تعبير عن شاطئ البحر

كتابة:
تعبير عن شاطئ البحر

شاطئ البحر

أتى فصل الصيف وأغلقت المدارس أبوابها وعزم أهل سامي على الذهاب في رحلةٍ خلال هذا الصيف الجميل، خاصَّةً وأنَّ والد سامي سيأخذ عطلة قرابة الأسبوعين من عمله ومن السيء قضاء مثل هذه العطلة في المنزل، كانت العائلة محتارة في أيّ الأماكن ستختار للذّهاب إليها، اقترحت نور أن يكون الذّهاب إلى النّهر المُجاور للمدينة فقد حدَّثتها صديقتها عن جمال ذلك النّهر في الصيف وعن كميّة تدفُّقه العالية؛ إذ بعد أن ينتهي فصل الشتاء يبدأ الجليد بالذوبان ويصبّ في مياه ذلك النَّهر، أمَّا سامي فقد كان اختياره مختلف عن اختيار أخته الكبرى نور.


فضَّل سامي الذهاب إلى شاطئ البحر فقد سمع من صديقه مسعود عن جمال شاطئ الرمال الذّهبية وما يُقدّمونه هناك من ميّزات عديدة للزائرين، وغيرها من الأمور التي يطوق إليها أيّ سائح، فقرّر الأب أن يكون الاختيار بالقرعة فيسحبها كلّ من الأب والأم ونور وسامي وبذلك يقع الاختيار على ذلك المكان، وتمَّ ذلك الأمر وخرجت القرعة ثلاثة مرَّات إلى البحر مُقابل مرّة واحدة إلى النّهر.


قرّرت العائلة الذّهاب إلى البحر وبدؤوا بتحضير اللّوازم التي سيحتاجونها في تلك الرحلة، فوضع سامي أشياءه المُحبّبة إليه مثل الكرة ولباس البحر والأطعمة التي لا تخلو منها أيّ حقيبة طفل سيذهب إلى رحلة، وأخيرًا تمَّ الوصول إلى المكان المطلوب، إنّ الشاطئ يعجّ بالزّائرين الذين اختاروه مقامًا لرحلتهم الصيفية، والأمواج تُحاكي بعضها بعضًا في قصيدة لا يضل أي قارئ عنها.


وضعنا أشياءنا في مكانٍ قُرب شاطئ البحر ريثما أخذَ والدي مفتاح شقّة نبات فيها، وارتديتُ لباس البحر الخاصّ بي، وجلستُ قُرب البحر أتأمّل شاطئه وهو يأخذ أفكاري مع كلّ موجة تأتي وتذهب، كان الشاطئ يتلألأ باللون الأزرق الذي اكتسبه من لون السماء، فالماء لا لون له بل يكتسب زرقته من صفاء السّماء وجمالها، وأمواجه تتراقص مع بعضها مُشكلة فرقة يصعب لأيّ موسيقار مهما على شأنه من أن يستطيع العزف عليها، وزبد البحر يعلو وينخفض مع تكرار المد والجزر.


كان المنظر أشْبه بلوحة فنيّة مرسومة، مَن يتأمّلها لا يملك إلّا أن يُسبّح ربّه إعجابًا من بديع صنعه وإتقانه لخلقه، وكانت الأمواج تعلو وتنخفض فقد كان نصيبنا في ذلك اليوم أن تلعب الرياح لعبتها مع مياه الشاطئ فتزداد الأمواج في رقصها ويهيج البحر ويثور كحمامة تفتقد صغيرها بعد أن تركته في العش، ما لفت انتباهي هو مياه البحر الصَّافية التي لولا ملوحتها لكانت أعذب ماء يُمكن للبشريّ أن يشربها، لكنَّ والدي قد أخبرني أنَّ بعض الدول مثل الإمارات العربية المُتّحدة تعمل على تحلية مياه البحر عن طريق الكثير من الآلات الخاصة بذلك.


