سورة الفيل
في الربع الثامن من الحزب الستين والجزء الثلاثين والأخير من القرآن الكريم، تقع سورة من السور المكية التي نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي سورة من سور المفصَّل، يبلغ عدد آياتِ هذه السورة الكريمة خمس آيات فقط، وترتيبها الخامس بعد المئة في المصحف الشريف، نزلت سورة الفيل في مكة المكرمة بعد سورة الكافرون، وقد افتُتِحَتْ بأسلوب استفهام، قال تعالى في مطلع هذه السورة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[١]، وتناولت قصة أبرهة الحبشي وهجومه على مكة المكرمة لهدم الكعبة، وهذا المقال سيذكر ما وردَ من تأملات في سورة الفيل إضافة إلى سرد قصة أصحاب الفيل.[٢]
تأملات في سورة الفيل
في الحديث عمَّا ذَكر أهل العلم من تأملات في سورة الفيل، إنَّ مما لا شكَّ فيه أنَّ آيات القرآن الكريم قِيلت بحكمة إلهية وبلاغة سماوية لا يمكن لابن آدم أن يحيط بها كلَّها، حتَّى أنَّ ترتيب الجملة وتناسق الكلمات في الآيات القرآنية فيه حكمة وإعجاز عظيم، وإنَّما تفكّر الإنسان فيه سبب من أسباب زيادة اليقين والقناعة التامة بألوهية قائل هذا الكلام، وثمَّة لمسة بيانية يذكرها الدكتور فاضل السامرائي في الآية الأولى من سورة الفيل، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[١]، إنَّ أسلوب الاستفهام القائم على كلمة "ألم ترَ" له معنيان، الأول السؤال عن الرؤية البصرية أو القلبية، ومثالها: "ألم ترَ الأمر كما أراه"، وهذا المعنى الأول.[٣]
أمَّا المعنى الثاني وهو المعنى المقصود في الآية الكريمة هو التعجيب، ويكون هذا المعنى للتعجيب بالسؤال عن أمر تمَّتْ رؤيته أم لم تتمَّ، ومثلها قول الله تعالى في سورة النحل: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ}[٤]، ففي الآية الكريمة في سورة الفيل جاء معنى "ألم تر" تعجبيًّا، القصد منه التعجيب وفي هذه الحالة لم تتحقق الرؤية العينيَّة، فالله تعالى يخاطب رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويسأله عن أصحاب الفيل وأصحاب الفيل هم جيش أبرهة الذي غزوا مكة قبل ولادة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- بفترة قصيرة، ولهذا كان المقصود من السؤال التعجب من قدرة الله تعالى دون رؤية عينية، والله تعالى أعلم.[٣]
قصة أصحاب الفيل
بعد ذكر بعض ما جاء من تأملات في سورة الفيل، جدير بالذكر إنَّ هذه السورة المباركة سُمِّيت بسورة الفيل نسبة إلى قصة أصحاب الفيل، وتتحدَّث القصة عن أبرهة الحبشي الذي كان يدين بالمسيحية ويتبع في حكمه اليمنَ إلى النجاشي ملك الحبشة، حيث بنى أبرهة الحبشي كنيسة سمَّاها "كنيسة القليس" وأراد أن تحجَّ قبائل العرب إلى هذه الكنيسة التي بناها في اليمن، وقد كان العرب منذ القدم يحجّون إلى البيت الحرام في مكة المكرمة، فقرَّر أبرهة أن يهدم الكعبة الشريفة ليحوِّل جهة الحج عند العرب من مكة إلى اليمن، فسار بجيش جرَّار مدعوم بالفيلة إلى مكة لهدم الكعبة الشريفة، ولم يكن العرب قادرين على مواجهة جيش أبرهة العظيم.[٥]
فخرج أهل مكة من مكة نحو الجبال هربًا من جيش أبرهة وهو موقنون أنَّ للبيتِ ربًّا يحميه، وعندما وصل أبرهة بجيشه ووجه الفيل العظيم نحو الكعبة لهدمها لم يتحرَّك الفيل أية حركة رغم ضربه بالسياط، ثمَّ أرسل الله تعالى على جيش أبرهة أسرابًا من الطير التي تحمل حجارة ملتهبة من سجيل، فرمتِ الطيور الأبابيل هذه الحجارة على جيش أبرهة الذي فنى تحت لظى هذه الحجارة الملتهبة بأمر الله تعالى، وتسرد آيات سورة الفيل هذه القصة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[٦]، والله تعالى أعلم.[٥]