محتويات
الفنون الأدبية
يعدُّ الأدب وسيلة من الوسائل التي يستخدمها الإنسان للتعبير عمّا يجول في خاطره من أفكار ومشاعر، أو فسحة روحية يلجأ إليها بحثًا عن تجارب تُحاكي تجاربه الحياتية، أو مواقف حياتيّة يعيشونها، وقد يختلف أسلوب الأدب باختلاف الفنّ الذي يلجأ إليه الأديب للتعبير عمّا يجول في خاطره، فقد يستخدم المقالة أو الخاطرة، أو المسرح، أو القصة أو الرواية، ولكن تظلّ القصة والرواية الفنّيْن الأكثر انتشارًا من الفنون الأدبية وقربا إلى الأنفس البشرية نظرًا لطبيعتِها المرنة، وأسلوبها المحبب للنفوس، ورغم أن القصة والرواية في أصلهما حكاية، إلا أن هناك الفرق بين القصة والرواية يلمس من اسميهما، وينسحب تباعا إلى عناصرهما، وهذا ما ستتطرق إليه هذه المقالة، الفرق بين القصة والرواية.
الفرق بين القصة والرواية اصطلاحًا
يبدأ الفرق بين القصة والرواية باصطلاحهما، فكونهما فنّيْن جديديْن لم يُعرَفا إلا من بعد الثورة الصناعيّة في أوروبا، فكان لا بد من مصطلح أدبي ليحدد حدودهما، وليحدد الفرق بينهما وبين الفنون الأدبية التي كانت شائعة قبلهما، كالحكايات الشعبية، والأساطير والخرافات، والأقاصيص الشعبية، وتاليًا عرض للفرق بين القصة والرواية من حيث المصطلح.
مفهوم القصة القصيرة
القصة فنّ نثري أدبي يصور جانبًا واحدًا من حياة الفرد أو الشخصيّة الإنسانية أو قد يتناول موقفًا واحدًا من مواقف الحياة بإيجاز من حيث المعالجة والأثر الذي يتركه في المتلقي، من خلال طرح حدث أو بضع حوادث يتألف منها موضوع مستقل بشخوصه ومقوماته، وقد اختلف النقاد في سبب تسميتها بالقصة القصيرة، فمنهم من أرجع تسميتها بذلك إلى الوقت الذي ينتهي فيه القارئ من قراءتها، ومنهم من أرجعه لعدد مفرداتها، ومنهم من أرجعه إلى قصر الحجم، وما يتركه من أثر على عناصر القصة ومقوماتها؛ فضيق الحيّز اللغوي يجبر القاص على تقديم رؤيته وأحداثه وشخوصه بتكثيف وتركيز، وهذا ما دفع بأصحاب الرأي الأخير بتسميتها بفن الومضة؛ إذ إنها لا تحتمل التوسع في الشخصيات والتفصيل في الأحداث، كما لا تحتاج إلى وقت طويل لقراءتها.
مفهوم الرواية
هي من أطول أنواع القصص، ويميزها انسيابيتها ومرونتها وتمردها المستمر على ذاتها، وذلك لكثرة الأحداث وتتعدد الشخصيات فيها، بالإضافة إلى إثارتها لقضايا مهمة في المجتمع أو العالم ومتغيرة بتغيره، ويتم ذلك من خلال عدة أحداث متشابكة وعدد من الأشخاص. وفن الرواية يحتاج إلى قاعدة مادية لظهوره، مثل: العلاقات الاجتماعية المعقدة الموجودة في المدينة، وإلى مدارس ومتعلمين؛ فالرواية كتاب، والكتاب يحتاج إلى مطبعة وإلى مدارس ومكتبات وصحافة، كما يحتاج إلى وقت فراغ لقراءته، كما تعرف الرواية بأنها فن المدينة؛ أي ارتبط ظهورها بوجود المدن، مع أنها تعالج موضوعات الريف، ذلك أن الرواية تحتاج المدينة للظهور فيها، وبما أن نشأتها كانت مرتبطة بالثورة الصناعية في أوروبا، أو بالثورة البرجوازية على الإقطاع، وعملت على إعلاء قيمة الفرد وشأن الفرد، وكانت في بداياتها تركز على شعار "دعه يعبر عن ذاته" مما جعل الفرد حجز الزاوية فيها وفي المجتمع الذي نشأت فيه، فقد عُرفت بأنها فن برجوازي لتعبيرها عن القيم البرجوازية، ولكنها انتقلت بعد ذلك لتعبر عن باقي الطبقات الاجتماعية وجسّدت رؤاها وقضاياها ومشكلاتها.
