تعبير عن المطر

كتابة:
تعبير عن المطر

المقدمة: المطرُ طهارةُ الروح

يطهّر المطر أرواح الناس ويغسل جراحات قلوبهم؛ فهم يرون في الشتاء، فصلًا للحب والعطاء، فصلًا للأمل والنقاء، فكلُ شقاءٍ يغسلهُ المطر وكل ألمٍ تمحوه قطراتُ الندى في صباح يومٍ باكر بعد ليلةٍ ماطرة. كثيرًا ما نرى أرواحًا معذبةً يعتريها الألم، ويكسوها اليأس، وليس على ألسنتهم سوى عبارات الشقاء التي ما تلبثُ تلعنُ الأقدار. بعض الأرواح لو تراها لتظن أنها تُزبِد وتُرعِد وتَعوي في كل صباح ومساء تكرهُ الأرض ومن عليها، ولكن ما إن يبدأ فصل المطر وتتساقطُ أول زخاته، وتعبقُ في الأرض رائحةُ الشتاء، حتى يبدأ الهمُ بالانقشاع والأوجاع بالتلاشي، فلا شيء إلًا الأمل ببدايات عصر جديد فسبحان الله خالق السماوات والأرض والمطر.


العرض: المطر موسم الحياة

من قال أن للحياة فصلٌ واحد! إنّ للحياةِ فصولاً متعاقبة، ولكل فصلٍ وتيرةٌ محددة، ولكن ما هو الفصل الأكثر حيوية وشفاء ونقاء وولادة وانبعاث، إنه فصلٌ الشتاء ففيه ينبعثُ المطُر حاملًا معه أيقونة حُبٍ وميلاد، نشوةٌ وانتصار، على موتٍ كاد يكون محتمًا على كائنات حية تملأ الأرض وحتى جمادات. الأرض الواسعة مرت عليها شهور الجفاف حتى ما أبقت ذرةً من ماءٍ أو رطوبة، حتى جاء فصل العطاء وجادَت السماء فارتوت الأرضُ وما بقيت ذرةٌ يابسة. بدأت بعض الأعشاب تخرُج من ثنايا الأرض على استحياء، خَجلى يلفها العجب من أخواتها، أما آن الأوانُ لتخرُجنَ من مخادعكنَّ الصغيرة! هيا أُخيّاتي اخرُجنَ حتى نملأ الأرض خضرةً وبهاء، أما يكفيها قحطٌ وجفاف، هيا فَربُ البرية أعطانا لونًا تزهو به الأيام وتتحقق به الأحلام، وتتفتح به الحياة، ونحنُ غذاءُ الأنعام.


ها قد نبتت الأزهار وأورقت الأشجار ونضجت الثمار، وأصبح تحت ظلال كل شجرةٍ فيئًا لغريب أو لعابر سبيل أو لمتعبٍ أنهكه العمل في حقولٍ شاسعة يضربُ الأرض فيها باحثًا عن رزقه ورزق أبنائه. أما آن الأوان ليستريح في موسم العطاء يتفيأ ظلال شجرةٍ دنت قطوفها منه حتى أصبح فمهُ ملاذًا لها من عطش ِالقلوب وجوعِ البطون، هي قطراتُ مطرٍ وحيدة ومتوحدة في آنٍ معًا تهبطُ الأرض ولا تفارقها حتى تُينع الثمارُ على الأشجار ويحارُ المرء أيّ صنفٍ يختار.


الأنهار هبطت حدتُها حتى جفّت أو كادت، لولا قدرةُ الله التي أرسلت المطر، فسَقَت الأرض وروتها حتى امتلأ جوفها، وما فاض منها ظلّ يجري حتى ملأ أركان الدنيا، وأنهارًا وبحارًا وينابيع وشلالات باتت تهدرُ من أعالي الجبال، لا يكادُ المرءُ يُحصي ضجيجها، فتمتلئُ الوديان وتجري الأنهار وتعلنُ ميلاد عصرٍ جديد. انتفضت تلك الكائنات البحرية التي لولا الوحلُ كان مسكنًا لها لما تبقّى منها شيء حتى جاء المطر، فسقى الأرض وانهمر ورقصت الأسماكُ فرحًا بالمطر. ووضعت الأسماكُ بيوضها وبدأ موسمُ التكاثر وبعد برهةٍ من الزمان دبّت في الماء حياة، مجموعةٌ تتراقصُ هناك وأخرى تعزفُ ألحان الخلود.


