المهموس

كتابة:
المهموس

مفهوم الشعر المهموس

يُقصد بالشعر الملموس هو الشعر الذي يتميّز بالأحاسيس المبثوثة فيه، فترى صدق الشاعر في ثنايا الكلمات واضحًا، وهو مختلفٌ تمامًا عن الخطابة، ويكون هذا الضرب من الشعر في غير جهد أو إحكام فلا يكون بوعيٍ مسبق من الشاعر بما يفعل، وإنّما غريزته هي التي تدفعه دفْعًا للكتابة بهذه اللغة العذبة الرقيقة المهموسة.[١]

فيُخبرك هذا الشاعر أو الأديب ما يهمس في نفسه مما يُثير فؤاد المتلّقي، وتحمل ألفاظ هذا الشعر إحساسات دقيقة صادقة قريبة من النّفس، يشعر معها المتلقي بالألفة والقرب، ومن ذلك الشعر شعر الملابسات الذي يدور حول حدث سياسي أو اجتماعيّ مرهون بفترة زمنية معينة، وامتاز شعراء المهجر بهذا الشعر؛ ومن أبرزهم: ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي.[١]

نماذج من الشعر المهموس

فيما يأتي بعض نماذج الشعر المهموس:

قصيدة أخي لميخائيل نعيمة

أخـي، إن ضـجّ بعد الحرب غربيٌّ بأعمالـه

وقـدّس ذكر من ماتـوا وعظّم بطشَ أبطالـه

فلا تهزج لمن سادوا، ولا تشمت بمن دانا

بل اركع صـامـتـاً مثلي بـقـلـبٍ خاشعٍ دامٍ

لـنبكي حـظٌّ مـوتــانــا

أخـي، إن عاد بعد الحرب جنديٌّ لأوطانـه

وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلّانه

فلا تـطـلـب إذا ما عُـدتَ لـلأوطـان خـلّانــا

لأنّ الـجـوع لم يترك لنا صـحبـاً نـنـاجـيهـم

ســوى أشـباح مـوتــانــا

أخـي، إن عـاد يحرث أرضه الفلاح أو يزرع

ويبني بعد طولِ الـهجـر كوخاً هـدّه المدفع

فـقد جـفّـت ســــواقـينـا وهـدّ الـذلّ مـأوانـا

ولم يترك لنا الأعـداء غرســـاً في أراضـيـنـا

ســـوى أجياف مـوتــانــا

أخـي , فقد تمّ ما لو لم نشـأ نحن ما تمّا

وقد عـمّ البلاءُ، ولـو أردنـا نـحـن ما عـمّـا

فلا تندب، فأذنُ الغيرِ لا تصغي لـشكوانـا

بل اتبعني لنحفر خندقـاً بالرّفش والمعول

نــواري فيه مـوتــانــا

أخـي، من نحن ؟ لا وطنٌ ولا أهلٌ ولا جارُ

إذا نـمـنـا، إذا قـمنـا، رِدانـا الخزيُ والـعـارُ

لقد خـمّـتْ بنا الـدنـيـا كما خـمّـت بموتـانـا

فهات الـرفــش واتبعني لنحفر خـنـدقـاً آخر

نـواري فيه أحـيـانـا[٢]

