تحليل قصيدة أنا من نظر الأعمى إلى أدبي

كتابة:
تحليل قصيدة أنا من نظر الأعمى إلى أدبي


تحليل قصيدة أنا من نظر الأعمى إلى أدبي

يتوقف تحليل النص الشعري على عدد من العناصر الدالة المهمة في النص، ويمكن لنا إجمالها على النحو الآتي:


الموسيقى الخارجية

قام أبو الطيب باختيار البحر البسيط لقصيدته وهو من البحور الشعرية المركبة، ولكنها من أكثر البحور نظما من الشعراء القدماء ويستدل من اختياره هذا مدى قدرته واقتداره في تطويع البحر المختلط أو المركب للمعاني والأفكار المختلفة التي اختارها في قصيدته، كما أن له حلاوة وطلاوة ومرونة في الأداء، وهو بحر مناسب لموضوع القصيدة؛ لأن الشاعر استخدمه للحديث عن حزنه وعتابه لسيف الدولة الحمداني، وهو كذلك يعطيه فرصة للتعبير عن آلامه النفسية من إهمال سيف الدولة له فهو بحر ذو امتداد زماني ومكاني يمكّن الشاعر من التعبير كما يشاء عن حالته. [١]


القافية وحرف الروي

استخدم المتنبي في القصيدة قافية مطلقة غير مقيدة، من نوع المتراكب، أي تنتهي بثلاث حركات بين ساكنين، وهي قافية مناسبة للحالة النفسية التي يعاني منها الشاعر، والحالة الشعورية التي تنتقل حسب حكايته مع سيف الدولة، وتتحكم في صورة انفعالات الشاعر المرتبطة بالمدح رغم المأساة التي يعاني منها.


أما حرف الروي فهو الميم، وهو صوت شفوي أنفي مجهور متوسط وقد كان مناسبا تماما لموضوع القصيدة، فيتميز بمكانته بين الشدة والرخاوة كما يلاحظ سمعيًا بكل وضوح.


كما نرى تكرار المتنبي للقافية ليعبر عن المعنى الذي يريده في نفسه، وإشباع حرف الروي ليمتد الصوت معبرًا عن معاناة الشاعر وبيان إحساسه المتألم الحزين، كما يبين تظاهره بالقوة ومجاهدة نفسه أمام ما فعله سيف الدولة به فهو شخصية شجاعة قوية عزيزة قادرة على الصبر والتحمل.[٢]


الترصيع

هو التناسب الصوتي والتوافق الموسيقي ما بين التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول والتفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني مع تطابق الحرف الأخير من الكلمتين، وقد استطاع المتنبي من خلال استخدام الترصيع خلق جوّ موسيقي جميل يلفت الانتباه وبالتالي يتمكن من بث شكواه للمستمع والقارئ ومن ذلك استخدام الترصيع في بداية القصيدة حيث يقول:


واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ[٣]


فنلاحظ هنا أنّ كلمة (شبم) متطابقة تمامًا مع كلمة سقم، كما أن العجز متطابق مع الصدر في وزن البيت، مما يثري الموسيقى الداخلية في القصيدة ويشعر المستمع باستمتاع كبير، فالعاطفة والانفعال في الحديث تشعرنا بمشاعر أبي الطيب أثناء نظم القصيدة. 


الموسيقى الداخلية

وهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن نقل مشاعر الأديب، والتعبير عن أحاسيسه وفي سبيل ذلك استخدم المتنبي الأصوات المجهورة في القصيدة، وذلك لتوضيح عاطفته الصادقة وكأنه يصرخ بمشاعره، يحدث الناس عن حالة الأسى والحزن التي أصابته جراء ما فعله به سيف الدولة، فمن خلال استخدام هذه الأصوات المجهورة يعاتبه ويشكوه فيسمعه كل الناس ويشعرون بحاله، كما استخدم الأصوات الانفجارية حتى تدلل بجرسها القوي على الصراعات النفسية التي نجمت عن جفوة سيف الدولة له بعد ما كان من صداقة وأخوة وود بينهما.[٤]


ومن ذلك قوله:

واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ

فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ[٥]


