تعبير عن إكرام الضيف

كتابة:
تعبير عن إكرام الضيف

كيف أكرم ضيوفي؟

الضيف هو المرء الذي يقصد بابًا يبتغي منه إكرامًا حتى يقضي حاجته، وكما كان يُقال قديمًا: الضيف هو ضيف الله، أي: يتوجب على الإنسان أن يكرمه كرمًا عظيمًا فلا يجد عنده وحشة ولا يُقاسي معه غربة، فيكون وإيّاه كالرجل الواحد الذي لو اشتكى أحدهما أمرًا تداعى له الآخر بالسهر والحمى، ولكن كيف للإنسان أن يكرم ضيفه، وما هي مظاهر إكرام الضيف؟ إن أول طريقة لإكرام الضيف هي الابتسامة في وجهه وأن يكون الإنسان معه بشوشًا فلا يلمس منه خشونة ولا فظاظة ولا ينزعج من تصرفاته مهما كانت، فالضيف ضيف الله ويجدر بالإنسان أن يكون كريمًا معه حتى بالطباع، فلا يعبس في وجهه ولا يُريه منه إلا ما يحب.


أمّا المظهر الثاني من مظاهر إكرام الضيف فيكون من خلال تقديم أجود ما يمتلكه من الطعام والشراب، فلا يُقدم له خلًا وهو يمتلك لحمًا ولا يُقدم له ماء وهو يملك الفاكهة، أما لو كان فقيرًا لا يملك من أمره شيئًا فإنّ خير الطعام ما كان حاضرًا بين يديه، وخير شاهد على ذلك لما قام أحد الرجال الفقراء بدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طعام وقدم له خلًا مدح -عليه الصلاة والسلام- الخل، ولما فعل ذلك رجلٌ غني ذم -عليه الصلاة والسلام- الخل، فكانت العبرة بحال الضيف لا بحال الطعام، لذلك يجدر بالمضيف أن يقدم من الزاد أحسنه حتى يكون ممن يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.


الضيف لا ينتظر من مضيفه الطعام والوجه البشوش فقط؛ إذ لا بد من إيناسه بالكلام الحسن اللطيف، فلما كانت الأسفار طويلة في قديم الزمان وكان الطريق يطول بسبب بداءة وسيلة النقل كان يحتاج الرجل أنيسًا في طريقه، فكان يقول الرجل منهم للآخر أتحملني أم أحملك، وليس معنى ذلك هو الحمل على وجه الحقيقة بل المراد من الحمل هو الكلام اللطيف الذي يجب على أحدهما أن يبتدئ به.


ما العلاقة بين إكرام الضيف والتكافل الاجتماعي؟

إنّ الضيف لما يجد وجهًا بشوشًا يستقبله ولسانًا رطبًا يؤنسه تكبر في نفسه قيمة الرجل الذي استضافه، حتى إنّه لو طلب منه ما يعظم من الأمور لما رده خائبًا وذاك يكون من أبرز الروابط ما بين علاقة إكرام الضيف وتكافل أبناء المجتمع، عدا عن أن الهدايا تترك في النفس أثرًا طيبًا تجاه المهدي وليس أعظم هدية للإنسان من أن يكرمه آخر نفسيًا وجسديًا، عدا عن السمعة الحسنة التي يكسبها المضيف في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإن الناس تستبشر به وبوجوده وأما في الآخرة فيكسب الثواب العظيم من رب العالمين جزاء فعله لذلك العمل الصالح.


إنّ من أبرز نتائج إكرام الضيف كسب قلوب الناس، فالقلب مضغة خفيفة لطيفة يستطيع الإنسان كسبها ابتداء بالكلمة الطيبة وانتهاء بإقراء الضيف بمختلف مظاهر إكرام الضيف، عدا عن المكانة الاجتماعية التي يحظى بها الرجل الكريم فكل الناس تسعى إلى مجلسه حتى يعرف بأبي الكرم، ويستطيع أن يصلح دائمًا بين الناس فلا يردون له كلامًا ولا يتمرد أحد على أمره، أما الرجل البخيل فدائمًا ما ينفر الناس منه ومن مجلسه؛ إذ إنّ البخل صفة تعافها الناس وتمقتها الفطرة السليمة، ولا يخفى على أحد توثيق الجاحظ لحالات البخل حتى جمعها في كتاب البخلاء لبكون طرفة وعبرة للناس، لذلك لا بد للنفس السوية أن تترفع عن ذلك الطبع المقيت.


إنّ الرجل الذي يسعى إلى إرضاء ضيوفه بما يستطيعه من الإمكانيات يكسب احترام جميع الناس من حوله، وقد تتداخل المفاهيم عند بعض الناس؛ فيظنون الإسراف كرمًا والتبذير زيادة فضل في إكرام المرء لأخيه، ولكن ذلك هو عين الخطأ وصلبه؛ لأنّ الإسلام فرق تفريقًا عظيمًا ما بين المفهومين، فقد كره التبذير وذمه في القرآن الكريم حتى كانوا إخوانًا للشياطين، لذلك لا بد للمضيف من أن يضع طعامًا يكفي من يستضيفهم من الناس ولا يكثر من الطعام حتى يكون مصيره القمامة، وإن أحب الموائد هي التي يدعى لها الفقراء مثل الأغنياء؛ أي لا تختص الدعوة برؤوس القوم ويُترك ضعيفهم لأن لا مال له، فيكون كمن بذل ماله في البحر لا هو استفاد منه ولا زاد البحر غنى على غناه.


