تعبير عن النفس وأهوائها

كتابة:
تعبير عن النفس وأهوائها

النفس مِطواعة إن جاهدتها

النفس قد تحمل الإنسان وتنحدر فيه نحو الهاوية إن طاوعها وامتثل لرغباتها، وتجعل منه شخصًا شديد السوء، لكن يمكنه تدريبها لتمتثل لأوامره فيتخلص من الوساوس التي تقوم نفسه بطرحها عليه كل حينٍ، ويسمو ويصل إلى أفضل الدرجات، ويتمكن من تدريبها على فعل الخير والقيام بالأعمال المفيدة.

النفس مِطواعةٌ تُطيع الإنسان إن جاهدها، فيتمكن من السيطرة عليها بدلًا من أن تُسيطر هي عليه، لكن هذه المجاهدة تحتاج لصبرٍ وجهدٍ كبيرٍ وإصرارٍ دائمٍ ليتمكن الشخص من محاربة رغبات النفس التي تطوق إليها، فالنفس تميل إلى الراحة وإلى جمع المال، وكثرة الأكل والشرب، وإضاعة الوقت على أشياءٍ لا تنفع الإنسان.

مجاهدة النفس تعني محاربة ومخالفة هواها وما تطمح إليه، ويتمكن الإنسان من هذه المجاهدة عندما يكون على معرفةٍ بالأمور التي فيها صلاحه وكيفية العمل بها والحفاظ عليها، كالحرص على الوقت والانتباه لأهميته والاستفادة منه قدر المستطاع، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك والنفس بطبيعتها تميل إلى الكسل.

تقنع النفس صاحبها بقضاء وقته في النوم واللهو واللعب، والجري خلف أمورٍ لا منفعة منها، فيدركه الوقت دون أن يقوم بأي إنجازٍ يُذكر، لكن عندما يجاهدها ويتمكن من السيطرة عليها يستطيع القيام بكل ما ينبغي عليه فعله، والاستفادة من كل لحظةٍ في حياته، دون أن ينقض عليه الشعور بالندم بعد فوات الأوان.

النفس قد تهوي بصاحبها

النفس تصبح أمارةً بالسوء عندما يتغلب الشر فيها على الخير، فتحاول جعل صاحبها خادمًا لأهوائها، مطيعًا لأوامرها لتُملي عليه ما فيه مصلحتها دون الاكتراث لأمر صاحبها، أو الاهتمام بما ينفعه، فتهوي به وتحاول إيصاله إلى قاع حفرةٍ عميقةٍ لا سبيل للخروج منها.

النفس كسولةٌ تسعى لنيل الراحة بأي شكلٍ كان، مثل: إهمال الواجبات التي ينبغي على الشخص القيام بها، وتأجيل أداء الفرائض، فتحاول أن تخبرني بأنه ما زال أمامي الكثير من الوقت لأداء صلاة الظهر إلى أن ينتهي وقت الصلاة مع أذان العصر، وتطمئنني بأنني أملك وقتًا طويلًا قبل الامتحان فلا داعي للدراسة الآن، فأجد الكثير من الفرائض قد فاتتني، ووقت الدراسة قد أدركني.

فالنفس توسوس للشخص بألا يطيع أوامر والديه، وألا ينفذ تعليمات من هم أكبر منه سنًا ويريدون مصلحته، ألا يؤدي واجباته، ولا يذهب إلى عمله، وأن يمارس الغيبة فيغتاب الأشخاص ويذمهم ويوجه الإساءة إليهم، وألا يحترم الآخرين ويقدم لهم المساعدات، ويتبع رغباته أيًا كانت.

عندما يستمع الشخص للأمور السيئة التي تبتغي نفسه إقناعه بفعلها، ويقتنع بذلك ويقوم بتنفيذها تقوده هذه التصرفات والأفعال نحو الجحيم، فيجد نفسه قد ارتكب الكثير من الأخطاء والذنوب، وأضاع الفرص المتاحة أمامه، وفاته الوقت فخسر خسارةً كبيرةً في الدنيا والآخرة.

