تعبير عن أثر التسامح على الفرد والمجتمع

كتابة:
تعبير عن أثر التسامح على الفرد والمجتمع


التسامح أساس الوحدة الاجتماعية

إن المجتمع بلا أخلاق كالشجرة بلا أوراق، ما أعظم المجتمعات التي ينعم أفرادها بأخلاق كريمة وقيم نبيلة ومبادئ سامية راسخة لا يتراجعون عنها، وأبشر بها من مجتمعات وأفراد ترقى أعلى القمم بأخلاقها، كثيرة هي الأخلاق التي لا بد أن يتحلى بها الأفراد في كل مجتمع حتى ينهضوا بمجتمعهم ويحافظوا على مكانته وقوته وثباته وتطوره، ومن هذه الأخلاق -ولعلها تكون الأهم- هي التسامح، وقد اعتُبرت الأهم لأنّ التسامح يؤدي بالضرورة إلى كثير من الأخلاق الفاضلة الأخرى التي سيتحلى بها الأفراد بناء عليه، مثل فعل الخير والتعاون والمودة والرحمة وغيرها من القيم والمبادئ العظيمة.


أهم ما في أمر التسامح والعفو عن الآخرين ونسيان أخطائهم وتجاوز عثراتهم وزلاتهم أنه يؤدي إلى الوحدة الاجتماعية، فيصبح المجتمع بأفراده كالبنيان المرصوص، وكالطود العظيم لا يمكن لأي قوة اختراقه أو الاعتداء عليه وعلى قيمة ومبادئه أو التلاعب بأخلاقه وثوابته، وكلما ازدادت الوحدة كلما صار للمجتمع وللأمة قوة وصلابة تخيف الأعداء وتلقي الذعر في قلوبهم، فلا يتجرؤون حتى على التفكير بمحاولة الاعتداء على المجتمع القوي أو التلاعب بأخلاقه واختراقها، فما أعظم التسامح وهو يعزز أواصر الوحدة وروابطها بين أفراد المجتمع.


العفو عن الإساءة فعل لا يتطلب من الإنسان إلا أن يلتمس العذر لأخيه أو صديقه أو قريبه، ويحاول أن ينسى هذا الأذى، ويرى جانبًا خيّرًا جميلًا يسلط الضوء عليه وينسيه ما تعرض له، وعندها سيكون التسامح والعفو نابعَين من القلب صادقين بكل تفاصيلهما فتتقارب القلوب وتتصافى النفوس، وتعطي الآخرين درسًا في أهمية التسامح ودوره في تمتين الأواصر والعلاقات، إضافة إلى أن الإنسان المسيء سيعيد حساباته وطريقة تعامله مع الآخرين، وبذلك يكون التسامح قد أسهم في تعديل سلوك بعض الأشخاص ولفت انتباههم إلى ضرورة حسن التعامل مع الآخرين، فإنها قيمة عظيمة يحملها التسامح في طيّاته، ولا يمكن اختصارها فقط بكلمة "سامحتك" بل على العكس لا بد زرع بذور قيمة هذه الكلمة في العقول والنفوس حتى تصبح شرعة ومنهاجًا.


التسامح علاج الكراهية

عندما يسيء الإنسان لأخيه أو صديقه ويرفض الآخر المسامحة والعفو ويستمر الخلاف بينهما أمدًا بعيدًا، فهذا يؤدي لا محالة إلى ازدياد الكره وتراكم الضغائن والبغضاء في القلوب، أما إذا كان التسامح هو سيد الموقف وعفا الإنسان عن المسيء وغفر له إساءته، فإن هذا الموقف سيصبح طي النسيان، لا يتذكره ولا يسترجعه، وتُزال الكراهية والبغضاء، ويحل مكانها الود والصفاء والنقاء، وتزدهر العلاقات الاجتماعية وتثمر بما فيها من صدق وتسامح وقلوب صافية لا تعرف الحقد والكره والمشاحنة.