قصيدة يا نفس لنسيب عريضة

يا نفسُ مالك والأنين

تتألَّمين وتُؤلمين

عذَّبتِ قلبي بالحَنين

وكَتَمتِهِ ما تقصُدين

قد نامَ أربابُ الغرام

وتَدَثَّروا لُحفَ السَّلام

وأبيتِ يا نفسُ المَنام

أفأنتِ وحدَكِ تشعُرين

الليلُ مرَّ على سواك

أفما دهاهم ما دَهاك

فلم التمرُّدُ والعِراك

ما سُورُ جسمي بالمَتين

أطلقتِ نَوحَك للظلام

إيَّاكِ يَسمَعكِ الأنام

فيَظُنَّ زَفرَتك النِّيام

بوقَ النُشورِ ليوم دِين

يا نفس ما لك في اضطِراب

كفريسةٍ بين الذئاب

هلا رجَعتِ إلى الصواب

وبدلتِ رَيبَكِ باليقين

أحمامةٌ بين الرياح

قد ساقها القدرُ المُتاح

فابتلَّ بالمطر الجَناح

يا نفسُ ما لكِ ترجُفين

أوَما لحُزنِكِ من بَراح

حتى ولو أزِفَ الصَّباح

يا ليت سرِّك لي مُباح

فأعي صَدى ما قد تَعِين

أسَبَتكِ أرواحُ القَتام

فأرَتكِ ما خلفَ اللِّثام

فطمِعتِ في ما لا يرام

يا نفسُ كم ذا تَطمَحين

أصعِدتِ في رَكبِ النُّزوع

حتى وصلتِ إلى الرُّبوع

فأتاكِ أمرٌ بالرُّجوع

أعلى هُبوطكِ تأسَفين

أم شاقَك الذِّكرُ القديم

ذكرُ الحِمى قبلَ السَديم

فوقَفتِ في سِجن الأدِيم

نحو الحِمى تتلفَّتين

أَأَضعتِ فِكراً في الفَضاء

فتبعته فوقَ الهَواء

فنأى وغلغلَ في العَلاء

فرَجَعتِ ثَكلى تَندُبين

أسلكتِ في قُطر الخَيال

دَرباً يقودُ إلى المُحال

فحطَطتِ رَحلكِ عند آل

يَمتصُّ رِيَّ الصادرين

فنسيتِ قصدك والطِّلاب

ووقَفتِ يذهِلُك السَّراب

وهرَقتِ فضلاتِ الوِطاب

طمعاً بماءٍ تأمُلِين

حتى إذا اشتدَّ الأوام

والآلُ أسفر عن رُكام

غيَّبتِ رأسك كالنَّعام

في رمل قلبي تَحفرين

أعشِقتِ مثلَكِ في السماء

أختا تَحِنُّ إلى اللقاء

فجلَستِ في سجنِ الرَّجاء

نحوَ الأعالي تَنظُرِين

لوحتِ باليد والرِّداء

لتَراكِ لكن لا رَجاء

لم تدرِ أنك في كِساء

قد حِيك من ماءٍ وطِين

أَتحولُ دونكما حياة

لو كان يبلوها الإله

لبكى على بشَرٍ بَراه

رَحماً يُصارعُها الجنِين

يا نفسُ أنت لك الخُلود

ومَصِيرُ جسمي للحود

سَيَعيثُ عينَك فيه دود

فدعي له ما تَنخرِين

يا نفس هل لك في الفِصال

فالجسمُ أعياه الوِصال

حمَّلتِه ثقلَ الجِبال

ورَذَلتِه لا تَحفِلِين

عطشٌ وجوعٌ واشتياق

أسف وحزنٌ واحتراق

يا ويحَ عيشي هل تُطاق

نَزَعاتُ نَفسٍ لا تِلِين

والقلبُ وا أسفي عليه

كالطِفلِ يَبسط لي يَدَيه

هلا مدَدتِ يداً إليه

كالأمَّهاتِ إلى البنين

غذَّيته مُرَّ الفِطام

وحرمته ذَوقَ الغَرام

وصنعتِ شيخاً من غُلام

يَحبو على بابِ السِّنِين

فَغَدا كَحَفَّار القُبور

يَئِدُ العَواطفَ في الصُّدور

ويَبيتُ يَهتِفُ بالثُّبور

يَشكو إليك وَتشمتِين

أعمى تُطاعِنه الشُّجون

وجراحهُ صارت عُيون

وبها يرى سُبلَ المَنُون

فيسير سَيرَ الظافرين

حتى إذا اقتربَ المُراد

تُطلى رُؤاه بالسَّواد

ويعود مكفوفاً يُقاد

برَنين عُكَّازِ الحَنين

يتلمَّسُ النورَ البعيد

بأناملِ الفِكر الشريد

ويسيلُ من فَمِه النَشيد

سَيلَ الدِماء من الطَعِين

أرأيتَ بيتَ العَنكَبوت

وذُبابةً فيه تَموت

رقَصت على نغَمِ السُكوت

ألَماً فلم يُغنِ الطَنِين

فكذاك في شرَكِ الرَجاء

قلبي يلذُّ له الغِناء

ما ذاكَ شَدواً بل رثاء

يبكي به الأمَلُ الدَفين

يا نفسُ إن حُمَّ القَضا

ورَجَعتِ أنت إلى السما

وعلى قميصك من دِما

قلبي فماذا تصنعين

ضحَّيتِ قلبي للوُصول

وهرَعت تبغين المثُول

فإذا دُعيتِ إلى الدُخول

فبأيِّ عينٍ تَدخُلين[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب محمد مندور ، في الميزان الجديد، صفحة 59.
  2. ميخائيل نعيمة، همس الجفون، صفحة 14-15.
  3. نسيب عريضة ، "يا نفس"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/4/2022.
2802 مشاهدة
للأعلى للسفل
×