تعبير كتابي عن الغش

كتابة:
تعبير كتابي عن الغش

الغش خداع للنفس

بِئس البناء الذي يُشيده الإنسان وأساسه الغُش، فالغشُ شّكل منأشكال الكَذب والخداع، فمن يغش الناس يغشُ نفسه قبل أن يغشهم، فتراه يقوم بهذا السلوك المُشين؛ ليحقق نجاحات زائفة ويُري الآخرين أنّه مستحق للنجاح، متناسيًا الطريق الذي سلكه للوصول إلى تلك النقطة، ولكنه في قرارة نفسه مفتقد للذة النجاح الحقيقي، ومدرك بأنّه نجاح وهمي.

إنّ الإنسان الذي يحتال على نفسه ويعيش بالأوهام التي أحاطَت به يفتقر للحس السليم والنفس السوية، ولا بُد من توعيته بمخاطر هذا السلوك، ومُحاولة تقديم النصيحة له، سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا، فالغش بداية للفشل والهزيمة والانهيار.

الغش بداية الانهيار

أرى أنّ الغش هو بداية انهيار للفرد والمجتمع،إذ إنّ المجتمعات التي تستسيغ الغش وتراه أمرًا طبيعيا أو عاديًَا ينخرها الفساد، ويعيش أفرادها ظُلمًا لا ينتهي، وتقوم على الجهل والتجهيل، فلا تستطيع التقدم أو الإنجاز ومواكبة التطورات؛ لأنّ الغش مواربة عن الحق والحقيقة، ولا يُمكن لعلم أو إنجاز أن يقوم على الغش.

إنّ الطالب الذي يغش سيكبر ويتخرج، ثم سينطلق للعمل في وظيفة ما حاملًا مثل هذه الأخلاقيات السيئة التي سيُطبقها في وظيفته بل سيتمادى في الغش، ويُلحق الضرر بالمؤسسة وسمعتها وبالعملاء أو المستفيدين من خدمات تلك المؤسسة، فمثلًا لو كان يعمل في مؤسسة غذائية، ستُؤثر أمانته المُعدمة على صحة المستهلك، مثل: بيع المنتجات منتهية الصلاحية.

كما لو كان الذي يغش طبيبًا سيُؤدي ذلك إلى خسارة المؤسسة الطبية سمعتها وهيبتها، إذ تكثر الأخطاء الطبية ويقع المرضى ضحية هذا الطبيب؛ فمنهم من سيخسر حياته ومنهم من يخسر صحته ليعيش عمره معانيًا من أثر الخطأ الطبي، كما سيَتأثر بذلك أُسر المرضى ويُسبب لهم أعباءً اقتصاديةً.

إنّ المجتمعات الواعية بخطر هذا السلوك تُركز على التوعية بمخاطره وكيفية معالجته، وتعمل على القضاء عليه، فيتوجَّه المُعلمون إلى تنبيه الطلاب وتحذيرهم من هذا السلوك، ويتوجه المُشرعون لوضع عقوبات رادعة للغش، لا سيما الغش في الأسواق والمعاملات التجارية، وتغليظ العقوبات على شهادات الزور، ويكون للمؤسسات الدينية دور في نشر الوعي بأهمية مُحاربة الغش، فتوضح للناس أهمية الالتزام الأخلاقي.

أمّا في المجتمعات التي ينتشر فيها سلوك الغش، ستجد أشخاصًا في مناصب لا يستحقونها، وأشخاصًا أصحاب كفاءة طاقاتهم وقدراتهم مهدورة؛ لأنّ من هُم أقل كفاءةً استولوا على فُرصهم دون وجه حق، وستلحظ أكثر الأفراد يعيشون حالة من الغضب والاحتقان وعدم الرضا.

إنّ اللبنة الأساسية في المجتمع هي الأسرة، فهي الأساس في تربية جيل يتحلى بالأخلاق الحسنة، فإذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع؛ ولهذا لا بُد للوالدين من إيلاء الأطفال اهتمامًا كبيرًا والانتباه إلى تصرفاتهم، فإذا لاحظ الوالدان أنّ أطفالهم يُحاولون الغش أو يُمارسونه فعليهم عندها أن يتخذوا إجراءً سريعًا لتوعية الطفل بمدى بشاعة هذا السلوك.

