغير المشروطة، وهو الذي يؤدي إلى إثارة الجهاز العصبي اللاإرادي، وبالتالي يؤدي إلى الاستجابات الحشوية الداخلية، التي تؤدي بدورها إلى تحفيز المحفزات التي يعدُّها وينجر تصورات للعمل الحشوي الداخلي، وبالتالي يصل إلى نقطة النهاية في السلسلة العاطفية، وهي استجابة عضلية وتقرير شفهي عن العاطفة، وعلى الرغم من أن هذا وصف موجز جدًا لنظرية وينجر، فقد كان يعتقد أنه يستحق تضمينه بسبب بساطته، تم طرحه في وقت كانت فيه ندرة المنشورات النفسية حول العاطفة وساعدت في تشكيل أساس للنظريات الفسيولوجية اللاحقة.[١٤]
النظرية العصبية للعاطفة
وضع باندورا 1969 نظرية فيزيولوجية عصبية للعاطفة والتحفيز، ويشير إلى أنه يمكن تفسير كلا النوعين من الظواهر ببناء واحد، وهو الحالة الدافعية المركزية، فبدلًا من التمييز بين العاطفة والدافع، يقوم بندورا بإدراجها تحت سلوكيات الأنواع التقليدية من الكائنات الحية، ويقترح أن مثل هذا العمل هو نتيجة تفاعل بين المنبهات البيئية -أو الحوافز المشروطة- والتغير الفسيولوجي، وهو التغيير الذي يحدث في مجموعة مشتركة من الخلايا العصبية للجهاز العصبي المركزي، وينتج عن هذا التغيير الحالة الدافعية المركزية، وهو تغيير وظيفي في الخلايا العصبية، ويحتاج إلى كلٍّ مِن محفّز بيئيّ وتغيير فسيولوجيّ قبل حدوثه، على سبيل المثال، من أجل حدوث الجوع، يجب أن تكون هناك تغييرات فيزيائية داخلية بالإضافة إلى المنبهات الخارجية مثل رؤية ورائحة الطعام.[١٥]
وفقًا لمصطلحات باندورا، يُعتقد أن الحالة الدافعية المركزية تزيد من احتمالية الاستجابة لمنبهات بيئية معينة عن طريق تغيير فعالية المدخلات الحسية، والتي يشير إليها بندورا بأنها اهتمام انتقائي، أو قد تغير الحالة الدافعية المركزية من احتمالية سلوك معين عن طريق تغيير التفريغ العصبي إلى المواقع الحركية الذاتية والجسدية المناسبة مثل التيسير الحركي أو انحياز الاستجابة لمنبه معين، وقد اقتراح بندورا أن العديد من مصطلحات العواطف يمكن استبدالها بمصطلحات مشتركة عصبية نفسية.[١٥]
النظرية المعرفية للعاطفة
إحدى النظريات المؤثرة في هذا المجال كانت نظرية أرنولد في السنوات 1945 ، 1960 ، 1968 ، 1970، وينظر إلى العاطفة بأنها مزيج من الظواهر الإدراكية المرتبطة بوظائف الأعضاء الجسدية، ويعتمد على افتراض أنه يمكن للفرد اكتساب فهم أكبر لوظيفة الدماغ في العاطفة من خلال التحليل المعرفي، إذ يسمح هذا التحليل بتحديد الوساطة الفسيولوجية للعملية التي تمتد من الإدراك إلى العاطفة والعمل[١٦]. وقد ترسخ مفهوم التقييم بقوة في المفهوم المعرفي للعاطفة، ويقترح أرنولد أن الأفراد يقيمون على الفور، وتلقائيًا وبشكل شبه لاإرادي العواطف، بما يتعلق بأنفسهم، أي شيء يواجهونه، وهذا يقودهم إلى الاقتراب من أي شيء يقيمونه على أنّه جيد، لتجنب ما هو سيّئ، وتجاهل ما هو غير مهمّ، ما لم تتدخل بعض التقييمات الأخرى في ذلك، فقد يعيد الأفراد تقييم الأشياء التي سبق لهم إصدار حكم بشأنها، والتقييم إذن هو عملية تكمل الإدراك وتنتج في الأفراد ميلًا لفعل شيء ما، فإذا كان هذا الميل قويًا، فإنه يطلق عليه العاطفة، على الرّغم من أن جميع التقييمات من منظور أرنولد لها نوع من التجارب العاطفيّة.[١٦]
تحديد نطاق العواطف
لا يوجد تصنيف محدّد ومقبول عالميًّا للعواطف، حتى من حيث تحديد نطاق العواطف كونَها عواطفَ أساسيّة أو أوليّة، إذ يحدد Tomkins ثمانية عواطف أساسية هي: الغضب، الاهتمام، الاحتقار، الاشمئزاز، الضيق، الخوف، الفرح، العار، المفاجأة، بينما حدّد Ekman ستة عواطف وهي: الغضب، الاشمئزاز، الخوف، الفرح، الحزن، المفاجأة، وحدد Plutich ما يسمّى بِـ "عجلة العواطف"، وظهرت فيها العواطف المختلطة والجديدة، في حين قام Evans بتعديل طفيف لمعنى العواطف للتمييز بين الفرح والضيق والغضب والخوف والمفاجأة والاشمئزاز، علاوة على ذلك، هناك العديد من الأسماء المتنوعة