كلما ابتعد الإنسان عن التسامح كلما ازدادت البغضاء في قلبه، وهذا يؤدي إلى قسوة القلب وجفائه لمن حوله، ويصير الإنسان في نهاية المطاف وحيدًا لا أصحاب له أو معارف ومحيط اجتماعي يعيش معه، وما هذا إلا لأنه آثر الحقد والرفض على التسامح والتصافي ونسيان الأذى، وإن هذا لأمر صعب يضني القلب ويتعب الروح، بينما يعمل التسامح عملًا معاكسًا تمامًا، فهو ليس فقط علاجًا للكراهية، إنما هو مشجع ومحفز للحب والصفاء والتعامل بإيجابية وبنيّة طيبة مع الآخرين، وعدم تأويل كل تصرفاتهم وأقوالهم وأفعالهم على أنها تريد الأذية والإساءة، بل لا بد من إحسان الظن بالآخرين.


كلما أُلغيت الكراهية علا التسامح وشمخ في سماء الأمم، وصار هو أساس علاقاتها، والتغت تبعات الكراهية من قطيعة رحم وفراق أصدقاء وأحبّة، وقد تصل أحيانًا إلى أحقاد تورث الجرائم والقتل والأذى، فما أعظم كلمة التسامح وهي تسود المجتمعات وتنشر الطمأنينة والراحة والأمن والأمان والاستقرار في الحياة، فينام الإنسان ملء عينيه هانئًا مطمئنًا بقلب صافٍ نقي لا يحمل مثقال ذرة من حقد أو كره أو غل لأحد أصدقائه أو أهله أو معارفه، بل ينام وهو يقول: سامح الله كل من أذاني أو ظلمني أو أساء إليّ، وهذا أعظم التسامح، عندما يعفو الإنسان عمّن يعرفه ومن لا يعرفه.


كثيرًا ما يُقال العفو عند المقدرة، وهذا يعني أن العفو والتسامح يحتاجان قوة في الشخصية وثباتًا في الرأي والمبدأ، فهنيئًا لمن استطاع إلى التسامح سبيلًا فلم يقصّر ولم يتوانَ، بل أسرع إليه فرحًا بهذا الخير العظيم الذي أكرمه الله به من حيث لا يحتسب.


التسامح مبدأ أخلاقي يعزز التعايش

إن كلمة التسامح لا تتوقف عند دورها في إزالة الضغائن والأحقاد، بل إنها تتجاوز ذلك لتصير مبدأ أخلاقيًا يعزز التعايش، والتعايش هو تقبل الآخرين والاعترف بأهمية الاختلاف، فلا يمكن أن يكون كل الناس متشابهين في صفاتهم وأخلاقهم ونمط حياتهم، وإلا لما تطورت المجتمعات ولما ارتقت، وعليه فإنّ التسامح هو الذي يُعزّز ثقافة الاختلاف ودورها في بناء المجتمعات وتطوير ثقافات الأفراد وأخلاقهم وأنماط تفكيرهم وحتى سلوكهم مع من يحيطون بهم، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، ولا يؤدي إلى الحقد والبغضاء، إذا ما كان التسامح هو سيد الموقف.


لكل بيئة في المجتمع نفسه ثقافة وعادات تختلف عن غيرها، وإذا ما كان كل إنسان مقدِّرًا لهذا الأمر ومتعايشًا معه فإن هذا سيجعله يتسامح مع أي تصرف أو موقف من بيئة أخرى وهو في بيئته وتربيته تصرف غير لا ئق أو غير مناسب، وما ذلك إلا لأنه واعٍ ومتفهّم لأهمية احترام البيئة والثقافات المتنوعة والمختلفة، فليس بالضرورة أن يكون التسامح والعفو عن الإساءة والأذى المتعمد، بل من المهم أن يعزز المجتمع في أفراده ثقافة التسامح عن الأذى غير المتعمد، ولعله هو الأعظم والأهم والأكثر ضرورة لتطور المجتمعات وتعايشها مع بعضها.


