محتويات
أخلاق الرسول مع أصحابه
لقد ساد الجهل والظُّلم والبغي العالم حتَّى باتت بعيدة عن كل ما يمتُّ بصلةٍ للإنسانية والأخلاق، فبعث الله النَّبي محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام- ليقوِّم اعوجاج الحياة، وعندما بدأت الآيات القرآنية بالنُّزول ما مدحت النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بكثرة صلاةٍ أو صيام، بل مدحته بخلقه العظيم، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}[١]، وخير دليل ومثال على خلق سيد الأكرمين ذاك المنحى الذي اتَّبعه مع أصحابه، فكان يعاملهم بكل ودٍّ وتحبُّبٍ وإكرام لهم ولمن كان قريبًا منهم.[٢]
فقد كان ساعيًا بين صحابته بجبر الخواطر والمسح على الجراح، فلا يغيب عن الأذهان حينما جاء أبو بكر الصِّديق مع أبيه الضَّرير إلى سيد المرسلين ليعلن إسلامه بعد فتح مكة، فعاتبه الرسول عتاب محبة وإشفاق بهذا الشيخ الطَّاعن في السِّن، ونسي عداءه للإسلام ومحاربته له، وتمنّى لو أنه بقي في بيته ليأتي هو إليه، وما تصرف عليه السلام هذا التَّصرف إلا ليدخل السَّعادة إلى قلب أبي بكر بإسلام أبيه على الرُّغم من تأخره.
ولم ينس -عليه السَّلام- فضل الصَّحابة الذين وقفوا معه ودافعوا عنه في بدايات الإسلام وعانوا الفقر والخوف، فكان يلتمس لهم الأعذار على بعض التَّصرفات التي تصدر منهم ولكن بشرط ألَّا تكون في المحرمات، ومن ذلك ما فعل مع حاطب بن أبي بلتعة الذي بعث برسالةٍ حذَّر فيها أهل مكة من نية رسول الله بفتحها، فسامحه -عليه الصَّلاة والسَّلام- لأنَّه من أهل بدر الصَّادقين.[٢]
ليس هذا فحسب، بل كان يُقابل المعروف بمعروف أكبر والإحسان بإحسان أعظم، ومن ذلك عندما دعا لابن عباس -رضي الله عنه- بأن يفقهه الله في الدِّين ويعلمه التَّأويل لقاء تقديم ماء الوضوء له، وكان دائمًا ما يذكر الصَّحابة المهاجرين بفضل الأنصار في الإسلام فهم من قاسم المهاجرين أموالهم وأزواجهم وحلالهم، واستقبلوا النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بعد أن كذَّبه أهل مكة، فما كان من الحبيب المصطفى إلَّا أن ربط الإيمان والنِّفاق بحب الأنصار.
فمن أحبّ الأنصار فقد اطمأنَّ على إيمانه ومن كره الأنصار فهو علامة من علامات النِّفاق وعليه أن يصحح إيمانه، لقد كان -عليه الصلاة والسلام- البنيان الشَّامخ في الأخلاق الحسنة، والقدوة الحسنة لأصحابه كي يتَّسموا بصفاته ويتخلَّقوا بأخلاقه ويسيروا على النَّهج الذي رسمه لهم.[٢]
أخلاق الرسول مع أعدائه
لم تكن أخلاق الرسول -عليه الصلاة والسلام- كريمة وحسنة مع أصحابه -رضي الله عنهم- فقط، وإنَّما كانت في قمة الحسن حتَّى مع أعدائه، فما حملته الحميَّة يومًا على ظلمهم أو الثَّأر منهم، وقد أثار -عليه الصَّلاة والسَّلام- دهشة العالم وإعجابهم من معاملته الحسنة لأعدائه الذين مكَّنه الله منهم عندما فتح مكة، فلم ينتقم لنفسه ولم يقتصّ منهم جزاء ما ارتكبوا من ظلمٍ وبغي بحقِّه وحق صحابته، بل تمثَّل خلق العفو عند المقدرة، فكانت تلك الصِّفة من أعظم الصِّفات فيه بل هي شيمة الكرماء.[٢]
