التسامح سمة المجتمع الراقي
الأخلاق هي أساس رقي المجتمعات، ومن أهمّ الأخلاق التي ترقى بالمجتمعات خلق التسامح، فعندما يعيش أفراد المجتمع حياةً بسيطةً مبنيةً على التسامح والعفو عن إساءة الآخرين سيكون هذا المجتمع كالغيمة البيضاء النقية الخالية من الشوائب، ويكون نقيًا بأخلاق أفراده النبيلة والكريمة، فالتسامح هو أساس العلاقات السليمة والمتينة.
نعم هو التسامح الركن المتين وحجر الأساس الذي ترتكز عليه المجتمعات المتينة، فيبعد أفراد المجتمع عن المشاحنات والبغضاء والكراهية، ويُعزّز بينهم أواصر التواصل والمحبة، فتكون قلوبهم نقيةً، وعقولهم حكيمة تتعامل مع المحيطين بها بوعي وأخلاق كريمة ومبادئ جميلة.
التسامح مزاياه نجوم تضيء المجتمع
المجتمعات التي تعيش تسامحًا هي تلك التي تتمتع بالسلام الداخلي، وتتلألأ فيها نجوم الحب والمودة والاحترام، فإنّ التسامح هو تلك النجوم اللامعة والأقمار التي تُزيّن سماء المجتمع، كيف لا وهي التي تمحو غمامة الكره والحقد، وتنشر السلام والوئام بين الناس، فالإنسان المتسامح سيكون سعيدًا بنفسه، وسعيدًا بمن يُحيطون به أيضًا.
المتسامح ليس إنسانًا ضعيفًا كما يظن البعض، بل على العكس فهو يصقل الشخصية ويُقويها، ويجعلها متينةً صلبةً في مواجهة الصعاب، وسيكون الإنسان المتسامح قادرًا على التحكم بعواطفه وضبط انفعالاته في كل المواقف التي يُواجهها ويمر بها، فلا مكان للغضب أو الانفعال والتوتر الذي يُؤدي إلى هدم العلاقات الاجتماعية وتفتيت بنية المجتمعات.
التسامح في المجتمعات يعني أن يكون الإنسان متجاوزًا عن كثير من زلات الآخرين، وألا يكون منتظرًا لكل خطأ كي يقف عنده ويشهّر به وبصاحبه وكأنه ارتكب جريمةً، فالتسامح يعني إعلان الحسنة والتستر على الخطأ والإساءة، ومحاولة النصيحة بأسلوب لطيف وكلمة طيبة، هي تلك الكلمة الطيبة التي ستثمر في النفوس وتفرح القلوب.
التسامح لا يُمكن أن يكون في بيوتكم إلا وملأها حبًا وراحة وطمأنينة، وذلك لأنّكَ أيّها الأب المتسامح ستكون قدوةً لأولادك، ويتعملون منك كل تفاصيل الحياة، وستكون أخلاقهم رفيعةً مبنيةً على العفو، وبالتالي سيكون هذا الأثر متنقلًا في المجتمع، وينتقل من البيت إلى المدرسة والتعامل بين الأصدقاء، مما سيُؤدي إلى اتساع دائرة التسامح في مجتمعنا.
لولا التسامح لكانت المجتمعات غابات كبيرة، ولما كان للقضاء والقانون مكان في حياة البشر، فهذا التسامح هو الذي يحمي المجتمعات والشباب تحديدًا من الضياع والشتات، هو الذي يُقوّم الاعوجاج في أيّ مجتمع، وعقول شبابنا وأطفالنا تربة ندية يُمكن أن نبذر فيها بذور التسامح لتكون ثمارًا ناضجةً وجميلةً تنتشر في مجتمعنا في المستقبل.
التسامح في المجتمع بين الفكرة والتطبيق
ما أكثر تلك العبارات المنمقة والجمل البلغية التي نتكلم بها عن التسامح وقيمته وأهميته! ولكننا مع الأسف لا نتقن تطبيقها، فكلّ اجتهاداتنا تكون في الكلام النظري، وعند التطبيق نفعل كل التصرفات التي تكون مخالفة لمقولتنا، فنناقض أنفسنا ونبتعد عن القيم والأخلاق التي ينبغي أن نعمر بها مجتمعاتنا، وجعلها نجومًا تنير حياتنا وحياة أولادنا.
