تعبير عن السلام

كتابة:
تعبير عن السلام

ما هو السلام؟

مثل أيّ حمامةٍ بيضاء تحلق في فضاءِ سبعِ سماوات لا تزال النفسُ البشرية تحلم أن تُحلّق في عالمٍ لا تُكدّره الضغائن، ولا تعكّر صفوهُ الحروب، أو يسلب الظلم منه حاجاته الأساسية للعيش الكريم. من هنا يُشكّل السلامُ معناه الأول بفكرته البسيطة في قلوب البشرية جمعاء، ولا يستثني منها أحدًا، بل هو مطلبٌ أوّل لأيّ حياة، إذ تتعدّد معانيه، وعلى رأسها "الصلح أو النجاة" الذي تتضمنه الكلمة، ولكنّ معناه الموازي للأمان يجعل من فقدانه تهديدًا لوجود الإنسان على هذه الأرض، ولا يمكن لأي فكرةٍ وجودية مضطربة أن تبني إنسانًا فاعلًا، وبهذا يمكن القول أن السلام مرادفٌ لفكرة الوجود في معناها الضروريّ. [١]


وللسلامٍ معانٍ كثيرة حسب ما تردُ فيه من سياقٍ اجتماعيّ أو ثقافيّ أو دينيّ، ففي السياقِ الدينيّ ترمز كلمة السلام للتحية التي يحيّي بها المسلمون بعضهم بعضًا، وهو المقصودُ في قول النبيّ –صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموهُ تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". [٢]


والسلام في المنحى الدينيّ أيضًا يأخذ معنى اسمٍ من أسماء الله تعالى، وهو بهذا التفسير "السّالم من كل عيب أو نقص" ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسلّم المسلم على نفسه في نهاية الصلاة، فيقول "السلام عليكَ أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". [٣] ويبقى السلام في معناه الثقافي المعاصر رمزًا للسِّلم بتحقيق الأمنِ والأمان، بعيدًا عن النزاعاتِ التي تهدفُ إلى تدمير الشعوب وتبديد وحدتها، فلا مبرّر لخلقِ النزاعاتِ إلا إعلاءُ كلمة الحقّ أو استردادُ مظالم، أو دفاع عن مظلوم، ولذلك يعَبَّر عن السلام برمز الحمامةِ البيضاء أو غصن الزيتون الذي يحتوي على أوراقٍ خضراء، لما يبعثهُ في النفس من طمأنينتها الطبيعية التي خُلقت فيها، والتي تسعى إلى العيش معها دون أن تشوبَها شائبة.  [٤]

كيف يتحقق السلام؟

إذا كانت المشاريعُ الصغيرة تقومُ على مقوّماتٍ لتنتهي بالنجاح فإن السلام هو أعظم مشروع يمكن للبشرية أن تسعى لتحقيقه، فلا بدّ له من مقوّماتٍ تدعم قيامه وتمنع تَداعيهِ وسقوطه، وإذا بحث الدارس عن الدعائم الأساسية للسلام سيجد أنها ذاتها التي تبني الحضارات، وتقوم بها قائمة الرقي الاجتماعي بكافة أشكاله، لأن السلام شكل من أشكال التكافل والإيثار، وتفعيل لدور الحرية لكل إنسان يحيا على هذه الأرض، وبتدعيم أسسه لا يمكن أن تنهار حضارةٌ من الحضارات. وإذا أمعنَ الإنسان النظر سيجد أن أساس السلام يقوم على هذه المحاور:[٥]


أوّلها العدالة الاجتماعية، العدل بين الناس بكافة أشكالهم وألوانهم وأصولهم وثرواتهم هو المطلب الأول والرئيسُ في تحقيق السلام في أي بلد، فالمساواة هي النواة التي تُعطي لكل فرد في المجتمع أحقّيّة التعبير والعلم والعمل والعيش بالشكل الذي يراه مناسبًا، وتعني العدالة الاجتماعية: إزالة الفوارق الاقتصادية الشاسعة بين طبقات المجتمع المختلفة، وهو مبدأ أساسي للتعايش السلمي داخل الأمم، وتحقيق التنمية وصون كرامة الإنسان. [٦]