نلاحظ في هذه الأبيات تكرار "الراء" هذا الحرف المجهور التكراري، ويكون أحياناً مفخمًا كما في (واحر قلباه) فالراء ساكنة وما قبلها مفتوح لذا تكون هنا مفخمة مما يعني الوضوح وعمق الدلالة، والتي ترتبط بقوة بعاطفة الشاعر القوية والعميقة / ولا يُنسى أن حرف الراء يتميز بعدم استقراره وهو ما ينطبق على الشاعر من حيث اضطرابه وعدم ثبات مشاعره.[٦]


هذا وقد استخدم الشاعر أسلوب تكرار الكلمات أحيانًا لبيان مواضع اهتماماته ويعرفها للمستمع، ويعتبر التكرار من عناصر الموسيقى الداخلية المهمة الذي يفيد في بيان نغمة القصيدة، وقوة معاني الصورة وهي كثيرة في القصيدة ومنها تكرار لفظة (جهل) في قوله:

وجاهلٍ مدَّه في جهلِهِ ضَحِكي

حَتّى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ[٧]


اللغة في القصيدة

تنوعت ألفاظ القصیدة بين ما يدل على الشكوى والعتاب والشجاعة وغيرها، إلا أنها تميزت جميعها بالقوة والفخامة مما انعكس على لغة القصيدة بشكل عام، فظهرت برداء الفخامة والرقة والجزالة، وليس ذلك إلا من قوة سبك المتنبي للأبيات وقدرته على حسن النظم، فاللفظ يتبع ما يتحدث عنه الشاعر، فإن مدح أظهر حبه وشوقه وإن عاتب رقّ واستعطف، وإن فخر بنفسه قويت ألفاظه، وجزلت لتدلّ على المراد وتصل إلى الهدف.[٨]


الأسلوب والصور الفنية

نلاحظ في القصيدة الكثير من ألوان البديع والبيان والمعاني، فالاستعارات والكنايات والتشابيه، زادت في نظم المتنبي للأبيات وأظهرت موسيقى متناسقة متنوعة، أما المحسنات اللفظية فحضرت من خلال الأبيات بشكل لافت، ولو تتبعنا الجانب اللغوي في القصيدة لشاهدنا عجبا من حيث دقة استخدام الألفاظ حسب الموقف الذي يصفه ويتحدث عنه.


هذا وقد تميزت قصيدة المتنبي بالكثير من العواطف وتصويرها عبر الصورة الشعرية المنتزعة من الموقف فكانت صورا تحلق في سماء الإبداع، إن أسلوب المتنبي يظهر شخصيته عبر العبارات والجمل مستخدمًا خيالًا واسعًا ولغة جزلة قوية.[٩]


وفي هذا المجال نرى المتنبي قد استخدم الكثير من المحسنات البديعية المعنوية واللفظية ففي موقف يستخدم التشبيه الضمني على سبيل المثال لإظهار حالته ومشاعره بشكل مركب كما هو الحال في التشبيه الضمني ومن ذلك قوله:


إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً

فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ[١٠]


إنه يشبه نفسه بالأسد الذي يبرز أسنانه وتظن الفريسة أنه يبتسم لها كحاله (المتنبي) مع خصومه الذين أوغروا صدر سيف الدولة عليه. 

وفي موقف آخر يستخدم الاستعارة التصريحية أو المكنية حسبما يقتضي الحال وفي كثير من الأبيات ومنها قوله:


الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني

:والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ[١١]


یتضمن هذا البيت (استعارة مكنية) فقد تحدث الشاعر عن الخيل والليل والبيداء وكأنها إنسان يعرف ويدرك ولها عقل يفكر وكذلك السيف والرمح والورق والقلم، واستخدم لفظة تعرفني على سبيل الاستعارة المكنية.


كما استخدم المتنبي الكناية والجناس والطباق في كثير من الأبيات على سبيل التنويع في إظهار مشاعره.


