تعبير قصير عن العمل

كتابة:
تعبير قصير عن العمل

أهمية العمل للفرد والمجتمع

الحياة الكريمة مطلب لكلّ إنسان أحسنَ إليه والداهُ بتربيةٍ سليمة، والعيشُ الكريم حلمٌ يسعى إليه الناس الشرفاءُ في كل يوم خوفًا من أن يجلسوا عالةً على غيرهم، فيحملون على أكتافهم عبء العمل وإن كان مُضنيًا، ويجرّون أتعابَه وإن لم تأتِ بكلّ ما تشهيهِ النفس، ولكنها تصونُ الإنسانَ عن ذلّ احتياجِ الآخرين، وعلى ذلك تُربّي الأسرة الناجحة أبناءَها، وتحثّهم على المضيّ قدُمًا في سبيل العمل المناسب لقدراتهم وطاقاتهم الجسمية والفكرية، وبعضهم يُضيفُ إلى هذا الأمر صفتهُ السامية، وهي نفعُ الآخرين وعمرانُ الأوطان.


تتأصّل فكرة العمل منذ وجود الإنسان على هذه الأرض؛ إذ كان يسعى في بدايات حياته البدائية ليُشبع حاجاته الغذائية، ثم أخذ بتطوير هذا الاحتياجِ إلى اختراع الأدوات البسيطة التي تُساعده في هذا المطلب، ثم اكتشف مبدأ التبادل مع الآخرين، فأعطى وأخذ واستفاد وأفاد، حتى بُنيَت الحضارات العظيمة، وتضخّمت فكرة العمل إلى آلاف المِهن، واستطاع الإنسان أن يُثبت جدارته عن طريق دمجِ العمل بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضيات التي كانت أساس الهندسة العمرانية، فبنى البروج والقلاع الشاهقة، وزرع وحصد وصنّع الأطعمة، واخترع الآلات الحربية، وابتكر خطوطًا للتجارة بين الدول، واستثمر الشمس في كل ما يخصُّ حياته اليومية من علاج أو غيره، حتى أصبح العمل أمرًا طبيعيًّا لا يختلف اثنان على وجوبه.


عندما جاء الإسلام كان لا بد أن يؤكّد ضرورة العمل بالصورة الصحيحة؛ إذ إنّ أهمية العمل في الإسلام ترجع إلى عناية هذا الدين بكرامة الإنسان، وتحقيق السبل السليمة لطريقة عيشه التي لن تتغيّر وسيلتها على مر العصور، فإن اختلف مستوى تطوير الحضارات لمعيشة شعوبها إلا أن فكرة العمل تبقى وسيلةً ثابتةً لصنع ذلك الاختلاف الرّائد.


يكاد العمل يُشكّل نواة الحياة اليوميّة في حياة الفرد، وبالتالي فهو النواة أيضًا في حياة المجتمع، فالفرد هو الجزء الرئيس من المجتمع بصورته الكُليّة، فيسعى الفرد إلى تحصيله العلمي منذ نعومة أظفاره، ويسعى الوالدان إلى رفع مستوى التحصيل الدراسي لدى ولدهما لكي يحظى بتخصّص جامعيّ يليق بالأسرة، فتمضي في التخصص الجامعي سنواتٌ كثيرةٌ من عمر هذا الطالب حتى ينال شهادته التخصّصية ويحظى بعملٍ يليقُ بشهادته وأسرته، وهذا ما يُوضّح أهمية العمل في حياة الفرد والمجتمع، ويجعل الوعي المُتزايد حول العلم يرتفع باستمرار، ويُكسِبُ الجامعاتِ ومقاعد الدراسات العليا مزيدًا من الطلبة في كل عام، حتى باتت تضيقُ بهم الأماكن.


الإخلاص في العمل

إذا كان العمل على ذلك القدر من الأهميّة فلا بدّ أن يكون الإخلاص فيه أشدّ أهميّةً، لأنّ الإخلاص في أيّ عمل هو بمثابة الرّقمِ اليساريّ لمجموعةِ أصفارٍ ليس لها قيمة، وإنما تكتسب قيمتها بالرقم الذي يأتي على يسارها، ويُعطي كل صفرٍ منزلةً إضافية للرقم الذي يتزايد باستمرار، فالإخلاص قيمةٌ عُليا من القيم الإنسانية، وهي قيمة ترفع أي شيء يلوذُ بها فتعطيه رونقًا خاصًّا، وتمنحه سمةَ الامتياز والنجاح.


إنّ الإخلاص إذا اجتمع في قلوب مجموعة من الناس فإن الأثر المترتّب على العمل الذي ستؤدّيه هذه المجموعة سيكون أشدّ وقعًا في النفس وأكبر نفعًا؛ فقد جاء في القرآن الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.[١]


الأدلّة في الحث على الإخلاص والتعاون كثيرة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ومنه قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"[٢]، فما أعظم هذا الحديث في الحثّ على العمل الجماعي، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يُشبّه المسلم مع غيره من المسلمين بالجسد الواحد، فإذا أصاب هذا الجسد أي سوء في عضوٍ واحد من أعضائه باتَ الجسدُ كله في سهرٍ وألم، لا يستطيع النوم ولا يجد له طريقًا.


العمل في الإسلام

لقد حثّ الإسلام على الإخلاص في كل شيء، حتى خصص له سورةً في القرآن الكريم تضمّنت خلاصة التوحيد الخالص الذي يجب على الإنسان أن يحذَرَ على قلبه من عدم الإخلاص فيه، فتبدأ السورة بقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}،[٣] أي أنّ الإنسان عليه أن يخلص في قلبه بأنّه ليس هنالك إله إلا الله، وعندما كان الإخلاص بهذه الأهمية في التوحيد فإنه لاشكّ واجبٌ من بابٍ أولى في كل ما يتعلق بأمور المسلم وتصرفاته وتعلقاته القلبية والوجدانية.


