تحليل رواية السمان والخريف

كتابة:
تحليل رواية السمان والخريف

التحليل الموضوعي لرواية السمان والخريف

صدرت رواية "السمان والخريف" عام 1962م، للروائي العالمي الحاصل على نوبل للآداب "نجيب محفوظ"، تقع الرواية في 148 صفحة، وتكشف لنا عن حدث فارقٍ في تاريخ مصر، وهو قيام "ثورة 1952م" التي قلبت الموازين وحولت دفة الأمور إلى تغييرات جذرية شملت قطاعات الدولة كلها وتستفتح الرواية سيرة الشخصية الرئيسية "عيسى الدباغ".[١]

وهو يقلب نظره فزعًا من آثار الدمار التي سببها حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952م، وتتضارب الروايات حيال مفتعل الحريق إلا أن القسط الأكبر يجمع وقوف بريطانيا وراء الحريق أملًا بالإطاحة بوزارة "النحاس" بعد أن ألغت الأخيرة معاهدة 1936م التي جمعت بين مصر وبريطانيا.[٢] وتسلط الرواية الضوء على تأثير هذا التحول التاريخي على حياة "عيسى الدباغ".[١]

وكيف انقلبت حياته رأسًا على عقب فهذا الوفْدي القديم الذي تسلق أعلى المناصب الوزارية وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره وكان قد تنبأ له جميعهم باقتراب كرسي الوزارة نراه وقد أطاح قيام الثورة بأحلامه قاضيًا على مسيرته المهنية إذ أحيل من منصبه ونقل إلى المحفوظات لتستدعيه بعد ذلك بوقت قصير "لجنة التطهير" للمثول أمامها للتحقيق في تربحه من هدايا ورشاوي.

قدمت له مقابل قضاء مصالح فئة من المنتفعين مستغلًا منصبه، مدير مكتب وزير وفدي،  ووجدته اللجنة مذنبًا وإحالته إلى المعاش، دافعة به عن دائرة العمل السياسي ومحطمة لكل طموحاته التي تحطمت معها روحه، فقد كان عيسى موقنًا بمظلوميته وأن الأمر لا يعدو كونه انتقامًا مدبرًا. ليخسر بعدها خطبته على ابنة "علي بك سليمان".[١]


التحليل الأسلوبي لرواية السمان والخريف

تندرج رواية السمان والخريف في تصنيفها إلى الأدب الواقعي، ويخيم على أجوائها الطابع الوجودي العبثي الذي صاحب عيسى الصباغ عقب أن لفظته الحياة السياسية إلى المجهول. وقد وظف نجيب محفوظ آليات التحليل النفسي لسبر أغوار الاغتراب والانقسام الذي أحسه عيسى في نفسه بين الحدث الذي يعد طفرة لتاريخ الوطن وبين نفيه من الحياة السياسية.[٣]

وإننا إذ نتأمل مصر بعيني عيسى عقب الثورة نلمس معاناة وجودية وإنسانية يجسدها وضع عيسى. إذ نراه من ناحية ساخطًا على ما حاق به، ومن ناحية أخرى يحس أنه مقتنع بضرورة الثورة وحتميتها على ما جلبت له من ضياع.[٣]

وتمتاز الرواية باعتمادها على المفارقات الدرامية الحادة في الأحداث التي تدور بعدستي عيسى الصباغ، وتعرض الظرف السياسي بحيثياته ومواقف الأطراف المختلفة منه. كما أنه يعمد إلى الرمزية في شخص "ريري" فتاة الليل التي تجمعها علاقة بـ"عيسى" الذي ينكرها عقب إخبارها له بحملها منه.[٣]

وتجسد ريري ذات الأصل البسيط والحاضر المزعزع الضياع الذي تعيشه الشعوب في أطوار التحولات الجذرية إذ يتقاذف المتنازعون على السلطة مصائرهم وكأنه لعبة لا يأبهون بها.[٤]


الاستعارة والصور الفنية في رواية السمان والخريف

تحمل الرواية بين طياتها عددًا كبيرًا من الاستعارات والتشبيهات التي تجسد وتدل دلالة بالغة على الأزمة التي يعيشها البطل، ومن أبلغ التشبيهات تلك المجموعة التالية:

دلالة على الأزمة نجد عيسى يطالع انعكاسه في مرآة مقهى البويدجا القاهري ويقول : "وهذا الوجه الذي كان مرشحًا للصفحات الأولى من الصحف، ما باله يندثر كالديناصور عملاق الأساطير البائدة وكالشاي الذي تحتسيه المقتلع في أرضه الطيبة من سيلان ليستقر آخر الأمر في مجاري القاهرة" وهنا نحس تحسر عيسى على مصيره، وفقدانه كذلك للبوصلة الذاتية وحسه بانتماء.[٥]

