الغزل في العصر المملوكي

كتابة:
الغزل في العصر المملوكي


ملامح الغزل في العصر المملوكي

لم يختلف الغزل في العصر المملوكي عمّا كان في العصور السابقة لهذا العصر، ولكن قد استطاع بعض الشعراء التجديد في بعض المعاني على غرار من سبقهم من الشعراء في العصور السابقة، وكان في هذا العصر اتجاهان واضحان للغزل هما الغزل العذري أو العفيف والغزل الصريح، إضافة لظاهرة التغزل بالغلمان، غير أنّها لم تكن بقوتها في العصور السابقة.[١]


كما كان للتربية والنشأة الدينية، والمحاولات في المحافظة على التراث الشعري، تأثير مباشر في اتجاه الشعراء نحو الغزل العذري، فتميز بصدقه والبعد عن التصنع والتكلف، بالرغم من أنّ هذا الغرض من الشعر في العصر المملوكي غلب عليه التقليد، كما تميز الغزل المملوكي بالأسلوب والمعاني المتعددة، ومنها ما يأتي:[٢]

  • الشوق والصبابة.
  • اللوعة والاحتراق.
  • الاستذكار.
  • ملامح الحبيب وصفاته.


نماذج على الغزل في العصر المملوكي

نماذج على الغزل في العصر المملوكي فيما يأتي:


قصيدة: شمس النهار بحسن وجهك تقسم

قال صفي الدين الحلي:[٣]

شَمسُ النَهارِ بِحُسنِ وَجهِكَ تُقسِمُ

إِنَّ المَلاحَة مِن جَمالِكَ تُقسَمُ

جُمِعَت لِبَهجَتِكَ المَحاسِنُ كُلُّها

وَالحُسنُ في كُلِّ الأَنامِ مُقَسَّمُ

يا مَن حَكَت عَيناهُ سَيفَ سَمِيِّهِ

هَلّا اِقتَدَيتَ بَعَدلِهِ إِذ يَحكُمُ

أَنتَ المُرادُ وَسَيفُ لِحظِكَ قاتِلي

لَكِن فَمي عَن شَرحِ حالي مُلجَمُ

تَشكو تَفَرُّقَنا وَأَنتَ جَنَيتَهُ

وَمِنَ العَجائِبِ ظالِمٌ يَتَظَلَّمُ

وَتَقولُ أَنتَ بِعُذرِ بُعدي عالِمٌ

وَاللَهُ يَعلَمُ أَنَّني لا أَعلَمُ

فَتُراكَ تَدري أَنَّ حُبَّكَ مُتلِفي

لَكِنَّني أُخفي هَواكَ وَأَكتِمُ

إِن كُنتَ ما تَدري فَتِلكَ مُصيبَةٌ

أَو كُنتَ تَدري فَالمُصيبَةُ أَعظَمُ


قصيدة: كفى البدر حسنًا أن يقال نظيرها

قال صفي الدين الحلي:[٤]

كَفى البَدرَ حُسناً أَن يُقالَ نَظيرُها

فَيُزهى وَلَكِنّا بِذاكَ نَضيرُها

وَحَسبُ غُصونِ البانِ أَنَّ قَوامَها

يُقاسُ بِهِ مَيّادُها وَنَضيرُها

أَسيرَةُ حِجلٍ مُطلَقاتٌ لِحاظُها

قَضى حُسنُها أَن يُفَكَّ أَسيرُها

تَهيمُ بِها العُشّاقُ خَلفَ حِجابِها

فَكَيفَ إِذا ما آنَ مِنها سُفورُها

وَلَيسَ عَجيباً أَن غُرِرتُ بِنَظرَةٍ

إِلَيها فَمِن شَأنِ البُدورِ غُرورُها

وَكَم نَظرَةٍ قادَت إِلى القَلبِ حَسرَةً

يُقَطَّعُ أَنفاسَ الحَياةِ زَفيرُها

فَواعَجَبا كَم نَسلُبُ الأُسدَ في الوَغى

وَتَسلُبُنا مِن أَعيُنِ الحورِ حورُها

فُتورُ الظُبى عِندَ القِراعِ يُشيبُنا

وَما يُرهِفُ الأَجفانَ إِلّا فُتورُها

وَجُذوَةُ حُسنٍ في الحُدودِ لَهيبُها

يَشُبُّ وَلَكِن في القُلوبِ سَعيرُها

إِذا آنَسَتها مُقلَتي خَرَّ صاعِقاً

جَناني وَقالَ القَلبُ لا دُكَّ طورُها

وَسِربِ ظِباءٍ مُشرِقاتٍ شُموسُهُ

عَلى جَنَّةٍ عَدُّ النُجومِ بُدورُها

تُمانِعُ عَمّا في الكِناسِ أُسودُها

وَتَحرُسُ ما تَحوي القُصورُ صُقورُها

تَغارُ مِنَ الطَيفِ المُلِمَّ حُماتُها

وَيَغضَبُ مِن مَرِّ النَسيمِ غَيورُها

إِذا ما رَأى في النَومِ طَيفاً يَزورُها

تَوَهَّمَهُ في اليَومِ ضَيفاً يَزورُها


قصيدة: مذ رأته الشمس في الحمل

قال الشاب الظريف:[٥]

