محتويات
الحياة السعيدة مقصد لكل الناس
يرغب الكثير من الناس عيش حياة سعيدة لا يكدر صفوها شيءٌ في هذا الكون الفسيح، ولكن بالرغم من وجود هذه الرغبة عند جميع الناس، فلا بُد من حوادث طارئة تعكر صفو الحياة، ولكن ما يلبث أن يعود المرءُ بعد كل سقطةٍ ليبحث عن السعادة التي لطالما غابت عنه وتمناها له ولأحبته.
يُعدّ تمني السعادة للغير سعادةً بحد ذاتها، لا يشعر بها إلا كل إنسانٍ سليم، صاحب قلبٍ يخلو من اللؤم والكراهية، ويبحث الناس بشتى أصنافهم عن السعادة، ولكن كلًّا حسب موقعه ودوره في الحياة، فالمرأة تجد السعادة في عيون أطفالها حينما تراهم أصحّاء سعيدين هانئين بنومٍ عميق، أو بأكلةٍ شهية ما عانوا من صعوبةٍ للحصول عليه.
أمّا الرجال فهم يسعون نحو السعادة في كل حال من الأحوال؛ حيثُ يجدون أن السعادةَ تزورهم عندما يجدون الراحة في نهاية يومهم بين عوائلهم وهم في أتم الصحة والعافية، ويجدون السعادة في الاكتفاء المادي، وفي الصحة والعافية، وفي الحب والسلام يجتاح العالم.
أمّا الأطفال فيجدون سعادتهم في دميةٍ تمنوها، أو في حلوى أرادوا تناولها فاشتراها أحد لهم ببضعة دراهم، أحلامهم التي تقودهم نحن عالم السعادة بسيطة ولكنها في عيونهم كبيرة وتملأ قلوبهم سرورًا، وللفقراء طموحٌ بالسعادة قد يكون لا يساوي شيئًا في قلوب الفقراء ولكنه يعني عندهم الكثير، حتى الملوك الأغنياء ينشدون السعادة.
الحياة السعيدة عطاء متصل
تختلف وجهات نظر الناس تجاه السعادة؛ فمنهم من يجدها في بيته أو في عمله، أو في زواجه من امرأة صالحة، أو في إنجابه للأبناء، أو في امتلاكه البيوت والعقارات، ولكن السعادة الحقيقية تكمن في العطاء، فما أجمل أن نمد أيدينا نحو الفقراء والمساكين ونهبهم من مالنا وطعامنا وممتلكاتنا! وما أجمل أن نهب للمحتاجين ما يبحثون عنه، ونقول للمقهورين كلماتٍ تزيل عنهم الهم والأسى!
كم من كلمةٍ طيبة نزلت على قلبٍ يائس ووهبته الأمل وحب الحياة من جديد، ولا أجمل من كلمةٍ نمدحُ فيها طفلًا صغيرًا فكانت له نبراسًا تلازمه حتى يصير شابًا وتكون له، دافعًا نحو نجاحٍ لا حدود، فلا ينسى الكلمة ولا ينسى صاحبها.
إنّ سعادتنا تكمنُ في عطائنا الذي لا حدود له، ولا أجمل من ذلك العطاء الذي يستمر إلى ما بعد الموت، فيُعطي المُحسنُ من ماله ووقته ومن جهده، وقد يُعطي من ممتلكاته لكل من يستحق العطاء، وفي كل وقتٍ وحين لا أجمل من تلك السعادة التي يزرعها في قلوبنا من قبلوا عطاءنا، وكانوا سببًا في منحنا عظيم الأجر والثواب من رب العباد، وتلك هي السعادة الأزلية التي لا حدّ لها في قلوب الناس.
ماذا نُريدُ أكثر من جنةٍ عرضها السماوات والأرض جزاء إحساننا، وجزاء ما قدمنا من كلماتٍ طيبة بلغ صداها عنان السماء فكانت نورًا يُضيءُ ظلمة الليل الطويل في قلوب البشر، وقد يكون العطاء في نظرةٍ وابتسامةِ عطفٍ.
