بحث عن حجة الوداع

كتابة:
بحث عن حجة الوداع

حجّة الوداع

على كثرة ما خطب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على منبره في المدينة المنوّرة وغيرها؛ إلا أنّ خطبة حَجّة الوداع الّتي ألقاها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في حجّته المباركة؛ نالت قدراً كبيراً من الاهتمام والمتابعة لمضامينها، ذلك أنّها كانت شاملة ومشهودة؛ على عكس ما كانت عليه خطب الجمعة مثلًا؛ فقد كانت قصيرة محدودة معدودة؛ تعالج قضيّة واحدة أو اثنتين، وهذا المقال يتناول حَجّة الوداع من جوانب متعدّدة، مثل: سبب تسميتها، ومضمونها، والدروس المستفادة منها، وغير ذلك:


لماذا سميت حجة الوداع بهذا الاسم؟

سُمّيت حجة الوداع بهذا الاسم لِما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بسَندٍ صحيحٍ: (وَقَف النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يومَ النَّحرِ بينَ الجَمَراتِ في الحَجَّةِ التي حَجَّ بهذا، وقال: (هذا يومُ الحَجِّ الأكبَرِ)، فطَفِقَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: (اللَّهمَّ اشهَدْ). ووَدَّع النَّاسَ، فقالوا: هذه حَجَّةُ الوَداعِ). [١] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع".[٢]


وفي رواية: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجّ بهذا، وقال: هذا يوم الحج الأكبر، فطفق النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: اللهمّ أشهد، وودّع النّاس، فقالوا: هذه حجّة الوداع).[٣]


قال ابن حجر: "قوله: "ولا ندري ما حجّة الوداع"؛ كأنّه شيء ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- فتحدثوا به، وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى وقعت وفاته -صلى الله عليه وسلم- بعدها بقليل، فعرفوا المُراد، وعرفوا أنَّه ودّع الناس بالوصية التي أوصاهم بها: أن لا يرجعوا بعده كفاراً، وأكدَّ التوديع بإشهاد الله -تعالى- عليهم بأنَّهم شهدوا أنَّه قد بلغ ما أرسل إليهم به، فعرفوا حينئذ المراد بقولهم حجَّة الوداع".[٤]



ماذا حدث في حجة الوداع؟

أقام النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أيام التّشريق في مِنى، حيث كان النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- يؤدّي المناسك ويعلِّم الشّرائع، ويذكر الله -تعالى-، ويقيم -صلّى الله عليه وسلّم- سنن الهَدِي من مِلّة سيدنا إبراهيم -عليه السّلام-، كما قام بمحي آثار الشرك وكلّ معالمه.


وقد خطب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً في بعض أيّام التّشريق، فقد رُوي عن سرّاء بنت نبهان قالت: "خطبنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في يوم الرّؤوس، فقال النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-: أليس هذا أوسط أيام التشريق". [٥] وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته في يوم النّحر، ووقعت هذه الخطبة بعد أن نزلت سورة النّصر.


وفي يوم الثّالث عشر من شهر ذي الحجّة نفر النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- من مِنى، وبعد ذلك نزل بخيف بني كنانة من الأبطح، وأقام النّبيّ هناك بقيّة ذلك اليوم وليلته، ومن ثمّ صلّى هناك صلاة الظّهر وصلاة العصر، وصلاة المغرب وصلاة العشاء، ومن ثمّ رقد رقدة، ومن ثمّ ركب إلى البيت، فطاف حول البيت الحرام طواف الوداع، وبعد أن قضى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مناسكه حثّ الرّكاب إلى المدينة المنوّرة المطهّرة، لا ليأخذ حظاً من الرّاحة؛ بل ليستأنف الكفاح والكدح لله وفي سبيل الله -تعالى-.[٦]



ما العام الذي حدثت فيه حجة الوداع؟

بعد أن أتمّ الله -سبحانه- للنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إبلاغ الرّسالة، ودخل الناس بعد فتح مكة في دين الله أفواجًا، وفرض الله الحجّ على النّاس، وذلك في أواخر السّنة التّاسعة من الهجرة، عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الحجّ وأعلن ذلك للمسلمين، وما أنْ تناهى لمسامعهم أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يريد الحجّ هذا العام حتى قدم المدينة خلقٌ كثير، كلّهم يريد أن يَحجّ مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- و يأَتّم به.[٧]


خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من المدينة المنورة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السّنة العاشرة للهجرة، وانطلق بعد الظّهر حتّى بلغ ذي الحليف، ثمّ واصل السّير، فلما قَرُب من مكة، نزل بذي طوى، وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي الحجّة، ودخل مكة نهارًا من أعلاها، فلمّا دخل المسجد الحرام طاف بالبيت، وسعى بين الصّفا والمروة، وأقام النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بمكة أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء.[٨]


