الفرق بين الجناس والطباق
كيف يُمكن التفريق بين الجناس والطباق، والحكم بينهما؟
تلعبُ البلاغة دورًا مُهمًّا في العبارات، لذلك استخدمها الأدباء والفقهاء في أشعارهم وكتاباتهم؛ وذلك لتحسين اللّفظ من خلال المحسنات اللفظية المُختلفة، إذ تنقسم هذه المُحسّنات إلى العديد من الأشكال، ومنها الجناس والطباق، وعرّف السكاكي بحديثه عن الجناس أنّه: "تشابُه الكلمتين باللّفظ"، أمّا أبو هلال العسكريّ فقد عرّفه بأنّه هو: "أن يُورد للمتكلّم في الكلام القصير نحو البيت من الشّعر، والجزء من الرسالة أو الخطبة، كلمتين تُجانس كلّ واحدة منها صاحبتها في تأليف حروفها".[١]
أمّا ما اتّفق عليه المُحدثون من تعريف أكثر دقّة وشمولًا بقولهم إنّ الجناس هو أن يتشابه اللّفظان نُطقًا، ويختلفا في المعنى، مثال ذلك قوله تعالى: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ"[٢]، فالساعة الأولى تعني القيامة، أمّا الساعة الثانية فتعني مدّة من الزمن، وهنا اتّفقت لفظة الساعة الأولى بعدد الحروف وأنواعها مع لفظة الساعة الثانية في النطق، بيد أن الاختلاف في المعنى، وهذا هو الجناس.[١]
أمّا الطّباق فقد اعتمد البلاغيّون وكُتب البلاغة على تعريف واحد ولم يدخل على هذا التعريف أيّ تعديل أو شرح، وهو الجمع بين الضدّين أو المعنيين المُتقابلين في الجملة، مثال ذلك جملة خير المال عين ساهرة لعين نائمة، إنّ الطّباق في الجملة السابقة هو طباق إيجاب مُشتَمل على الشيء وضدّه، وذلك بين كلمة ساهرة، وعكسها كلمة نائمة[٣]، وبهذه التّعاريف اتّضح الفرق بين ما هو الطّباق والجناس، فالجناس يُعدّ من المُحسّنات اللفظيّة التي تُركّز على تحسين اللفظ بالكلمة الواحدة وحروفها المُتقاربة، أمّا الطّباق فهو يُعنى بتحسين المعنى من خلال الكلمة وعكسها.[٣]
أمثلة على الجناس
ما علاقة عدد الحروف في التفريق بين الجناس التام والناقص؟
ينقسم الجناس اللّفظي في علم البلاغة إلى نوعين وهُما: الجناس التامّ، وغير التّام، والجناس التام هو ما اتّفق اللّفظان في كلّ شيء؛ أي في عدد الحروف وهيئتها، ونوعها مع اختلاف المعنى، أمّا الجناس غير التام فهو الجناس الذي يختلف فيه عدد الحروف ونوعها وهيئتها، وفيما يلي أمثلة على الجناس وأقسامه:[٤]
- ما مات من كرم الزمان فإنّه
- يحيا لدى يحيى بن عبدالله
إنّ الجناس في البيت السابق هو جناس تام، أيّ أنّه يتّفق بالكلمة وعدد حروفها ونوعها، وهي كلمة (يحيا، ويحيى)، بيْدَ أنّ يحيا الأولى هيفعل مضارع، أمّا يحيى الثانية فهي اسم، ونوع الجناس هنا هو جناس تام مستوفىً؛ وذلك لأنّ العلاقة في الجناس بُنيت بين فعل واسم.[٤]
- لم نَلْقَ غيرَك إنسانًا يلاذُ به
- فلا برِحْتَ لعينِ الدهر إنسانًا
إنّ الجناس في البيت السابق هو جناس تام، أيّ أنّه يتّفق بالكلمة وعدد حروفها ونوعها ومعناها حتى، وهي كلمة إنسانًا الأولى وإنسانًا الثانية، والكلمتين هما أسماء، إذًا فنوع الجناس هنا هو جناس مُماثل، وذلك لاتفاق النوع والهيئة بين الكلمتين.[٥]
- ولا تلهُ عن تَذكارِ ذنبِكَ وابكِهِ
- بدمعٍ يُضاهي المُزْنَ حالَ مَصابِهِ
ومثّلْ لعينَيْكَ الحِمامَ ووقْعَهُ
- وروْعَةَ مَلْقاهُ ومطعم صابِهِ
إنّ الجناس هنا في كلمة مَصابه في البيت الأول، وكلمة صابه في البيت الثاني، ونوع الجناس هنا هو جناس تام، وهو جناس تركيب مرفُوّ، والمقصود بذلك أن يكون أحد لفظيه مُركّب، وسُمّي هذا المركب بالمرفو لأنّه مُؤلّف من كلمة وبعض كلمة سابقة، فكلمة صابه هي المركب في البيت الثاني، فقد أخذت الميم المفتوحة من كلمة مطعم، وأضيفت إلى صابه.[٦]
- قال الله تعالى: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ).[٧]