كيف كان إكرام الضيف عند العرب؟

إنّ لفظة الكرم مرتبطة دائمًا بالعرب، فلما يريد المرء تعداد الصفات العربية فإن على رأسها يأتي الكرم فيُقال: إنّ العربيّ صاحب الكرم العظيم، وأشهر من التصقت صفة الكرم به هو حاتم الطائي فلما يريد الإنسان أن يصف كرم أحد فيقال هو مثل حاتم الطائي، فكان إكرام الضيف عند العرب هو عادة لا بد من المحافظة عليها ومن يأتي بغيرها فإنّ ذلك سكون مذلة له ومهانة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكثيرًا ما تبارى الشعراء يين بعضهم بالكرم والجود والسخاء وعدم ادخار المال، حتى إنّ أكثر ما يعيب الرجل بخله ولو التصقت تلك السمعة بأحد من الرجال فإنه ينبذ كما ينبذ الأجرب من الناس فلا يزوجه الناس ولا يتزوجون من عنده ولا يأتيه ضيف ولا يحترمه أيّ أحد بسبب ضعفه أمام ماله.


كان حاتم الطائي كريمًا جدًا حتى إن قصص كرمه ليتداولها الناس بين بعضهم البعض كأنها نوع من الأساطير، يُذكر أنّ امرأة كانت قد قدمت إليه وقد ضاقت عليها الأرض بما رحبت والدنيا قفر فلا ماء ولا مطر ولا طعام ولا شراب، حتى إن الأمهات كن يتحايلن على الأطفال الصغار ليناموا من كثرة الجوع، فأتت امرأة تسأل الطائي طعامًا لأولادها فقال لها ادخلي وائتي بهم، فتعجبت امرأته فقالت له كيف تطعمهم وأطفالك قد ناموا من الجوع، فقال والله لأشبعهم، فعزم إلى فرسه فذبحها وأكلوا جميعًا من لحمها، وذلك غيض من فيض، إذ يعيب العربي أن يرجع أحد جائع من باب بيته.


إنّ قيمة إكرام الضيف عند العرب عظيمة جدًا؛ إذ لما يكرم الرجل ضيفه فإنه لا يكرم الضيف فقط بل هو يكرم نفسه ويكرم عائلته وأصله وحسبه ونسبه، وقد صدق الشاعر حاتم الطائي في قوله:[١]

كَريمٌ لا أَبيتُ اللَيلَ جادٍ

أُعَدِّدُ بِالأَنامِلِ ما رُزيتُ

إِذا ما بِتُّ أَختِلُ عِرسَ جاري

لِيُخفِيَني الظَلامُ فَلا خَفيتُ

أَأَفضَحُ جارَتي وَأَخونُ جاري

مَعاذَ اللَهِ أَفعَلُ ما حَيِيتُ

حتى إنّ الرجل ليظلم نفسه في سبيل إقراء الضيف ولا منة له عليه، وليس ذلك من عادات الجاهلية بل الكرم هو عادة من العادات التي بقيت حتى هذه اللحظة يتفاوت الناس فيها حسب إيمانهم كما الإيمان في كل شيء.


تحدث عن حق الضيف في الإسلام

إن الضيف له حق عظيم في الشريعة الإسلامية وربما تساءل أحد عمّن أوّل نبيّ أكرم الضيف؟ والقرآن الكريم وهو سيد الكتب جميعها لم يترك سؤالًا بلا إجابة، وقد وردت إجابة ذلك في سورة الذاريات في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}[٢]، فكان أول نبي يكرم الضيف هو إبراهيم عليه السلام، وممّا بجدر الوقوف عليه في هذه القصة العظيمة أن إبراهيم عليه السلام لم يسأل الضيف من أنت ولم يسأله عن حاجته، بل أكرمه بالطعام قبل أي شيء ثم علم أنهم ملائكة لما لم يأكلوا من طعامه.


حضّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته على إكرام الضيف، وقد أخبر في غير موضع أن من كان يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر فعليه أن يكوم ضيفه، وبذلك يكون من بخل عن إكرام الضيف قد أصابه نقص في إيمانه حتى لم يعمل بما أمره به سيد الخلق والعالمين -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجهل إنسان فضل إكرام الضيف من حيث نشر المحبة بين الناس والتعاون بين أبناء المجتمع، وغير ذلك ممّا يحسن بالمسلم أن يتصف فيه من الصفات.


إنّ إكرام الضيف صفة حسنة والإسلام هو دين رحيم يحض على نشر الخير بين الناس، وليس هناك خير أعظم من أن يكفل الرجل أخاه حتى يظن الأخير أنه من روحه ودمه، فيكبر بذلك المجتمع ويتماسك وتتحقق الصفات الأخلاقية الحسنة التي حض عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي لا بدّ على كل إنسان الالتزام بها من أجل الوصول إلى قمم الدنيا والآخرة.


لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن مظاهر إكرام الضيف.

المراجع

  1. "كريم لا أبيت الليل جاد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2021.
  2. سورة الذاريات، آية:24-27
4211 مشاهدة
للأعلى للسفل
×