تعبير عن صديقتي المفضلة

كتابة:
تعبير عن صديقتي المفضلة

من هي صديقتي المفضلة

الصداقة هي الشجرة التي نأكل من ثمرها إذا احتجنا، ونستظلّ بظلّها إن تعبنا، وتُعطينا الأكسجين إن اختنقت صدورنا، وهي غاية يسعى إليها الفرد ليحطّ رحاله فيها، ومعبر مفتوح إن أُغلقت الأبواب أمامنا، وهي النّور إن أظلمت دنيانا، فنسعى إلى تحقيق علاقة الصداقة بكلّ ما أُوتينا من قوّة، ونسعى إلى إيجاد صديق مُقرّب يروي قلوبنا لتكبر تلك الشجرة وتثمر في أرواحنا، يقول الشافعيّ:[١]


سلامٌ على الدنيا إن لم يكن بها

صديق صدوق صادق الوعد منصفا


لقد أسميتُها صديقتي المفضّلة؛ لأنّها ضمّت قلبي بين ثنايا كلامها حين حزنت، واحتوت روحي عندما بكيت، أخذت من فرحتها وصبّت في قلبي، وأخذت من ضحكتها ورسمت على وجنتي، لطالما تحدّثت عن مشاكلي كأنّها قضيّتها الأولى، ووقفت معي حينما فقد قلبي شبابه، وحين فقدت ثقتي بنفسي، كانت هي منبع الثقة لي.


لم تشعرني يومًا بأنّني حِمْل عليها، وإنّما كانت ضحكاتها لي في أوقاتي العصيبة بمثابة طوق نجاة، ولا أحتاج لقول ما أشعر به، لأنّ قلبها يشعر بي كما لو أنّ أمّي أعارتها جزءًا من قلبها، ولا أرتّب كلامي عندها، لأنّها لن تفهمني بشكل خاطئ أبدًا، وكلّما ذُكرت عبارة الصديق وقت الضيق، أشعر أنّها قيلت من أجلها، فكلما أتيت لها هاربة من ألم الدنيا وجدت دنيا جديدة عندها.


لم تفشِ لي سرًّا، فهي كدفتر مذكرات ولكن بطريقة آمنة وحنونة جدًّا، تسمعني بإنصات شديد ثمّ تُمزّق الأوراق المُؤلمة من حياتي، ولا يعرف عنها أحد بعدها، فأستطيع أن أؤمّنها على روحي، وكأنّ روحي عندما تكون معها، ستكون في أمان أكثر ممّا لو كانت في جسدي.


تفرح بنجاحي وإنجازاتي أكثر من فرحتها بنفسها، فتشعرني أنّ ما قمتُ بإنجازه وإن كان صغيرًا هو شيءٌ كبيرٌ بالنّسبة لها، وتذْكرني بدعائها دائمًا، في السرّاء والضرّاء، فلا أحتاج أن أطلب منها أن تدعو لي، أو أن أُذَكّرها حتى.


لم تبدّلني بأحد حتى عندما قصرّت معها، لأنّها تُقدّر الأيّام الجميلة التي عشناها معًا، وتُقدر أي شيء صغير فعلته من أجلها، حتى ولو كانت وردة صغيرة أهديتها إيّاها، أو كلمة صغيرة قلتُها في وقت حزنها، فهي تعرف معنى الوفاء[١]والإخلاص، وهي الصديق الصالح الذي يأخذ بيدي إلى طريق الخير دائمًا.


صفات صديقتي المُفضّلة ليست كصفات أيّ أحد، فلم أشعر يومًا أنّني مُضطرّة لفعل أيّ شيء حتى تحبّني، أو تقف بجانبي، ولم أشعر أنّني مضطرة لأبرّر ما أقوم به، فهي كـوطن يحتوي أبناءه ويعطيهم من خيراته، ولا يطلب منهم أي شيء.


أخيرًا، أنا لم أختر صديقتي المُفضّلة بعبث، أو دون تفكير، ولكن لو نظرتُ حولي من كلّ الجهات، ولو نظرتُ إلى العالم أجمع فلن أجد عالمي إلّا معها.


