تعبير عن طاعة الوالدين
خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل وجودَه في هذه الحياة مُنبثقًا من العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، ويولد الإنسان ضمن قدرات جسديّة محدودة للغاية، فيكون غير قادر على المشي أو الاعتماد على نفسه في تأمين الطعام والشراب، حيث يتولّى الأب والأم هذه المسؤولية ليبدأ الطفل بالاعتماد على نفسه شيئًا فشيئًا، وشاءت حكمة الله أن يمر الإنسان بمراحل متسلسلة من الضعف إلى الاستقامة واشتداد العود ثم إلى الضعف مرة أخرى عند التقدم في العمر، ويكون هذه الأمر بشكل معكوس بين الآباء وأبنائهم في الوضع الطبيعي، حيث يكون الوالدان بصحة وقوة وعافية عندما يكون الابن صغيرًا ومحتاجًا للرعاية التامة، وحين يكبر الطفل ويعتمد على نفسه يكبر والداه وتصبح لهما قدرة أقل على القيام بالعديد من الأمور اليومية في هذه الحياة.
ويعدّ بر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، وقد تمّ التأكيد على ذلك من خلال ورود العديد من آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن أهميّة الطاعة والإحسان إلى الوالدين، بالإضافة إلى ذكر العديد من قصص الأنبياء التي قدَّمتْ دروسًا عظيمة عن علاقة الآباء بأبنائهم وطاعتهم فيما يأمران، ومن أبرز هذه القصص قصة سيدنا نوح -عليه السلام- وابنه، وقصة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، حيث كان في أحداث هذه القصص عبرًا خالدة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في أهمية طاعة الآباء، وأثر برِّهم على حياة الإنسان، حيث عصى ابن سيدنا نوح -عليه السلام- أباهُ وانتهى به الأمر إلى الغرق، واستجاب سيدنا إسماعيل -عليه السلام- لأمر الله تعالى وأطاع أباه ففداهما الله تعالى بكبش عظيم وجعل من الذبح سنة للمسلمين إلى يوم الدين.
وهناك صور عدّة على طاعة الوالدين والإحسان إليها، فمن ذلك أن يتمّ الاستجابة لكلّ ما يطلبه الآباء من الأبناء من الأمور الدنيوية، بالإضافة إلى الابتسامة في وجهَيْهما، ومحاولة إدخال السرور إلى قلبيهما بالبحث عمَّا يحبان في هذه الحياة، وتبرز طاعة الوالدين بشكل أكبر عندما يتقدم بهم العمر، فعندها يكونان أكثر حاجة إلى من يحن عليهما ويرفق بهما ويساعهما على قضاء حوائجهما المختلفة.
وبالرغم من وجوب حق الطاعة للآباء على الأبناء إلا أن هذا الحق مربوط بطاعة الله تعالى فيما يأمران، فإن أمر الوالدان أبناءهما بمعصية الله فلا طاعة لهما في ذلك، وهنا يجب على الأبناء اسداء النصيحة لهما وحثهما على العودة إلى الله تعالى وإعادة النظر في هذه الأوامر التي تحدُثُ بها معصية الله، ولا تقتصر طاعة الوالدين وبرهما على وجودهما في هذه الحياة، فعمل الإنسان لا ينقطع بعد الموت، ومن هنا فإن للآباء على الأبناء حق البر حتى بعد الموت من خلال القيام بالأعمال الصالحة عنهما والتي تَرِدُهما بأمر الله تعالى.