وفي رواية جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه في ضحى يوم الخميس الثّامن من ذي الحجّة توجّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمن معه من المسلمين إلى مِنى، فصلّى بها الظّهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلًا حتى طلعت الشّمس، وأمر بقُبّة من شعر تُضرب له بنمِرة، وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات، فسار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حتّى نزل بنمِرة، ولمّا زالت الشّمس أمر بالقصواء -راحلته- فرحلت له، فأتى بطن وادي عرنة، وقد بلغ عدد من حجّ مع نبينا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أكثر من مئة ألف أو يزيدون.[٩]



من روى خطبة حجة الوداع؟

جاءت خطبة حجّة الوداع بأسانيد عدّة وروايات متفرقة، وقسم كبير منها رواه مسلم، وقد ذكرها الألباني -رحمه الله- في فقه السيرة،[١٠] وكان ممّن روى أجزاء من خطبة حجة الوداع جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وأبو بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- وعمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- وأبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، وغيرهم،[١١] وكان الصحابي الذي يُكرر كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخُطبة هو: ربيعة بن أمية بن خلف، وكان سِمِّيعًا جهوري الصوت. [١٢]




ما هي أبرز وصايا الرسول في خطبة حجة الوداع؟

الوصايا العظيمة التي تضمنتها حجّة الوداع تناولت جوانب عقدية وتعبديّة واقتصادية واجتماعية وغيرها، ومن أهم وأبرز وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع ما يأتي:[١٣]


  • ضرورة الاحتكام إلى القرآن الكريم وسنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- باعتبارهما دستور الأمة.
  • التّأكيد على أهمية الوحدة بين المسلمين وضرورة المساواة بينهم على أساس العقيدة.
  • بيان أنّ العدل أساس متين للعلاقة بين النّاس، وبه تُحفظ أنفسهم وأعراضهم أموالهم وممتلكاتهم.
  • التحذير من الذنوب، والحرص على مواجهة مكائد الشيطان.
  • الحرص على الاقتصاد الحلال، والتّأكيد على حرمة وخطورة الربا.


كما تضمّنت خطبة حجة الوداع مضامين أخرى على قدر كبير من الأهمية، منها الآتي:[١٤]


  • تبليغ الرسالة الإسلامية ونشرها بين النّاس مهمّة تتولّاها الأمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • تأصيل مبدأ التيسير في الدين ورفع الحرج عن المكلّفين.
  • السّمع والطاعة لأمير المسلمين، وأنّ الخروج على طاعته يورث فساداً في الأرض وفتناً في المجتمع.
  • أحكام الشريعة موجّهة للجميع؛ فالشرع يطبق على الحاكم كما يطبق على المحكومين.



هل لحجة الوداع أسماء أخرى؟

يُطلق على حجّة الوداع في كتب السّير عدة أسماء أخرى، ويراد بها حجّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسُمّيت بحجة الإسلام؛ لأنّه -عليه الصلاة والسلام- لم يحجّ غيرها من المدينة بعد أنْ فُرض الحجّ، وسمّيت حجة البلاغ؛ لأنه بلّغ المسلمين الشرع في الحج قولاً وفعلاً، وسمّيت كذلك بحجة الكمال، وحجة التمام، لنزول قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[١٥]وورد أنّ عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- كره أن يُقال: حجة الوداع، إشعاراً منه بأسفه على وداع النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١٦]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1742، إسناده صحيح.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4402، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1742، صحيح.
  4. ابن حجر العسقلاني، فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري، صفحة 518.
  5. رواه النووي، في المجموع، عن سراء بنت نبهان، الصفحة أو الرقم:91، إسناده حسن.
  6. إبراهيم الحقيل (14/10/2013)، "خطب النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2021. بتصرّف.
  7. فريق الإشراف، "حَجَّة الوداع"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 18-7-2021. بتصرّف.
  8. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 383. بتصرّف.
  9. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 18-7-2021. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في فقه السيرة، عن ..، الصفحة أو الرقم:454، جاء سندها في أحاديث متفرقة وقسم كبير منها رواه مسلم.
  11. ابراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، صفحة 540-544. بتصرّف.
  12. محمد ويلالي (24/1/2010)، "خطبة حجة الوداع"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/7/2021. بتصرّف.
  13. د. راغب السرجاني (17-4-2010)، "وصايا النبي في حجة الوداع (1-2)"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18-7-2021. بتصرّف.
  14. د. راغب السرجاني (17-4-2010)، "وصايا النبي في حجة الوداع (2-2)"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18-7-2021. بتصرّف.
  15. سورة المائدة، آية:3
  16. أبو مدين الفاسي، مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، صفحة 309. بتصرّف.
5983 مشاهدة
للأعلى للسفل
×