للعاطفة، منها الانفعالات، المشاعر، الإثارة، الحالة المزاجية، وبشكل عام، يتم تناول العواطف في سياق المشكلات التكيفية، إذ تختلف العواطف باختلاف المشكلة التي تحلها -مثل النضال من أجل الوجود- مثل عاطفة الخوف، والفوز أو الحفاظ على شريك -مثل عاطفة الحسد، وكيفية تربية الأطفال- مثل عاطفة الاهتمام، والعلاقات الأسرية -مثل عاطفة الملل والبرود العاطفي-، والإشارات إلى أعضاء آخرين في المجتمع -مثل عاطفة الغضب-، والمنصب في المجتمع -مثل عاطفة الثقة والغرور- ، واكتساب المعرفة -مثل عاطفة الفضول-، وتعدّ هذه هي الأطر الأكثر عمومية لتحديد نطاق العواطف[٣]، ويمكن وصف بعض نطاقات العواطف كما يأتي:
الغضب
هو حالة عاطفية شديدة تتضمن استجابة قوية غير مريحة وعدائية تجاه استفزاز أو إصابة أو تهديد، وغالبًا ما يعاني الشخص الذي يعاني من الغضب من تأثيرات جسدية، مثل زيادة معدل ضربات القلب وكذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات الأدرينالين والنورادرينالين، وينظر البعض إلى الغضب على أنه عاطفة تؤدي إلى القتال أو استجابة الهروب، حيث يصبح الغضب هو الشعور الغالب بالسلوك والتفكير المعرفي والاستجابة الفسيولوجية عندما يتخذ الشخص الخيار الواعي لاتخاذ سلوك معين لوقف المثير المهدِّد من قوة خارجية أخرى.[١٧]
ويمكن أن يكون للغضب عواقب جسدية وعقلية عديدة، إذ يمكن العثور على التعبير الخارجي للغضب في تعابير الوجه ولغة الجسد والاستجابات الفسيولوجية، وأحيانًا الأفعال العدوانية العامة، ويمكن أن تتراوح تعابير الوجه من الزاوية الداخلية للحاجبين إلى التجهم الكامل، وبالرغم من أن معظم أولئك الذين يعانون من الغضب يشرحون استفزازهم نتيجة ما حدث لهم، يشير علماء النفس إلى أن الشخص الغاضب يمكن أن يخطئ تمامًا؛ لأن الغضب يسبب فقدانًا في قدرة المراقبة الذاتية والملاحظة الموضوعية[١٨]. وينظر علماء النفس إلى الغضب على أنه عاطفة طبيعية وناضجة يعانيها جميع البشر تقريبًا في بعض الأحيان، وشيء له قيمة وظيفية للبقاء، ومع ذلك، يمكن للغضب غير المنضبط أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية الشخصية أو الاجتماعية، وأن يؤثر سلبًا على من هم حول الأفراد.[١٩]
الاشمئزاز
هو استجابة عاطفية للرفض لشيء يحتمل أن يكون مُعدِيًا، أو شيء يعدّ مُسيئًا أو بغيضًا أو غير سارّ، أن الاشمئزاز هو إحساس يشير إلى شيء مقزز، ويتم الشعور بالاشمئزاز في المقام الأول فيما يتعلّق بحاسة التذوق، وثانيًا لأيّ شيء يسبب شعورًا مُشابهًا من خلال حاسة الشم أو اللمس أو النظر، وقد يشعر الأشخاص الذين يمتلكون حساسية موسيقية بالاشمئزاز من تناغم الأصوات غير المتناسقة، وقد أثبتت الأبحاث النفسية وجود علاقة بين اضطرابات الاشمئزاز والقلق مثل رهاب العناكب، والرهاب من الحقن في الدم، والخوف من التلوث المرتبط بالوسواس القهري، وقد كان يعتقد في البداية أن الاشمئزاز دافع للبشر للملوثات الجسدية فقط، فقد تمّ تطبيقه على الملوثات الأخلاقية والاجتماعية أيضًا، ويمكن رؤية أوجه التشابه بين هذه الأنواع من العواطف بشكل خاص في الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع الملوثات، على سبيل المثال، إذا تعثر شخص ما في بركة من الوحل، فإنه سيبذل قصارى جهده لوضع أكبر مسافة ممكنة بينه وبين الوحل، والتي يمكن أن تشمل الضغط على الأنف أو إغلاق العينين أو الهروب، وبالمثل، عندما تختبر مجموعة من الأفراد شخصًا يقوم بخداع أو اغتصاب أو قتل عضو آخر في المجموعة، فإن ردّ فعلهم هو تجنب هذا الشخص أو طرده من المجموعة.[٢٠]
