مفهوم الأخلاق
الأخلاق في اللغة جمع لكلمة خلق، والخُلق هو الطبع والسجيّة والدين، وهو الصورة الباطنة للإنسان التي تعكس داخله وتُظهر معدنه وجوهره الحقيقي من دون تزييف أو تنميق، وفي الاصطلاح الأخلاق هي: مجموعة من الصفات النفسية التي يتصف بها الإنسان وتُوصف بالحُسن أو بالقُبح، فالأخلاق إذًا هي الصفات التي تسيطر على الإنسان حتى تكون جزءًا منه، فتصبح تصرّفاته تنبع عن مثل هذه الصفات المكنونة في أعماق نفسه، وكلّما ارتفعت الأخلاق وسمَت فإنّها ترتقي بصاحبها وترفعه إلى مكانة مرموقة بين الناس، وأعلى درجات الأخلاق يُقال لها الفضيلة، فهي أعلى درجات كمال الأخلاق التي يمكن للإنسان أن يصل إليها.
قد عرّف الجرجاني في كتابه "التعريفات" الأخلاق فقال: "عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقًا سيئًا"، ومن هنا يمكن القول إنّه ليس معنى أنّ الإنسان يمتلك أخلاقًا أنّه شخص جيّد وأنّ أخلاقه حسنة، ولكن قد تكون الأخلاق التي يمتلكها هذا الرجل سيّئة وغير قويمة، وهذا كلّه مردّه للتربية والتنشئة، وغير ذلك من الأمور التي تساعد على تنشئة الإنسان وفق صورة خاصة، سواء كانت هذه الصورة حسنة أم سيئة
أنواع الأخلاق
يُمكن تقسيم الأخلاق من حيث مصدرها إلى قسمين: أخلاق غريزية وأخلاق مكتسبة، فالأخلاق الغريزية هي الأخلاق التي قد جُبل عليها الإنسان من دون أن يكون له دور في اكتسابها، وهذه الأخلاق ثابتة كما في الحديث الصحيح أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد خاطب أحد الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال له: "إنَّ فيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللهُ الحِلْمُ والأناةُ. قال: يا رسولَ اللهِ! أنا أَتَخَلَّقُ بهما أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟ قال : بَلِ اللهُ جبلكَ عليهما، قال: الحمدُ للهِ الذي جَبَلَنِي على خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه".[١]
فإذًا ثبت في الحديث الصحيح أنّ الله تعالى قد يزرع في الإنسان أخلاقًا منذ ولادته وتبقى معه وتُصبح جزءًا منه تصدر عنها طبائعه وتصرفاته كما كان مع الصحابي الجليل، وقد تكون هذه الطباع مقبولة وقد تكون غير مقبولة، ومردّ ذلك إلى المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، وقد تكون هذه الطباع موروثة كابرًا عن كابر، وأمّا الأخلاق المُكتسبة فهي الأخلاق التي يكتسبها الإنسان من المجتمع المحيط سواء في المدرسة أم في المسجد أم في الجامعة أم في أماكن العمل، وقد يكون ذلك الاكتساب عفويًّا يكتسبه الإنسان من خلال الاحتكاك ببعض البشر فيأخذ عنهم بعض طباعهم.
قد يكون هذا الاكتساب مُرادًا مقصودًا يطمح إليه الإنسان بإرادة وعزم وقوّة، ودليل ذلك أنّ الإنسان قد يُمارس بعض الرياضات الجسدية أو النفسية لكي يحصل على خلقٍ ما، ومنه قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الشريف الذي يرويه الصحابيان الجليلان أبو هريرة وأبو الدرداء -رضي الله عنهما-: "إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ"،[٢] فقوله: "وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ"[٢] دليلٌ على أنّ الأخلاق يُمكن اكتسابها بالقصد إليها ولكن هذا لن يكون سهلًا، ولكن على الإنسان أن يمتلك الصبر لاكتساب تلك الأخلاق التي يطمح بأن تكون إحدى سجاياه التي ينطق عنها.
أمّا تقسيم الأخلاق من حيث الحُسن والقُبح فإنّها تنقسم قسمين: الأول يُقال له الأخلاق الحسنة، وهي مكارم الأخلاق أو الأخلاق الحميدة، وتعريف الأخلاق الحميدة هي أنّها تلك الأخلاق التي تسمو بالإنسان وترتفع به عن الدنايا، وهي الأخلاق الحسنة التي يحث عليها الدين والتي جاء الأنبياء يأمرون الناس بها، فما يأتي نبيّ إلّا وهو يتمّم ما كان من أمر الأخلاق في قومه، فيأمرهم بالأخلاق الحميدة الحسنة وينهاهم عن الأخلاق السيئة، وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ".[٣]
فقوله -عليه الصلاة والسلام- "إنّما" فيه حصر، فكأنّه يقول إنّه دعوته تكاد تنحصر في الأخلاق وتزكية النفوس، وهذا الجانب كان من أهمّ الجوانب التي عمل على زرعها الإسلام في قلوب المسلمين، فإذا ما انزرعت تلك الأخلاق الحميدة والسجايا الرفيعة في نفوس المسلمين فكلّ شيء بعدها سيكون هينًا، فعندما ثبت في نفوس المسلمين خُلق التضحية ووقر في قلوبهم حب الجهاد فإنّهم كانوا يُقدمون على الموت غير خائفين، ففتح الله -تعالى- لهم الدنيا بما فيها.
