تحليل قصيدة موكب الخليفة

كتابة:
تحليل قصيدة موكب الخليفة

البحتري

هو الشّاعر الوليد بن عبيد الله بن يحيى الطائيّ[١]، ولد سنة 820 م وتوفي سنة 897م في منبج، لقب بالبحتري وقد قيل في سبب ذلك أنه نسب إلى بحتر من فروع قبيلة طي، إلا أن ذلك غير صحيح، فقد لقب بالبحتري نظرًا لقصر قامته، فالبحتري من "بحتر أيْ القصير المجتمِع الخُلُق" [٢]، اعتمد على شاعريته في بناء مجده، إذ تقرب به من الخلفاء وكبار الدولة فمدحهم، ولعلّ أجملَ ما قاله في المدح قصيدة موكب الخليفة التي ضمّت في فحواها موضوعاتٍ شعريّةً مختلفة من نسيب ووصف ومدح.

شعرية البحتري

كان البحتري صاحب موهبة شعريّة منذ نعومة أظفاره، ولم تأب عليه نفسه الشاعرة أن يرتحل ليقيّم شعره ويقوّمه، إذ "انتقل إلى حمص ليعرض شعره على أبي تمّام الذي وجهه وأرشده لما فيه صلاح شعره"، وقد عظمت شاعريته وذاع صيته حتى أنّه أصبح ثالث روّاد الشعر العباسي في عصره الثاني: أبي تمّام والمتنبي والبحتري[٣]، وقد امتدح كبار الشعراء والنحويون والنقاد شاعريته ومنهم:

  • الثعالبي: قال في كتابه برد الأكباد: استظهاري على البلاغة بثلاثة: القرآن وكلام الجاحظ وشعر البحتريّ.[٤]
  • المتنبي: قال أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتريّ.[٤]
  • أبو الفرج: قال أنه حسن المذهب نقي الكلام مطبوع وكان مشايخنا يختمون به الشعراء.[١]

تحليل قصيدة موكب الخليفة

يسير البحتري في قصيدته موكب الخليفة على نهج القصيدة العربية ذات الموضوعات المتعددة والمقدمة الغزلية للفت الأسماع وإثارة الأنباه، فيلزم نفسه فيها بذكر مقدمة غزلية يستهل بها ويمهد من خلالها لمدح الخليفة المتوكل، فيقول:[٥]

أُخْفي هَوًى لكِ في الضّلوعِ، وأُظهِرُ

وأُلامُ في كَمَدٍ عَلَيْكِ، وأُعْذَرُ

هَلْ دَينُ عَلْوَةَ يُستَطَاعُ، فيُقتَضى

أوْ ظُلْمُ عَلْوَةَ يَستَفيقُ فَيُقْصَرُ

ويبرز اسم علوة في الأبيات الأولى من قصيدة موكب الخليفة، وقد قيل إنّها حبيبة الشاعر عرفها في حلب وظل يحنّ إليها بعد فراقها، إلا أن هذه الحكاية غير مؤكّدة، لا سيّما أنه يتغنّى بليلى في مواضع أخرى من شعره، فهل ليلى حبيبته الثانية؟ لقد استعان البحتري في بُنية قصيدته بأسماء فتيات ووظفها في شعره كرموز استهلالية تجذب الأنباه، وتعينه على دعم الدلالات العميقة، فالبحتري لم يكن شاعرًا سطحيًّا ليزرعَ في نصّه الشعريّ شِقاقًا دلاليًا فيجمع بين حبيبته والخليفة في آنٍ معًا، وهو في قوله:[٥]

بَيْضَاءُ، يُعطيكَ القَضِيبَ قَوَامُهَا

وَيُرِيكَ عَينَيها الغَزَالُ الأحْوَرُ

تَمشِي فَتَحكُمُ في القُلُوبِ بِدَلّها

وَتَمِيسُ في ظِلّ الشّبابِ فَتَخطُرُ

يعكسُ ظاهر النص وصفًا للمحبوبة الجميلة، إلّا أن باطن النص يبدي غير ذلك؛ إذ لا يستحسن من شاعر كالبحتري ذي الشعر البليغ أن يفصل في وصف محبوبته وهو مقبل على مدح الخليفة، وإن الممعن في النص ليستشف صورة الخليفة من وراء هذا الوصف، لا سيما في قوله "تمشي فتحكم في القلوب"، حيث استحكم حبه في قلوب الناس و وجبت له الطاعة حبًا، بقوله:[٥]