ويمكن القول، هناك بنية مختلفة تمامًا لمشاعر الاشمئزاز من الاشمئزاز الأساسي الذي يمكن رؤيته في العواطف الأساسية، بينما يحدث الاشمئزاز الاجتماعي والأخلاقي عندما يتم انتهاك الحدود الاجتماعية أو الأخلاقية، ويتركز الجانب الاجتماعي والأخلاقي على الانتهاكات البشرية لاستقلالية الآخرين وكرامتهم مثل العنصرية والنفاق وعدم الولاء، والاشمئزاز الاجتماعي والأخلاقي يختلف عن الاشمئزاز الأساسي. في دراسة عام 2006 التي أجراها سيمبسون وزملاؤه ، كان هناك اختلاف في ردود الاشمئزاز بين النواة الأساسية للاشمئزاز والناشطين الاجتماعيين الأخلاقيين للاشمئزاز، مما يشير إلى أن تكوين الاشمئزاز الأساسي والاجتماعي والأخلاقي قد يكون بنيات عاطفية مختلفة.[٢١]
الخوف
الخوف هو عاطفة ناتجة عن الخطر أو التهديد المدركين، والذي يسبب تغيرات فسيولوجية وتغيرات سلوكية في نهاية المطاف، مثل الفرار أو الاختباء أو التجمد نتيجة الأحداث المؤلمة المتصورة، قد يحدث الخوف في البشر استجابة لتحفيز معين يحدث في الوقت الحاضر، أو تحسبًا أو توقعًا لخطر مستقبلي يُنظر إليه على أنه خطر على الفرد نفسه، ينشأ الرد على الخوف من إدراك الخطر الذي يؤدي إلى المواجهة أو الهروب أو تجنب التهديد، والذي يمكن أن يكون في حالات التطرف القصوى -مثل الفوبيا- استجابة مجمدة أو شلل، وفي البشر والحيوانات، يتم تعديل الخوف من خلال عملية الإدراك والتعلم، وبالتالي يتم الحكم على الخوف بأنه عقلاني أو مناسب وغير منطقي أو غير مناسب، ويسمّى الخوف غير المنطقي بالرُّهاب.[٢٢]
يرتبط الخوف ارتباطًا وثيقًا بعاطفة القلق، والذي يحدث نتيجة للتهديدات التي يُنظر إليها على أنها لا يمكن السيطرة عليها أو لا مفرّ منها، إن استجابة الخوف تخدم البقاء من خلال توليد استجابات سلوكية مناسبة، لذلك تم الحفاظ عليها طوال التطور البشري وتشير الأبحاث النفسية الاجتماعية والتنظيمية أيضًا إلى أن مخاوف الأفراد لا تعتمد فقط على طبيعتهم، بل تتشكل أيضًا من خلال علاقاتهم الاجتماعية وثقافتهم، والتي توجه فهمهم للوقت ومقدار الخوف الذي يشعرون به.[٢٣]
الفرح والسعادة
يستخدم مصطلح السعادة في سياق الحالات العقلية أو العاطفية، التي تتضمّن العواطف الإيجابية أو اللطيفة التي تتراوح من الرضا إلى الفرح الشديد، كما أنها تستخدم في سياق الرضا عن الحياة، والرفاهية الذاتية، والنموّ الذاتيّ والرفاهية، ويمكن فحص السعادة في سياقات تجريبيّة وتقييميّة، فالسعادة من الناحية التجريبية أو السعادة الموضوعية، يتم قياسها في الوقت الحالي من خلال جملة من الأسئلة مثل: "ما مدى جودة أو سوء تجربة الحياة لدى الفرد"، في المقابل، يمكن قياس الأفكار والمشاعر الذاتية حول السعادة في الماضي، وتركّز بعض البحوث على الفرق بين البحث عن التجارب السارّة وتجنب التجارب غير السارة، وكذلك تميز بينها وبين العيش بطريقة كاملة ومرضية للغاية. وتشمل النظريات الخاصة بكيفية تحقيق السعادة، عوامل مثل مواجهة أحداث إيجابية غير متوقعة، ورؤية شخص مهم للفرد، والاستمتاع بقبول الآخرين والثناء على الأفراد وتقبلهم، ويعتقد بعض علماء النفس أن السعادة ليست فقط مستمدة من الملذات الخارجية اللحظية، بل تتخطاها إلى الشعور بالرفاهية الداخلية والصحة النفسية بشكلٍ عامّ.[٢٤]
المفاجأة
المفاجأة هي حالة ذهنية وفسيولوجية قصيرة، وهي استجابة تمرّ بها كلٌّ من الحيوانات والبشر نتيجة لحَدَث غير مُتوقَّع، ويمكن أن تكون المفاجأة بأيّ شكل، أي أنه يمكن أن تكون مفاجأة محايدة أو معتدلة، على منبّهات لطيفة أو غير سارّة، إيجابًا أو سلبًا، يمكن أن تحدث المفاجأة بمستويات متفاوتة من الشدة تتراوح من الصدمة الشديدة للغاية، والتي قد تحفّز استجابة القتال أو الهروب، أو المفاجأة الصغيرة التي تؤدي إلى استجابة أقل كثافة[٢٥]. وترتبط المفاجأة ارتباطًا وثيقًا بفكرة التصرّف وفقًا لمجموعة من القواعد، فعندما تكون قواعد الواقع التي تولد أحداث الحياة اليومية منفصلة عن توقعات الأفراد، فإن المفاجأة هي النتيجة، إذ تمثل المفاجأة الفرق بين التوقعات والواقع، والفجوة بين ما هو مفترض الحصول حول الأحداث اليومية، والطريقة التي تتحول بها تلك الأحداث بالفعل. ويمكن اعتبار هذه الفجوة أساسًا مهمًا تستند إليه النتائج التجريبية النفسية، حيث يمكن للمفاجآت أن تجعل الناس على وعي بجهلهم الخاص بالضروف البيئية المحيطة، ويمكن أن تحدث المفاجأة أيضًا بسبب انتهاك التوقّعات، في حالة معينة من التواصل بين الأشخاص.[٢٦]
