اصطفاء آل عمران
ذُكر في القرآن الكريم أن الله -تعالى- اصطفى آل عمران على العالمين؛ فقال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[١] وكان هذا الاصطفاء لأنّ هذه الأسرة تعود إلى نسب كريم.[٢]
حيث إنّ أم مريم هي من نسل عمران، وابنتها مريم ابنة عمران وهي والدة سيدنا عيسى -عليه السلام-، هي مصطفاة من مصطفين أخيار، وذلك من جهة الأب والأم جميعاً،[٣] وهي ذرية صالحة توارثت الصلاح والتقى والإيمان بالله، وهم أمثالٌ في الخير والفضيلة التي كانت سبباً في اصطفائهم.[٢]
نذر امرأة عمران ما في بطنها لله
امرأة عمران: هي حنة زوجة عمران، وهو عابد صالح من عبّاد بني إسرائيل، وكانت حنة أيضاً عابدة تقية، وكانت عاقراً، فرأت طائراً تفقس فراخه، فدعت الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقها بالذريّة الطيبة، فاستجاب الله -سبحانه وتعالى- دعاءها، فحملت المولود وتمنّت أن يكون ولداً، ونذرت لله إن أنجبته ولداً أن تجعله خادماً لبيت المقدس، والنذر: هو ما يوجبه الإنسان على نفسه.[٤]
ولادة مريم بنت عمران
لما وضعت والدة مريم حملها قدّر الله أن يكون الحمل بأنثى، فاعتذرت إلى الله تعالى لأنها فعلت ما لا يجوز، فالأنثى لا تصلح لخدمة المعبد، والانقطاع للعبادة؛ لما يلحقها من حيض ونفاس، فناجت ربها معتذرة أن مولودها أنثى وأنها ستفعل ما لا يجوز من تحرير الأنثى للخدمة في المعبد.
قال -تعالى-: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...).[٥][٦]
وكما بيّنت الآية السابقة فقد قالت امرأة عمران: إنها سمّتها مريم، وسألت الله -تعالى- أن يحصن مريم وذريّتها من غواية الشّيطان الرّجيم،[٧] فتقبّل الله منها نذرها، وأجاب دعائها، فأنبتها الله النبات الحسن، وكفّلها نبي الله زكريا، وأحاطها الله بعنايته وحرسه، وقرنها بالصالحين من عباده، ويسّر لها رزقها إلى مكانها.
وكان زكريا كلما يدخل عليها يجد عندها رزق الصيف في الشتاء، ورزق الشتاء في الصيف، فيسألها متعجباً من مصدر هذا الرزق الوفير، فكان جوابها أنه من رزق الله وفضله، قال -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[٨][٩]
ومن إجابة الله لدعاء امرأة عمران أنْ بارك لمريم في ذريّتها، فاختارها لتكون أمّ نبيّه عيسى -عليه السلام-، وطهرها من كل دنس، وفضّلها على كل نساء العالمين؛ لكثرة عبادتها وطهارتها، وأمرها بالتزام طاعته والقنوت له في سجودها وركوعها، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)[١٠][٧]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية:33-34
- ^ أ ب أسعد حومد، أيسر التفاسير، صفحة 328. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 437، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عائض بن عبد الله القرني، دروس الشيخ عائض القرني:، صفحة 6--67. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:36-37
- ↑ أبو الحسن الواحدي (1994)، الوسيط في تفسير القرآن المجيد (الطبعة 1)، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب لجنة من علماء الأزهر (1995)، المنتخب في تفسير القرآن الكريم (الطبعة 18)، صفحة 76، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:37
- ↑ أبو الحسن الواحدي (1994)، الوسيط في تفسير القرآن المجيد (الطبعة 1)، صفحة 431-432، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:42-43