محتويات
ما هي القناعة لغةً؟
يختلف معنى القناعة في اللغة في حال كان ورودها بالفتح أو الكسر، فأما في الفتح فهي الرِّضى بالشَّيء اليسير وعدم طمع النَّفس بما هو أكثر من ذلك.[١]
ما هي القناعة في الإسلام؟
القناعة في الإسلام هي الغِنى والرضا بما امتنَّ به الله -تعالى- على عبده من النعم العظيمة، وذكر السيوطي أنَّ القناعة هي الرضا بما لا تكتفي النفس به وترك التطلع إلى المفقود ووالاستغناء بما هو موجود.[٢]
الأحاديث النبوية الواردة في القناعة
ما هي الأحاديث الصحيحة التي وردت عن القناعة في بطون الكتب؟
- قالت عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله قال: "إذا سبَّبَ اللهُ تعالى لأحدِكم رزقًا من وجهٍ : فلا يدعهُ حتى يتغيرَ لهُ".[٣][٤]
- قال أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله قال: "إنَّ رجلًا من أهلِ الجنَّةِ استأذَنَ ربَّه في الزَّرعِ، فقال لهُ: ألستَ فيما شِئْتَ؟ قال: بلَى، ولكنْ أُحبُّ أنْ أزرعَ! فبذرَ، فبادرَ الطَّرْفَ نباتُهُ واستِواؤُه واستِحْصادُه، فكانَ أمثالَ الجبالِ، فيقولُ اللهُ: دونَكَ يا ابنَ آدمَ! فإنَّه لا يُشْبِعُك شَيءٌ".[٥][٦]
- قال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ".[٧][٦]
كيف تُكتسب القناعة؟
القناعة من الأخلاق الحميدة التي يمكن اكتسابها وذلك عن طريق مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى التَّخلق بهذا الخلق ومن تلك الأسباب:[٨]
- أن يسلِّم العبد لقضاء الله وقدره الذي كتبه عليه، مع التَّوكل عليه في جميع أمور حياته.
- ألا يتعلق قلب المؤمن بالنَّعيم الزَّائل في هذه الحياة الدُّنيا ويسعى للحصول عليه، متناسيًا أنَّها دارٌ زائلة.
- أن يتَّخذ لنفسه قدوة صالحة متخلِّقة بالزُّهد، وتعدُّ القناعة أحد الصِّفات التي تتصف بها.
- أن يجاهد الإنسان نفسه من أجل التَّخلق بهذا الخلق، فلا يتطلَّع إلى من يفوقه في المال والرِّزق.
- أن يتفكر الإنسان في حال من هو دونه، وأنَّ الله قد منَّ عليه بالكثير.
- أن يكثر منالدُّعاء والتَّضرع إلى الله سبحانه وتعالى حتى يغرس القناعة في روحه.
- أن يعلم أنَّ القناعة من الأسباب التي تجعله يعيش مرتاح البال مطمئنًا، من غير أن يكدِّر صفاء عيشه شيئًا من الحسد.
كيف تتجلى القناعة في تصرفات المسلم؟
تتجلى القناعة في تصرُّفات المؤمن بعددٍ من الأمور مثل:
- الاقتصاد في المأكل مهما كان الإنسان صاحب مالٍ وغنى، فها هو عمر بن عبد العزيز على الرُّغم من غناه إلَّا أنَّه كان يصبر على الجوع، ويقتصد في طعامه وشرابه.[٩]
- الابتعاد عن الشَّهوة في الأكل، فقد نُقل عن عمر بن الخطاب أنَّه ذمَّ الإنسان الذي يأكل ما تشتهي نفسه، بل عليه القناعة فيما بين يديه والرِّضى بما يقوي بدنه فقط.[١٠]
- عدم الطَّلب من النَّاس وسؤالهم ما في أيديهم من الأموال والطَّعام، بل الاقتصار في هذا على الموجود من غير تمنِّي ما في أيدي الغير.[١١]
- اقتناء الأمور التي يكون المسلم بحاجتها في مسكنه على قدر الحاجة فقط، فلا يزيد بالشِّراء إلى حدِّ البذخ أو ما يفوق حاجته، فقد أخبر أحمد بن حنبل أنَّه في حال كان الشَّخص بحاجةٍ لثلاثة مفارش في بيته واشترى أربعة، فالرَّابع هو فائضٌ عن الحاجة وسيكون مسكنًا للشَّيطان.[٩]
- شراء الأثواب التي سيلبسها المؤمن أو يكون بحاجة لها، فلا يشتري عدَّة أثواب، ويتركها من غير أن يحتاجها.[٩]
أثر القناعة على الفرد
ما هي آثار القناعة الحسنة التي تعود على المؤمن؟
ومن آثار القناعة التي تعود على الفرد ما يأتي:[٨]
- الثِّقة بالله -سبحانه وتعالى- والإيمان بالرِّزق الذي كتبه الله للعبد والذي يؤدي إلى امتلاء القلب إيمانًا وراحةً بأنَّ رزقه له ولن يقاسمه فيه أحد.
- القناعة تورث للعبد الشُّعور بالطَّمأنينة وهذا ما يجعله يشعر بحياته الطَّيبة والمريحة.
- حمدُ اللهِ -سبحانه وتعالى- على ما رزقه والشُّكر له على نعمه، فعندما يقنع ويرضى بما أعطاه الله فسيكون لسانه شاكرًا وحامدًا لله.
