تعبير عن الجدة وحنانها وعطائها

كتابة:
تعبير عن الجدة وحنانها وعطائها

الجدة هي الأم الحنون

للجدة حنانٌ يُعادل حنان الأم لا بل أكثر، فهي تمتلك قلبًا يفيضُ حبًا وعطفًا ورقة، يُؤذيها مرض أحفادها ويُقلقها همومهم، وتسعى دومًا لرسم البهجة على وجوههم، فهم امتداد البنات والأولاد التي قضت عمرًا في تربيتهم وإسعادهم، حتى رأتهم رجالًا ونساءً يمتلكون مسؤوليات عظيمة في تربية الأبناء ورعاية مصالحهم.

أولئك الأبناء الذين أهدوها أحفادًا كانت لهم نبع من الحنان لا ينضب، وقلب من الحب لا يتعب، كم من جدّةٍ حرصت على احتضان أحفادها، فكانت لهم بديلًا رائعًا عن أُمٍ فُقدت وذَوَت في باطن الأرضِ بعدما اختارها القدر، ومدّت لهم يد الخير لينهلوا منها ما استطاعوا، وأهدتهم من الفرح ألوانًا.

الجدة جمعت بين العقل والحكمة والعاطفة

ما أروعكِ أيتّها الجدة، يا من تقطرين عقلًا وحكمةً وعاطفة، يا من لا نأتيك بالهم والقلق إلّا ونعود وكلنا أملٌ وتفاؤل، يا قبسًا من نورٍ يهدينا، يا من نستشيرك في أحلك الظروف، ونبكي بين يديكِ في أعتى الليالي نحبك رغمًا عن أنوفنا، فالحب في قلوبنا بعضٌ ممّا لديكِ، يا حكيمة الزمن الماضي وهذا الزمان.

جدّتي يا من تمتلكين عقلًا راجحًا لا يمتلكه كبار العقلاء، فقد اختبرت من الظروف والمواقف وعاصرتي من الأحداث ما يجعلُ منك نبعًا من المعرفة وبحرًا من العلم والثقافة، تستطيعين يا جدتي تثقيف جيلٍ كامل بلا علومٍ أو معارف، فأنتِ الإنسانة ذات العقل النيِّر الذي يُنير ظلمة الليالي.

جدتي الحكيمة تأتي إليها نساء الحي كافة اللواتي ينشُدن الشعور بالأمان والراحة والسكينة، ويجلسن إليها كل يوم يتجاذبون أطراف الحديث الذي يشوبه الضحك والمرح تارّة، والحزن والألمُ تارة أخرى، فيستعرضن أمام جدتي مشكلاتٍ يواجهنها في حياتهن سواء أكان مع الأزواج أم الأبناء.

تكثرُ المشاكل التي تُعاني منها النساء في حياتهن الزوجية، ومن الجميل أنهم يأتين إلى من تمتلك حكمةً ورأيًا سديدًا يُرشدهن إلى ما يُمكنهن فعله من أجل القضاء على تلك المشاكل، كما تزداد المشكلات التي يُعاني منها الأبناء والتي ترغب الأمهات في معرفة أفضل الطرق لتربيتهم، والجدة هي الموسوعة الأكبر التي تحوي كافة المعارف.

تقترح جدتي العديد منالطرق الصحيحة في تربية الأبناء، ما لا يمتلكه أفضل الأطباء النفسيين وخبراء التربية، وقد جاءت كل تلك الحكمة من واقع الخبرة والتجربة التي منحتها الحياة لجدتي، فقد ربّت أجيالًا من البنات والأولاد، وعاصرت فتراتٍ مختلفة ومراحل حياتية متعددة، وعرفت الصحيح والخاطئ، وما هو مقبول وما هو غير مقبول.

تمتلك جدّتي من العاطفة ما لا يمتلكه شخصٌ آخر، فهي قد تقسو أحيانًا ولكنّها تكون طيبةً سهلة المراس، لا تقوى على وضع الحزن في قلب أحدٍ من أحفادها، وقد تنبع تلك القسوة من حبِّ الأحفاد والرغبة في تجنيبهم الأخطاء التي قد يقترفونها خلال حياتهم، فالجدة العاقلة الحكيمة لا يرضيها غرق حفيدها في أمرٍ ما.