فعندما فتح مكة ووقف كفَّار قريش ينتظرون حكمه فيهم وهم يسترجعون شريط ذكرياتهم معه، وكم من الوقت قضوا في تعذيب أصحابه الذين استُشهدوا على أيديهم وكم تفنَّنوا بإيذائه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وقد ظلموه وأخرجوه من أحبِّ الدِّيار على قلبه، فاستفسر منهم ما يظنون به، ولأنَّهم ما علموا عنه إلا الخلق الكريم والأخلاق الحسنة، أخبروه أنَّهم ينتظرون العفو منه وبدؤوا يذكِّرونه بصلة رحمهم وأنَّهم أبناء عمومته، فما كان منه إلَّا أن قال لهم اذهبوا فأنتم الطُّلقاء.[٢]
مواقف النَّبي عظيمةٌ مع أعدائه وأكثر من أن يستطيع المرء أن يجمعها، ففي أحد الأيام سعى عمير بن وهب متقلِّدًا سيفه يبحث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقتله، وذلك بعد أن اتَّفق مع صفوان بأن يتكفَّل دَينه ويعيل أهل بيته، وما إن رأه رسول الله ارتعد خوفًا فطلب منه الحبيب المصطفى أن يدنو وأخبره بما دار بينه وبين صفوان فأسلم في تلك اللحظة، فكانت أخلاقه الحسنة عليه السَّلام أسلوبًا للدَّعوة إلى الإسلام، وكم من الأشخاص الذين أسلموا فقط بعد ما لمسوه من حسن خلقه وطيب معشره.[٢]
ولن ينسى التَّاريخ للحبيب المصطفى موقفه من الأسرى الذين اقتادهم معه من معركة بدر، فلم يستطع النَّوم حتَّى تفقّد أحوال الأسرى وكانت جملته المشهورة بأن يستوصوا بالأسرى خيرًا، وبدأ يوصي الصّحابة بنفسه بإكرام الأسرى وألَّا يصيبهم الأذى، على الرُّغم من أنهم قد خرجوا مُحاربين مقاتلين يريدون أن يقضوا على الإسلام ويضعون نصب أعينهم هدفًا واحدًا وهو قتل النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع أصحابه، فأيّ خلق عظيم ضم بين جناحيه الحبيب المصطفى، وأيّ منهج قويم خطَّ لمن بعده كي يسيروا عليه لتقوم دولة الإسلام على أساس صحيح من الأخلاق الكريمة.
أخلاق الرسول مع زوجاته
لقد سما الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- بأخلاقه حتَّى لامس النُّجوم، وقد كانت حياته الزُّوجية وعلاقته مع أهل بيته قائمة على المودَّة والمحبة ومشاركتها أحلامها وآلامها، ولم يدع -عليه الصَّلاة والسَّلام- موقفًا إلَّا وكان يوصي بالنِّساء وبحسن معاملتهن، وبأنَّ الشَّخص الذي يستوصي بالنِّساء خيرًا فذاك هو الرَّجل الكريم وذو الأخلاق الحسنة، أمَّا من يعمل على إهانة النِّساء فهو رجلٌ قد استأصل اللؤم في أخلاقه.[٣]
وليس هذا فحسب، إذ ما اعتاد -عليه الصَّلاة والسَّلام- أن يقول الكلمات والأحاديث فقط بل كان درسًا عمليًّا لكل هذا، فها هو ذا يكفكف دموع أمّ المؤمنين صفيّة -رضي الله عنها- بعد أن نعتها إحدى أمهات المؤمنين وهي حفصة -رضي الله عنها- بأنَّها ابنة يهودي، فهوَّن عليها الأمر وذكَّرها بنسبها بأنَّها أخت نبيٍّ وابنة نبيٍّ وزوج نبيٍّ، وعاتب حفصة -رضي الله عنها- بكل حبٍّ عن موقفها وتصرُّفها هذا، ولقد كان -عليه الصلاة والسَّلام- يتودَّد لزوجاته أثناء الطَّعام والشَّراب فكان يضع فمه في المكان الذي كانت تضع فيه فمها إحداهن، كما كان يفعل مع عائشة -رضي الله عنها-.[٣]