الفرق بين القصة والرواية فنيًا
الحديث عن الفرق بين القصة والرواية يتطلب تفصيلًا دقيقًا، إذ إن الفرق بين القصة والرواية ليس فرقا يلمح من نظرة خارجية فقط على أي منهما، بل يتطلب قراءة لكليهما، وبعدها النظر في كل عنصر من عناصر العملين للحكم عليهما، فالفرق بين القصة والرواية لا يتوقف على العنوان وإنما ينسحب أيضا إلى عناصرهما الفنية المكونة لهما.
الطول
- القصة القصيرة:
- عادة تأتي القصة قصيرة ولا تتجاوز العشر صفحات، ولكنها لا تلزم شرطًا عددًا معينًا من الصفحات، بل هناك نوع من القصص يسمّى بالقصة القصيرة جدًا، وهي تتكوّن من أصغر وحدة لغوية حتى فقرة أو مقطع قصير، كالقصة التالية للقاصة المغربية فاطمة بوزيان: "هَمّ الأستاذ بالكتابة على السبورة تكسّرَ الطبشور، حاول الكتابة بما تبقّى في يده، خربش الطبشور السبورة في صوتٍ مزعج، اغتاظ. والتفت على يمينه قائلا: اتفو على التخلف في زمن العولمة يسلموننا".
- الرواية:
- في حين أنّ الرواية طويلة وقد تتجاوز الألف صفحة، ويؤثر في طولها كثيرا نوع الرواية، فلو كانت الرواية من روايات الأجيال، فقد يتجاوز طول الرواية الألف صفحة، أو الكتاب الواحد للرواية، إلى عدة أجزاء متسلسلة في عدد من الكتب، مثل رواية الزوبعة لزياد قاسم.
- ذهب بعض النقاد إلى أنّه من الخطأ تحديد الفرق بين القصة والرواية من حيث الطول، ذاهبا إلى أن الفرق بين القصة والرواية هو فرق بين القص الخالص المتمثل في القصة القصيرة، والقص التطبيقي المتمثل في الرواية، ذلك أن الفرق هو الفرق بين المعزوفة / القصة، والسمفونية / الرواية، أو المعادلة الرياضية بمجهول واحد / القصة، أو المعادلة الرياضية بعدة مجهولات / الرواية.
الشخصيات
- في القصة:
- تختزل الشخصيات بعدد قليل، وقد تقتصر على شخصية واحدة، وتتركز الشخصيات الرئيسة بشكل واضح فيها وقد تخلو من الشخصيات الثانوية. إلا أن الشخصية الرئيسة في القصة غالبا هي شخصية واحدة تسمى البطل، والشخصية الأخرى التي تحدث معها الصراع هي البطل المعاكس.
- للشخصية في القصة عدّة أنواع: الشخصية المسطحة أو الثابتة التي لا يظهر على أبعادها المادية والاجتماعية والنفسية والأيديولوجية أي تغيير، فعادة ما يظل الشرير شريرًا والخَيّر خيّرًا. أما الشخصية الثانية فهي الشخصية النامية التي تتكشف أبعادها تدريجيا بتطور الأحداث وتفاعلها معها والصراع بينها وباقي شخصيات القصة أو عناصرها.
