محتويات
متى كان مولد الرسول؟
اختلف المؤرخونَ وكتَّاب السيرةِ النبوية في وقت مولد النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك لعظمتهٍ ومكانتهٍ, فمن مواضعِ الإتفاقِ كما قال ابن القيم: لا خلاف أنه ولد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجوفِ مكّة، وأن مولده كان في عامَ الفيل", حيثُ أثبت كثير من المؤرخين أنَّ رسول الله وُلد في مكةَ يوم الإثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل، وهو ما يوافقُ شهر آب من عام 570م .[١]
وقد روي عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ:ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، آو أنزل علي فيه"،[٢] أما الشهر واليوم ففيه خلافٌ كبيرٌ, ولكن الرأي الذي اختاره الكثيرُ من العلماءِ أنَّ ذلك كان في صبيحةِ الإثنين في اليوم التاسع من ششهر ربيع الأول الذي وافق اليوم العشرين من نيسان سنة 571م، وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل.[٣]
ولمعرفة المزيد عن وقت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يمكنك الاطلاع على هذا المقال: متى ولد الرسول
ما هو مكان ولادة الرسول؟
لا يوجد خلافٌ بين العلماءِ بأنَّ مكان ولادة النبي الكريم في مكة, وذهب كثير من المؤرخينَ بأنَّ آمنة بنت وهب -أمّ النبي- قد ولدته في دار عمِّه أبي طالب, بشعبِ بني هاشم في مكَّة, وكان عبدالله والد النبيِّ قد تُوفيَ قبل ولادتهِ, وهناك بعضُ الأقوال تشيرُ إلى أنَّ المكان الذي ولدَ فيه النبي قد أقيمَ عليه حديثًا مكتبة في مكة المكرمة, ولكن ذلك لم تثبتْ صحته في كتب السيرةِ والتاريخِ الموثَّقةِ.[٤]
ما هي الإرهاصات التي سبقت مولد النبي؟
الإرهاصاتُ هي العلاماتُ المُهيِّئةُ والتي تُعطي إِشارة ودلالة لقرب ميلادِ النبيّ الكريم, وبعضُ هذه الإرهاصاتْ قد وردَت في التوراة والإنجيل, وكان اليهودُ يَعرفونَ ذلكَ وينتظرونه, وقد رأوا تلك العلامات, ما يدلُّ على عَظمةِ هذا الحدث الذي غير مجرى التاريخ, ومن هذه الإرهاصات:[٥]
ارتجاج إيوان كسرى وخمود نار فارس
لما كانَ ليلةَ وُلدَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ارتجَّ إيوان كسرى، وسقطتْ منهُ أربعَ عشرةَ شُرفة، وخَمَدت نارُ فارسٍ ولم تخمدْ قبلَ ذلكَ بألفِ عامٍ، وغاضتْ بحيرةُ ساوةَ، ورأى الموبذانُ إبلًا صِعابًا تقودُ خيلًا عُرابًا قد قطعتْ دجلةَ وانتشرتْ في بلادِها، فلما أصبحَ كِسرى أفزعهُ ذلكَ، فصبرَ تَشجعًا عليه.[٦]
ورأى أن لا يخفي ذلكَ عن مرازبتهِ -عظماءُ دولته- فجمعهم، ولبسَ تاجه وجلسَ على سريرهِ، ثم بعثَ إليهم، فلما اجتمعوا عندهُ، قال: تدرون فيما بعثتُ إليكم؟ قالوا: لا، إلَّا أن يخبرنا الملكُ، فبينما هم كذلكَ إذ ورد عليهم كتابٌ بخمودِ النيران، فازداد غمًّا إلى غمهِ، ثمَّ أخبرهم ما رأى وما هاله, وقد كانَ ذلك مُؤذناً بسقوطِ دولةِ الفرسِ وانهيارها بعد فترةٍ زمنيةٍ وجيزةٍ.[٧]
حادثةُ الفيل
ذكرَ المؤرخونً وأصحابُ كتبِ السيرِ أن أبرهةَ الأشرم الحبشيّ كان نائبًا ل النجاشي على اليمنِ وكان نصرانيًا، فرأى العربَ يحجونَ إلى الكعبة ويعظمونها، فساءهُ ذلكَ ولم يعجبه، فجهَّز جيشًا كبيرًا، وانطلقَ بالجيشِ قاصدًا البيتَ العتيقَ يريدُ هدمهُ وتدنيسهُ، وكان من جملةِ دوابهم التي يركبونَ عليها الفيل -الذي لا تعرفهُ العرب ُبأرضها من قبل- فأصابَ العربَ خوفٌ شديدٌ فهم لم يعتادوا قتالَ الفيلةِ من قبل.[٨]
وقد تحصَّن أهالي مكة في أعالي الجبالِ حتى يحتموا بها ولم يقاوموا الجيش أبدًا، وراحوا يترقبونَ ما الذي سيحلُّ بأبرهةَ وجيشهِ إذا ما هاجموا الكعبة المشرفة, لعلمهم مكانةَ البيتِ الحرامِ, وعلمهم أنَّ الله سيدافع عن بيته الحرام.[٩]
