تأملات في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)

كتابة:
تأملات في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)

تعريف الخُلق

"بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا: وَهُوَ الدِّين والطبْع وَالسَّجِيَّةُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنه لِصورة الإِنسان الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسه وأَوصافها وَمَعَانِيهَا المختصةُ بِها بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وأَوصافها وَمَعَانِيهَا، وَلَهُمَا أَوصاف حسَنة وَقَبِيحَةٌ، والثوابُ وَالْعِقَابُ".[١]

أهمية الأخلاق

الدين المعاملة، تتجلى ثمار معرفة الخالق سبحانه واليقين بما عنده من الجنة والنار، والإيمان باليوم الآخر وأن هذه الدنيا إلى فناء في الإعراض عن إيذاء الناس وفي حب الخير لهم والتصدق على فقيرهم واحترام كبيرهم ورحمة صغيرهم، والإحسان إلى الوالدين والزوج والجيران والأقارب، والإعراض عن الغيبة والنميمة وغيرها من الأخلاق الذميمة.

وإن أتقى الناس لله وأحسنهم خلقا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أفضل الناس خلقًا حتى قبل البعثة بشهادة أقرب الناس وألد الناس له عداوة، فكيف لا يكون أحسن الناس خلقًا بعد اليقين التام بالله وبعد البعثة، وعليه فقد زكى الله خُلقه كله، بل وعظّمه فقال له: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، [6] فلا تستمع لما يقوله المشركون وأعرض عنهم.

ترتيب الآية في السورة

قال تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ* مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[٢] أقسم الله تعالى بأداة الكتابة وبما يكتبون وهو أمر تميز به البشر عن كل المخلوقات.

ثم دافع الله عز وجل عن نبيه بما أتهمه به المشركون من جنون، ثم أخبر الله عز وجل نبيه بأن أجره متصل غير منقطع، ثم جاءت التزكية بعد ذلك بأن أخلاقه عظيمة صلى الله عليه وسلم، ولو تخلق المسلم بهذه الآيات سنجده يترقى عن كل ما هو ذميم ويتخلق بكل ما هو طيب.

أحسن الناس خلقًا

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا)،[٣] فخلقه القرآن، ومنه صلى الله عليه وسلم يتعلم المرء الحياء، والصدق، والأمانة، والعفو، والإحسان، والكرم، والإيثار، والكف عن أعراض الناس، وحفظ اللسان، وغيرها الكثير ممّا أجملته الآية، وفصلته آيات أخرى وأحاديث تبين لنا عظيم خلقه، فهو الذي قد أنارت الدنيا بطلعته وأظلمت يوم وفاته.

على خطاه نقتدي

عندما نتبع الرسول لأنّه صلى الله عليه وسلم هو القدوة، والمعلم، والقائد، سينتشر التسامح والإيثار والتآخي بين المسلمين، وهو ما نحتاج إليه في زماننا هذا، أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا، فنكون مثالًا بأخلاقنا، وعنوانًا للتسامح، والإخاء، وحب الخير للغير.

وسوف نكف عن أعراض الناس ونسير معا إلى رضوان الله تعالى، عن عبدالله بن عمرو قال: (ألا أُخبركم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ ؟ فأعادها مرتَين أو ثلاثًا . قالوا : نعم يا رسولَ اللهِ ! قال : أحسنُكم خُلُقًا).[٤]

شهادة كبرى وتكريم عظيم

" تتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم، ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود، ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور، عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).[٥]

ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين، ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد- صلى الله عليه وسلم- تبرز من نواح شتى:[٦]

  • تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال، يسجلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله.
  • وتبرز من جانب آخر، من جانب إطاقة محمد- صلى الله عليه وسلم- لتلقيها، وهو يعلم من ربه هذا، قائل هذه الكلمة، ما هو؟ ما عظمته؟ ما دلالة كلماته؟ ما مداها؟ ما صداها؟ ويعلم من هو إلى جانب هذه العظمة المطلقة، التي يدرك هو منها مالا يدركه أحد من العالمين.
  • إن إطاقة محمد- صلى الله عليه وسلم- لتلقي هذه الكلمة، من هذا المصدر، وهو ثابت، لا ينسحق تحت ضغطها الهائل- ولو أنها ثناء- ولا تتأرجح شخصيته تحت وقعها وتضطرب.. تلقيه لها في طمأنينة وفي تماسك وفي توازن.. هو ذاته دليل على عظمة شخصيته فوق كل دليل".

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 86. بتصرّف.
  2. سورة القلم، آية:1-4
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6203، صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2650، صحيح.
  5. سورة القلم، آية:4
  6. سيد قطب، في ظلال القرآن، صفحة 3656. بتصرّف.
5858 مشاهدة
للأعلى للسفل
×