ألله مَكّنَ، للخَليفَةِ جَعْفَرٍ

مِلْكاً يُحَسّنُهُ الخَليفَةُ جَعفَرُ

فالبحتري هذه المرة يذكر اسم الخليفة مشيرًا إلى الكرامة التي امتاز بها فهو مختار من الله واختياره كان في حد ذاته نعمة أصابت أهل الدولة العباسية، لذلك فهو يدعو الله له، ويقول:[٥]

فَاسْلَمْ، أميرَ المُؤمِنِينَ، وَلاَ تَزَلْ

تُعْطَى الزّيادَةَ في البَقَاءِ وَتُشكَرُ

يتمنّى البحتري للخليفة السّلامة ويدعو الله له، ليظلّ كريمًا جَوادًا ينتفع بكرمه من هم دونه، ولعل حس التكسب يبدو جليًا واضحًا في هذا البيت فكأنه يسأله أن يغدق له في العطاء ويكرمه لدعائه له ومدحه، ويقول:[٥]

بِالبِرّ صُمْتَ، وأنتَ أفضَلُ صائِمٌ

وَبسُنّةِ الله الرّضِيّةِ تُفْطِرُ

فَانْعَمْ بِيَوْمِ الفطْرِ عَيْناً، إنّهُ

يَوْمٌ أغَرُّ مِنَ الزّمَانِ مُشَهَّرُ

وفي هذا الموضع من قصيدة موكب الخليفة، يبرز السبب الأساسيّ الذي دعا البحتري لكتابة هذه القصيدة، إنه حلول يوم الفطر، لذلك فقد وجب على البحتري أن يطل على الخليفة مهنئًا له بحلول هذا العيد السعيد حيث بدا في إطلالة مميزة في موكبه العظيم، كما في قوله:[٥]

فالخَيْلُ تَصْهَلُ، والفَوَارِسُ تدَّعي،

والبِيضُ تَلمَعُ، والأسِنّةُ تَزْهَرُ

ذَكَرُوا بطَلْعَتِكَ النّبيَّ ، فهَلّلُوا

لَمّا طَلعتَ من الصّفوفِ،وَكَبّرُوا

يفصل البحتري في الوصف في قصيدة موكب الخليفة فيتتبع خطّ سير الخليفة من مطلعه حتى بلغ المصلّى، وقد كسا وصفه الموكب وقارًا، وأضفى على الخليفة ثوبَ العزّة، فهو يلتزم بأداء العبادات دون أن يشغله الحكم عنها، ولعله في هذه الأبيات يظهر بعضًا من عادات الناس في العصر العباسي عند استقبالهم الخليفة والاحتفاء به، فهم مسرورون برؤيته وقد تعالت أصواتهم بذكر الله تعالى والصلاة على نبيه، ويقول:[٥]

ومَشَيتَ مِشيَةَ خاشعٍ مُتَوَاضِعٍ

لله لا يُزْهَى، وَلا يَتَكَبّرُ

يرتكز البحتري في وصفِه للخليفة على الصفات الخلقية والدينية فيصوّره مترجّلًا من موكبه، متوجهًا للمصلى، وقد أحاطت به هالة من التقوى، ويقول:[٥]

أُيّدْتَ مِنْ فَصْلِ الخِطَابِ بِخطبةٍ

تُنبي عَنِ الحَقّ المُبينِ وَتُخْبِرُ

صَلَّوْا وَرَاءَكَ، آخِذِينَ بعِصْمَةٍ

مِنْ رَبّهِمْ وَبِذِمّةٍ لا تُخْفَرُ

لقد بدا الخليفة قائدًا مثاليًا للناس يعلمهم شؤون دينهم كما يسوسُهم بعقلٍ وقلب، فقد عمَدَ البحتري لتتبّع خطوات الخليفة في المصلّى، إذ خطب بالناس وصلّى بهم وشاركهم كذلك سرورهم في عيد الفطر، وبدا حسه الشعري فيها دينيًّا موائمًا للمناسبة التي قيلت فيها قصيدة موكب الخليفة.

المراجع

  1. ^ أ ب عقيل الطيب عبد الرحمن محمد (2006)، أثر الإسلام في شعر البحتري (الطبعة الأولى)، السودان: جامعة أمدرمان الإسلامية، صفحة 20. بتصرّف.
  2. مجمع اللغة العربية (2004)، المعجم الوسيط (الطبعة الرابعة )، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، صفحة 39.
  3. المعرفة، "البحتري"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 23-07-2019.
  4. ^ أ ب البحتري، ديوان البحتري (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 5، جزء 1.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "أخفي هوى لك في الضلوع وأظهر"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019.
36759 مشاهدة
للأعلى للسفل
×