الجدة ملجأ من صفعات الحياة

لم أرَ في حياتي جدةً لا تحنو ولا تعطفُ على أحفادها، بل إنها الملجأ الذي يحمي ساكنيه من صفعات الحياة المؤلمة، والتي قد تؤثر في نفسية الأحفاد ولا يقدرون على مواجهتها فيلجأون إلى جدتهم الحنونة وينشدون عندها الراحة والأمان، حيثُ تحتويهم الجدة في كهفِ روحها بكل عطفٍ ومحبة، وتضمّهم بكل خوفٍ وقلق على أحفادها من عثرات الأيام.

لاحظتُ في الآونة الأخيرة أنّ أختي تُكثر من الجلوس مع جدتي وتُطيل الحديث إليها، وعندما أصابني الفضول ذهبت إلى جدتي وبادرتها في الحديث عن ذلك الأمر الذي يُحيرني، وسألتها عمّا إذا كانت تشعر بالملل أو الضجر من جلوس أختي والحديث معها ساعاتٍ طوال دون كللٍ أو ملل.

أجابتني جدتي بكل ثقة أنّ أختي قد وصلت سنًّا يتوجّب على الأم أو الجدة أو الخالة أن تُكثر الحديث معها، فهي تحتاج إلى النصيحة والمشورة الدائمة في الأمور الحياتية والدراسية وفي علاقاتها مع صديقاتها، وأخبرتني جدتي أنّها تشعر بالقرب من أختي لدرجة أنها تراها صديقةً لها مخلصةً ودودة، بفارقٍ من العمر كبير.

جدتي الغالية تعتني بإخوتي الصغار عند انشغال أمي في أمرٍ ما، أو عند تعرضهم للمرض فهي تُعطيهم من الوصفات الشعبية والطبية ممّا حمله عقلها وأثبتته التجارب العملية، كما تكثرُ جدتي من قراءة القرآن الكريم على الخائف منهم أو المتوعك، فتُعطيهم من بركة دعائها وتُحصنهم بما تحفظُ من أذكار وتسابيح.

جدتي الغالية التي تعطف على والداي وتسأل عنهما باستمرار، جدتي التي بوجودها تحلُّ البركةُ على البيت والحي والمدينة، جدتي التي تنير بابتسامتها ظلم الليالي وتُرهقُ بحكاياها ملل ليالي الشتاء الطويلة، ما أجمل تلك الحكايا يا جديتي عن أمّنا الغولة، وعن ذكرياتك في تلك البيوت العتيقة التي تفوح منها رائحةُ الأصالة!

إنّني أدعوكَ يا الله أن تُديم قلوب الجدات وتُطيل في عمرهنّ، فالجدةُ في عيون أحفادها كسحابةِ غيمٍ ماطرة تُغيثُ القلوب العطشى وتسقي الأرواح الظمأى للعطف والحنان، وكم هو مؤلمٌ أن ترتقي روح الجدة الغالية نحو بارئها، هو قضاءٌ وقدر ولكن الفراق صعبٌ ولا يُمكن احتماله، ويا رب كن رحيمًا بمن ذهبوا وأطل في عمر من بقوا.

الجدة يجب برّها ووصلها

في الختام، يتوجّب على الأحفاد برّ الجدات ووصلهم ورعاية شؤونهم ومعرفة متطلباتهم الحياتية، وخدمتهم وتقديم كل ما يُمكن لهنّ، خاصّة عند الكِبر والعجزِ والمرض، كما ينبغي عدم الابتعاد عنهن والشعور بالملل من أحاديثهن، بل يتوجّب الحرص على زيارتهن في كل وقتٍ وحين.

في حال كانت الجدة تسكنُ بعيدًا فإنّه يتوجب عدم قطعها والإكثار من الاتصالات الهاتفية ومُحاولة إرسال الهدايا التذكارية والمفيدة، وشراء الأدوية لها، خاصّة إن كانت تُعاني من أمراض تحتاج لبعض العلاجات التي تكون باهظة الثمن، ولا تمتلك ثمنها، وكل ذلك قليل مقابل ما قدّمته من أنهار الخير والعطاء.

2294 مشاهدة
للأعلى للسفل
×