- تعدّ الشخصية الروائية المقوم الأساسي للرواية، ودونها لا وجود للرواية أصلا. وما يميز الشخصية الروائية أنها إنسانية لا خارقة تتحدى الواقع ولا هزيلة تبتعد عن الواقع، وتجسد تجربة فردية، وتقوم بنشاطاتها في بيئة بشرية محددة.
- الشخصية الروائية شخصية معقدة، فهي تعكس مشكلة الإنسان الساعي إلى الانسجام والتناغم والاستقرار في مجتمع يعيش الحروب والفلسفات والثورات وتحكم السلطة، وغيرها كثير. ويتعرف القارئ إلى الشخصية مما تقوله عن نفسها أو ما يقوله الآخرون عنها، وهي هنا شخصية إما محورية تكون محور أحداث الرواية أو رئيسية نامية، تعرف من خلال سلوكها ومواقفها وتصرفاتها التلقائية، وترسم في الرواية من خلال بعدها المادي والجسدي، وبعدها الاجتماعي ضمن طبقة معينة وانتمائها الريفي أو المدني وتعاملها مع من حولها في مجتمع معين، والبعد الأيديولوجي وانتمائها الفكري والديني، والبعد النفسي وما يدور فيه من مشاعر وانفعالات، وهذه الشخصية تتأثر في الأحداث الرواية وتتأثر بها.
- وعلى عكس الشخصية النامية في الرواية، تظهر في الرواية الشخصية الثابتة أو المسطّحة، ولا يرى القارئ إلا جانبًا واحدًا من جوانبها في الرواية، ولا تؤثر ولا تتأثر بالأحداث الروائية. يقصد الكاتب من هذه الشخصية طرح نموذجًا للشخصية الإنسانية التي يقابلها القارئ في حياته اليومية، مما يجعلها ذات فائدة كبيرة في نظر الكاتب والقارئ.
الأحداث
- القصة:
- تدور أحداث القصة حول حدث واحد في الغالب، ولا تطول مدتها كثيرًا، ولكن الملاحظ أن لبّ القصة هو الوصف الدقيق للحدث القصصي الذي ينمو ويتطور بفعل الصراع الذي قد يكون بين الشخصية القصصية وذاتها، أو الشخصية القصصية وما حولها من شخوص وبيئة.
- تتطوّر الأحداث في القصة ينمو بشكل أساسي من خلال الصراع بين جانبين، لذلك يمر الحدث القصصي بثلاث مراحل: الأول هو الاستقرار الظاهر للحدث الذي يتوتر نتيجة موقف ما فيبدأ الصراع، وفي المرحلة الثانية يشتد الصراع إلى أن يصل الحدث ذروته ويتأزّم مما يقود إلى الحلّ/ عُقدة القصة، والمرحلة الثالثة تكون خاتمة الحدث لصالح الشخصية الرئيسة في القصة أو لصالح من هو ضدها في الصراع، حيث تخفّ شدّة الصراع، وهذه اللحظة هي ما تسمى لحظة التنوير في القصة.
- لحظة التنوير مهمة جدًا في القصة، وهي تأتي في خاتمة القصة، وتمثل الغاية الرئيسة لتشكيل القاص للحدث في القصة، فالحدث القصصي لا بد أن يمر بالمراحل الثلاث السابقة والصراع الجسدي أو الوجداني الذي يربط بينها ليتطور الحدث تطوّرًا مقنعا حتى يصل إلى لحظة التنوير ليكتمل من خلال هذا كله مغزى القصة، وكل هذا التسلسل في الحدث هو الذي يظهر حُبكة القصة.
- الرواية:
- تتميّز الرواية بتصويرها حدثًا بشريًا، يعبر عن صفات الشخصية البشرية وسماتها، مما جعل الحدث ملازما للشخصية. ومع ذلك فإن لأحداث الرواية طابعا فنيًا خاصًا، فهي ليست متراصة دون أي رابط بينهما، كما أنها ليست سردًا مباشرًا تقريريًا، بل أحداث نامية تنمو وتتطور وتتشابك وتتعقد في إطار زمني ومكاني محدد، كما تظهره الشخصيات المتحركة داخل الرواية.