حمل سامي ألوانه وبدأ برسم الأمواج على تلك الورقة البيضاء التي أعدّها سابقًا ليرسم ما تقع عليه عيناه، كان جمال الشاطئ وزرقته هو أوّل ما ابتدأ بخطّه بتلك الأنامل الصغيرة.


رمال الشاطئ الذهبية

ما إن بدأ بخط ألوانه على تلك الورقة التي اختارها وعاءً لذكرياته حتى لفت انتباهه منظر تلك الرمال الذَّهبية التي يجلس عليها، وبدأ يتأمل أقدام النَّاس التي اتسمت على تلك الرمال وكأنَّها آثرت أن تكون فنَّا يستطيع أن ينحت الناس عليه ما يريدون، ترك سامي ورقته وألوانه جانبًا وحمل بعض المعدات التي يحتاجها أي طفلٍ على الرمال.


بدأ بيديه الصّغيرتين تشكيل قلعة كبيرة وهو يحاول أن يُهندس ما ترسمه له مُخيّلته الصغيرة التي يُداعبها بأنامله صباح مساء، وفي هذه اللحظة كان معه جنديٌّ من الجنود البلاستيكيّة التي يلعب بها في المنزل، فأخرج الجنديّ ووضعه على رأس القلعة الذهبية وما هي لحظات إلّا وأصبح الجنديّ يتحرّك في القلعة كما يشاء، وصارت القلعة عظيمة من الرّمال التي تشكّلت بها بعد أن كانت صغيرة ضئيلة، وخاف سامي من هَول المشهد الذي رآه وارتعدت مفاصله، وبدأ الجنديّ يأمر القلعة بأن تمتدَّ يمينًا وشمالًا وتحتل الشاطئ البحري بأكمله.


خاف سامي على أهله كثيرًا فلو امتدّت القلعة على الشاطئ بأكمله فإنّها ستجرف كلّ ما تجده في طريقها، وبدأ سامي يتوسّل إلى الجنديّ ويُذكّره بجمال الرمال وأهميّتها على البحر وكيف تنسج الرمال الجمال وكأنّها القصيدة العربيّة التي ألقاها أوّل شاعر جاهليٍّ في زمن سوق عكاظ، أوّل ما اختط العرب ذلك السوق، تذكّرَ الجنديّ ذلك الجمال الأخّاذ الذي رآه عند اندماج الرمال الذهبيّة مع الأمواج الزرقاء العالية.


فجأة نادى صوت عالٍ: هيَّا يا سامي ألَا تُريد أن ترى مشهد غروب الشمس على البحر قد كنت تحلم بتلك الرؤية!، استيقظ سامي من أحلام اليقظة التي عاش بها ورأى أنَّ الجنديَّ ما زال على رأس القلعة التي بناها وأنَّ شيئًا من التخيّلات لا ولن يحدث، وانضمّ سامي الصغير إلى عائلته ليرى آخر ما ستخطّ الشمس من جمال في هذا اليوم الصيفيّ الجميل.


التأمل على شاطئ البحر

وقف سامي وهالة المشهد الذي رآه وأعجبه، وبدأ ينظر إلى أشعّة الشمس وهي تُشبه سنابل القمح التي تخط ما تخطّه على الموج ويكأنّه شعر فتاة ذهبيّ أصفر لامعًا تطيب النفوس عند رؤيته، الشمس الآن في اختلاطها مع مياه البحر لا تُرسل أشعّتها الصفراء المائلة إلى الحمرة كما الحال في المدينة أو في أيّ مكانٍ غير البحر، الأمر الآن مُختلف تمامًا فهو يشاهد أجمل ما يُمكن أن تختطّه يد الطبيعة من تلألؤ الجمال على تلك الصفحة البيضاء المائلة إلى الزرقة.