اليوم عرفتُ صديقتي المفضلة

لا نعرف متى نلتقي بالصديق الذي سيصبح صديقنا المفضل، ولا نعرف ربما تكون صدفة جميلة، أو لقاء غير مُتوقّع، أو موقفًا جعلنا نشعر بأنّ هذا الشّخص مُناسب لنا ولقلوبنا، ولا علاقة للمدّة الزمنيّة بقُرب الصديق منّا، أو التّخطيط المُسبق، يقول البحتري عن الصديق:[٢]


كَم صَديقٍ عَرَفتُهُ بِصَديقٍ

صارَ أَحظى مِنَ الصَديقِ العَتيقِ

وَرَفيقٍ رافَقتُهُ في طَريقٍ

صارَ بَعدَ الطَريقِ خَيرَ رَفيقِ


عرفتُ صديقتي المفضلة عندما كنتُ طفلة صغيرة، كنتُ أميل للعزلة بعض الشيء، كنتُ أخاف من النّاس، كنتُ كشيءٍ لا يُرى، لا أعرف لماذا، ولكن ربّما لأنّني خجولة ولا أستطيع التّعبير عمّا في خاطري، لم يكن يُحبّني أحد ولكنّها أحبّتني، لم يكن يتحدّث معي أحد لكنّها جلست معي لوقت طويل، وعندما آلمني العالم داوت جروحي.


أذكر جيّدًا اليوم الذي التقيتُها به، لقد كان آخر يوم لي في الصف الخامس الأساسيّ، كنتُ مُعتادة من الصف الأول أن أجلس في آخر مقعد، كنتُ جالسة وحدي كالمُعتاد، فقد قضيت خمس سنوات على هذا الحال، ولكنّها جاءت وصنعت لي يومي، جاءت وأرضت قلبي، جاءت وزرعت البذرة الأولى في حياتي، بعد أن عشتُ في صحراء قاحلة لمدّة خمس سنوات، لقد قالت لي فقط: كيف حالُكِ؟


لقد أشعرني سؤالها بأنّ هناك مَن يهتمّ لأمري للمرّة الأولى منذ أن دخلتُ المدرسة، تلبّكت وتوترت، شعرتُ بمشاعر كثيرة، شعرت بالخوف كثيرًا، لكنّني كنتُ سعيدة جدًا، أجبتها: إنّني بخير، ولم أسألها حتّى كيف حالك أنتِ، فلم أكن أُجيد التحدُّث مع الآخرين، ولكن ردّة فعلها كانت الخطوة الأولى لتُصبح صديقتي المُفضّلة.


لقد قالت لي يومها: إنّ هذا آخر يوم في المدرسة، وأردتُ أن أخبركِ أنكِ جميلة جدًّا، وإنّني سعيدة جدًّا بلقائك، وقامت واحتضنتني، ثم ابتسمت في وجهي وذهبت، لم ألاحظ ابتسامتها بقدر ما لاحظت ابتسامة يومي حينها، لم تكن عندي الثقة بنفسي التي تجعلني أشعر بأنّي جميلة كما أشعرتْني، وكانت المرة الأولى التي يُخبرني فيها أحد بأنّه سعيد للقائي.


توالَت الأيّام وتوالت المواقف بيننا، وقد كانت هي المُبادِرة بالحبّ، وهي المبادِرة بالودّ، حتى شعرتُ أنّها تليق بقلبي، وأنّ قلبي في أسعد حالاته عندما تكون معي، ولم أتّخذ قرارًا بأن تكون هي صديقتي المُفضّلة، لكنّه كان قرارًا هي اتّخذته بلُطفها ولين قلبها، لقد كانت أوّل شخص يضع لي لقبًا جميلًا، لقد قالت لي ذات مرة أنتِ وطني، ومن يومها وهو أحبّ الألقاب إلى قلبي، وصدقَ من قال: إنّ الصديق أخ لم تلده أمك، لكن ولدته المواقف والظروف.


أخيرًا، قد يكون موقف صغير يصنع فارقًا كبيرًا، أو حتّى كلمة قد تصنع السعادة لإنسان، وهذا ما فعلته صديقتي الغالية.