فلمَّا أصبحَ أبرهةُ عبَّأ جيشهُ، وهيّأَ فِيلهُ لدخولِ مكةَ، فلمَّا كان في وادي مِحسَر الواقع بين مزدلفةَ ومِنى أرادوا من الفيل أن يتقدَّمَ فبَرَكَ ورفضَ المسيرَ، ولم يقبَل التقدُّم باتجاه مكة، ولكنَّهم كانوا يوجِّهونه إلى الشرق أو الجنوب أو الشمال خضع لذلك وتقدَّم، وإذا عادوا ووجَّهوه إلى الكعبةِ امتنعْ واستعصى على التحرُّك، وبينما كان القوم على تلك الحالة، أرسلَ عليهم الله تعالى طيرًا أبابيل من السماء، ومعنى أبابيل أي: يتبع بعضها بعضًا، وكان مع كل طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ، حجر في مِنقاره وحَجران في رِجليه، لا تُصيبُ منهم أحدًا إلا تقطعتْ أعضاؤهُ وهلك.[١٠]
أمَّا أبرهةُ فقد أصابهُ الله بداءٍ عند عودتهٍ لليمن، فتساقطتْ بسببهِ أناملهِ، وانصدعَ صدرهُ عن قلبهِ فهلكَ شرَّ هِلكة، وقد أخبرَ الله تعالى عن ذلكَ في كتابهِ فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ},[١١]وقد حدثتْ هذه الواقعةُ في شهرِ محرَّم قبل مولدِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحو خمسينَ يومًا، ويوافق ذلك شهر شباط من سنة 571م.[١٢]
نور أضاء ما بين المشرق والمغرب
كانَ من المبشرات بنبوةِ نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهُ عندما حملتْ به أمهُ رأتْ في منامها أنَّه خرجَ منها نورٌ بلغَ الشامَ, ومما يُروى في كتبِ السيرِ عن أمهِ أنها قالتْ: "فلما فصلَ مني خرجَ معهُ نورٌ أضاءَ لهُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ، ثم وقعَ على الأرضِ معتمدًا على يديهِ، جاثيًا على ركبتيهِ، رافعًا رأسهُ إلى السماءِ"، وقالتٌ أيضاً: "وولدتهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نظيفًا طيبًّا ما بهِ منْ قَذرٍ؛ ليسَ كَما تُولد السَّخل".[١٣]
وجاءَ في الحديثِ: "إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وآن آدم لمنجدل في طينته سأنبئكم بأول أمري دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي رأت حين ولدتني كأنها خرج منها نور اضاءت له قصور الشام".[١٤][١٥]
ظهور نجم أحمد في السماء
ويُشار إلى أنَّ نجم أحمدَ هو نجمٌ في السماءِ يمتاز بلمعانه، له أيضًا خصائصٌ يختلف بها عن غيرهِ من بقيَّة النجومِ، وعند رؤيتهِ عرفَ بهِ اليهودِ أنَّ أحمد خاتمُ الأنبياءِ قد وُلِدَ، روى ابنُ إسحاقٍ عن حسانَ بن ثابتٍ -رضي الله عنه- قال: "والله إنّي لغلامٌ يَفعةٌ -شابَّ ولم يبلغ- ابنُ سبعِ سنينَ أو ثمانٍ، أعقلُ كلَّ ما سمعتُ، إذ سمعتُ يهوديًّا يصرخُ بأعلى صوتِه على أَطمةِ -حصن- بيثرب: يا معشرَ يهود، حتى إذا اجتمعوا إليهِ قالوا له: ويلكَ ما لك؟، قال: طَلعَ الليلةَ نجمُ أحمدَ الذي وُلِدَ به".[١٦]
ما صحة قصة ما فعله إبليس عند مولد النبي؟
هناكَ رواياتٌ عديدة متداولةٌ تشيرُ لما فعله إبليس عند ومولد النبيِّ وأشهرها:"أنّ إبليسَ -لعنهُ الله- صاح في أتباعهِ فاجتمعوا إليهِ، وقالوا: ما الذي أفزعكَ يا سيدنا؟، فقال لهم: ويلكم لقد أنكرتْ السماواتُ والأرضُ منذ الليلةَ، لقد حدثَ في الأرضِ حدثٌ عظيم، ما حدثَ مثلهُ منذ رفع اللهِ عيسى بن مريم -عليه السلام-، فاخرجوا وانظروا ماذا حدث؟ فافترقوا ثم اجتمعوا إليهِ مرةً أخرى فقالوا: ما وجدنا شيئاً.فقال إبليسُ: أنا لهذا الأمرِ، ثم انغمسَ في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرمِ، فوجدَ الحرمَ محفوفاً بالملائكةِ، فذهبَ ليدخلَ، فصاحوا بهِ،[١٧]
فرجعَ ثم صارَ مثل الصرّ-وهو العصفورّ-، فدخلَ من قِبل حِراء وقال له جبرائيل: ما وراءكَ لعنكَ الله؟ فقال له: ما هذا الحدثُ في الأرض؟ فقال له: ولد محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال له: هل لي فيهِ نصيبٌ؟ قال: لا".[١٧]