مُذْ رَأَتْهُ الشَّمْسُ في الحَمَلِ

لَمْ تَكَد تَبْدُو مِنَ الخَجَلِ

غُصْنُ بانٍ مُثْمِرٌ قَمَراً

يُخْجِلُ الأَغْصَانَ بِالمَيَلِ

وَرْدُ خَدَّيهِ يُضَرِّجُهُ

خَجَلٌ مِنْ نَرْجِسِ المُقَلِ

وَسِوَى ذا أَنَّ مَبْسَمَهُ

جَامِعٌ لِلخَمْرِ وَالعَسَلِ

مَنْ مُجِيري مِنْ لَواحِظِهِ

إِنّني مِنْهَا على وَجَلِ

كُلَّما سُلَّتْ صَوارِمُهَا

قَالَ قَلْبِي قَد دَنَا أَجَلي


قصيدة: أطلع روض الخدود وردا

قال ابن مليك الحموي:[٦]

أطلَعَ روض الخدود وردا

فزادني في الغرام وجدا

وبات والسكر قد ثناه

يعلّني من لماه شهدا

ألثم منه فمًا وجيدًا

وأجتلي سالفًا وخدّا

ظبي من الترك بدر تم

يسبيك حسنًا إذا تبدَّى

تودُّ في أفقها الثريا

لجيده لو تكون عقدا

كما يود الهلال أن لو

كان نطاقًا له وبندا

قد حاز جمع البهاء لكن

إذا تثنّى تراه فردا

مليك أهل الجمال أضحَت

له جميع الملاح جندا

يا لحظَهُ بالمحب رفقًا

بالغْتَ بالحدّ فيه حدا

وما تحرّى السلو يومًا

وما تصدى ومات صدّا

يا للهوى من هوى رشيق

يفوق غصن الرياض قدا


قصيدة: تعشقتها مثل الغزال الذي رنا

قال بهاء الدين زهير:[٧]

تَعَشَّقتُها مِثلَ الغَزالِ الَّذي رَنا

لَها مُقلَةٌ نَجلا وَأَجفانُها وُطفُ

إِذا حَسَدوها الحُسنَ قالوا لَطيفَةٌ

لَقَد صَدَقوا فيها اللَطافَةُ وَالظُرفُ

وَلَم يَجحَدوها مالَها مِن مَلاحَةٍ

لِعِلمِهِمُ ما في مَلاحَتِها خُلفُ

بَديعَةُ حُسنٍ رَقَّ مِنها شَمائِلٌ

وَراقَت إِلى أَن كادَ يَشرَبُها الطَرفُ

فَلا الخُلقُ مِنها لا وَلا الخَلقُ جافِياً

وَحاشا لِهاتيكَ الشَمائِلِ أَن تَجفو

وَما ضَرَّها أَن لا تَكونَ طَويلَةً

إِذا كانَ فيها كُلُّ ما يَطلُبُ الإِلفُ

وَإِنّي لَمَشغوفٌ بِكُلِّ مَليحَةٍ

وَيُعجِبُني الخَصرُ المُخَصَّرُ وَالرِدفُ


قصيدة: له إذا غازلتك عيناه

قال ابن نباتة المصري:[٨]

له إذا غازلتْك عيناه

سهامُ لحظٍ أجاركَ الله

وفي صفى خدِّه وسالفه

للحسنِ ماء الهوى ومرعاه

غزالُ رملٍ تحلو جنايته

وغصن بانٍ يعزّ مجناه

من حور رضوان في محاسنِه

لكنَّ نار الفؤاد مأواه

أسْكنته مهجتي ويا خجلي

فما أراني أكرمتُ مثواه

لو لقته العذَّال ما عذلت

دعها ولا في المنامِ تلقاه

أورى برغمي نار الجفا عوضًا

عن بردٍ كنتُ لاثمًا فاه

لا أبعد الله الطيف منه ولا

أصغر فوق العيون ممشاه



المراجع

  1. نبيل خالد أبو علي، معاني شعر الغزل بين التقليد والتجديد في العصرين المملوكي والعثماني، صفحة 2 - 3. بتصرّف.
  2. ياسين الأيوبي، آفاق الشعر العربي في العصر المملوكي، صفحة 138-140. بتصرّف.
  3. "شمس النهار بحسن وجهك تقسم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
  4. "كفى البدر حسنا أن يقال نظيرها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
  5. "مذ رأته الشمس في الحمل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
  6. "أطلع روض الخدود وردا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
  7. "تعشقتها مثل الغزال الذي رنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
  8. "له إذا غازلتك عيناه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022.
5883 مشاهدة
للأعلى للسفل
×