وأمّا الجانب الثاني من هذه الأخلاق فهي الأخلاق السيئة، وهي التي تصدر عنها الأفعال السيئة والرذائل، وهي تهبط بصاحبها وتجعل منه أمثولة على الإنسان السيئ الذي يتحاشاه الخَلْق، وإذا استملكت هذه الأخلاق على نفس المرء فإنّه يصبح إنسانًا قبيح الباطن لا يهتمّ للآخرين وقد يسبب لهم الأذيّة والمشكلات بشكل دائم، وللعلماء تقسيم ثالث للأخلاق من حيث هي أخلاق إسلامية، فالأخلاق الإسلامية تنقسم ثلاثة أقسام، الخُلق مع الله تعالى، والخُلق مع النفس، والخُلق مع الخَلق؛ أي: الناس.
الخُلق مع الله تعالى يُقصد به القواعد والأسس التي تحكم علاقة العبد مع ربه، وما يتفرع عنها من آداب وممارسات ظاهرًا وباطنًا، وأمّا الخُلق مع النفس فيُقصد به العلاقة بين العبد وبين نفسه وما يتصل بذلك من تزكية النفس وتربيتها وتهذيبها وما يتبع ذلك من سياسة ورياضة للنفس ونحوها، وأمّا الخُلق مع الخَلق فيُقصد به التعامل مع الناس والقواعد التي تضبط هذا التعامل، ومن ذلك معاملة الوالدين والجيران والأصدقاء وكذلك التعامل مع غير المسلمين ونحو ذلك.
كيفية اكتساب الأخلاق
إنّ الأخلاق -كما مرّ- يمكن لها أن تُكتسب بإصرار المرء عليها، وقد يتعرّض الإنسان لبعض التيارات التي يكون من شأنها تغييره تدريجيًّا من دون أن يشعر، ومن ذلك تدريب النفس ورياضتها لتعتاد أمرًا ما بعينه، وبذلك يصبح هذا الأمر من طباع الإنسان، مثلًا إذا أراد الإنسان أن يتأصّل فيه خلق الكرم فإنّ عليه أن يسير في هذا الطريق الذي يوصله إلى اكتساب الخُلق وجَعلِه عادة فيه، ولن يتحقّق ذلك من دون الإنفاق والسخاء فيه، فمتى أنفق الإنسان واعتاد على ذلك فإنّ إخراجه للمال لن يكون صعبًا لمساعدة المحتاجين، بينما الذي اعتاد عدم الإنفاق فإنّه مع الزمن سيتأصّل فيه خلق البخل.
أيضًا من الأمور التي تُعين على اكتساب الأخلاق الكريمة اتخاذ القرآن والسنة دستورًا والعمل بمقتضى توصياتهما، فمن ذلك الوقوف على تفصيلات القصص القرآني والنظر في الأخلاق السيئة التي كانت تحملها الأمم الأوائل ومحاولة اجتنابها، وأيضًا الوقوف على الوصايا النبوية الشريفة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومن الأمور التي تُعين على اكتساب الأخلاق كذلك مجالسة أهل الخلق الحسن، وقديمًا قالوا: "الصاحب جاذب"، بمعنى أنّه يجذب صاحبه تجاهه ويُكسبه أخلاقه من خلال الاحتكاك الكبير بينهما، فإمّا أن يجذبه نحو أخلاق الخير وإمّا نحو أخلاق الشر.
أيضًا ممّا يعين على اكتساب الأخلاق الحسنة اتخاذ الإنسان قدوة صالحة له، فيصبح تقليد هذه القدوة هو همّ الإنسان، وبذلك تصبح الأخلاق الحسنة من أصل طباع المرء، ولذلك كان الذي يتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- قدوة له نجده يتمتع بأخلاق عالية وله منزلة رفيعة بين مجتمعه.
ثمار الأخلاق
إنّ منزلة الأخلاق في الإسلام عالية رفيعة تجعل المرء أكثر اقترابًا من الله -تعالى- ومن رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا"،[٤] فمن ثمرات الأخلاق التقرّب من النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك من ثمرات الأخلاق أنّه بها يكمل إيمان العبد المسلم، ومن ثمراتها أنّ الإنسان ينال بها درجات تساوي درجات غيره من المجتهدين في عبادة الله تعالى، ومن ثمراتها كذلك التوفيق المستمر للإنسان في حياته بسبب سيره على درب مستقيم يؤدي إلى الله تعالى.
من ثمرات الأخلاق أيضًا دخول الجنة يوم القيامة؛ إذ إنّ الأخلاق الحسنة تجعل كفة المؤمن ترجح على كفة سيئاته ومساويه، وفي الحديث: "ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"[٥]، فعندما ينتصب الميزان وتأتي الأخلاق الحسنة تعين صاحبها فإنّ كفّة الحسنات ترجح وتطير كفة السيئات عاليًا، وأخيرًا مِن ثمرات الأخلاق أنّ صاحبها لا يعيش على هامش الحياة مثل كُثُر ممن يحيَون من دون مبادئ أو قيم أو أخلاق، فصاحب الأخلاق الحسنة يعيش في مجتمع يؤثّر فيه إيجابيًّا، ويكون له مكانة مرموقة.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن حسن الخلق.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن زارع بن عامر بن عبدالقيس العبدي، الصفحة أو الرقم:5225، حديث صحيح.
- ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2328، حديث حسن.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:18، الحديث رجاله رجال الصحيح غير محمد بن رزق الله الكلوذاني وهو ثقة.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2018، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:2003، حديث صحيح.