لم يكتفِ الإسلام بوجوب الإخلاص في العمل، بل بوجوب الإخلاص في العمل وإتقانه، إذ قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: "إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَهُ"[٤]، فالإتقان جزء من العمل وبه تكون الصورة مكتملة، وهو محلّ حبّ الله تعالى، فلا بدّ أنّ الإتقان جليلٌ إذ يقع في هذا الموضع، كما أنّه سهلُ الوقوع عظيمُ الأجر والأهمية، فمن واجبنا نحو العمل أن نُحيطه بالعناية الفائقة حتى يتخذ الصورة الأفضل، وأن نُخلص في أدائه حتى ينهض بنا وبمجتمعنا وأوطاننا.


يُمكن القول إنّ العمل في العصر الحديث قد بدأ يتجه نحو التأزُّم؛ لأنّ إدراك أهميّة العمل بالنسبة لكل من الرجل والمرأة جعل نسبة العاملين من كليهما كبيرةً بالنسبة إلى عدد الوظائف التي يُمكن أن يَشغلوها، كما أنّ المُستوى الاقتصاديّ في كلّ بلد عربي أو أجنبي يؤدّي دورًا هامًّا في تأمين تلك الوظائف، ممّا يجعل الأمر معقّدًا ومتشابكًا.


أمّا بالنّسبة للأطفال فإنَّ عمالتهم تكاد تكون كارثيّة؛ لِما تجرّ عليهم من ويلات الضياع التي سيجدونها عندما يمرّ الزمن ويصبحوا في عِداد الشباب، فهم يفرحون ببعض النقود التي تملأ جيوبهم حين يُمضون نهارًا متعبًا في العمل، إلا أنّهم يُضيّعون فرصتهم الحقيقية في التعليم وبناء المستقبل الآمن الذي يمكّنهم من العمل الأفضل بعد نضوجهم، وفي هذا السبيل عملت الحكومات على التقليل من عمالة الأطفال، وأوجبت التعليم في المرحلة الابتدائية بشكل إلزاميّ، وجعلت شهادة التعليم المتوسط شهادة أساسيّة لا يمكن الاستغناء عنها بوصها أقلّ تقدير دراسيّ.


إنّ احتفال الدول بيوم العمال العالمي -والذي هو اليوم الأول من أيار- يُعدّ تكريمًا عظيمًا لكلّ عاملٍ مهما كانت مهنته، كما أن إحداث وزارة تُسمى "وزارة العمل" في جميع الدول أمرٌ يُبشّر بخيرٍ كبير يمضي إليه هذا المجال، ولا سيّما أنّ من مهمات هذه الوزارة أن تضع القوانين المُلزمة للعامل وربّ العمل، وأن ترتّب تنظيم قوانين العمل بينهما، ممّا يحفظ الحقوق من الضياع، ويؤمّن ما هو أفضل لعملهما بشكل عام.


كذلك وقد أولى الإسلام العملَ أهميّة قصوى فحثّ عليه ودعا إلى التّمسّك به ونظرَ إلى الذين يجلسون عاطلين عن العمل بعين الازدراء والنّقص، فقد روي أنّ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قد أُخبرَ أنّ رجلًا يجلس على قارعة الطريق ويرفع كفّيه إلى السماء ويقول يا ربّ ارزُقني، فقال -رضي الله عنه-: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة".


حثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المُسلمين على الكسب والعمل، وعلّمَهم أنّ العمل الشريف لا يعيبه شيء، بل وجعل الإسلام اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي اليد المُعطية، وفي ذلك إشارة إلى اليد المُنتجة التي يكون المال فيها صحاحًا، وأما اليد السفلى فهي اليد التي تطلب، فهي -لا بدّ- يد غير مُنتجة تعيش على أموال الآخرين، وهذا الصّنف حاربه الإسلام بفتح أبواب العمل أمامه وإرشاده إلى الطريق القويم للكسب الحلال الذي يُغنيه عن سؤال الناس.


ذات مرة جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يسأله شيئًا من أموال الصدقات، فأرشده رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يأخذ فأسًا وقدّومًا وحبلًا وان يذهب إلى حيث يستطيع أن يجمع الحطب من الأشجار وغيرها، ثمّ يبيعه عندما يعود، فبذلك يكون قد صار من الأفراد المنتجين الذين يعملون وينهضون بمجتمعهم.


لم تكن تلك المهنة التي أرشد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- محلّ انتقاص مع أنّها مهنة متواضعة يستطيعها أيّ شخص، ولكن الذي أراد النبي أن يُعلّمنا إيّاه يتلخّص في حديثه لذلك الرجل إذ قال له: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه"[٥] فإذًا المُراد من هذا الدّرس الذي علّمه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لذلك الرّجل هو أنّ العملَ مهما كان فهو خيرٌ من سؤال الآخرين ما دام ذلك العمل يُكسب الرجل وأهله اللقمة الحلال الكريمة التي لم تكن بفضل من أحد من البشر، ولكنّها بفضل الله تعالى وحده.

المراجع

  1. سورة المائدة، آية:2
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:6026، حديث صحيح.
  3. سورة الإخلاص، آية:1
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1855، حديث حسن.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1470، حديث صحيح.
3574 مشاهدة
للأعلى للسفل
×