- الطبيعة الفنية للأحداث الروائية وتسلسلها، تجعلها مليئة بالحركة والتوتر والمفارقة والغموض والإثارة بما يشابه الحدث البشري الحقيقي، وذلك لجذب اهتمام القارئ وتشويقه للمتابعة. كما أن البناء التقليدي للأحداث مشابه فعلا للأحداث البشرية، فهي تشتمل على البداية والوسط والنهاية، وعلى بداية الحدث أن تكون مهمة وجاذبة لتستثير اهتمام القراء وتجعلهم يدركون أن الرواية تعالج مشكلة لها خطورتها في المجتمع ولها أثرها على الحياة الواقعية، في حين أن نهاية الحدث تكون في الوقت الذي يتحقق فيه الهدف من الحدث الروائي، ويشعر فيه الكاتب بضرورة إنهاء الحدث.
- كثيرا ما تبدأ الأحداث الروائية من حيث يجب أن تنتهي، فلا تلزم تسلسلا واحدا، ثم تعود للبداية، فالأحداث تنمو وتتطور وتتجه حتما نحو نهاية محدد، ومثل هذا البناء للأحداث ورد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح. كما أن الأحداث في الرواية معقدة ومتشابكة، تجري لشخصية واحدة أو لمجموعة من الشخصيات، ويجمعها ويوحدها الفضاء الروائي، كرواية أم سعد لغسان كنفاني.
- والأحداث في الرواية تقع وفق نظام محدد، وهذا النظام هو ما يخلق الحُبكة الروائية، فإما أن تكون أحداث الرواية متماسكة ومترابطة بالحتمية والسببية، مما يجعل حُبكة الرواية متماسكة. وإما أن تنبني على المصادفات والقدر أو المواقف المنفصلة دون أن يجمعها ترابط منطقي سببي، مما يجعلها حُبكة مفككة. وهكذا يبدو الفرق بين القصة والرواية من حيث الأحداث يركز بشكل أساسي على كمية الأحداث وتعقدها وتوترها، وسعيه إلى المغزى في القصة أو النهاية في الرواية.
الزمان والمكان
- القصة:
- يرد المكان في القصة بوصفه مسرحًا للأحداث، ولكن يُشار للمكان في القصة إشارة سريعة خاطفة وقد تكون غامضة، فيقال مثلا كنّا في القطار. وقد يرد المكان في القصة مشاركًا في الحدث القصصي، خاصة إذا كان المكان هو البطل المعاكس للبطل الرئيس في القصة، ويرسم المكان في القصة على هيئة عالم مصغّر تدور فيها الأحداث كما ظهر في قصة تحت المظلة لنجيب محفوظ.
- أما الزمن في القصة فهو زمن تخيّلي، يختلف عن زمن الأحداث الواقعية في الحياة؛ فالزمن الواقعي في الحياة متشابك ومعقّد ويحمل أحداثًا أخرى متشابكة ومعقّدة، لكنه في القصة زمان واحد، يتطور من خلال الكلام على لسان الشخصيات، ويتوهم القارئ بأنه زمن حقيقي، حين يتقن القاص استخدام تقنيات القص الزمانية فينتقل بالزمن من خلال التذكر والتداعي والقطع الزماني، بما يتفق وينسجم مع طبيعة الشخصية.
- الرواية:
- يشكل الزمان والمكان مناخ الشخصيات في الرواية، ويجسدان الحضور التاريخي والحضاري الذي تسعى الشخصيات للوصول إليه، والروائي يرسم الزمان والمكان من خلال خبراته وتجاربه وقراءاته لطبيعة الزمان والمكان الذي يريد تحريك الشخصيات فيه، دون أن ينسى الخيال في رسم الزمان والمكان.