إنّ الجناس في الآية الكريمة السّابقة هو جناس غير تام أي أنّه جناس ناقص، وذلك بين اللفظتين (الساق، المساق)، فقد زيدت الميم في أول اللفظ الثاني، وهنا فقدت أحد شروط الجناس التام فأصبحت جناسًا ناقصًا، ولا يقتصر الجناس الناقص على زيادة الحرف أوّل الكلمة، بل ربّما يكون الحرف في وسط الكلمة، مثل جدي وجهدي، وقد يكون في آخرها مثل عواص، وعواصم، فلا اختلاف بمكان الحرف فهو بكل الجهات يُعدّ جناسًا ناقصًا.[٦]
- إِنَّ الْبُكاءَ هُوَ الشِّفَا
- ءُ مِنَ الجَوَى بَيْنَ الْجَوَانِح
إنّ الجناس هنا هو جناس ناقص، ولكنّه اختلف بزيادة أكثر من حرف بين اللّفظين، فقد تمّ زيادة حرفين في كلمة الجوانح على أحرف كلمة الجوى، ولهذا النوع من الجناس اسم آخر، وهو الجناس المُذَيّل.[٦]
- قال الله تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).[٨]
إنّ الجناس في الآية الكريمة السابقة هو بين كلمة (ينهون وينأون)، وهو جناس غير تام، ونوعه جناس ناقص، وذلك لأنّ الكلمتين في المثال السابق تختلفان بحرف واحد، والحرف هو في الوسط، بيد أنّهما يتفقان في المخرج الواحد للكلمة، فلم يتباعدا مخرجًا.[٦]
لقراءة المزيد من الأمثلة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أمثلة على الجناس التام والناقص.
أمثلة على الطباق
ما علاقة أداة النفي بالفرق بين الطباق السلب والإيجاب؟
يُطلق على الطباق كلمة التّضاد، وهو عكس معنى الترادف، لأنّه يُعنى بين الكلمة وعكسها في الجملة، ويُمكن لهذا الطباق أن يكون بين اسمين أو فعلين أو حرفين، كما ينقسم الطباق إلى طباق سلب وإيجاب، وفيما يلي أمثلة على الطباق وأقسامه:[٩]
- إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب
- تَحَرَّك يقظان التراب ونائمُه
إنّ الطباق في الشعر يتّضح في البيت السابق وهو طباق مَجازيّ بين كلمة (يقظان ونائمُه)، وذلك لأنّها نُسبتا إلى التراب على سبيل المجاز وليس الحقيقة، ولكنّه رغم مجاز المعنى إلى أنّ الطّباق يُعدّ حقيقة، إضافة إلى الشطر الأول من البيت، فهناك طباق أيضًا بين كلمة شرق ومغرب.[٣]
- قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).[١٠]
إنّ الطّباق في الآية الكريمة السابقة هو بين كلمة (يعلمون، ولا يعلمون)، فالكلمة الأولى مُثبتة، أمّا الثانية فهي مَنفيّة بأداة النفي لا، وبسبب إضافة أداة النفي على الكلمة فأصبح الطباق هنا هو طباق سلب.[٣]
- قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ).[١١]
إنّ الطّباق في الآية الكريمة السابقة هو طباق إيجاب وذلك بين كلمة (ميتًا، وأحييناه)، وهُنا الطّباق في المعنى الحقيقيّ المُراد، كما يُمكن للطّباق أن يكون في المعنى المجازي المقصود، فكلمة الموت في الآية السابقة المقصود بها هو الضلال، وكلمة أحييناه المقصود بها هو الهدى، وبين الهدى والضلال طباق إيجاب.[١٢]
المراجع
- ^ أ ب محمد أحمد قاسم، محي الدين ديب، علوم البلاغة، صفحة 114. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:55
- ^ أ ب ت ث محمد أحمد قاسم، محي الدين ديب، علوم البلاغة، صفحة 65-68. بتصرّف.
- ^ أ ب "في المحسنات اللفظية"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
- ↑ "المحسنات اللفظية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد أحمد قاسم، محي الدين ديب، علوم البلاغة، صفحة 115-117. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية:29
- ↑ سورة الأنعام، آية:26
- ↑ "طباق"، معرفة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية:9
- ↑ سورة الأنعام، آية:122
- ↑ "كتاب البلاغة"، المكتبة الشاملة الحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30. بتصرّف.