الناحية الدلالية

استخدم المتنبي الكثير من المفردات المعجمية الدالة على ما يريد فتارة يستخدم مفردات تدل على الحيوان (الخيل – الجواد – الناقة – اللیث –الوحش)، وأخرى على الجمادات (الرمح – السیف – القرطاس – القلم)، وفي أحيان على الطبيعة (الأرض – البیداء – القور – الأكم – البلاد – الغمام – الدیم)، أو على الإنسان (المتنبي – سیف الدولة – حاسدنا – الأمم – خلق الله – الناس – قوم – عرب – عجم – العدو – الجیش – أهل النهى - الجحفلین – أخو الدنیا – صدیق -الأعمى)، ولكنها جميعًا تصب في المعنى الذي أضفاه الشاعر على هذه المفردات، وتكتسب دلالات جديدة غير دلالتها المعجمية لتكون أكثر عمقًا وغنى وأشد تعبيرًا وتأثيرًا.[١٢]


الناحية التركيبية في القصيدة

ويقصد بالناحية التركيبية البحث في التركيب الاسمي والفعلي والتقديم والتأخير والتعريف، فقد ظهرت في القصيدة على النحو الآتي:[١٣]

من ناحية التركيب الفعلي نجد أن المتنبي وظف الفعل الماضي بكثرة في محاولة لبيان الأحداث التي وقعت في الماضي، حيث أراد أن يحكيها للسامع بشكل دقيق، ومنها: (نظرت) للدلالة على الشجاعة، (تصافحت) دليل الشوق والحنين، الفعل الماضي (أكتم) دليل التوجع إلى حد الانفجار.


أما الفعل المضارع، فقد استخدمه بكثرة في القصيدة ليدل على استمرارية ما يحصل معه وعدم انتهاء المشكلة، ومن هذه الأفعال: (يجمعنا، تدعي، تصنع، يلزمها، يواريهم، ترى، تحسب، تسعى، يسهر، تعجب، تطلبون، تأتون، تستقل، تجوز، نفارقهم، ترحلت، تقتضي).


من ناحية التركيب الاسمي، فقد وضح الشاعر من خلال الجمل الاسمية العديد من الأخبار والمعلومات وهي كثيرة في القصيدة، مثل: واحر قلبا، الخيل والليل، وما انتفاع أخي، وغيرها. 


أما التقديم والتأخير، فلم نره كثيرًا في القصيدة، إلا أنه ظهر في أبيات (الخيل، الليل، الأعمى، السيف).


المراجع

  1. عمرية مخاطرية، البنية اللغوية لميمية المتنبي واخرّ قلباه، صفحة 8. بتصرّف.
  2. عمرية مخاطرية، البنية اللغوية لميمية المتنبي واحر قلباه، صفحة 11-13. بتصرّف.
  3. أبو الطيب المتنبي ، ديوان أبي الطيب المتنبي، صفحة 10521.
  4. نور الهدى مقدم و خضرة ونوغي، دراسة أسلوبية لقصيدة أنا من نظر الأعمى إلى أدبي لأبي الطيب المتنبي، صفحة 28-32. بتصرّف.
  5. أبو الطيب المتنبي، ديوان أبي الطيب المتنبي، صفحة 10521.
  6. عمریة مخاطریة، البنية اللغوية لميمية المتنبي واحر قلباه، صفحة 20. بتصرّف.
  7. أبو الطيب المتنبي، ديوان أبي الطيب المتنبي، صفحة 10521.
  8. عمرية مخاطرية، البنية اللغوية لميمية المتنبي واحر قلباه، صفحة 44-45. بتصرّف.
  9. عمرية مخاطرية، البنية اللغوية لميمية المتنبي واحر قلباه، صفحة 47-54. بتصرّف.
  10. أبو الطيب المتنبي، ديوان أبي الطيب المتنبي، صفحة 10521.
  11. أبو الطيب المتنبي، ديوان أبي الطيب المتنبي، صفحة 10521.
  12. عمرية مخاطرية، البنية اللغوية لميمية المتنبي واحر قلباه، صفحة 54-56. بتصرّف.
  13. نور الهدى المقدم وخضرة ونوغي، دراسة أسلوبية لقصيدة أنا من نظر الأعمى إلى أدبي لأبي الطيب المتنبي، صفحة 34-41. بتصرّف.
40120 مشاهدة
للأعلى للسفل
×