محتويات
التعاقد في القانون
تبدأ مرحلة التعاقد في القانون عندما يبدي شخص ما رغبته في التعاقد مع آخر فيدخل الطرفان في مفاوضات مباشرة، وذلك رغبة منهم في الوصول إلى اتفاق حول الشروط التي سوف يتضمنها العقد وكذلك الالتزامات التي سوف تترتب على عاتق كل منهما، فيصدر الإيجاب من الطرف الأول، ليقترن بالقبول الذي سوف يصدر من الطرف الثاني، وهنا تبدأ مرحلة إبرام العقد، ومن ثم مرحلة تنفيذه، وصولًا إلى مرحلة انتهاء العقد وتنفيذ جميع الالتزامات المتفق عليها، لذلك أصبح العقد يمثل الوسيلة الرئيسة لتنظيم الكثير من العلاقات لاسيما تلك العلاقات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري، وحركة تداول السلع والخدمات وتنمية الموارد وإقامة العلاقات التجارية المختلفة، وما تتبعه جميع هذه التصرفات من التزامات وحقوق، لذا أصبح العقد الوسيلة الأكثر والأدق تنظيمًا لها تحت مظلة القانون، وفي الآتي سيتم شرح الفرق بين التغرير والغبن الفاحش.[١]
مفهوم التغرير في التعاقد
هو خداع يمارسه أحد أطراف العقد بوسيلة احتيالية قولًا أو فعلًا لدفع الآخر إلى التعاقد والتغرير إما أن يكون فعلي عن طريق استخدام وسائل وطرق احتيالية فعلية أو مادية للخداع، كمن يقوم بترميم وصبغ منزل قديم ويبيعه على أساس أنه جديد ويرى فقهاء الشريعة الإسلامية أن حكم التغرير إذا ما وقع فأنه يجعل منالعقد غير ملزم، وعليه فهم يمنحون الحق في فسخ العقد، لمن وقع عليه التغرير والنوع الثاني من التغرير هو التغرير القولي، الذي يحدث عندما يبالغ صاحب السلعة المراد بيعها في إضفاء أوصاف وأمور لا تتوافر فيها ولا تنطبق عليها في واقع الآمر، وحقيقة فإن هذا النوع من التغرير لا يؤثر في صحة العقد، إلا إذا كان مصحوبًا بالغبن الفاحش.[٢]
ويقابل التغرير في الفقه الحديث التدليس فنجد أن البعض يستخدم التغرير والبعض الآخر يستخدم التدليس، وكلاهما يؤديان نفس المعنى، وهو أسلوب للخداع واستخدام طرق احتيالية وغير قانونية، لدفع الآخرين إلى التعاقد, والتغرير بحد ذاته ليس عيب منعيوب الرضا أو الإرادة, ولكن الغلط الذي يثيره التغرير في فكر ونفس المتعاقد الآخر ويدفعه إلى التعاقد, هو الذي يعيب الإرادة.[٣]
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من القوانين اشترطت أن يصاحب التغرير غبنًا فاحشًا، لكي يمكن أن يكون عيبًا مُسْتَقِلًّا، وأن وقوع التغرير قولًا أو فعلًا، لا يبطل العقد وأنما يجعله موقوفًا على إجازة من وقع عليه التغرير، وله إجازة العقد أو نقضه، كما وله الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية، وبناءً على ما تقرره أحكام المسؤولية التقصيرية في هذا الشأن.[٤] كذلك يرى البعض أن السكوت عمدًا يعد من قبيل التغرير أو التدليس، خاصة أذا ثبت أن المتعاقد الآخر ما كان ليبرم العقد لو علم بالواقعة المسكوت عنها، وأن تلك الواقعة تشكل أمرًا خطيرًا، بحيث يؤثر تأثيرا جَوْهَرِيًّا في إرادة الطرف الآخر وفي الآتي سيتم شرح الفرق بين التغرير والغبن الفاحش.[٥]
مفهوم الغبن الفاحش في التعاقد
هو عدم الموازنة أو العدل بين ما يأخذه الشخص وبين ما يعطيه وقت التعاقد، فهو يصبح غابنًا إذا أخذ أكثر مما أعطى، ويصبح مغبونًا إذا أعطى أكثر مما أخذ، وعليه فالغبن يمكن تقسيمه إلى نوعين:[٦]
- الغبن اليسير: وهو ذلك الغبن البسيط الذي لا يخلو منه عقد ما، ولا يمكن تجنبه في أغلب العقود ذات القيمة المالية البسيطة، ويتسامح الناس فيه بسبب قلة قيمته، كما وأنه لا يشكل عيبًا من عيوب الرضا.
