تأثير البنية الصرفية في النحو

كتابة:
تأثير البنية الصرفية في النحو

علم النحو والصرف

إنّ اللغة العربية بمستوياتها: النحوي، والصرفي، والصوتي، والدلالي هي كلّ واحد متكامل يتم الفصل بينها؛ لتسهيل الدراسة والبحث، فهي في الحقيقة متشابكة ومتداخلة فيما بينها، ويؤثر كلّ مستوى في المستوى الآخر؛ ولذلك فإنّ علماء العربيَّة الأقدمينَ درَسوا موضوعات الصرف مع موضوعات النَّحو، وهذا جعل الدراسة الصَّرفية مختلطةً بالدراسة النَّحْوية؛ لأنّ علوم اللغة العربية لم تنفَصِلْ في بادئ الأمرِ، ولم تتحدَّد فصولُها ومباحثُها،[١] وعلى الرغم من ذلك لم يغفل الأقدمين تأثير البنية الصرفية في الجانبين الإعرابي والنحوي، أما علماء اللغة المعاصرون فهم يتبنون تجاه النظم؛ ليحققوا الرؤية التكاملية في اللغة، وبناء على هذا يرون أنّ اللغة نظام مستقل شأنه في ذلك شأن الأنظمة الأخرى التي تتعلق بالنشاط الإنساني، مما يظهر قضية التماسك بين المستويات اللغوية المختلفة.[٢]

مفهوم الدلالة الصرفية

تسهم البنية الصرفية في اللغة في تكوين المعنى للكلمة المفردة، أو الكلمات في الجملة الواحدة أو مجموعة الجمل، فتعدد الصيغ الصرفية يؤدي إلى تعدد معانيها، مما يؤثر في الدلالة التي تؤديها داخل الجملة، وهذا ما يؤثر بدوره في البنية النحوية في اللغة، مما يؤدي دورًا مهمًّا في السياق العام للجملة،[٣] وقد تنبه اللغويون العرب لهذه الدلالة الصرفية، ففطنوا إلى أنّ كل صيغة صرفية يمكن أن تعطي معنى مختلفًا عن الصيغة الصرفية الأخرى، وذلك مثل: صيغة أفعل فإنها تؤدي معاني لا تؤديها صيغة فَعَّل، ومن هذه المعاني: الدخول في الشيء زمانًا أو مكانًا، مثل: أنجد دخل في نجد، وأصبح دخل في الصباح وتفيد التعدية أيضًا مثل: أدخَل، بينما تفيد صيغة فعّل معنى المبالغة مثل: طوّف وغيرها من المعاني، وكذلك صيغة فَاعِل هي اسم فاعل يؤخذ من الفعل الثلاثي مثل: قائِل، و شاعِر، وتختلف هذه الصيغة عن صيغة فاعل التي يمكن أن تكون فعلًا مزيدًا فَاعَل التي تؤدي معنى المشاركة والتعدية مثل: قاتَلَ، وهذا يؤكد قضية اختلاف الدلالة باختلاف البنية الصرفية التي تؤدي معاني مختلفة، وليس معنى واحدًا كما ظهر في الأمثلة السابقة.[٤]

تأثير البنية الصرفية في النحو

ترتبط البنية الصرفية في النحو ارتباطًا وثيقًا ببعضها، وهذا ناتج عن العلاقة بين النحو والصرف أيّ العلاقة بين الكلمة والجملة، وقد ظهر هذا واضحًا في الإعراب النحوي، بحيث لاحظ النحاة القدماء ذلك فأشاروا إلى مواضع متعددة يظهر فيها تأثير الصرف في النحو منها:

