الهجاء في العصر العباسي

كتابة:
الهجاء في العصر العباسي


الهجاء في العصر العباسي

ساعد تغير مظاهر الحياة السياسية والثقافية والحياة الاجتماعية بالعصر العباسي، على تطور فن الهجاء فقد كثر شعراؤه وشاع استعماله، وبرزت موضوعات جديدة فيه، كما اضمحلت موضوعات أخرى، فنجد اضمحلالاً للعصبيات القبلية، وبالتالي اضمحلالاً للهجاء المجموعي، وبرزت الفردية في الهجاء، كما كان لتطور المعاني أثرًا في زيادة التقريع واستعمال الألفاظ المذمومة.[١]


خصائص شعر الهجاء في العصر العباسي

تميز الهجاء في العصر العباسي بعدة خصائص هي:[٢]

  • الصورة البلاغية
ويقصد بها كل صورة بلاغية للتعبير عن المعنى المقصود من خلال استخدام التشبيه أو المجاز أو الكناية، والابتعاد عن المعاني المعتادة، وذلك بقصد تقوية النص وزيادة جماليته، ومن الأمثلة على هذا، قول ابن الرومي:[٣]

يا عمرو سالتْ بك السيولُ

لأمّك الويل والهبولُ

وجهك يا عمرو فيه طولُ

وفي وجوه الكلاب طولُ

فأين منك الحياءُ قل لي

يا كلبُ والكلب لا يقولُ

والكلبُ من شأنه التعدّي

والكلبُ من شأنه الغلولُ

مقابح الكلب فيك طرّاً

يزولُ عنها ولا تزولُ

وفيه أشياءُ صالحاتٌ

حَماكَها الله والرسولُ


  • الرمزية
وهي استعمال أدوات لغوية للوصول إلى معانٍ يقصدها الشاعر، فيستخدم المفاهيم التاريخية والثقافية والدينية في القصيدة لإيصال تجربته الشعورية، ومثال على الرمزية الدينية قول أحد الشعراء في وزير المتوكل عبيد الله بن خاقان وكاتبه ابن يزداد، حيث وظّف الآيات القرآنية في سورة التكوير للرمزية على خراب البلد في عهد الوزير:[٤]

وأن ابن يزداد لأحولٌ حُوّلٌ

ولكنه يقرأ (إذا الشمس كوّرت)

فقل لعبيد الله أحييت دولتي

مكاسير زمني (عُطّلت) فتحيّرت

وأنت إذا ميزت أبلد منهم

فصوتكم حي المنازل أقفرت


  • الخيال
يساعد الخيال الشاعر في تركيب الصورة الفنية، فيصنع الأثر في الاستعارة ومن الأمثلة على هذا الأسلوب أن استعمله الشاعر البحتري في شعر الهجاء قائلاً:[٥]

ويوم ولادك للتعزيات

ويوم وفاتك للتهنية

إذا المرء فيك سيئاً

أُثيب على حسن تلك النية


مواضيع الهجاء في الشعر العباسي

هجاء الخلفاء والوزراء وأصحاب الولايات

حصل الشعراء في العصر العباسي على حرية أكبر في المواضيع الشعرية وخاصةً الهجاء فقد تقبل الوزراء وولاة الأمصار والأمراء الهجاء وحاولوا مجابهته دون سفك الدماء، إلا في حالات قليلة، فنجد المأمون يقبل هجاءً من الشاعر دعبل الخزاعي، ولا يعاقبه ويبقى دعبل الخزاعي على شعر الهجاء، فيهجو كلاً من الخلفاء المعتصم والواثق معاً وذلك في قوله:[٦]

خليفةٌ مات لم يحزن له أحدٌ

وآخر قام لم يفرح به أحد

فمر هذا ومر الشؤم يتبعه

فقام هذا فقام الشؤم والنكد


وقيل في هجاء الوزير الخاقاني، وقد عرف عنه سوء الإدارة، وأخذ الرشوة:[٧]

للدواوين مذ ولِيتَ عويل

ولمال الخراجِ سقمٌ طويل

يتلقى الخطوب حين ألمت

منك رأي غث وعقل ضئيل


هجاء المجتمع

تحول المجتمع الإسلامي من المجتمع البسيط الذي لم يحوِ إلا العناصر العربية في العصر الأموي، إلى مجتمع مركب اختلطت به العناصر العربية بغيرها من الفرس والترك، وساعد هذا الأمر إلى تحول الهجاء من القبلية إلى المجتمع بمعنى أوسع وأكبر، ومن ذلك قول ابن دريد في هجاء المجتمع:[٨]