وقد قالَ العلماءُ عن هذهِ القصةِ أنها غيرُ صحيحةٍ وليس لها أصلِ, وإنّما وردت عندَ بعض الرواةٍ الذين لا تصحُّ الروايةَ عنهم، وقد أخبرَ أبو الربيعِ بن سالمٍ أن بقيّ بن مخلدٍ ذكرَ في تفسيرهِ: "أنّ إبليسَ لعنهُ الله رنّ أربعَ رنّات أي هزَّات: رنةٌ حينَ لُعن، ورنةٌ حينَ أُهبِط، ورنةٌ حينَ ولُدَ رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ورنةٌ حينَ نزلتْ فاتحةُ الكتابِ"، والله أعلم.[١٨]
موقف أبي لهب عند ولادة النبي
هل فرحَ أبو لهب بمولد النبي وماذا كان جزاؤه؟
كان أبو لهب ممَّن فرحَ بمولدِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فأعتقَ جاريةً له اسمُها ثُويبة، فرحًا بمولدِ النبيّ الكريم, جاء في الحديث عن أم حبيبة بنت أبي سفيان -رضي الله عنها- قالت: "قال عروة، وثويبة مولاة لأبي لهب: كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة ، قال له: ماذا لقيت؟ قالَ أبو لَهَبٍ: لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غيرَ أنِّي سُقِيتُ في هذِه بعَتَاقَتي ثُوَيْبَةَ".[١٩][٢٠]
الروايات في هيئة مولد النبي
ما هي الروايات التي وردت في هيئة مولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
كان ممن شهدَ ولادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه, فقالت عن حادثةِ الولادة: إنّها رافقتْ آمنةُ أمُّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلةَ ولدته, وأنها رأت النورَ يحيطُ بالبيت من داخله وخارجه, فلا تكاد ترى إلا نورًا, وكان من العلامات التي رافقت الولادة رؤيةُ النجوم تقترب, وهذه من علامات بركة مولده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أن من حضر لا يكاد يرى إلا نورًا, وقد ذكر السَيوطي ذلك في وصفِ ميلادهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخصائص الكبرى.[٢١]
وممن حضر المولد الشريف أمُ عبد الرحمن بن عوف -وكانت تسمى الشِّفاء، وقد ولدته أمه برأس مرفوع, إلى السماء, ومن العلامات التي بشرت بقدوم سيد الأنبياء ما ورد عن أم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمنة بنتُ وهب أنَّها عند حملها بهِ قِيل لها: "إنّكِ قد حملتِ بسيّد هذهِ الأمّةِ، فإذا وقعَ على الأرضِ فقولي: أُعيذهُ بالواحدِ من شرِّ كل حاسدٍ، ثم سمّيه مُحمدًا".[٢٢]
وعلى غير عادة النساء تقول الروايات إنَّ أمَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمنة بنت وهب لم تكن تجد في حملهِ مشقةِ وتعبِ النساءَ الذي تجده من الحَمل ولم تتألم آلام المخاض.[٢٣]
وذهبت العديد من الروايات إلى أنَّ رسول الله لم يبكِ حين ولد كما يبكي الطفل حين يولد.[٢٤]
وروى أبو الحسن التنوخيّ رحمه الله تعالى، أنه كان من عادة قريش أنه إذا ولد لهم مولود دفعوه إلى بعض النسوة فغطوه بغطاء إلى الصبح, فلما ولد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غطته النسوة بغطاء, فلما أصبحن أتين فوجدن الغطاء قد انقسم لنصفين, ووجدوه ينظر رافعًا بصره إلى السماء, فأخبرن جده عبد المطلب فعلم أن له شأنا عظيما فأمرهن أن يحفظنه ويعتنين به ".[٢٥]
ممن شهد مولد النبي صلى الله عليه وسلم
تذكرُ الروايات أنَ مولدَ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترافقَ مع أحداثٍ غريبةٍ ومعجزات كونية، حيثُ تروي فاطمة بنت عبد الله التي حضرتْ مولد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, أنها حضرتْ ولادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأت بعض العلامات الظاهرة مثل النور قد أحاط بالبيت من كل جوانبه, ودنو النجوم وقربها حتى كأنها شعرت أنها قريبة وستقع على البيت.[٢٣]
وقد جاء مسرورًا مختونًا, وهذا يدل على أن له شأن عظيم فلم تحصل هذه العلامات مع أحد قبل, وقد فرحت به أمه آمنة حين ولد, وأخذته إلى جده -عبد المطلب- ففرح به فرحا شديدا كيف لا وقد توفي والده - عبدالله- وهو جنين في بطن أمه, فدخل عبد المطلب إلى الكعبة يشكر الله على هذا المولود وسماه محمداً, وعلم أن له شأنا في المستقبل, وممن شهد ميلاد النبي كذلك زيد بن عمرو بن نفيل, الذي علم من حبر من أحبار الشام بأن هناك نبيّ قادم وأن علامات ميلاده ونبوته قد اقتربت.[٢٤]