صديقتي المفضلة تسافر

إن فراق شخص عزيز علينا يُشعرنا بالألم، ونشعر أنّ جزءًا منّا قد فارقنا معهم، نشعر بالشّوق للأيّام التي عشناها معًا، فكيف لو كان هذا الشخص سيغيب طويلًا؟، كيف لو كان الشخص الذي فارقناه بمنزلة الرّوح من الجسد؟، كيف لو كان هذا الشخص صديقنا المُقرّب، ومخبأ أسرارنا، والأذن المُصغية لنا؟ يقول ابن زيدون عن فراق الأصدقاء:


بِنْتم وبِنّا فما ابتلتْ جوانحُنا

شوقًا إليكم ولا جفّتْ مآقينا

تكادُ حينَ تناجيكم ضمائرُنا

يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا

أُنسًا بقربكم قد عادَ يبكينا


تختلج المشاعر في صدري، ما بينَ حُزن وفرح، ما بين الألم والتّمني، فصديقتي المُقرّبة تُسافر، ولا أعلم متى سألتقي بها مُجددًا، أشعر بأنّ قلبي يشتاق لها من الآن، أشعر بأنّ جزءًا منّي قد رحل معها، أشعر بأنّ الشيء الجميل الذي يربطني بالحياة قد ذهب، لا أستطيع تخيُّل أن أبكي ولا أجدها أمام منزلي، لا أستطيع تخيُّل أن أجلس في المكان الذي اعتدنا الجلوس فيه معًا وحدي، لا أستطيع تناوُل طعامي المُفضّل إلّا معها، ولا أستطيع النّوم قبل الاطمئنان عليها، فكيف سأعتاد على هذا كلّه؟


الذكريات بيننا لا تُنسى، فأذكر أوّل لقاء بيننا، وأوّل حديث كان، أذكر عندما كنتُ أقضي الكثير من الوقت لنتناقش في موضوع صغير، وأذكر عندما كنّا ننطق نفس الكلمة في الوقت نفسه، ثم يتعالى صوت ضحكاتنا، أذكر عندما كانت تأتي إليّ بكامل حماسها لتُخبرني عن موقف حدث معها، أو طبخة نجحت في إعدادها، أذكر ضحكاتنا التي كانت تظهر عند كلّ لقاء، وتعبيرها عن سعادتها بمعرفتي ولقائي.


فكَم ضحكنا معًا وبكينا، وكم احتوتني بكلماتها حين بكيت، وكم ركضتُ إليها هاربةً من ألم الدنيا، وتهامسنا بأسرار لا نريد لأحد أن يعرفها، وكم دثّرتني بغطاء المحبّة والودّ حين ابتعد عنّي الجميع، مَن يُعوّضني عن كّل هذا الآن؟


أعلم أنّ لا أحد سيُعوّضني عن هذا كلّه، ولا حتى عن جزء منه، ولكنّني أُعلّل نفسي بأنّها ستعود ذات يوم، وسأخبرها عن شوقي الكبير لها، وأنّ الحياة مُتعِبة دونها، سأُخبرها كم أنّها كانت جميلة وما زالت جميلة جدًا.


أتمنّى لك يا صديقتي أن تكوني بأحسن حال، وأن تُحقّقي كلّ ما تطمحين إليه، أتّمنى أن تضحك لكِ الحياة، وأن يأتي الخير إليك من كلّ مكان، وألّا تُفارق الضحكة قلبكِ ووجهكِ، وأن يرتاح بالكِ، ويهنأ قلبكِ بحياتكِ الجديدة.


وتذكّري يا غاليتي، أنّه وإن فرّقتنا المسافات فإنّ قلبي على العهد باقٍ، فلا أحد سيأخذ مكانكِ في قلبي، وسأدعو لكِ وأذكركِ بالخير الذي حرصتِ على زرعه بداخلي دائمًا، وبالرّغم من أنّني حزينة على فراقكِ، فإنّني في الوقت نفسه سعيدة بأنّكِ ستُحقّقين ما أردتِه يومًا، وأتمنّى أن تجدي صديقة تُعينك علىمصاعب الحياة، وتأخذ بيدك إلى الخير، وتُحبّكِ بقدر ما أنت جميلة، فأنتِ تستحقّين أن يأتي الخير كلّه فقط لأجلكِ.

المراجع

  1. أحمد قبش، كتاب مجمع الحكم والامثال في الشعر العربي، صفحة 52. بتصرّف.
  2. "كم صديق عرفته بصديق"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-18. بتصرّف.
4331 مشاهدة
للأعلى للسفل
×