- يرى الكثير من النقاد، ضرورة تصوير الروائي للزمن في الرواية، ذلك أن جوهر الرواية هو الصراع بين الإنسان والزمن وما تخلله من تغيرات تكنولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية، لذلك يظهر الزمن بوصفه بطلا في روايات الأجيال كرواية الزوبعة لزياد قاسم، فالزمن في مثل هذه الروايات يؤثر في تشكل وعي الشخصيات وسلوكها ومشاعرها ورؤيتها للحياة، وما قبله السابقون في الزمن لا يقبله المتقدمون. وقد احتل الزمن في الرواية أهمية عظمى حتى احتل عناوين روايات كاملة مثل صراخ في ليل طويل لجبرا ابراهيم جبرا، كما سعى الكثير من الروائيين إلى تحطيم تسلسله للتغلب على سطوته وجبروته فلجأوا إلى التذكر والتداعي الحر وتيار الوعي.
- أما المكان في الرواية فلم يتوقف على الحدود الجغرافية، بل امتد ليشمل البيئة وأثرها على الشخصيات وعاداتها وتقاليدها ولهجتها، ومواقفها، وصراعاتها، فالمدينة تختلف عن الريف، وداخل المخيم يختلف عن خارجه، حتى أن المكان الواحد كانت تتغير صورته من مرحلة إلى أخرى، ومن كاتب إلى آخر، وحسبما يريد الروائي إيصاله إلى القارئ، ففي رواية الياطر يستخدم حنا مينة المكان رمز مشبع بدلالات الحدث البشري وأثره على تشكيل اللوحة النفسية للإنسان ووعيها وأبعادها، فجاءت الغابة رمز والمدينة رمز معاكس. كما قد يتحول المكان مثله مثل الزمان إلى بطل في الرواية، وهذا ما ظهر في رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ. وهكذا يكون الفرق بين القصة والرواية من حيث الزمان والمكان، هو في مدى حضور كليهما، الذي يكون في الأولى خاطفا سريعا، وفي الثانية يحتل حيزًا كاملًا.
اللغة
- القصة: تستخدم القصة تقنيات لغوية معينة، قد توظف الوصف، أو الحوار أو السرد أو الحوار الداخلي ... إلخ، فإما أن توظف هذه التقنيات منفصلة، وتقتصر على تقنية واحدة، أو تنوع في التقنيات، ولكن التنوع يكون ضيّق جدا، وذلك لطبيعة القصة التي يتسع حيّزها لاستخدام تقنيات مختلفة، وحين تستخدم القصة التقنيات المختلفة والمتداخلة، تسمى لغة القصة بالنسيج، كون لغة القصة تكون متينة متشابكة كالنسيج.
- الرواية:
- تعدّ اللغة مادة الرواية وأداتها، والكاتب يستمد لغته الروائية من البيئة التي ينتمي إليها، ولكنه يعمد إلى تشكيلها تشكيلا خاصًا به وببنائه الروائي. ولغة الرواية الأساسية لغة نثرية سردية إيحائية تصويرية توصيلية، ويتخللها الحوار، ويغلب السرد على الحوار في الرواية إذ إنّ السرد أو القص هو المادة اللغوية الأساسية للرواية والحامل لمكوناتها.
- تتنوع الأساليب السردية في الرواية الواحدة لتحقق توازنًا في البناء الروائي، فيستخدم الروائي تقنيات سردية مختلفة: الضمائر واليوميات والمذكرات، والرسائل، والتذكر، والحلم، والتداعي، والارتداد والاسترجاع، وتيار الوعي، والقطع المكاني. والكاتب أثناء تشكيل السرد الروائي، يُداخل السرد بالحوار الذي يكشف الشخصيات الروائية، وما يجري عليها من تطورات، وما تقيمه من حوارات مع بقية أشخاص الرواية أو مع نفسه، فيوظف المنولوج وهي الحوار الداخلي، أو الديالوج وهو الحوار الخارجي.
