تحليل قصيدة بعد البين لمعروف الرصافي

كتابة:
تحليل قصيدة بعد البين لمعروف الرصافي

التحليل الموضوعي لقصيدة بعد البين لمعروف الرصافي

قال معروف الرصافي في قصيدته بعد البين:[١]

لقد طَوَّحَتْني في البلاد مُضاعا

طوائح جاءت بالخطوبِ تباعا

فبارحت أرضاً ما ملأت حقائبي

سوى حبّها عند البَراح متاعا

عتَبْت على بغداد عَتْب مُوَدِّع

أمَضَّتْه فيها الحادثاتِ قراعا

أضاعَتْنيَ الأيام فيها ولو دَرَتْ

لعزّ عليها أن أكون مُضاعا

لقد أرضعتني كل خسف وأنني

لأشكرها أن لم تُتمَّ رَضاعا

وما أنا بالجاني عليها وإنما

نهضت خصاما دونها ودفاعا

وأعلمت أقلامي بها عربيّةً

فلم تُبدِ اصغاءً لها وسَماعا

حزن الشاعر على ابتعاده عن أرضه ووطنه بغداد وهو الذي لم يرضع منها الحنان حتّى انتهاء فصاله من وطنه العزيز، فالآن هو سيُنهض وطه من أجل الدفاع عن وطنه العزيز.

ولو كنت أدري أنها أعجميّة

تَخِذت بها السيف الجُراز يراعا

ولو شئت كايَلْت الذين انطَوَوا بها

على الحِقد صاعاً بالعِداء فصاعا

ولكن هي النفس التي قد أبَتْ لها

طباع المعالي أن تَسُوء طباعا

أبَيْت عليهم أن أكون بذِلّةٍ

وتأبى الضَواري أن تكون ضباعا

على أنني دارَيْت ما شاء حقدهم

فلم يُجْدِ نفعاً ما أتَيْت وضاعا

وأشقَى الورى نفساً وأضيعهم نُهىً

لبيبٌ يداري في نُهاه رَعاعا

تركت منِ الشعر المديح لأهله

ونزّهت شعري أن يكونِ قذاعا

وأنشدته يجلو الحقيقة بالنُهَى

ويكشِف عن وجه الصوابِ قناعا

ترفّع الشاعر عن مديح الأشخاص الذين لا يستحقّون، وهو الذي آلى على نفسه ألّا يقول يراعه سوى الحقّ من الكلام، وترفّعه عن الرذائل من الطباع والأحقاد وغيرها من الأمور.

وأرسلته عفواً فجاء كما ترى

قَوافيَ تَجتْاب البلادِ سراعا

وقفت غداة البَيْن في الكرخ وقفةً

لها كَرَبت نفسي تطير شَعاعا

أوَدّع أصحابي وهم مُحدِقون بي

وقدِ ضقت بالبين المُشِتّ ذراعا

أودّعهم في الكرخ والطرف مرسِل

إلى الجانب الشَرقيّ منه شُعاعا

وأدعَم رأسي بالأصابع مُطرِقاً

كأنّ برأسي يا أميمُّ صداعا

وكنت أظنّ البين سهلاً فمذ أتى

شَرَى البين مني ما أراد وباعا

وإنّي جبان في فراق أحِبّتي

وإن كنت في غير الفراق شجاعا

عدم قُدرة الشاعر على تحمُّل البَين والفراق وألمه وابتعاده عن الأحبّة وقد وقف مع الذين يرغبهم في الكرخ تلك الوقفة الأخيرة لكنّه الألم كان أكبر منه.

كأنّي وقد جَدَّ الفراق سفينةٌ

أشالت على الريح الهَجومِ شراعا

فمالت بها الأرواح والبحر مائج

وقد أوشكت ألواحها تتداعى

فتحسبني من هزّة فيّ أفْدَعاً

ترقَّى هضاباَ زُلزلت وتِلاعا

فما أنا إلاّ قومة وأنحناءة

وسِرٌّ إذاعته الدموع فَذاعا

رعى اللّه قوماً بالرُصافة كلما

تذكَّرتهم زاد الفؤاد نزاعا

أبيت وما أقوى الهموم بمَضجَع

تُصارعني فيه الهمومِ صراعا

وألْهو بذكراهم على السير كلما

هبَطتِ وهاداً أو علوت يَفاعا

هم القوم أما الصبر عنهم فقد عصى

وأما أشتياقي نحوَهم فأطاعا

عدم قُدرة الشاعر على نسيان أحبته وهو الذي خلّفهم وراءه في الرصافة تلك البلد التي نشأ وترعرع فيها، وقد كان يظنّ أنّه قادر على النسيان والتجاوز لكنّ ذلك لم يحدث أبدًا.

التحليل الفني لقصيدة بعد البين لمعروف الرصافي

استعمل معروف الرصافي في القصيدة كثيرًا من الصور الفنية من استعارات وتشابيه وغير ذلك، وممّا ورد في قصيدته ما يأتي:

  • ما ملأت حقائبي سوى حبّها

شبّه الحب بالأشياء التي تُملأ في الحقيبة، حذف المُشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

  • أضاعَتْنيَ الأيام فيها

شبّه الأيام بالإنسان الذي يُضيع شيئًا ما أو يفقد، حذف المُشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

  • تركت منِ الشعر المديح لأهله

شبّه الشعر بالشيء الذي يُترك منه شيئًا أو يُؤخذ، حذف المُشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

التحليل الإيقاعي لقصيدة بعد البين لمعروف الرصافي

استعمل الشاعر معروف الرصافي البحر الطويل في قصيدته تلك وتفعيلته: "فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن" وقد اختار الشاعر هذه البحر بسبب تفعيلاته الطويلة التي تُمكّنه من وجود مدى واسع يُحلق فيه في أثناء كتابة القصيدة.

ابتدأ الشاعر بكلمة: "لقد" في بداية القصيدة للتأكيد على المعاني التي ستُورد في القصيدة عامّة وأهميّتها وثباتها عنده وقد تكرّر حرف العين في القصيدة تكررًا واسعًا بسبب الغصّة التي يُعانيها الشاعر وهي عالقة في حلقه، وحرف العين هو من الحروف الحلقية التي تُساعد الشاعر في التعبير عن ذلك الألم الموهن.

المراجع

  1. "لقد طوحتني في البلاد مضاعا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/3/2022.
13645 مشاهدة
للأعلى للسفل
×