المراجع
- ↑ "Emotion", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Functions-of-Emotions", www.coursehero.com, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب "functions-of-emotions", openpress.usask.ca, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Anticipation and Emotions for Goal Directed Agents", link.springer.com, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ " Evolutionary psychology and the emotions", pdfs.semanticscholar.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "The_Influences_of_Emotion_on_Learning_and_Memory", www.researchgate.net, Retrieved 2020-06-03. Edited.
- ↑ "Using Emotion as Information in Future-Oriented Cognition: Individual Differences in the Context of State Negative Affect", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "he facial expressions of fear and anger are universal social signals", psycnet.apa.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Facial_Expressions_During_Marital_Conflict", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Social Referencing The Infants Use of Emotional Signals From a Friendly Adult With Mother Present", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب ت "Psychology of emotion", books.google.com, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب "Cognitive-Experiential_Self-_Theory", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب "Causes and consequences of emotions on consumer behaviour", www.emerald.com, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Children Emotions and Moods: Developmental Theory and Measurement", books.google.jo, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب "Neuropsychological interpretation of the effects of drive and incentive-motivation on general activity and instrumental behavior", psycnet.apa.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ^ أ ب "Consciousness_and_the_Varieties_of_Emotion_Experience_A_Theoretical_Framework", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Psychiatric mental health nursing", archive.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Medical Definition of Anger", www.medicinenet.com, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Anger theory and management: a historical analysis", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "The Role of Disgust in Posttraumatic Stress: A Critical Review of the Empirical Literature", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Moral hypervigilance: The influence of disgust sensitivity in the moral domain", www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Fear and anxiety: Evolutionary, cognitive, and clinical perspectives", psycnet.apa.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Fear", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Hedonia, Eudaimonia, and Well-Being: an Introduction", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Surprise", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-05-27. Edited.
- ↑ "Ignorance and Surprise: Science, Society, and Ecological Design", www.researchgate.net, Retrieved 2020-05-27. Edited.