وثانيها الوعي، فهو أساس التغيير في كل إنسان هو قناعته التي يغذيها فكرُه، ولذلك عمل القادةُ خلال التاريخ على العمل بالفكر والعلم قبل الجيش والقتال، لأن الجيش الذي يعلم أبعادَ حربهِ ليس كمن يقاتل في سبيلِ النصرةِ وحسب، فلا يُمكن التساؤل "كيف يتحقق السلام" دون العمل على النهوض بالوعي الفكري والعلمي، كما أن إدراك نتائج الحرب وتبعاتها تشكل فهمًا أعمق لكلّ جزء من المجتمع يُسهمُ بدوره في تكوينه، ومن هنا تبدو أهمية الوعي في انتشال المجتمع من سباتِه إلى إصباحِ فجرٍ لا يزول.


وثالثها الحب، إنّ الحب هو الشعورُ الأسمى الذي يجعلُ الصعبَ سهلًا، ويبني علاقاتٍ لا يمكن أن تهدمها المصالح، فيشدّ المرء على يد الآخر ويسعى في سبيل مصلحته، ويخشى عليه من الضرر المؤدّي إلى الموتِ أو إلى فقدان مقوّمات الحياة الهانئة، في ذلك المضمار تبدأ ثمرة السلام بالبزوغ بين الناس مُعلنةً بشارتها بحقلٍ كاملٍ من الورود!


ويمكن اعتبار أنواع السلام ضمن مضمارين، النوع الأول يشمل السلام العام بصفته المجتمعية، والتي تتحقق من خلال الحفاظ على حقوق الغير واحترامها بواسطة التفكير الإيجابي تجاه الأفراد الآخرين، والابتعاد عن العُنف في تحقيق أي مَطلب، لأن العنف هو الحالة غير الطبيعية، والنوع الثاني يشمل السلام الداخلي للفرد، والذي بدونه لا يمكن للسلام العام أن يتحقق، وهو قدرة الإنسان على العيش بانسجام مع ذاته دون قلق أو اضطهاد. وقد عملتْ كثيرٌ من الدول لتحقيق هذا المطلب في حياة الشعوب، فأقامت مؤتمرات السلام العالمية، وأنشأت جائزة لمن يُساهم بنشره على نطاق واسع وهي جائزة نوبل للسلام.


أهمية السلام

إنّ أهميّة هذا المطلب -السلام- توازي أهمية الوجود الإنساني، إذ لا حياةَ مع الحرب المناقضة لضرورة بقاء الإنسان، وإنّ ما تحقق من تطوّر في جميع المجالات أسهم في صورٍ لا محدودة من إتاحة الغزو التي تمارسه الدول القوية على الدول الضعيفة، فكانت حاجة الإنسان إلى السلام أشد وأقوى من أي زمنٍ مضى، لا سيما أن الدمار والتشريد وسفك الدماء يزيدُ يومًا بعد يوم. فالسلام دربُ الفرد إلى تحقيق ذاته والاستفادة من قدراته المختلفة، وتفعيل دوره في حياته وإفادته في حياة الآخرين، وبهذا المعنى يصبح السلام نواةً لاستمرار وجود البشرية.


ويجدرُ القولُ أن انعدام الأمان في أي مكان سيهدمُ الاستقرار عند الفرد، ويقضي على مستقبل الطفولة، ويقيّض آمال اليافعين، ويحرقُ طموحات الشباب، فتغدو الحياةُ أشبه بعملية ميكانيكية لا طائل منها ولا ثمرة. وإن كانت تسعى بعض الدول إلى هدم دولٍ أخرى فإن هذا المطلب -انعدام الأمان- هو أول وسيلة تمكّنها من السيطرة على المجتمع وأفراده، إذ تسلبهم القدرة على العيش الذي يرفعونَ به قدرة بلادهم للتطوير والازدهار، والانطلاق المستمر نحو ما تسعى إليه من تحقيق العيش الكريم.