كما يُمكن للوالدين التواصل مع المعلمين كي يجدوا الطريقة الأمثل لتقويم سلوك الطفل، ويُمكن الاستفادة من المتخصصين التربويين في مجال تربية الطفل، فالطفل أمانة بين يدي والديه والمجتمع، وهو مرآة لبيئته إذ يعكس البيئة التي يعيش فيها، وعليه لا بُد من تربيته تربيةً سليمةً من أجل الوصول إلى مجتمعات أفضل.

الغش خروج عن الأخلاق

إنّ اعتياد الإنسان على الغش والطُرق الملتوية في الحصول على ما يُريد سيجعل ذلك منه شخصًا مُعتادًا على سوء الخُلق، ومع الوقت لن يشعر بأيّ تأنيب ضمير، وهذا ما يُنذر بخطر كبير، فترى نفسه قاتمةً وقلبه مليء بالسواد والشر، وجدير بمثل هؤلاء الأشخاص أن يُطهروا أنفسهم بعد الاعتياد على السوء والغش.

إنّ الغش من الخصال المنبوذة في كلّ النظم الأخلاقية قديمًا وحديثًا، فالغشاش يخسر ثقة الناس، الأمر الذي سيُؤثر في آخر المطاف على نفسيته، ويعود عليه بالسوء، فإذا زُرع السوء فيه، فإنّه يومًا ما سيحصد السوء، مثل: التاجر الذي يغش الناس سيخسر سمعته وبالتالي سيخسر عُملاءه شيئًا فشيئًا، فيصير بلا مصدر رزق.

كما أنّ طالب العلم الذي يلجأ إلى الغش سيكتشف فيما بعد أنّ معرفته منقوصة وعلمه ركيك، وبأنّه أضر بنفسه قبل أن يُضر غيره، فعندما يدخل سوق العمل سيُواجه صعوبةً كبيرةً في الحصول على وظيفة؛ ليعيش حياةً متوترةً وعدم ثقة بالنفس حتى لو حرص على ألا يكشفه الناس.

إنّ الإنسان الغشاش لا يُعدّ محل ثقة بين الناس فقوله كذب وشهادته زور وفعله سوء، فالخلق السيء يجر معه أخلاقًا سيئةً أخرى، فترى أنّ الشخص الغشاش يجمع عدة صفات سيئة منها؛ الكذب والجبن ونقض العهد وانعدام الأمانة، فتلك صفات متصلة ببعضها اتصالًا كبيرًا.

الغش في ميزان الدين

في الختام، لا بُد من الابتعاد عن هذا السلوك المكروه، فقد حذر الدين من الغش وعدَّه عملًا سيئًا وخطيئةً تجلب للشخص السيئات وتستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "من غش فليس منا" [١]، فالأصل في الإنسان حُسن الخلق والتزام الأمانة والاستقامة في شؤون الحياة جميعها.

في ضوء ما سبق، من القصص الإسلامية على الأمانة ونبذ سلوك الغش قصة تلك الفتاة التي رآها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تمنع أمها من خلط الحليب بالماء، فتلك فتاة تصلح أن تكون قدوةً حسنةً، فالإنسان المتحلي بالأخلاق يعي أنّ الغش كذب وإخفاء لحقائق الأمور.

في هذا الصدد، نستذكر قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "كانَ أبغضَ الخلقِ إلى النَّبيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم الكذبُ"[٢]، ومصير الغشاش أن يُكشف أمره، وأن يندم على فعله، فيلحقه العار والإقصاء الاجتماعي إلى جانب العقاب في الآخرة، وليحذر كلّ صاحب دين وأمانة وضمير حيّ من القيام بمثل هذا السلوك الشنيع.

المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6406.
  2. رواه البخاري، في التاريخ الكبير، عن عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم:49.
2806 مشاهدة
للأعلى للسفل
×