دور البنية الصرفية بالإعراب التقديري والمحلي والإعراب بالنيابة

يقصد بالإعراب التقديري هو الإعراب " الذي يلجأ إليه المتكلم عندما تكون العناصر الصوتية التي تكوّن بنيته الصرفية تمنع الناطق بها من النطق بحركات الإعراب في داخله" مثل: الاسم المقصور الذي ينتهي بياء غير منقوطة مثل كفى فتكون الحركة الإعرابية مقدرة منع من ظهورها التعذر، أما الأفعال مثل: يكفي، يدعو فإنّ الحركات الإعرابية تكون مقدّرة منع من ظهورها الثقل، أما الإعراب المحلي يكون في الغالب في الأسماء المبنية مثل: الضمائر كجملة "أنتَ رجل" فأنت: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، بينما يلاحظ أن الإعراب بالنيابة يكون إما بنيابة الحركات أو الحروف فالأولى مثل: جمع المؤنث السالم في حالة النصب مثل: شكرَ المديرُ الطالباتِ فكلمة الطالبات مفعول به منصوب بالكسرة بدلًا من الفتحة والثانية مثل: المثنى الذي يكون علامة رفعه الألف بدلًا من الضمة وعلامة نصبه وجره الياء بدلًا من الفتحة والكسرة على الترتيب.[٥]

دور البنية الصرفية في تحديد إعراب الكلمة

تؤثر البنية الصرفية في تحديد الوظيفة النحوية وإعراب الكلمات؛ فهي من أهم المعايير في الإعراب، وقد اهتم النحاة بذلك، وأشاروا إلى تأثير البنية الصرفية في الناحية الإعرابية وذلك مثل: اغترف غرفةً بيده فإذا كانت الغين في كلمة غرفة مضمومة فإنها تعرب مفعولًا به أما إذا كانت الغين مضمومة فتعرب مفعولًا مطلقًا.[٦]

دور البنية الصرفية في تحديد الوظيفة النحوية لكلمة سابقة أو لاحقة

إنّ البنية الصرفية تؤثر في الوظيفة النحوية لبنية سابقة أو لاحقة؛ لأنّ الكلمات في الجملة ترتبط مع بعضها فتؤدي دورًا دلاليًّا ونحويًّا، ومثال تأثير الناحية الصرفية في بنية لاحقة: عدم جواز اجتماع التنوين مع المضاف إليه أو اجتماع نون التثنية أو جمع المذكر السالم مع الإضافة؛ فالأولى مثل: كتابُ المؤلِّفِ جميلٌ فالمضاف إليه المؤلف منع من تنوين كلمة كتاب والثانية مثل: معلما المدرسة مخلصان في حالة التثنية، ومعلمو المدرسة مخلصون في حالة الجمع فكلمة المدرسة التي تقع مضافًا إليه في الجملتين منعت وجود نون التثنية ونون جمع المذكر السالم على الترتيب، ويتمثل دور البنية الصرفية في تحديد الوظيفة النحوية لبنية سابقة مثل: "أأخوك الذي رأيت"؛ فرأيت هي جملة صلة الموصول "الذي" وبه يتم اسمًا وهذا يشبه القول: "أأخوك صاحبنا" فطبيعة الاسم الموصول الذي يستلزم وجود جملة الصلة التي منعت فعل رأيت من التعدية إلى مفعول به فرفع الاسم "أخوك" على الابتداء.[٧]

المراجع

  1. "تداخل علمي النحو والصرف في كتب النحاة الأوائل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
  2. لطيفة النجار (1994)، دور البنية الصرفية في وصف الظاهرة النحوية وتقعيدها (الطبعة 1)، عمان: دار البشير، صفحة 21-20. بتصرّف.
  3. لطيفة النجار (2003)، منزلة المعنى في نظرية النحو العربي (الطبعة 1)، دبي: دار العالم العربي للنشر والتوزيع، صفحة 25. بتصرّف.
  4. "الدلالة الصرفية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
  5. لطيفة النجار (1994)، دور البنية الصرفية في وصف الظاهرة النحوية وتقعديها (الطبعة 1)، عمان: دار البشير، صفحة 165-171.
  6. لطيفة النجار (1994)، دور البنية الصرفية في وصف الظاهرة النحوية وتقعيدها (الطبعة 1)، عمان: دار البشير، صفحة 173.
  7. لطيفة النجار (1994)، دور البنية الصرفية في وصف الظاهرة النحوية وتقعيدها (الطبعة 1)، عمان: دار البشير، صفحة 176،178،179. بتصرّف.
6105 مشاهدة
للأعلى للسفل
×