إلى جانب الاستعارات المتناثرة على طول الرواية، ثمة بنية استعارية كبرى تمتد على طول الرواية، ألا وهي استعارة الطقس التي نجدها في مواضع عدة، وتخدم استعارات الطقس مضمون الرواية، فالعنوان "السمان والخريف"، ينذر بوقوع تحول وانتقال يشوبه الشحوب يماثل فقدان الأشجار لحلتها في الخريف، الذي يمهد لشتاء يضيع فيه بطل الرواية منكفئًا على ذاته.[٥]


الحوار والسرد في رواية السمان والخريف

جسدت الراوية نموذج المونولوج أو الحوار الداخلي للشخصية الرئيسية، إذ كثيرًا ما نرى عيسى يحدث نفسه ويؤنبها على ما صار إليه حاله. وكذلك تخللت السرد وقفات حوارية لتفسير المواقف والأحداث وتحديد التغيرات الطارئة على مواقف الشخصيات ونجد هذا الحوار.[٦]

"فقال عيسى بحزن:

ولذلك فحتى لو حظيت بعشرات الأعمال فسوف أظل بلا عمل. 

فقال عباس صديق:

أهو العقل أم القلب الذي يتكلم؟

فقال سمير عبد الباقي باسمًا:

للقلب عندنا معنى مختلف كل الاختلاف".

ويعكس هذا الحوار الذي دار بين الأصدقاء الأربعة وهو عيسى الدباغ وسمير عبد الباقي وعباس صديق وإبراهيم خيرت، حجم التحولات التي طرأت في حياتهم مع الثورة، فسمير الذي طرد من الحياة السياسة مع عيسى نراه صار صوفي النزعة وتحول إلى الأعمال التجارية على النّقيض من عباس وإبراهيم اللذان أحسنا التعامل مع أحداث الثورة وانتفعا منها.[٦]


آراء النقاد حول رواية السمان والخريف

وفيما يلي سنستعرض بعض الآراء النقدية لجملة من النقاد المعنيين بأعمال نجيب محفوظ.

  • الناقدة سوسن حماد عن نجيب محفوظ في ضوء رواية السمان والخريف
" كاتب سياسي بالدرجة الأولى، له رأى واضح، وله موقف متماسك ومستمر اجتماعيًا، وله نظرة شاملة فكريًا، مهما بدا كل هذا مسر بلا أحيانًا في حبك القصة، وفى ثنايا فنها الماكر."[٧]
  • الدكتور جابر عصفور عن عالم نجيب محفوظ الروائي

"عالم بالغ الغنى في تعقد مستوياته وتغير محاوره، إذ يجمع بين القصّ التاريخي والقص الواقعي، ويضم الرمز الجزئي الذى يتخلل النغمة السائدة لعمل واقعى مع الرمز الكلى الذى تتعدد دلالاته." [٧]


  • إبراهيم فتحي عن عالم نجيب محفوظ
"عالم نجيب محفوظ عالم قائم بذاته يكاد أن يكون معادلًا للمجتمع الخارجي، ترتبط عناصره ارتباطًا سببيًا، ويستمد كل عنصر قيمته النسبية من علاقته بالأجزاء الأخرى."[٨]

تعد رواية "السمان والخريف" واحدة من أهم مؤلفات نجيب محفوظ التي تتصدي إلى فترة حاسمة في تاريخ مصر وهي" ثورة 1952م" وما سبقها وما أعقبها من تغيرات سياسية شملت قطاعات الدولة كلّها، وتتوسل الرواية تتبع التحولات والتغيرات الحاصلة في حياة البطل "عيسى الدباغ" جاعلة منه شاهدًا على تلك الحقبة بكل إشكالاتها وتحدياتها.

المراجع

  1. ^ أ ب ت شوقي بدر يوسف ، الرواية التأثير والتأثر، صفحة 59.
  2. "حريق القاهرة"، فاروق مصر، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021.
  3. ^ أ ب ت جمانة مفيد السالم، جدلية الحرية والعدالة في أدب نجيب محفوظ، صفحة 87.
  4. أماني فؤاد، المرأة ميراث من القهر، صفحة 175.
  5. ^ أ ب "أزمة المغترب في زمن التحول"، مجلة الكلمة، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021.
  6. ^ أ ب نجيب محفوظ، السمان ولخريف، صفحة 78.
  7. ^ أ ب جابر عصفور، نقاد نجيب محفوظ، صفحة 270.
  8. إبراهيم فتحي، العالم الروائي عند نجيب محفوظ، صفحة 7.
4971 مشاهدة
للأعلى للسفل
×