فلا يُمكنكم أن تطلبوا من طفل أن يُسامح صديقه الذي كسر له لعبته، وأنتم أنفسكم كنتم قبل يوم قد أنزلتم بابنكم عقابًا لأنّه نسيَ كتابة الواجب المدرسي، كيف يُمكن لهذا القلب البريء أن يتعلم التسامح إذا لم يره ويشعر به، إذا لم يُطبق منكم أمامه، فالتربية وتعليم الأخلاق يكون بالقدوة الحسنة لا بالكلام الذي يناقض الأفعال ويبتعد عنها.
إنّنا نعرف معنى التسامح جيدًا، ونحفظ كل مرادفاته، ولكننا نحتاج أن نعرف أمرًا أهم وهو كيف ننشر هذا التسامح في حياتنا، وكيف نجعله النور المضيء في عتمة ليالنا، عندما نجعل التسامح هو تلك العصا التي نتكئ عليها ونستغيث بها كلما هبت بنا عواصف الغضب والانفعال نكون قد فهمنا التسامح، وعرفنا قيمته في حياتنا وأثره على علاقاتنا.
فلذلك من المهم أن نبتعد عن العناد والتعنت لآرائنا، فكل واحد منكم يقول إنّه لم يخطئ وعلى الآخر أن يعتذر، وتستمر هذه المعركة الأزلية بين من على صواب ومن على خطأ، والتسامح ينظر من بعيد إلى هذه الملحمة المأساوية ولسان حاله يقول: الهلاك والدمار يحوق بمجتمعكم وأنتم تتنحارون، تسامحوا وتصافحوا قبل فوات الأوان.
تطبيقكم للتسامح في حياتكم يعني أن يكون التسامح هو الخيار الأول والأخير في كل المواقف التي تمرون بها في حياتكم، لا أن يكون خيارًا أخيرًا يُمكن استخدامه إذا فقدتم كل الوسائل، إذ بالعفو عن الإساءة ونسيان الأخطاء تزهر المجتمعات ربيعًا زاهيًا تنعشه رائحة الورود النضرة، وتُجمّل سماءه الفراشات الملونة محلقةً بفرح وسعادة.
تطبيقنا للمسامحة والعفو في حياتنا سيجعل الحياة جميلةً، ويجعل تفكيرنا سليمًا لأنّه يبعد كل ما من شأنه أن يُعكر صفونا ويُكدر عيشنا، فما أجملها من حياة يكون الحب والاحترام والعفو هو أساس علاقاتها، وعندها سنكون نعم القدوة لكل المجتمعات التي تحيط بنا، وكلهم يرجون أن يسيروا على طريقنا ويتعلموا هذه الأخلاق الفاضلة التي نعيشها.
التسامح هو عصب المجتمع المقوِّم
أخيرًا، إصلاح جذور الأشجار وتقويم اعوجاجها يكون أسهل في بداياتها، فكلما اشتد عود أشجارنا صار من الصعب تعديل اعوجاجها، وكذلك هي الأخلاق كلما هذبناها وقومناها من بداية النشأة استقامت جذوعها عندما تكبر.
التسامح هو المسؤول عن تقويم اعوجاج المجتمع، وذلك يكون بالانطلاق من زرع بذور التسامح في نفوس الأولاد في المجتمع، ثم ينتقل هذا الأثر إلى الشباب فالكبار، وتسير الحياة في المجتمعات مستقرة آمنة، يملؤها التسامح ويُزينها الحب والاحترام والتغافل وتناسي الأخطاء وتذكر الأمور الجميلة.
هل هناك أجمل من حياة مُفعمة بالذكريات الوردية الجميلة التي تأخذنا إلى عالم من الحب والخيال، وتزيد من حبنا لبعضنا وترفع قدرنا ومكانتنا بين المجتمعات الأخرى، طُوبى للمتسامحين العافين عن الإساءة، وما أبهى حياتهم وأرقى منازلهم التي يُطاولون بها النجوم العالية في كبد السماء!