- الحماية من الذُّنوب القلبية كالحسد والبغضاء بالإضافة للابتعاد عن إثم الغيبة والنَّميمة التي تبدر عنه العبد غير الرَّاضي عن نعم الله -سبحانه وتعالى- وعمَّا رزقه إياه.
أثر القناعة على سلامة المجتمع
كيف تتجلى محاسن القناعة على المجتمع؟
ومن الآثار التي تعود على المجتمع ما يأتي:[٨]
- نشر المحبة والإلفة بين النَّاس، فعندما يكون الإنسان بعيدًا عن مشاعر الحسد والضَّغينة أو تمني زوال النَّعمة عن الغير لتحلَّ به، سيؤدي ذلك إلى نشوء مجتمع مترابط ومتعاون.
- التَّفكر بأحوال الفقراء والمساكين ومعرفة أحوالهم فعندما يكون المسلم قنوعًا سيدفعه هذا الأمر لتأمُّل حال من هم دونه، والذي قد يدفعه لمساعدتهم وتفقُّد أحوالهم.
- نشر الأمن والأمان في المجتمع فمن يتَّسم بصفة القناعة لن يسعى إلى الاستيلاء على ما لا يملكه، فهو يعلم أنَّ حطام الدُّنيا زائل، ويرضى بما قسمه الله له.
مواقف من قناعة النبي صلى الله عليه وسلم
هل هناك من مواقف من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم تُجسد القناعة؟
صفة مسكن النَّبي عليه السَّلام
لقد مرَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أحد الأيام على النَّبي محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، فرأى أنَّ فراشه قد ترك أثرًا على جسده ولم يكن عنده إلا ثوب واحد يلملمه على نفسه، وجال بنظره في بيته ليجد أنَّه لا يحوي إلَّا صاعًا من شعيرٍ فبكى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لحال النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، فهوَّن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام هذا الموقف على عمر بن الخطاب مطمئنًا إيَّاه أنَّ الجنَّة له وللمؤمنين أمَّا الدُّنيا فهي للمشركين وهو مقتنعٌ بهذا.[١٢]
صفة فراش ومأكل النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام
لقد وصفت السَّيدة عائشة -رضي الله عنها- يومًا فراش النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- الذي يأوي إليه في ليله فقالت: "كانَ فِرَاشُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أدَمٍ، وحَشْوُهُ مِن لِيفٍ"،[١٣] وقد كان عليه الصَّلاة والسَّلام تمرُّ عليه الأيام تباعًا لتصل إلى الأشهر ولا يوقد في بيته نار لطعامٍ أو شراب، وفي هذا وصفت السَّيدة عائشة -رضي الله عنها- لابن أختها طعام النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، فقاللت: "قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه".[١٤][١٢]
قناعة عليه الصَّلاة والسَّلام بالقليل من المال
لم يكن عليه الصَّلاة والسّلام متعلقًا بالمال أو يبغي زيادته وإن أراد هذا فهو من أجل زيادةٍ في الدِّين والتَّقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالصَّدقات ورفع راية الإسلام، وهذا ما ورد في حديثٍ رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ".[١٤][١٢]
قناعة السلف الصالح
كيف تجلى اقتداء الشلف بقناعة النبي عليه الصلاة والسلام؟
قصة قناعة أبي حازم
ذكر أنَّ أحد خلفاء بني أميَّة قد كتب إلى أبي حازم هو يسأله عن حاجته وعمَّا يريد فيقضيه له، فرد أبو حازم عليه قائلًا إنّ حاجته قد رفعها إلى ربٍّ كريمٍ، وأنَّ ما يعطيه الله إياه من ذلك هو راضٍ به مقتنع بما وهبه، وما أمسك عنه من حاجاتٍ فذلك لحكمة منه ولا يُقدّر الله إلا الخير من الأمور، وهو وحده سبحانه مُقدر الخير كله.[١٢]
قصة قناعة أبو جعفر
وقد ذُكر في موضع آخر أنَّ أبا جعفر -وهو واحد من السلف الصالح- كان وارده من المال في الشَّهر يبلغ أربعة دراهم يعيش بها عيشة الكفاف ولم يرَ يومًا يسأل النَّاس أو يطلب المزيد، وما ذاك كله إلا لأنه كان مقتنعًا بما قسمه الله له، راضيًا بلقيمات من الحياة الدنيا ساعيًا إلى ربه لا يلتفت إلى بهرجات زائلة.[١٢]
قناعة سلمان -رضي الله- عنه وبكاؤه
من القصص والأحاديث التي تروى عن سلمان -رضي الله عنه- أنَّه في مرضه الأخير وحينما حضرته الوفاة أخذ ينظر حوله في مسكنه ويبكي، فسأله الحسن -رضي الله عنه- عن سبب بكائه وخوفه، فأخبره بأنَّه لا يبكي خوفًا من الموت أو تعلقًا بالدُّنيا، ولكن عندما توفي الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بأن يكون زاد أحدهم في هذه الحياة الدُّنيا كزاد المسافر، وهو يتوفَّى الآن وعنده من أمور الدُّنيا ومتاعها ما يبلغ الثَّلاثين درهمًا.[١٢]
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 478. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 478. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:663، حديث حسن.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح الترغيب والترهيب للمنذري حطيبة، صفحة 1-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2080، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 480-481. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1054، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 371. بتصرّف.
- ^ أ ب ت حسن أبو الأشبال، دروس الشيخ حسن أبو الأشبال، صفحة 9-11. بتصرّف.
- ↑ ابن زيدان السجلماسي، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 1-2-3. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السُّنية، صفحة 487-489. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6456، حديث صحيح.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6459، حديث صحيح.