- يلحظ على لغة الرواية من حيث اللغة أن ألفاظها تتراوح بين الرصانة والتماسك على يد رواد الرواية، والبساطة والقرب من القارئ وبيئته مع تطورها، حتى أنها مالت إلى استخدام العامية لتوحي للقارئ بواقعيتها وموازتها لتجربة الحياى الحقيقية له، يلحظ أنها في الفترة الأخيرة أصبحت تميل إلى الإيحاء والتركيز والتكثيف وأصبحت لغتها شعرية، كما ظهر في روايات أحلام مستغانمي. وهكذا يكون الفرق بين القصة والرواية من حيث اللغة لا يكون في طبيعة التقنيات السردية المستخدمة، وإنما في مدى التنوع في استخدام التقنيات السردية.
القضايا التي تعالجها
- القصة: تختلف أنواع القصة باختلاف الموضوعات التي تعالجها، ويمكن تقسيم أنواع القصة كالتالي: القصة النفسية التي تحاول الكشف عن أسرار النفس الإنسانية واضطراباتها، والقصة البوليسية التي نشأت عن تطوّر الجريمة في العصر الحديث، والقصة الواقعية التي تصور الواقع وتناقشه وتحاول إدانته، وقصة الواقعية الاشتراكية التي تصور الواقع كما ينبغي أن يكون، والقصة الرومنسية التي تهتم بالفرد وتحاول الهروب من الواقع.
- الرواية: تتسع مجالات القضايا التي تعالجها الرواية وتزداد تعقيدًا فهي تتناول الفلسفة، وعلم الاجتماع، والسياسة والاقتصاد، وعلم النفس، ولا يعني هذا أن موضوعاتها تختلف عن موضوعات القصة القصيرة، بل أن موضوعاتها تتسع أكثر، فالقصة تتناول موضوع الواقعية والواقعية الاشتراكية، في حين أن الرواية تتناول الواقعية والواقعية الاشتراكية والواقعية السحرية، والواقعية التحليلية والواقعية الرمزية وغيرها كثير، كما نرى الرواية التاريخية، والرواية الوجودية، والرواية العبثية، والرواية الرمزية، والرواية الرقمية التي تطرح التكنولوجيا كمادة لغوية لها، ومن كتابها محمد سناجلة.
الوحدة
- القصة: تقوم القصة القصيرة على وحدة الانطباع والتأثير، لذلك يجد القارئ أن جميع عناصرها تعمل متآزرة بقصد إحداث أثر عاطفي وفكري واحد عند المتلقي، ويدوم هذا الأثر في الذهن والمشاعر لفترة طويلة بعد انتهاء قراءتها.
- الرواية: التعدد في الأحداث والأزمنة والأمكنة سمة بارزة للرواية، والعناصر الروائية تتصف بالتآزر والانسجام والوحدة، وبالتالي الحديث بشكل منفصل عن كل عنصر من العناصر الروائية، حديث لا يتفق مع طبيعة الرواية التي تتصف بالغنى والتعدد والوحدة، وتفاعل العناصر الروائية مع بعضها مما يبرزها إلى الوجود.
