محتويات
المقدمة: لصديقي طَلعة الصباح
إن من شروط السعادة في الدنيا أن يكون للمرء أصدقاءٌ يحبهم ويحبونه يسأل عنهم ويسألون عنه يضحك لهم ويضحكون له، وأن يكون للصديق طلعةٌ كطلعة الصباح الندية في الحياة وأن يكون البداية بعد كل ليل قاحل وأن يكون الفرح والسرور بعد الحزن والمرارة، والراحة بعد العناء والسعادة بعد الشقاء إنّ للصديق لمساتٌ تُطهرُ الأرواح المثقلة بالهموم، لصديقي حضورٌ يغني عن ألف حضور الفرح كل الفرح في الصديق، والراحة كل الراحة في حضور صديقٍ ليس مثله صديقٌ في هذه الدنيا.
العرض: صديقي مرآة قلبي
تعتبر الصداقة إحدى كنوز الدنيا النادرة والثمينة، فهي علاقة حقيقية تُبنى على الثقة والصراحة والوضوح، ولا ينبغي إخفاء ما ينبغي قوله أمامهم وما فيه مصلحتهم، بل ينبغي الوضوح والحقيقة والمواجهة خاصة وإن كان ذلك الصديق يتعرض للمخاطر أو يعرض نفسه لأمور غير مستحبة أو قد تدمر مستقبله وحياته. الصديق مرآة القلب التي تملأ المرء حبا وثقةً وسعادة؛ إذ يفهم الصديق صمت صديقه، ويحمل همه ويمنحه السعادة في أحلك الأوقات، والصديق ليس سواهُ حلوٌ في الحياة، كم يعاني المرء في حياته ويأتي الصديق المخلص يمسح عن قلبه الهموم ويمنحه كل ما يحتاج إليه، ويغدقه أحلى عبارات الكلام عندما يأتيه ذلك الصديق حاملًا همومه وذنوب وعثراته.
يبثُ الصديق لصديقه عبراته في ليل السهدِ الطويل، لا يمل الحديث إليه ولا يشعر بثقله عليه، يضحك معه ويهديه كل ابتسامات الحياة، يرى الصديق صديقه مرآةً لقلبه يبث فيها شكواه، ويدفع عنه الأذى وضراوة الأيام، يأتي إليه حاملًا جبال الأرض همومًا، ويعود والسعادة لا تفارق محياه، الصديق هو النور والسرور وإن طالت البلوى، الصديقُ هو الملاذ نحو حياةٍ ليس كمثلها حياة سيما إن كان ذلك الصديقُ يحملُ من العطاء أفضله ومن الخير جُله، ولا يترك صديقه في أصعبِ الظروف ولو كان لا يمتلك درهمًا ولا دينارا.
إن للصداقة أنواعًا متعددة منها ما هو قائمٌ على مصلحة وما إن تنتهِ تلك المصلحة حتى يجد المرء صديقًا بوجه آخر ومنها ما يكون صداقة في محيط العمل وما إن ينتهِ ذلك العمل حتى لا يسأل الصديق عن صديقه، ومن الصداقات ما يكون في فترة الدراسة والسفر وتنتهي تلك الصداقات بنهاية المدة، ولكن الصداقة الحقيقية تدوم وتستمر إلى ما لا نهاية ومن غير مدة زمنية مرتبطة بشيء ما، إن الصديق الحقيقي هو من يلازمك في كل الأيام وكافة المناسبات وفي الأفراح والأتراح، إن الصديق الحقيقي لا يضع شروطًا تُلزمه بشيء ما وإنما الصداقة الحقيقية تكون بلا تكلف ولا مصلحة.
لعميلة اختيار الصديق أسس عامة ومهمة ولا بد من عدم تجاهلها فخير صديق يختاره المرء هو من يتسم بالصلاح والهداية وسلامة الدين والمبدأ، فكم من صديقٍ أودى بصديقه نحو مهاوي الردى وألقى به في غياهب الشرور والآثام، كم من صديق جعل وجه الحياة أسودًا قاتما، وأبعد المرء عن دينه وعباداته وأنساه مبادئه وكانت النهايات مؤسفة للغاية، لذلك ينبغي اختيار الصديق صاحب الدين والخلق فهو خير تجارةٍ يتاجر بها الإنسان مع نفسه، فلا مجال لصاحب السوء ورفيق الآثام والأيام السوداء القاحلة.