الحياة السعيدة معناها أعمق من ظاهرها
إنّ الحياة السعيدة لها معنى أكثر عمقًا من ظاهرها، فقد يظن كثيرٌ من الناس أنّ سعادة بعض البشر في امتلاكهم الأموال الكثيرة، أو في سفرهم المتكرر في كل عام، أو في تعدد الزيجات، أو في وظائف مرموقة، ولكنهم لا يعلمون أنّ أصحاب القصور والمنازل الفارهة قد لا يمتلكون ذرةً من السعادة.
كما أنّ المسافرين إلى الخارج يذهبون بقصد العلاج، فهم يفتقرون إلى الصحة والحياة الطبيعية التي يعيشها العديد من الناس، كما لا يعلمون أنّ في تعدد الزيجات مشاكل كثيرة، والحياة السعيدة لا تعني علوّ منازلنا وارتفاع مكاناتنا وتمتعنا بالشهرة الواسعة، فكم من شهيرٍ شقيٍ لا يجد للراحة طعمًا، وكم من امرأةٍ تمتلك من المال الكثير وأضاعت حياتها لهوًا ولعبًا.
لكنها في المقابل كبرت ولم تتزوج وانتهى بها الأمر وحيدةً في إحدى زوايا منزلٍ كبير لا يُسمعُ فيها صدى قطةٍ صغيرة، أمّا ذاك الرجل الذي لطالما حسده الناس على شهرته الواسعة وسعادته الظاهرة انتهى به الأمر في شوارعِ حيٍ عتيق لا يملك قوت يومه، فلا تغرنا تلك السعادةُ الظاهرة، فالسعادة الحقيقية تأتي مع القناعة والرضا، ومحبة البُسطاء، ومد يد العون لهم، وفي القرب من العائلة، وفي ظل الوالدين وكنف الإخوة المُحبين.
الحياة السعيدة ممتنعة عمن لا يكون في جنب الله
أخيرًا، يجدُ المرء السعادة الحقيقية حين يكون قريبًا من الله تعالى، فالسعيد هو من يجد الراحة والسكينة في العبادات، وفي القرب من الله تعالى في الصلوات وأداء الزكاة والحج والعمرة وإيتاء الصدقات، والتعيس هو من يبحث عن السعادة في أيّ شيءٍ لا يتصل بالله تعالى، يبحثُ عنها في الرحلات والسفر، يبحثُ عنها فقي تطاول البنيان وفي القصور الكبيرة.
يبحثُ عنها في السهرات الماجنة والانحلال الخلقي، ويبحثُ عنها في جمعات الأصدقاء وفي القرب من الأهل والأحبة، وقد تظنُّ كثيرٌ من النساء أنّ سعادتها في لباسٍ تشتريه أو في مكانٍ تذهب إليه، تكمنُ أجمل معاني السعادة في القرب من الله تعالى والتضرع والدعاء إليه سبحانه في السراء والضراء، والتصبر على الابتلاءات بوعد الله عز وجل بأن يمنح الصابرين الجنة.
تتجلى أجمل معاني السعادة في استشعار لذة العبادات وقرب الله عز وجل من عباده وحمايته لهم بحوله وقوته، وبمحبته لعباده المخلصين، فما أجمل أن نخلد للنوم وكلنا يقينٌ أنّ الله سيمنحنا الراحة والأمان، وسيُوقظنا على فرحٍ لم نتوقعه، كما نستيقظ ونحمد الله على أنّه أحيانا، ووهبنا روحًا جديدة نبدأ فيها يومنا، مطمئنين أنّ الله معنا في كل خطوة نخطوها، وفي كل مكان نذهب إليه، فما أسعدنا ونحن قريبون من الله!