- الغبن الفاحش: وهو الغبن ذو القيمة المالية الكبيرة، والذي لا يكون مَحَلًّا للتسامح فيه، ولم تحدد أغلب التشريعات نسبته على عكس الشريعة الإسلامية حيث ذهبت إلى القول بأن الغبن الفاحش هو ما زادت نسبته عن خمس الشيء وحكمه عند الأغلبية أنه لا يؤثر على العقد، إلا إذا صاحبه تغرير.
لذلك فإن من شروط الغبن لكي يكون عيبًا من عيوب العقد أن يكون فاحشًا ومقترنًا بالتغرير، كما ويجب أن يكون العقد من عقود المعاوضة الملزمة للجانبين، إذ من غير المتصور أن يقع الغبن في العقود الاحتمالية أو عقود التبرع، كما وينبغي أن يكون العقد محدد القيمة، ويجب أن يقع الغبن وقت إبرام العقد، فلا يعتد بالغبن بعد إتمام العقد.[٧]
الفرق بين التغرير والغبن الفاحش
كما سبقت الإشارة، فإن التغرير ما هو إلّا وسيلة للخداع وتزيف الواقع باستخدام أساليب احتيالية, يعمد إلى استخدامها أحد أطراف العقد في مواجهة الطرف الآخر، لإيهامه بأمور غير حقيقة وغير صحيحة, رغبة منه في دفعه إلى التعاقد, في حين أن الغبن هو عدم التناسب أو التعادل فيما يأخذه الشخص وما يدفعه, وينبغي أن يكون الغبن فاحشًا وليس يسيرًا، لذلك فإنه أهم ما يميز التغرير عن الغبن الفاحش:[٨]
- إن التغرير حالة نفسية تحدث في النفس الإنسانية يصنعها المغرر ويحدثها في نفس المغرر به،في حين أن الغبن الفاحش هو عبارة عن حالة واقعية أو مادية تحصل نتيجة التغرير الذي مارسه الطرف الأول.
- إن الغبن يقع وقت إبرام العقد لا وقت تنفيذه، فلا يعتد به أذا ما وقع أثناء التنفيذ، على عكس التغرير يمكن الدفع به حال اكتشافه من قبل الطرف الذي وقع عليه.
- إن وقوع التغرير يجعل من العقد عقدًا موقوفًا، ويستحق من وقع عليه التغرير المطالبة بالتعويض،في حين أن وقوع الغبن الفاحش مع التغرير يجعل من العقد معيبًا يوجب الفسخ أو الإبطال، ولقد اختلفت التشريعات في هذا الأمر ومنهم القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976، فهو يقرر الفسخ للعقود التي أصابها الغبن الفاحش مع التغرير وذلك في نص المادة 145، في حين يقرر في المادة 147 أن العقد الذي أصابه الغبن يصبح عقدًا باطلًا أو قابلًا للإبطال.
المراجع
- ↑ حسن علي الذنون (1970)، شرح القانون المدني أصول الالتزام، بغداد:مطبعة المعارف، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ حسن علي الذنون (1970)، شرح القانون المدني أصول الالتزام، بغداد:مطبعة المعارف، صفحة 93. بتصرّف.
- ↑ عبد المجيد الحكيم و عبد الباقي البكري و محمد طه البشير (1980)، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، صفحة 86، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الفتاح عبد الباقي (1984)، نظرية العقد والأرادة المنفردة دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الأسلامي، صفحة 331. بتصرّف.
- ↑ عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في القانون المدني نظرية الالتزام، بيروت:دار احياء التراث العربي، صفحة 319، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسن علي الذنون (1970)، شرح القانون المدني أصول الالتزام، بغداد:مطبعة المعارف، صفحة 94. بتصرّف.
- ↑ عبد المنعم فرج الصدة (1974)، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية، القاهرة:دار النهضة العربية، صفحة 129. بتصرّف.
- ↑ عبد المنعم فرج الصدة (1974)، نظرية العقد في قوانين البلاد العربي، القاهرة:دار النهضة العربية، صفحة 129. بتصرّف.