النفس واجبٌ مراقبتها

ينبغي على كل إنسان أن يُراقب نفسه في جميع الأوقات، لأنّ النفس إن تركت بلا مراقبة تفسُد وتقوم بإفساد صاحبها؛ لذا وجدتُ أنّ واجبًا عليَّ أن أراقب نفسي وأنتبه للأوامر التي تُمليها عليّ، وأن أفكّر قبل تنفيذ أي شيءٍ رغبَت فيه نفسي وحاولت إقناعي به، وأسأل هل فيه مصلحتي أم فيه هلاكي؟

عندما يراقب الإنسان تصرفاته وأفعاله يستطيع التفريق بين العمل الصالح والعمل المؤذي الذي يعود بالضرر عليه أو على الآخرين، ويتمكن من التحكم بأفعاله والسيطرة على نفسه وعلى أهوائها، وعدم الاستسلام لها، فالنفس البشرية تتمرد وتسعى لفعل ما يحلو لها إن لم تجد رادعًا يمنعها عن ذلك، ولكي نردعها يجب أن نقوم بمراقبتها بدايةً.

إهمال أمر النفس يؤدي إلى كارثة حقيقيةٍ، فإن أغفلتُ وساوسها وأغمضتُ عينيّ عن محاولاتها الدائمة لدفعي نحو ما لا تُحمد عاقبته، سينتهي بي المطاف على نحوٍ سيئٍ حتى وإن لم أنفّذ رغباتها، فالاستماع لثرثرتها بشكلٍ دائمٍ سيجعلني أفعل ما تريده دون انتباهٍ أو على غفلةٍ مني.

عندما أراقب نفسي كما تراقب الوالدة طفلها لتقوّم أفعاله وترشده إلى ما يجب اتباعه وما ينبغي اجتنابه، أتمكن من إرشادها نحو الصواب، وينبع من المراقبة الحذر والانتباه من التعثُّر والوقوع أثناء السير في الطريق الصحيح وابتغاء الوصول إلى مكانٍ عظيمٍ لأصل إلى ما فيه منفعتي ومصلحتي بخيرٍ وسلامٍ.

النفس أولى بالإصلاح

آخر ما يشار إليه أنّه يتوجب عليّ إصلاح نفسي والعمل على ذلك بشكلٍ دائمٍ، وعلى كل شخص أن يقوم بإصلاح نفسه، كي لا يجد نفسه ضائعًا في شر هذه النفس وسوئها، منغمسًا في وساوسها، مخطئًا في حقه وحق الآخرين، ومقصرًا في ما ينبغي عليه فعله.

يمكن إصلاح النفس وتزكيتها من خلال مراقبتها؛ فيستطيع الإنسان أن يحاسبها إن أخطأت، فصلاح القلب بصلاح النفس وهلاكه بهلاكها، وإن صلح القلب صلحت حياة الإنسان، وبمراقبتها يمكن معرفة الأخطاء التي أرتكبها والعلل التي أعاني منها، فعندما أكون صريحًا مع نفسي وأمسك قلمًا وورقةً وأدوّن العيوب التي أجدها في نفسي وتصرفاتي، أستطيع اجتياز عدة عقباتٍ تقف في طريقي.

يتوجب عليّ في عملي على إصلاحها أن أذكر دائمًا أن الله يراني أينما كنت ويسمعني في أي وقت، وبذلك أخجل من الله تعالى بأن أرتكب ذنبًا أو أسبب الأذى للآخرين، وأقوم بأداء الفرائض حتى لو حاولت نفسي من منعي، وأن أفكر في مستقبلي وحياتي القادمة فلا أتكاسل في دراستي ولا أهمل واجباتي.

يُمكنني أيضًا أن أتحكّم برغباتي وأسيطر عليها، فلا أُسرف في النوم والطعام والشراب لأجد الوقت قد ضاع مني، وأعمل على مقاومة نفسي؛ فلا أُنفذ ما تطلبه مني إن كان فيه من الشر أو السوء شيء، فالنفس أشبه بطفلٍ رضيعٍ يجب فطامه عندما يحين وقت ذلك، ومن شبَّ على شيءٍ شاب عليه؛ لذا ينبغي ألا أعود نفسي على فعل ما يحلو لها، واعمل على إصلاحها وتقويمها.

4073 مشاهدة
للأعلى للسفل
×