ومن أحد الأسباب التي تجعل السلام في مكانة عالية من الأهمية هو حفاظه على أموال الدّول، حيث تستغل الحكومات طاقتها الاقتصادية في نهضة الشعب وتحسين مصيره، بينما في ظل الحرب يُسخَّر الاقتصادُ  لإيواء المهجّرين، وتأمين الاحتياجات الأساسية للمشردين وذوي القتلى، وإعادة إعمار ما تهدّم من أبنية ومنازل وبلدات، كما يحافظ السلام على البيئة من التلوث الذي تسببه الغازات السامة للمواد الكيماوية والقذائف واستهداف المراكز الصناعية، وما تستخدمه الحرب من أدواتٍ شتّى، ويقلل من نسبة الأمراض النفسية التي تجتاحُ الأفراد التي عاصرت الحروب، مثل الفوبيا والهستيريا والقلق والفصم. إنّه باختصار يحافظ على كلّ ما يمكن للفرد أن يستفيد منه في مجتمعه.


من هنا يتبيّن أن السلام محورٌ تدور قادات الشعوب حوله، لأنه يكسب المجتمعات الذي يوجد فيها عنوان تحقيق القيم فيما بينها، والالتزام بالقوانين الإنسانية التي من ضمنها الحفاظ على الحقوق والابتعاد عن التعدّي، والإخاء، واحترام الغير، والحرية. ومما يدلّ على هذه الأهمية ويثبت جدارتها في تحقيق المكوّن الأساسي لبناء الأوطان جاءت الديانات السماوية كلها بالحث على السلام، فكانت نشرًا للتوحيد بالكلمة الحسنة والنصح والإرشاد، والتحذير من الشرك بالله تعالى، مثل قوله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[٧]


وقد يُفتَرضُ في زمنٍ من الأزمان بعد تحقيق هذا المطلب الأسمى سؤالٌ محيّر آخر: كيف نحافظ على السلام؟ وهنا لا بدّ من ربط مقوماته التي ذُكرتْ بالاستمرارية التي تخلّدها، لتكونَ أقربَ إلى الدوام، فإن اختلّ عنصر من عناصرهِ تداعى البناء وتقيّضَتْ أركانه. وفي تلك المعاني عبّر كثير من الشعراء في عصورٍ مختلفة عن رغبتهم في السلم والأمان، وانتهاء الحرب التي تفرّق الناس وتُبيدُهم، ومن ذلك قول الشاعر زهير بن أبي سلمى في ذمّ الحرب:[٨]


وما الحربُ إلا ما علمتم وذُقتُمُ

وما هو عنها بالحديث المُرَجَّمِ

متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً

وتضرَ إذا ضرَّيتُموها فتُضرَمِ

فتعرِكُكُم عركَ الرِّحى بثِقالِها

وتلقحُ كِشافًا ثم تنتجُ فتُتئِمِ


أي أنّ الحرب ليست شيئًا غريبًا عنكم فتجهلوا تبِعاتها، ولا أمرًا محبوبًا لديكم فتصبروا عليها، وإنما ستعملُ على إبادتكم كما يُطحَن الطحين بالرّحى، وسوف تبقى في توالدٍ مستمرٍّ كما تحمل الناقة في السنة مرتين ثم تلدُ توءَمًا. وفي هذا تذكيرٌ لشديد ويلاتِ الحربِ الذي يخشى الشاعر على قومهِ أن يقعوا في شِباكها. فنجد أنّ السلام كان هدفًا لجميع الشعوب في جميع الأزمان، ولا يسعى إلى سيادةِ الموت إلا أصحاب الجشع والظلم والرغبة المريضة بالسيطرة والاضطهاد.

المراجع

  1. "تعريف و معنى سلام في معجم المعاني الجامع معجم عربي عربي"، المعاني لكل رسم معنى ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-04. بتصرّف.
  2. "موسوعة التفسير"، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-04. بتصرّف.
  3. إسلام كتب، فتح الباري ج11، صفحة 13. بتصرّف.
  4. معاش محمد دردوق، أم دورور وثقافة السلام، صفحة 57. بتصرّف.
  5. "كيف يتحقق السلام"، مجتمع مشكاة ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05. بتصرّف.
  6. "اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية "، الأمم المتحدة ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05.
  7. سورة الانفال ، آية:61
  8. عيسى إبراهيم السعدي، زهير بن أبي سلمى شاعر الحوليات، صفحة 61. بتصرّف.
9409 مشاهدة
للأعلى للسفل
×