خرج الدبُ كسولًا من مخدعه يبحثُ عن قطرة عسل تسدُ جوعه وتروي ظمأ روحه التي أنهكها الجفاف، فقد جاء موسم المطر حاملًا معه كل حياة، لكل كائنٍ يمشي على الأرض، خاصّةً ذوات الأربع. تكاثرت الحيوانات ورقصت فرحًا بالخضراء والغذاء والماء الذي سقى الأرض حتى الثمالة ورحل تاركًا خلفه فصولًا جديدة تُكمِلُ مسيرةَ البقاء، رحل المطر لكن آثاره ما فتئت تغادرُ المكان، ستبقى آثارُ المطر ما بقيت الحياة على هذه البسيطة، فكيف تزول وقد ملأت جوف الأرض وفوقها تبارك الله أحسن الخالقين.


فرح الإنسان وعادت الحياةُ لموطنه وأرضه، سُقيت مزارعه عم الفرحُ المكان فغلال الأرض ستزدادُ أضعافًا مضاعفة، سيحصِدُ المحصول كلٌ في أوانه، سيبيع ويتصدق سيملأُ جيوبه بالمال الحلال، كيف لا يكون حلالًا وكله من أرزاق الله لهذه المزارع التي ارتوت حتى تفجرت شقوقها ينابيع ماء وحياة، امتدت فروع الأشجار حتى ارتفعت نحو السماء شاكرةً الله على هذا العطاء، ما أجمل الفرح حين يكون هبةً من الرحمن وحين يأتي مع المطر، ما أسعد القلوب بالمطر ما أسعد الناس بالخيرات، هباتُ المطر كثيرة لا تنتهي.


خرج الأطفال من مخادعهم ركضوا نحو السهول الفسيحة هناك، حيثُ الجنان وكل شيء فتّان رفعوا أكفهم صوب السماء، دعوا رب الخلائق أن يفيض عليهم النعم، وزادوهُ شكرًا وثناء، لعبوا وفرحوا وملأوا الأكوان ضياء، خرجت فتياةٌ صغيرات كما الأزهار تتفتح في الأرجاء لبسن أجمل الفساتين لبسن الأحذية الملونة، قفزنَ مرة واختبئن أُخرى، وركضن في البراري لا شيء يوقف ضحكاتهن سوى هبوط الليل وانقشاعُ الضياء ذاك ما جلبتهُ نعمُ السماء وانهمارُ المطر وكأن سعادةً أبدية خُلقت لأجلهن.



ما إن انتهى موسم المطر حتى دبت حياةٌ أخرى على أغصان الشجر، عصافيرٌ تزقزقُ هنا وهناك وأخرى تبني أعشاشها بكل خفّة، ترقصُ فرحًا باستقبال موسم جديد من الفراخ الصغيرة التي ستملأُ المكان بعد مدة ليست بطويلة، ما إن تضع الطيور بيضها حتى تفقس مُعلنةً القادم الجديد، ترقصُ فرحًا بقدوم فراخها، تُطعمها وتسقيها الحب والحنان وتريها جمال الأكوان، حتى تبدأ بعض ريشاتٍ صغيرة بالظهور وما هي إلا فترة قصيرة حتى تبدأ بتعليمها الطيران في كل مكان، لتزقزق وتملأ الكون ألحان وبسماعها تنتهي أشجانُ الإنسان.


نساءُ الحي خرجنَ توًا في زياراتٍ عديدة لبعضهن البعض، تلك أنجبت وينبغي تهنئتها وتلك عاد ابنها من السفر وأخرى شُفي زوجها، وتلك فقيرةٌ في الحي ينبغي وصلُها والسؤال عنها، كم أنتُن جميلات يا نساء الحي يخرجُ الرجال للعمل فرحين بما آتاهم الله من خيرات عائدين بما وهبهم الله من نعم، بيتٌ نظيف سفرةٌ شهية تتصاعدُ منها رائحة الأطعمةِ الزكية، الأولاد مرتاحون فقد لعبوا حتى أفرغوا ما في دواخلهم من طاقات وبرغم الإنهاك فهم سعداء، متحلقين حول طاولة الطعام يرمقون وجه أبيهم الغالي الذي يملؤه الرضا والهناء، ولم تنسَ الزوجةُ الصالحة جارتها من طبقٍ فيه بعض الطعام أو قطعٍ من الحلوى صنعتها بحب هي وبناتها الصغيرات.


الخاتمة: قطرات المطر موسيقى البيادر

بعدما عزفت قطراتُ المطر موسيقاها فوق البيادر وروت الحقول والوديان وسقت الأشجار والأفنان، وعمّرت ما في الأرض إنسانًا وحيوانًا، وجعلت الأشجار مساكن للطيور وجعلت للزهور رائحةً لا تبور، جاءت النهاية نهاية موسم الجفاف وبداية أرضٍ رطبة ومروية فلا يسع كل ما في الكون إلا أن يسجد للخالق شكرًا على ما أنعم علينا.


قد يفيدك محتوى هذا المقال في كتابة تعبير عن المطر: كلمات جميلة عن المطر.

3700 مشاهدة
للأعلى للسفل
×