الفرق بين القدر والنصيب في الإسلام

كتابة:
الفرق بين القدر والنصيب في الإسلام


الفرق بين القدر والنصيب في الإسلام

لمعرفة الفرق بين القدر والنصيب لا بد من التعرف على المعنى ومفهوم كل منهما في اللغة والشريعة، وبيان ذلك على النحو الآتي:

تعريف القدر

  • القدر في اللغة

القَدْرُ والقَدَرُ: الْقَضَاءُ والحُكْم، وهو ما يُقَدِّره الله -عز وجل- من القضاء ويحكم به من الأمور، وقَدَرَ الرزق: قَسَمه، ومن معاني التقدير التَّرْوِيَة وَالتَّفْكِير فِي تَسْوِيَة أمر وتَهْيِئَتِه.[١]


  • القدر اصطلاحاً

يطلق على معنيين: إما أن يراد به التقدير السابق لما في علم الله، أو يراد به ما خلقه وأوجده الله على النحو الذي علمه، أي هو بالمعنى الأول علم الله الأزلي، وعلى المعنى الثاني هو إيجاد الأشياء بناء على ما سبق في علم الله.[٢]


تعريف النصيب

  • النصيب لغة

الجزء من الشيء، قال -تعالى-: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)،[٣]أي جزءٌ وحِصَّة من التركة، والنصيب: الحظ من كل شيء،[٤]يقال: لا نصيب له في المال، أي لا حظ له فيه، وذكرت كتب اللغة أن هناك فرقاً بين الحظ والنصيب؛ فالنصيب يكون في المحبوب والمكروه، أما الحظ فلا يكون إلا في الخير.[٥]


  • النصيب اصطلاحاً

لا يخرج معناه عن المعنى اللغوي، فهو دائر بين الحظ من كل شيء، والجزء من الشيء المقسوم.[٦]


الفرق بين القدر والنصيب

من خلال ما سبق نتبين أنه لا فرق بين القدر والنصيب، فكلاهما يفيد أن ما يصيب الإنسان مقدراً مكتوباً، وهو حظه المقدر قبل خلق السماوات والأرض، قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).[٧]


أركان الإيمان بالقدر

إنّ الإيمان بالقدر من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد ولا يكتمل إلا بإيمانه بالقدر خيره وشره، وقد ذكر أهل العلم أن للقدر أربعة أركان لا يكتمل إيمان العبد إلا بها، وإلا اختل إيمانه بالقدر، وهي كما يأتي:[٨]

  • الإيمان بعلم الله الشامل المحيط

الله -عز وجل- يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد تضافرت الأدلة على علم الله سبحانه الشامل المحيط بكل شيء، منها قوله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).[٩]


  • الإيمان بكتابة الله في اللوح المحفوظ لكل ما هو كائن إلى يوم القيامة

الله -عز وجل- كتب كل ما يتعلق بالخلق جميعاً في اللوح المحفوظ، وعلمه -سبحانه- سابق على كتابته، وقد سبق حديث الإمام مسلم في كتابة الله -عز وجل- وكل ما هو كائن إلى يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ).[١٠]


  • الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته التامة

فما شاء الله -عز وجل- كان وما لم يشأ لا يكون لتمام علمه ومشيئته وليس لعدم قدرته، قال -تعالى-: (وَلَو أَنَّنا نَزَّلنا إِلَيهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوتى وَحَشَرنا عَلَيهِم كُلَّ شَيءٍ قُبُلًا ما كانوا لِيُؤمِنوا إِلّا أَن يَشاءَ اللَّـهُ وَلـكِنَّ أَكثَرَهُم يَجهَلونَ).[١١]


  • الإيمان بأنّ الله -عز وجل- خالق كل شيء، ولا شريك له في خلقه

الأدلة أنّ الله -سبحانه- هو خالق كل شيء وأنه لا شريك له في خلقه، وحتى أعمال العباد الله -عز وجل- هو خالقها، قال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)،[١٢]وقال تعالى: (وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).[١٣]


هل القدر أو النصيب يلغي اختيار الإنسان؟

يتوهم بعض الناس أن لا اختيار له ولا إرادة طالما أن الله -عز وجل- قد كتب كل شيء وقدره قبل خلق السماوات والأرض، وبالتالي فلا داعي للعمل لأن ما سيحدث هو ما قدره الله -عز وجل-، وللرد على هذا الفهم غير السليم في مقدمته وهو أن الإنسان لا اختيار له ولا إرادة، أما النتيجة فصحيحة وهي أنه لن يكون إلا ما قدره الله -عز وجل- وعَلِمَه.[١٤]


ولنتأمل قول الخطابي في بيان الفهم السليم للقدر: "قد يحسب كثير من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء منه معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره، وليس الأمر في ذلك على ما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما يكون من أفعال العباد وإكسابهم وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها".[١٤]


لقد أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ضرورة العمل وعدم الاتكال على المكتوب، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (لمَّا نزلَت هذِهِ الآيةَ فَمِنْهُمْ شَقيٌّ وَسَعِيدٌ سألتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فقُلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، فعَلى ما نَعملُ؟ علَى شيءٍ قد فُرِغَ منهُ، أو على أيِّ شيءٍ لم يُفرَغْ منهُ؟ قالَ: بل على شيءٍ قد فُرِغَ منهُ وجرت بِهِ الأقلامُ يا عمرُ، ولَكِن كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ).[١٥]فالمسلم مطالب ببذل جهده بالأخذ بالأسباب المشروعة، وأن لا يتكل على المكتوب فعمله من قدر الله، والله أعلم.

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب (الطبعة 3)، بيروت:دار صادر، صفحة 74-76، جزء 5. بتصرّف.
  2. عمر الأشقر (2005)، القضاء والقدر (الطبعة 13)، الأردن:دار النفائس، صفحة 22. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:7
  4. أحمد مختار بمساعدة فريق عمل (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة 1)، صفحة 218، جزء 3.
  5. أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصر:دار العلم والثقافة، صفحة 165. بتصرّف.
  6. مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 320، جزء 40.
  7. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:2653، صحيح.
  8. عمر الأشقر (2005)، القضاء والقدر (الطبعة 13)، الأردن:دار النفائس، صفحة 26-30. بتصرّف.
  9. سورة الطلاق، آية:12
  10. سورة يس، آية:12
  11. سورة الأنعام، آية:111
  12. سورة غافر، آية:62
  13. سورة الصافات، آية:96
  14. ^ أ ب أبو سليمان الخطابي (1932)، معالم السنن، شرح سنن أبي داود (الطبعة 1)، حلب:المطبعة العلمية، صفحة 322، جزء 4.
  15. رواه الإمام الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:3111، قال الألباني- صحيح.
5603 مشاهدة
للأعلى للسفل
×