تحليل قصيدة حب بلا حدود

كتابة:
تحليل قصيدة حب بلا حدود


تحليل قصيدة حب بلا حدود

يمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:[١]


تحليل المقطع الأول

يا سيدتي:

كنت أهم امرأةٍ في تاريخي

قبل رحيل العام.

أنت الآن.. أهم امرأةٍ

بعد ولادة هذا العام

أنت امرأةٌ لا أحسبها بالساعات وبالأيام.

أنت امرأةٌ

صُنِعت من فاكهة الشعر

ومن ذهب الأحلام

أنت امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي

قبل ملايين الأعوام[٢]


بدأ الشاعر نزار قبّاني قصيدته هذه مستخدمًا أسلوب النداء في خضم مخاطبته لامرأة، والملاحظ أنّه وصفها بسيدته، فهو بهذا الوصف يُعلي من شأنها ويلمح للسامع بأن علاقته بهذه السيدة ليست علاقة آنية أو سطحية، بل هي أوسع من ذلك، فقد بلغت هذه المرأة عنده حدّ السيادة والتملك.


ومن ثمّ يعلن الشاعر عن كون هذه المرأة أهمّ امرأةٍ في الدنيا بالنسبة له في العام الفائت، وقد ظلت كذلك بعد دخول السنة الجديدة، فحبه لهذه المرأة متواصل ليس مقرونًا بوقتٍ محدد تنتهي فيه علاقتهما، وذلك لأنها تميزت على غيرها، فكلامه شعر، وهيئتها كالذهب الذي يُرى في الأحلام.


والملاحظ أنّ الشاعر يكرر استعمال كلمة امرأة، ولعل هذا التكرار جاء لعمق محبته لها، ولأنّ فيها صفات المرأة التي ترضيه، فليس كل النساء في عينه يمتلكن صفات الأنوثة مثل هذه المرأة التي سكنت جسده، فهي لا تنفك عنه، إذ أصبحت مثل أعضاء الجسد أمرًا لا يفارق الشاعر.


تحليل المقطع الثاني

يا سيدتي:

يالمغزولة من قطنٍ وغمام.

يا أمطارًا من ياقوتٍ..

يا أنهارًا من نهوندٍ..

يا غابات رخام..

يا من تسبح كالأسماك بماء القلب..

وتسكن في العينين كسرب حمام.

لن يتغير شيءٌ في عاطفتي..

في إحساسي..

في وجداني.. في إيماني..

فأنا سوف أظل على دين الإسلام[٢]


أمّا في المقطع الثاني نجد أنّ الشاعر يُعيد افتتاح المقطع بقوله يا سيدتي، لكنه يبدأ بمناداتها بصفاتٍ غزليّة، فيصفها بأنها نُسجت بالقطن لرقتها ونعومتها، ويصفها بأمطار الياقوت وبأنهار النهوند، وبغاباتٍ من الرخام، ويصفها بالسمك، وبالحمام، فقد أسقط عليها كافة عناصر الطبيعة الحية والجامدة التي تمتاز بصفات الجمال.


لكنه يشير في نهاية المقطع إلى ثبوته على الدين، وكأن الشاعر يريد إخبار المتلقي بأنّ صفات جمالها قد تدفع المرء للكفر، فجمالها يفتن العقل، وقد يؤدي بالإنسان إلى التفريط بأكثر الأمور تمسكًا بها، وهي الدين لدى مرآها.


تحليل المقطعين الثالث والرابع

3

يا سيدتي:

لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات.

أنت امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كل الأوقات.

سوف أحبك..

عند دخول القرن الواحد والعشرين..

وعند دخول القرن الخامس والعشرين..

وعند دخول القرن التاسع والعشرين..

وسوف أحبك..

حين تجف مياه البحر..

وتحترق الغابات..

4

يا سيدتي:

أنت خلاصة كل الشعر

ووردة كل الحريات

يكفي أن أتهجى اسمك

حتى أصبح ملك الشعر

وفرعون الكلمات..

يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلك

حتى أدخل في كتب التاريخ

وترفع من أجلي الرايات[٢]


الناظر إلى هذين المقطعين يجد أنّ الشاعر نزار قباني في المقطع الثالث يحاول طمأنة محبوبته من هاجس يخيفها وهو الزمن، فالزمن يشكل بالنسبة لها عقدة وجودية، فهو هالة تدميرية، إذ إنّ تقدّم الزمن على الإنسان يهدم صفاته الجمالية الجسدية، لكنّ الشاعر يطمئن محبوبته بأنّه سيستمر بحبها حتى لو توالت القرون، وقارب العالم على الانتهاء.


وفي المقطع الرابع نجد أنّ الشاعر يستمر بطمأنتها، فيراها سبب سعادته، وسبب تدفق شعره وسيطرته على الكلام، فهو يرى هذه المرأة سبب دخوله التاريخ؛ لما سيكتبه فيها من شعر، فيسقط على نفسه ألفاظ تملكية؛ ولعل ذلك لتعزيز حضور مفهوم سيطرته على الشعر.


تحليل المقاطع (الخامس - السابع)

5

يا سيدتي

لا تضطربي مثل الطائر في زمن الأعياد.

لن يتغير شيءٌ مني.