وممن كان ينتظر قدوم النبيّ ويراقب العلامات التي تدل عليه اليهود , فقد جاءت علاماته في التوراة والإنجيل, مثل: الشامة أو الختم الذي على كتفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ومن شهادة اليهود لميلاد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهم كانوا ينتظرون ظهور نجم أحمد, والذي يدل على ميلاد النبي الكريم, وهذا فعلًا ما حصل يوم ميلاده, ويعرفون ذلك لوروده في التوراة والإنجيل.[٢٦]
ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟
يوجد خلافٌ كبيرٌ بين فئاتٍ عديدةٍ من المسلمينَ حولَ حكمِ الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وقد انقسمت الأقوال إلى أكثر من رأي فيما يأتي بيانها:
الرأي الأول في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
ذهب أصحاب هذا الرأي إلى جوازِ الاحتفالِ بالمولد النبوي، وانطلقوا في ذلك من حُبهم لرسول الله ورغبتهم بالتذكيرِ بسيرتهِ وتاريخهِ وهديهِ وتقريبِ الناسِ منهُ ونشرِ دينهِ والصلاةِ عليهِ, من غيرِ غلوٍ ولا تكلفٍ ولا خروجٍ عن هدي وأحكام الإسلامِ، وقد صدرتْ فتاوى من دائرةِ الإفتاءِ الأردنيّةِ تجيزُ الاحتفالَ بالمولدِ النبويّ, كما في فتوى رقم 653, وجاء في نصِّها : "الاحتفالُ بالمولدِ النبويِّ الشريفِ أسلوبٌ حضاريٌ للتعبيرِ عن المحبة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاعتزازِ بقيادتهِ، والالتزامِ بشريعتهِ، ويجبْ أن يكونَ خاليًا من المخالفاتِ الشرعيةِ، ويُكتفى فيهِ بذكرِ السيرةِ العطرةِ، والشمائلِ الكريمةِ، والحثُّ على التمسكِ بالدينِ"، واللهُ أعلم.[٢٧]
الرأي الثاني في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
أصحاب هذا الرأي همْ من يرونَ حُرمةَ الاحتفالِ بالمولدِ النبوي، وينطلقونَ في ذلك من حِرصهم على السنة ورفضهم لإدخالِ شيءٍ في الدينِ لم يردْ فيه نصٌ حتى لا يُفتح بابٌ للبدعِ والأهواءِ, وقد جاءَ في فَتوى للإمام ابن باز -رحمه الله- نَصها: "الاحتفال بالمولدِ النبويِّ غيرُ مشروعٍ، بل هو بدعةٌ، لم يَفعلهُ النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أصحابهُ، الإحتفالُ بالموالدِ بِدعةٌ غيرُ مشروعةٍ"، وقد أشار أصحاب هذا الرأي إلى أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يطلب من أمَّته أن تحتفل بيوم مولده، ولم يُشِر إلى أحد من أصحابه أن يفعل ذلك.[٢٨]
حتَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه لم يحتفل في حياته بيوم مولده، ولم يفعل هذا الفعل أصحابه من بعده ولا التابعون في القرون التي تلتهم، وإنَّما كان ذلك الفعل من الشيعة الرافضة، أحدثوه وقلَّدهم بعض الجهلة وبعضُ الذي يزعمون انتسابهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردَ عنه في الحديث الصحيح: "مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ"،[٢٩] فرجَّح أصحاب هذا المذهب أنَّ الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ولا يجوز ذلك، والله تعالى أعلم.[٣٠][٢٨]
وللاستزادة في معرفةِ حكمِ الاحتفال بالمولدِ النبويّ وآراء العلماء في هذه المسألة يُرجى الاطلاع على المقال الآتي: هل الاحتفال بالمولد النبوي حرام
المراجع
- ↑ اكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة (الطبعة 2)، بيروت:دار الفوائد العلمية ، صفحة 91، جزء 1.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
- ↑ أكرم ضياء العمري (2006)، السيرة النبوية الصحيحة (الطبعة 3)، بيروت :دار الفوائد العلمية، صفحة 86-88، جزء 1.