إنّ التعايش الذي يعززه التسامح والعفو ما هو إلا مفتاح لتمتين أواصر الترابط بين أبناء المجتمع، فتصير قوتهم أعظم وعقولهم منفتحة على الآخر ومتقبلة له، وبالتالي فهي قادرة على استقبال أي جديد يأتي من مجتمعات أخرى، ومحاكمته بعقل ومنطق، والتفكير به بعيدًا عن الكره والأحقاد، إنّما بالتسامح والعقل والمنطق، وهذا له دور كبير في تغيير نمط التفكير عند الناس جميعًا، فما أعظمها من قيمة إسلامية دعا إليها الدين الإسلامي وحث عليها في كثير من المواضع.


إنّ هذا المبدأ الأخلاقي العظيم وهو التسامح لا يقل شأنه أو أهميته عن أي خُلُق اجتماعي آخر، بل هو من الأهمية بمكان أنه ينشر جوًا من الألفة والمودة، ومما يجدر ذكره أن تعليم هذا الخلق لا يكون بالكتب أو النظريات بقدر ما هو تعليم بالقدوة الحسنة الصالحة والمطبِقَة لهذا الخلق في حياتها وعلاقاتها.


التسامح سمة الأنقياء

كثيرة هي الصفات التي يمكن أن يتصف بها الإنسان، وعديدة هي الأخلاق التي يمكن أن يتحلى بها كل إنسان، وكلما ازدادت الأخلاق والصفات الحميدة في الإنسان كلما علا قدره ومكانته واحترامه بين الناس، وما أجمل أن يكون التسامح هو الذي يزيّن هذه الأخلاق ويقف إلى جانبها جاعلًا حياة الإنسان أكثر صفاء ونقاء وراحة وحبًا وودًا واحترامًا لمن حوله، فيمكن القول إن التسامح هو سمة الأنقياء، نعم أولئك الأنقياء الذين يحافظون على قلوبهم صفحة بيضاء لا مكان فيها لكره أو حقد، تتجافى أعينهم عن أي خطأ ويعذرون كل مسيء.


قد يظن البعض أن الإنسان يستطيع أن يسامح مرات عدة ثم لا يملك أن يصبر أكثر على الإساءة فيغضب ويسيء لمن كرر الإساءة ويكرهه ويقاطعه، إلا أن القوة الحقيقة والشجاعة تكمن هنا، عندما يكون الإنسان المتسامح قادرًا على الحفاظ على هذا الخلق الفاضل والتحلي به دائمًا، أي أن يجعله مبدأ ثابتًا في حياته لا يحيد عنه، ولو كان كل من حوله بعكسه، فهو يعلم أنه وإن كان يسير بعكس كل الناس إلا أنه يسير في الطريق الصحيح، ولا بدّ أن يعود كل مخطئ إلى هذا الطريق مهما طال عليه الأمد، فليست البطولة أن تُسامح مرة، إن البطولة أن تُسامح دائمًا.


عندما يصل الإنسان إلى هذه المرتبة من التسامح والعفو، عندها فقط سيكون من الأنقياء حقيقة، سيكون قلبه خاليًا من أي صفة سلبية أو شعور سيئ تجاه أي أحد، بل سيكون قلبه ساطعًا بالحب والود والرحمة والتسامح والعطف والتماس الأعذار وحب الخير والمساعدة، وسيكون خير قدوة للآخرين ينشر الخير والكلمة الطيبة في كل مكان يحل فيه، وهذا هو التسامح الحقيقي الصادق.


إنّ التسامح قيمة نبيلة وخلق عظيم نادى به الدين الإسلامي وحث عليه القرآن الكريم في كثير من آياته وقصصه، وما ذلك إلا لما له من دور جليل في المجتمعات وتعزيز أواصرها وزيادة صلابتها، فحبذا مجتمع يزينه التسامح ويعلو فوق قممه شامخًا متفاخرًا.


لقراءة المزيد، انظر هنا: تعبير حول التسامح.

4968 مشاهدة
للأعلى للسفل
×