وما كان -عليه السَّلام- يغضب على أحدٍّ في أمرٍ من أمور الدُّنيا، فقد كان متفهمًا لمشاعر الزَّوجة ولغيرتها من بقيَّة أزواجه، وخير مثالٍ على هذا عندما كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت السَّيدة عائشة -رضي الله عنها-، فبعثت إحدى نسائه طبقًا فيه طعام للنَّبي، فغضبت عائشة من هذا التَّرف وضربت الصَّحن فكُسر على الأرض، فما كان من النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أمام الصَّحابة، إلَّا أن يجمع أجزاء الصَّحن المكسور مبتسمًا وهو يخبرهم بغيرة السَّيدة عائشة قائلًا: "غارت أمّكم غارت أمّكم"، فأيُّ حلمٍ قد حباه الله إياه ليستطيع أن يكظم غيظه بل وليشعر بما يخالج نفوس نسائه من ألمٍ أو غيرةٍ.
على الرُّغم من عظم مهامه كنبيّ وقائد ومخطط للدَّولة الإسلاميَّة بالإضافة إلى مهمَّاته الجسام، إلَّا أنَّ هذا الأمر ما جعل منه متواكلًا متطلِّبًا لحاجاته، بل كان الحبيب المصطفى يساعد أهل بيته في أعمال المنزل، فيجهز نعله وفراشه بل ويساعد السَّيدة عائشة في تنظيف البيت، عليه صلوات الله من حبيب استطاع أن يملك القلوب، ويرسم الخطوط لأسس الحبِّ والودِّ بين الأزواج، وكانت أخلاقه العظيمة تعانق السَّماء.[٣]
أخلاق الرسول مع الأطفال
لم يكن -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلا كتلة من الأخلاق الحسنة وصرحًا من صروح الكرم في الأخلاق والتَّعامل الحسن، وقد انتبه -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى أهميَّة ذاك الطِّفل الذي سيغدو شابًّا قويًّا، وسيحمل على كتفيه أعباء الدَّولة ونشر الدَّعوة الإسلاميَّة يومًا في أصقاع الأرض، فحرص على مداعبة الصِّغار والتَّلطف معهم، ومن تلك الحوادث على سبيل المثال لا الحصرعندما اعتاد على رؤية طفل ملقب بأبي عمير ولديه طائر صغير اسمه النُّغير، فكان يداعبه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بكلماتٍ محبَّبةٍ ويسأله عن طائره النُّغير.[٢]
وقد كان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يحمل قلبًا رحيمًا عطوفًا بين جنبيه، فقد كان يومًا يُصلّي في أصحابه وإذ به يسمع صوت بكاءٍ لطفلٍ صغير ولأنَّه يعلم بحبِّ الآباء والأمهات لأبنائهم، ولأنَّه لا يحب أن يشوب التَّكاليف الإسلاميَّة إرهاق لأهلها فقد قصر الصَّلاة، فتعلَّم أصحابه ألّا يطيلوا الصَّلاة في حال بكاء صغير أو وجود مريض.
وإن أرادوا أن يسطِّروا قصصًا من سيرة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في التَّلطف مع الصِّغار، سيكون لحفيدي النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين باب واسع، فدائمًا ما كانا يلعبان على رجل النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، حتَّى أنَّ أحدهما كان يركب على ظهر النَّبي وهو في حالة السُّجود من الصَّلاة، فكان يكره النَّبي أن يقطع لعبته عليه وينتظره أن ينزل من نفسه مهما طال الوقت، أبعد كل تلك القصص والأمثلة عن حسن خلق النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، هل هناك شكٌ بأنَّه صنع على عيني الله.
لقراءة المزيد، انظر هنا: تعبير عن حياة الرسول.