- ↑ محمد بن عبدالوهاب (2010)، مختصر سيرة الرسول (الطبعة 3)، الرياض:مطبوعات وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 94.
- ↑ موسى بن راشد العازمي (2006)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة 1)، القصيم:دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 62، جزء 1.
- ↑ عبدالسلام هارون (1994)، تهذيب سيرة ابن هشام (الطبعة 4)، القاهرة:دار السلام، صفحة 59، جزء 1.
- ↑ عبدالسلام هارون (1994)، تهذيب سيرة ابن هشام (الطبعة 4)، القاهرة:دارالسلام، صفحة 58، جزء 1.
- ↑ علي الصلابي (2012)، السيرة النبوية، القاهرة:دار مكتبة الصحابة، صفحة 120، جزء 1.
- ↑ علي الصلابي (2008)، السيرة النبوية (الطبعة 3)، القاهرة:دار مكتبة الصحابة، صفحة 120، جزء 1.
- ↑ علي الصلابي (2008)، السيرة النبوية (الطبعة 2)، القاهرة:كتبة الصحابة، صفحة 120، جزء 1.
- ↑ سورة الفيل، آية:1-5
- ↑ علي الصلابي (2008)، السيرة النبوية (الطبعة 3)، القاهرة:مكتبة الصحابة، صفحة 120، جزء 1.
- ↑ الالباني، صحيح السيرة النبوية (الطبعة 2)، عمان:المكتبة الاسلامية، صفحة 63، جزء 1.
- ↑ رواه ابن تيمية، في الرد على البكري، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم:61، إسناده حسن.
- ↑ الالباني (1993)، صحيح السيرة النبوية (الطبعة 1)، عمان:المكتبة الاسلامية، صفحة 63، جزء 1.
- ↑ القاضي عياض (1998)، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (الطبعة 2)، بيروت:دار السلام، صفحة 112، جزء 1.
- ^ أ ب ابن سيد الناس (2002)، عيون الاثر (الطبعة 3)، حلب:دار الفارس، صفحة 150، جزء 1.
- ↑ ابن سيد الناس (2002)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (الطبعة 3)، حلب:مكتبة الفارس، صفحة 150، جزء 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم حبيبة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5101، صحيح.
- ↑ ابن كثير (2000)، الفصول في اختصار سيرة الرسول (الطبعة 4)، طنطا:دار النوادر، صفحة 170، جزء 1.
- ↑ ابن هشام (1986)، السيرة النبوية (الطبعة 4)، بيروت:دار العلم، صفحة 25، جزء 1.
- ↑ "محمد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب صفي الدين المباركفوري (2008)، الرحيق المختوم (الطبعة 3)، دمشق:دار المؤيد، صفحة 44، جزء 1.
- ^ أ ب صفي الدين المباركفوري (2008)، الرحيق المختوم (الطبعة 3)، دمشق:دار المؤيد، صفحة 44، جزء 1.
- ↑ ابن هشام (1986)، السيرة النبوية (الطبعة 4)، بيروت:دار العلم، صفحة 25، جزء 1.
- ↑ ابن سيد الناس (1996)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (الطبعة 4)، بيروت:دار العلم، صفحة 95، جزء 1.
- ↑ نوح القضاة (2010-04-21)، "حكم الاحتفال بالمولد النبوي"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-16.
- ^ أ ب ابن باز (2007)، فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن باز (الطبعة 1)، الرياض:الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، صفحة 2235، جزء 3.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1718، صحيح.
- ↑ رواه الامام مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1718.