أرى الناس قد أغروا ببغيٍ وغيبةٍ

وغيٍ إذا ما ميز الناس عاقل

وقد لزموا معنى الخلاف فكلهم

إلى نحو ما عاب الخليقة مائل

إذا ما رأوا خيراً رموه بِظِنةٍ

وإن عاينوا شراً فكلٌ مناضل


تنافس الشعراء

ظهرت المنافسات الشعرية منذ مطلع العصر العباسي وكثيراً ما كانت المنافسة ذات بعدٍ غير شعريّ، ولكنها تكون في ساحة الشعر، ومن هذه المنافسات، ما كان بين بشار بن برد وحماد عجرد وهما من المخضرمين، إذ شهدا الدولة الأموية والعباسية، وكذلك بين دعبل الخزاعي وأبي تمام، وبين أبي نواس وأبان بن عبد الحميد، وكذلك بين أبان بن عبد الحميد وعبد الصمد المعذل.[٩]


أبرز شعراء الهجاء في العصر العباسي

برز العديد من شعراء الهجاء في العصرين العباسي الأول والثاني ومنهم:


أبو عيينة المهلبي

هو أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة، وقد وضعه ابن المعتز في طبقاته بين الشعراء المطبوعين، فتأتيه المعانِي على السجيةِ دون تكلف منه، وقد اختص أبو عيينة في هجاء أبناء عمومته من بني المهلب، وعلى الأخص القائد خالد بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، ومن هجاء أبي عيينة لخالد قوله:[١٠]

أبوك لنا غيثٌ نعيش بوبله

وأنت جراد ليس يبقي ولا يذر

له أثر في المكرمات يسرنا

وأنت تعفي دائماً ذلك الأثر

تسيء وتمضي في الإساءة دائباً

فلا أنت تستحي ولا أنت تعتذر


عبد الصمد بن المعذل

هو عبد الصمد بن المعذل بن غيلان من بني عبد القيس، كان جده غيلان شاعراً، ووقد برز عبد الصمد في الهجاء فكان يكثر منه، وقد هجا أخاه أحمد بن المعذل، وكان ذلك بعد ذهاب أخيه أحمد إلى الخليفة، وقد عاد ومعه مالٌ من الخليفة فقال عبد الصمد فيه:

ولما أن أتته دريهمات

من السلطان باع بهن ربه

كسبت أبا الفضول لنا معاباً

وعاراً قد شُملت به وسُبه


وقد هجا أبو تمام بكثرة السؤال من الخلفاء فقال فيه:[١١]

أنت بين اثنتين تبرز للنا

س وكلتاهما بوجه مذال

لست تنفك طالباً لوصال

من حبيب أو طالباً لنوال

أي ماءٍ لحر وجهك يبقى

بين ذل الهوى وذل السؤال


الصيمري

هو أبو العنبس محمد بن إسحق، وكان قد تولى قضاء الصيمري، وإليها ينسب، وله هجاء في البحتري في مجلس الخليفة المتوكل، إذ قال رداً على قصيدةٍ قالها البحتري في المتوكل، فأجاب الصيمري هاجياً البحتري:

فبأي عرض تعتصم

وبهتكه جف القلم

ولقد أسلت بوالدي

ك من الهجا سيل العرم

يا ابن الثقيلة والثقي

ل على قلوب ذوي النِعم


ابن بسام

هو علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام، وكان ابن بسام من بيت عرف بالأدباء والكتّاب، وقد كان كثير الهجاء في خلفاء الدولة العباسية، وذلك من أثر تشيعه، وقد جاء هجاؤه أيضاً في والده، الذي كان من عمال الخلفاء العباسيين، وقد قال في بيت والده:[١٢]

بني أبو جعفر داراً فيشدها

ومثله لخيار الدور بناء

فالجوع داخلها والذل خارجها

وفي جوانبها بؤسٌ وضَرَاءُ


وقال في الوزير عبيد الله بن سليمان بعد وفاة ابنه هاجياً:[١٣]

قل لأبي القاسم المرجى

قابلك الدهر بعجائبه

مات لك ابنٌ وكان زيناً

وعاش ذو الشين والمعايب

حياة هذا كموت هذا

فلست تخلو من المصائب


المراجع

  1. عبدالمنعم ابراهيم الحاج محمد، الهجاء في العصر العباسي الثاني، صفحة 35. بتصرّف.
  2. عبدالمنعم ابراهيم الحاج محمد، الهجاء في العصر العباسي الثاني، صفحة 184. بتصرّف.
  3. احمد حسن بسج، ديوان ابن الرومي الجزء الثالث، صفحة 138.
  4. شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 429.
  5. حسن كامل الصيرفي، ديوان البحتري، صفحة 1287.
  6. حسن حمد، ديوان دعبل بن علي الخزاعي، صفحة 61.
  7. عبدالمنعم ابراهيم الحاج محمد، الهجاء في العصر العباسي الثاني، صفحة 41.
  8. عمر بن سالم، ديوان ابن دريد، صفحة 25.
  9. شوقي ضيف، العصر العباسي الاول، صفحة 233. بتصرّف.
  10. شوقي ضيف، العصر العباسي الاول، صفحة 362.
  11. شوقي ضيف، العصر العباسي الاول، صفحة 368.
  12. شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 439.
  13. شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 441.
6493 مشاهدة
للأعلى للسفل
×