ظهور القصة والرواية في الأدب العربي
لم يقتصر الفرق بين القصة والرواية على البناء أو العناصر أو الموضوعات التي تعالجها، وإنما تجاوزها إلى ظهورها أيضا في الأدب العربي، كون الفنيين هما بالأصل فنين غربيين ظهرا في أوروبا في عصر النهضة، وانتقلا إلى الأدب العربي على يد طلائع الأدباء العرب الذي اتصلوا بالغرب من خلال بعثاتهم العلمية بداية العصر الحديث 1798، لغايات الدراسة أو بفعل الحروب الناشئة في الوطن العربي، فتأثروا بالآداب الغربية، ونقلوها إلى الأدب العربي عن طريق الترجمة، ثم المحاكاة والإبداع، وتاليًا عرض للفرق بين القصة والرواية العربية في الأدب من حيث النشأة. [١]
نشأة الرواية العربية
يجمع كل النقاد العرب بأن أول رواية عربية بالمعنى الفني الحديث لمصطلح رواية هي رواية زينب لمحمد حسين هيكل، التي ظهرت عام 1920، ولكن كيفية نشأتها فقد كان موضوع خلاف كبير بين النقاد، فمنهم من رأى أنها فن جديد من حيث الموضوع والبناء والهدف، ولا علاقة بينها وبين الفنون العربية القصصية القديمة، ويستدلون على رأيهم ذلك بأن رواد الرواية العربية، قد درسوا في الغرب، وتأثروا بالرواية الغربية، ومنهم محمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم.
بينما رأى آخرون أن الرواية العربية، هي تطور طبيعي للقص العربي التراثي، مثل المقامات والحكايات الشعبية والسير، ورأيهم هذا استندوا فيه إلى أن القصة موجودة لدى كل الشعوب منذ نشأتها، ومن حرصهم على ضرورة التأكيد على الذات العربية. في حين ذهب أصحاب الرأي الثالث أن الوطن العربي مرّ في أوائل القرن العشرين، مرّ بتحولات اجتماعية كظهور الطبقة البرجوازية واقتصادية متعلقة بظهور الصحافة والمجلات والمدارس والثورة الصناعية وسياسية مشابهة للتحولات الأوروبية التي أدّت إلى نشوء الرواية الأوروبية، فبالتالي كانت الرواية العربية وليدة التغيرات المحلية التي لم تعد الأشكال القصصية التقليدية قادرة على التعبير عنها.
وقد كانت الرواية العربية في بداياتها قبل أن تكتمل بمفهومها الحديث متأثرة بالفنون الأدبية القديمة كالمقامات والحكايات، فجاءت مليئة بالمحسنات البديعية والأساليب الحكائية، كما أن موضوعاتها كانت تميل إلى التعليم والوعظ الأخلاقي، كما ورد في روايات جورجي زيدان ومحمد المويليحي، وفيما بعد تغيرت موضوعاتها بالتغيرات المجتمعية الطارئة، وحاجة الإنسان العربي، إلى رواية تعبر عن تجاربه الشخصية الكاملة.
نشأة القصة القصيرة العربية
تعود نشأت القصة العربية وترسخ أصولها إلى بداية القرن العشرين، ولم تكن الظروف التي نشأت فيها الرواية العربية، بأبعد عن الظروف التي نشأت فيها القصة القصيرة العربية، إلا أن ظهور القصة القصيرة كان تاليا لظهور الرواية، ولعل الفاصل الزمني في ظهورها يعتبر مؤشرا مهما لملاحظة الفرق بين القصة والرواية، فقد كان القصة العربية في بدايتها متأثرة بقوة بقصص تشيخوف الروسي جان دي موباسان الفرنسي، وكان التأثر من باب التمثيل لفن أدبي جديد، ولكنه انتقل فيما بعد ليستوعب قضايا مجتمعية كانت الرواية أسبق إليها. وقد اختلف النقاد في ظهور أول قصة عربية، فمنهم من قال أن أول رواية عربية كانت في القطار لمحمد تيمور والمنشورة عام 1917 في جريدة السفور، بينما ذهب بعضهم إلى أن قصة سنتها الجديدة لميخائيل نعيمة المنشورة في بيروت عام 1914 هي أول قصة عربية. [٢].
المراجع
- ↑ الأدب العربي في العصر الحديث, ، "www.marefa.org"، اطلع عليه بتاريخ 1/2/2019، بتصرف.
- ↑ القصة القصيرة, ، "www.marefa.org"، اطلع عليه بتاريخ 1/2/2019، بتصرف