محتويات
تحليل بلاغي لقصيدة فتح عمورية
كان للبلاغة في قصيدة فتح عمورية نصيب كبير، فلا نكاد نقرأ بيتًا واحدًا دون أن نستخرج استعارةً أو تشبيهًا أو طباقًا أو غيرها من علوم البلاغة الثلاثة، وذلك أنّ أبا تمام من الشعراء الذين أكثروا ضروب البديع بل وقام بتطويره، حتى عُرف بشاعر الصنعة، وتحليل القصيدة بلاغيًا فيما يأتي:[١]
البيان في القصيدة
يلحق بعلم البيان الاستعارة المكنية والتصريحية، والتشبيه، والكناية ولها حظ وافر في قصيدة فتح عمورية فزادت من روعة الأبيات وتألقها وأوصلت المعاني بتقنية لغوية لا مثيل لها، ومن ذلك استخدام أبي تمام للتشبيهات البليغة، فيُشبه الرمح في لمعانه وبريقه، بالشهب التي تظهر في السماء لامعةً براقةً، وفي بيت آخر يُشبه الليل بظلمته وسواده بوقت الضحى بنوره ووضوحه، وذلك لشدة لهب المعركة المشتعل، والشاهد على ذلك قوله:[٢]
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
- بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
- يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ[٣]
أمّا الاستعارة فكانت في الأبيات كثيرةً جدًا، وقام الشاعر بالتنويع بين الاستعارة المكنية والتصريحية، ممّا زاد القصيدة جمالًا، ففي مستهل القصيدة قام بتشبيه السيف بالإنسان الذي يملك صفة الصدق، ولكنه ذكر المشبه وحذف المشبه به لشدة الشبه بينهما وترك شيئا من لوازم المشبه به، وهي الصدق على سبيل الاستعارة المكنية والشاهد في قوله:[٤]
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
- في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ[٥]
كما شبه ظلام الشك والريبة ببياض السيف ولمعانه، فذكر المشبه وهو الشك والريب وحذف المشبه به وهو لمعان السيف وبريقه على سبيل الاستعارة المكنية أيضًا، والأبيات الشاهدة على ذلك قول أبي تمام:[٦]
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
- مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ[٧]
البديع في القصيدة
أمّا استخدام البديع في القصيدة فزاد وطغى حتى أنارت القصيدة بالمحسنات البديعية، فأطربت من يستمع للكلمات لكن دون تكلف أو ضعف في الصياغة ونجدها بكثرة في القصيدة عند أبي تمام، فالطباق والجناس، وهما أكثر الفنون البديعية عنده مع التوازن في الحروف والكلمات والقافية التي قادت هذه المعزوفة والتي تجلت على مدى القصيدة كلها.[٨]
إنّ شواهد علم البديع في قصيدة فتح عمورية كثيرة، ومن الشواهد على ذلك طباق الإيجاب بين كلمة السماء والأرض وطباق السلب بين كلمتي (منقلب - غير منقلب) وبين كلمتي (غزو- لا غزو)، وذلك في قوله:[٨]
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
- وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
- ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ
- عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ[٩]
هذا واستخدم أبو تمام الجناس بنوعيه والسجع والتصريع والتشطير أيضًا، ومن الشواهد على ذلك وجود الجناس الناقص بين (صفائح وصحائف) حيث اختلف ترتيب الحرفين بين الكلمة الأولى والثانية، وفي البيت ذاته يظهر السجع بوضوح في الكلمتين (سود، بيض)، وذلك في قوله:[١٠]
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
- مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ[١١]
علم المعاني في القصيدة
كما هو معلوم أنّ علم المعاني هو ارتباط اللفظ بمضمون الكلام، وأن يأتي مطابقًا لهدف المتكلم البليغ، القادر على ذلك، وقد استخدم في القصيدة بشكل واضح من خلال أساليب الإنشاء، والأسلوب الخبري، وأسلوب القصر، والأمثلة كثيرة منها مثال على الأسلوب الخبري، حيث يتحدث عن الكذب الذي يحكي عن الشهب والنجوم وقوة السيف المجاهد الذي بيّن كذب كتب الأعداء فيقول:[١٢]
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
- لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
- عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
- إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
- ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ[١٣]
أمّا الشاهد على استخدام الشاعر لأسلوب الإنشاء فيتضح في الأبيات الآتية التي يستخدم فيها أسلوب الاستفهام بغرض التهكم والسخرية من الأعداء ونراه في قوله:[١٢]
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
- صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ[١٣]
أمّا القصر واستخدام أبي تمام له شاهد آخر على مدى ما تزخر به هذه القصيدة من علم المعاني، ويتضح ذلك في استخدامه القصر بما يُفيد التخصيص والتوكيد في قوله:[١٢]
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
- بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ[١٣]
المراجع
- ↑ زيان صبرينة وبعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ زيان صبرينة و بعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 23-24. بتصرّف.
- ↑ "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
- ↑ زيان صبرينة و بعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ "السيف أاصدق إنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
- ↑ زيان صبرينة و بعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
- ^ أ ب خالد عبد الرؤوف الجبر، بلاغة بنية قصيدة أبي تمّام في فتح عمّورية، صفحة 680. بتصرّف.
- ↑ "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
- ↑ زيان صبرينة وبعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 42-43. بتصرّف.
- ↑ "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
- ^ أ ب ت زيان صبرينة وبعيريط حنان ، حضور الصورة البلاغية في قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، صفحة 50-55. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "السيف أصدق أنباء من الكتب"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.