لاختيار الصديق الصالح فضلٌ عند الله تعالى فلا شيء يعادل أن يكون المرء وخليله في الجنة معًا وإنّ الصديق الصالح ليأخذ صديقه معه إلى الجنة أو يأخذه إلى النار، و الصديق الحقيقي يسأل عن صديقه في الدنيا فهو يعلم أنهما ذهبا للصلاة معًا ومشيا في طريق الخير والصلاح معًا ، لله دره من صديق صدوقٌ صادق الوعد مُنصفا! كما أنه يتوجب على الإنسان اختيار الصديق الذي يمتلك تفكيرًا أقرب ما يكون إلى تفكير صديقه وأن يمتلك من الهوايات والمهارات ما يكون فيها بعض التوافق، فلو كان الصديقان يحبان هواية الرسم ولديهما بعض المهارات فيه.
من الجميل أن يسيرا معًا نحو إحدى المكتبات ويشتريان بعض الأدوات ويرسمان معًا في أحد الحدائق العامة، أو من شرفةِ المنزل عصفورًا يطير في السماء مثلًا، أو موقف خيرٍ يترجمانه إلى واقعٍ على الورق، أو يقومان بتحديات مسلية كأن يرسم الاثنان منظرًا طبيعيًا واحدًا ويقومان بمقارنة رسوماتهم أو عرضها على أحد الأشخاص وفي ذلك التحدي فرصة للتحسين وليس لإثارة مشاعر الحقد والكراهية فيستقبلان الآراء بكل حبٍ وقبول، أو يتعلمان هواية واحدة مثل السباحة التي فيها من الفوائد ما لا يعد ولا يحصى وينضمان إلى أحد نوادي السباحة برقابة الراشدين كي لا يعرضا نفسيهما للخطر وبذلك قد يكونان وهبا نفسيهما هواية جديدة ومتعةً كبيرة وانشغلا بما يرضي الله.
وما أجمل أن يختار المرء الصديق الذي يقود صديقه لفعل الخيرات! فما أكثر أولئك الأصدقاء الذين لهم بصمات واضحة في أعمال الخير! ولهم مشاركات عديدة في بعض الحلقات التعليمية والثقافية ويحبون الدراسة والقراءة ويذهبون للمكتبة من فترة لأخرى لاستعارة الكتب، فما أجمل أن يسير المرء مع صديق مثل هذا!، فلو كان لا يحب القراءة فإنه سيجد نفسه يحذو حذوه ويسير خلفه بدون إدراك، فيبدأ بالانضمام للحلقات التعليمية وتجد أنه يستعير الكتب أو يشتريها، وقد يظن المرء نفسه قويًا وقادرًا على مواجهة رفيق السوء فلو افترضنا مثلًا أن لشخص ما صديقًا يمشي بطريق الشر أو يتبع سلوكيات بعيدة كل البعد عن الطبيعة البشرية والدين والخلق.
يظن الصديق نفسه قويًّا وقادرًا على التصدي للصداقة غير السوية ويظن نفسه قادرًا على تغيير ذلك الصديق وجذبه نحو الخير والطريق الصحيح، وإذا به يندفع خلف صديقه بلا أدنى تفكير، وإذا به ينغمس في الملاهي والملذات وينسى خُلقه وإيمانه وينسى ما رباه عليه أبواه من أخلاق رفيعة وتمسك بالدين، ويكون بذلك قد قاد نفسه للهلاك دون رغبة منه، قد قيل لنا مرةً إن "الصاحب ساحب"؛ أي أنه يسحب صديقه ويجره نحو الهلاك والضَيم ويبعده عن كل ما فطره الله عليه وما ورثه أبواه له من أخلاق حميدة وسلوكيات رفيعة، ومبادئ وقيم، فيضيع كما ضاع صاحبه ويذهب بسمعة أهله وإخوته ويتجنبه الناس ويذكرونه بالسوء.
الخاتمة: نعم الصديق صديقي!
نعم، الصديقُ في الحياة هو الصديق المُنعم والمُتفضل لكل ما فيه الخيرٌ لصديقه، وهو الذي يأخذ صديقه نحو بر الأمان ويبعده عن الشبهات ويقيله من العثرات، ويتحدث إليه ويسمعه حتى في السكوت، ونعم الصديق من يأخذ بكف صديقه ويوصله برّ الأمان، ويغني وإياه أغنيات الحياة الجميلة، ويمهد الطريق أمامه، قال الشاعر أبو القاسم الشابي رحمه الله:
خذ بكفي وغني يا رفيقي
:::فسبيلُ الحياة وعرٌ أمامي[١]
قد يلهمك محتوى مقال: كلمات عن الصديق، في كتابة موضوع تعبير عن الصداقة.
المراجع
- ↑ أبو القاسم الشابي، "يا رفيقي وأَينَ أَنْتَ فَقَدْ"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 12/7/2021. بتصرّف.