لن يتوقف نهر الحب عن الجريان

لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان

لن يتوقف حجل الشعر عن الطيران

حين يكون الحب كبيرًا

والمحبوبة قمرًا

لن يتحول هذا الحب

لحزمة قشٍ تأكلها النيران

6

يا سيدتي:

ليس هنالك شيءٌ يملأ عيني

لا الأضواء

ولا الزينات

ولا أجراس العيد

ولا شجر الميلاد

لا يعني لي الشارع شيئاً

لا تعني لي الحانة شيئاً

لا يعنيني أي كلامٍ

يكتب فوق بطاقات الأعياد

7

يا سيدتي:

لا أتذكر إلا صوتك

حين تدق نواقيس الآحاد

لا أتذكر إلا عطرك

حين أنام على ورق الأعشاب

لا أتذكر إلا وجهك..

حين يهرهر فوق ثيابي الثلج

وأسمع طقطقة الأحطاب[٢]


وفي هذه المقاطع الثلاث نجد أنّ الشاعر يستمر بطمأنتها، فهو حريص كما نرى على إرضائها، فيؤكد على أنّ حبه لها سيستمر، ويصفه بنهر قويٍ جارٍ، فهو لن يتخلى عنها، ويؤكد لها أنّ أيّ شيءٍ يلمع غير عينيها لا يهتم له، فلمعة عينيها طغت على كلِّ لمعة، أمّا صوتها فهو الصوت الوحيد الذي يذكر الشاعر وكذلك رائحتها، فالشاعر يستغرق في التفاصيل، ويؤكد تعلقه بكل تفاصيلها، فهو قد بلغ درجة عُليا في الحب والعشق، إذ تجاوز عشق الكل إلى الأجزاء.


تحليل المقاطع (الثامن - الحادي عشر)

8

ما يفرحني يا سيدتي

أن أتكوم كالعصفور الخائف

بين بساتين الأهداب

9

ما يبهرني يا سيدتي

أن تهديني قلماً من أقلام الحبر

أعانقه

وأنام سعيداً كالأولاد

10

يا سيدتي:

ما أسعدني في منفاي

أقطر ماء الشعر

وأشرب من خمر الرهبان

ما أقواني..

حين أكون صديقاً

للحرية.. والإنسان

11

يا سيدتي:

كم أتمنى لو أحببتك في عصر التنوير

وفي عصر التصوير

وفي عصر الرواد

كم أتمنى لو قابلتك يومًا

في فلورنسا.

أو قرطبةٍ.

أو في الكوفة

أو في حلبٍ.

أو في بيتٍ من حارات الشام[٢]


أمّا في هذه المقاطع ينتقل الشاعر إلى تصوير علاقتها مع هذه المرأة، فهي علاقة حارّة، إذ أصبح الشاعر فيها طفلاً بسيطًا؛ وذلك لشعوره بالدفء والأمن بجانبها، فهو يصف نفسه أمامها بالعصفور، ولعل ذلك ليثير في نفسها مشاعر الألفة والأمن.


ومن ثمّ نراه يتمنى الحصول على قلم حبر منها؛ ليفرح كالطفل، ولعل تمني الشاعر لهذه الأمنية ليستمر في كتابة الشعر لها، ونراه أيضًا يطلب أن يكون هذا القلم حبرًا، فهو يريد كتابة شعر لا يُمحى، وكذلك علاقته معها لا يريد لها أن تنتهي.


ونجد أنّ الشاعر يعمق سعادته في هذا الحب، فهو سوف يكون سعيدًا معها حتى لو نُفي، فهو سيظل يكتب الشعر فيها، ويشرب من خمر معتق، حتى تستمر أشعاره الدافئة، ورغبته الجامحة في الكتابة لها، ونراه لا يربط حبها بمكان، فهو يرى أنّ حبه لهذه المرأة لا يقيده فضاء مكاني ولا زماني.


تحليل المقاطع (الثاني عشر- الخامس عشر)

12

يا سيدتي:

كم أتمنى لو سافرنا

نحو بلادٍ يحكمها الغيتار

حيث الحب بلا أسوار

والكلمات بلا أسوار

والأحلام بلا أسوار

13

يا سيدتي:

لا تنشغلي بالمستقبل، يا سيدتي

سوف يظل حنيني أقوى مما كان

وأعنف مما كان

أنت امرأةٌ لا تتكرر.. في تاريخ الورد

وفي تاريخ الشعر

وفي ذاكرة الزنبق والريحان

14

يا سيدة العالم

لا يشغلني إلا حبك في آتي الأيام

أنت امرأتي الأولى.

أمي الأولى

رحمي الأول

شغفي الأول

شبقي الأول

طوق نجاتي في زمن الطوفان

15

يا سيدتي:

يا سيدة الشعر الأولى

هاتي يدك اليمنى كي أتخبأ فيها..

هاتي يدك اليسرى..

كي أستوطن فيها..

قولي أي عبارة حبٍ

حتى تبتدئ الأعياد[٢]


في هذه المقاطع الأخيرة نجد أنّ الشاعر يتمنى الطلاقة وحريةً مع هذه المرأة، ونراه ويتمنى إيجاد فضاء مكاني يسافران معًا إليه لا يكون لحبهما فيه حدود، ونراه يلحُّ عليها بعدم انشغالها بالزمن، والتفكير بالمستقبل، فهو يطالبها أن تعيش الحاضر بسعادته، ولا تهتم بالمستقبل فهو بعيد، فالشاعر يعلن لها أنّه لا يهتم بشيءٍ سواها، فهي في نظره سيدة العالم، فقد تجاوزت سيادتها الشاعر إلى ما هو أبعد، فهي عنده كل شيء.

المراجع

  1. أحمد حيدوش، شعرية المرأة وأنوثة القصيدة قراءة في شعر نزار قباني، صفحة 87. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح "حب بلا حدود"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2022.
7261 مشاهدة
للأعلى للسفل
×