ثم نظر إلى نقاط المياه وكأنّها تقطر من أشعة الشمس، وكأنّ قوانين الطّبيعة كلّها تقف مَذهولة، فالفيزياء تقضي بتبخّر المياه عند مُلامستها للحرارة لكنَّ قانون الجمال لا يعترف بذلك وقد يجمع الأضداد مع بعضها، ثم بدأ سامي بتأمُّل البحر وتخيَّل نفسه غواصًا يسبح في أعماق المحيطات، ويُلاعب أسماك الحوت والقرش والأسماك الصغيرة الأخرى التي يعجب لها الناظرون، لكنَّ الأخطبوط سيّد البحر هو ما لا يُمكن مُصادقته من بين تلك الحيوانات، إذ إنَّه يملك الكثير من الأيدي والأرجل التي تجعل من الاقتراب منه مأساة يخاف إنسان على نفسه أن يسطّرها فيُكتب اسمه بين قائمة ضحايا البحر.


تذكّر بعد ذلك سامي أفلام الكرتون المُتحرّكة التي يُشاهدها والتي تُصوّر حياة الأسماك وكأنّها تعيش نفس حياة البشر، فيذهب أطفالهم إلى التعلّم ويعمل الآباء في صنعة حتى يعيلوا صغارهم منها، وتُصوّر الحياة البحرية في جميع البرامج أنَّ أسماك القرش على مرّ الزمان هي العدوة الأولى سواء للحيوانات البحرية أم للبشر الذين ينزلون ويغوصون في أعماق البحار من أجل التقصّي عن ذلك العالم الذي لا يعرفونه.


طالما تناهى إلى سمع سامي عن حوريّات البحر التي تكون عادة هي نصف سمكة ونصف إنسان تراها حقيقة أم خيال، وكيف سيستطيع اكتشاف ذلك أو معرفته، ها هو الآن يقف مُتأمّلًا حالة البحر عند غروب الشمس، فلو أنَّ حوريّة مدّت رأسها وكلَّمته وحدّثته ماذا سيصنع، وأحبّ سامي أن يسرح في خياله أكثر فأكثر، فخطر في باله أنَّه لو أمسك الآن بمصباحٍ من المصابيح التي تخرج في حكاية من الحكايات التي ترويها جدّتي، تراه ما الذي سيتمنّاه ولم يجد أجمل من أمنية واحدة وهو أن يمنحه المارد القدرة على التنفّس تحت الماء.


أو أن ينزل في قوقعة مائية فيغوص في المُحيطات حتى يرى ذلك العالم الذي ما استطاع أحد أن يكشف أعماق كُنهه حتى الآن، الحياة في البحر تختلف كثيرًا عن الحياة في البسيطة، والتفتَ سامي إلى والده وقال له: والدي لقد سمعتُ معلّمة الدين تقول في ذات مرة: إنَّ أول المخلوقات على وجه هذه الأرض كان حوتًا ونسرًا فهل ذلك صحيح؟ قال له الوالد: نعم قد سمعت ذلك فيما ما مضى وكان يأتي النّسر إلى جانب البحر حتى يأنس مع الحوت ويُحدّثه بما يرى على وجه هذه البسيطة، ويذكر الحوت للنسر عن الأشياء الي يراها في عالم البحر وهو الوحيد فيه لا أنيس ولا جليس.


اندهشَ سامي بعد أن أكّد له أبوه ما وصلَ إلى سمعه عن أول مخلوقات البحر، وتخيَّل كيف لذلك البحر أن يسير وحده في المحيطات والبحار متنقلًا بين ذلك وذاك، قد لا يصلح للبحر اسمٌ آخر سوى أنَّه عالم العجائب، العالم المخفيّ عن الأيدي البشرية التي مهما تطوّرت يبقى هناك أجزاء بعيدة لا تستطيع أيدي البشر الوصول إليها، ربّما احتفظت بجمالها لأنّها ما زالت غير مكتشفة، سأكبر في يوم من الأيّام لأكونَ ذلك البحّار الذي يجوب المخاطر والمحيطات، ويأنَس بالمخاطر والمُغامرات، سأكون يومًا ما أريد.


لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن البحر.

9170 مشاهدة
للأعلى للسفل
×