علم البديع
يعدُّ علم البديع قسمًا من أقسام علم البلاغة، وفرعًا من فروعها التي يعرف به وجوه تحسين الكلام؛ لفظيًّا ومعنويًّا ومطابقتها لمقتضى الحال، بالإضافة إلى بيان دلالتها ووضوحها، ويعدُّ كتاب "البديع" لعبد الله بن المعتز أوّل دراسة سارت نحو هذا العلم في العصر العباسيّ، ثمّ تعددت المؤلفات بعده، وزادوا على ما ذكره عبد الله بن المعتز من محسنات ككتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر [١]، ويقسم علم البديع إلى بابيْن: المحسنات اللفظية كالجناس والسجع ورد العجز على الصدر، أمّا باب المحسنات المعنوية فيضم التضاد والتورية والمقابلة والالتفات، وتاليًا سيتم تعريف التضاد لغة واصطلاحًا. [٢]
تعريف التّضاد لغةً واصطلاحًا
التضاد لغةً كما عرّفه الفيروز آبادي في القاموس المحيط: "الضِّدُّ بالكسر والضَّديدُ: المثْلُ والمخالفُ ضِدٌّ ويكونُ جمعًا، ومنه: {كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [٣]، وضَدَّه في الخُصومَةِ، أيْ غَلَبَه وصرَفَه ومنعَه برفْقٍ، وضادَّه: خالَفَه. [٤]
وهو لا يختلف عما ورد في المعجم الوسيط الذي قام بعض أعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة بتأليفه، فعرّفوه: "تَضَادَّ الأمران: كان أحدُهما ضِدَّ الآخر، الضدُّ: المخالفُ والمنافي، والمثلُ والنَّظيرُ والكفء، ويُقال: هذا اللفظ من الأضداد: من المفردات الدَّالةِ على معنيين متباينين، كالْجَوْنِ للأسود والأبيض، الضَّديدُ: الضدُّ {ج} أضدادٌ، المتضادَّ "في المنطق": اللذانِ لا يجتمعان، وقد يرتفعان كالأبيضِ والأسود، ومن التعريفين السابقين توضّح أنَّ كلمة ضدّ تطلق على الشبيه، والنظير وأيضًا على المخالف والمنافي فهي كلمة حتى المعاني التي تكتنفها متعاكسة. [٥].
أمّا اصطلاحًا فتعدّدت التعريفات لهذا التضاد، ومع تعدّدها لا تختلف وتبتعد عن المعنى اللّغوي للتضاد أو تنافيه فقد عرّفه أبي البقاء الكفوي بقوله: "هو عند الجمهورِ يُقال لموجودٍ في الخارج مساوٍ في القوةِ لموجودٍ آخرَ ممانع له، ويُقال: وقد يُراد بالضدِّ المنافي بحيث يمتنعُ اجتماعُهما في الوجود"، وعرّفه إبراهيم بن فتحي عبدالمقتدر بأنّه: "لفظةٌ واحدة تحمل المعنى وعكسَه"، كما عرّفه محمد بن السيّد حسن بقوله: "هو اللفظ الدَّال على معنيين متقابلين". [٦]
موقف اللغويين من ظاهرة التضاد
اختلفت آراء اللغويين على اتخاذ التضاد وعدّه ظاهرة كالترادف، فانقسموا إلى فريقين: فريق من اللغويين أقرّ وجوده كظاهرة وجاء بالحجج والأسانيد التي تثبت الإقرار به ومن هؤلاء: ابن سيده، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ابن فارس وابن الأنباري صاحب كتاب "الأضداد" الذي يُعدّ من أنفس الكتب التي تحدثت عن التّضاد، أمّا الفريق الثاني فقد أنكروا وأبطلوا وجوده ومن هؤلاء ابن دُرُستَويه، وكانت علّة إنكاره بالنسبة للفريق الثاني، أنَّ التضاد يتنافى مع وظيفة اللغة الأساسية ألا وهي التعبير والإفصاح عن الفكر، فوجود كلمة تحمل معنيين متنافيين سيستدعي الغموض والإبهام. [٧].
وما زالت هذه القضية بين منكر ومؤيّد إلى الوقت الحالي، غيرَ أنّه لا يمكن إغفال حقيقة أنّ الأضداد في اللغة العربية قليلة محدودة، ومع التطور اللغوي أصبحت كثيرًا من الأضداد مهجورة لا تُستعمل كلفظ الجون للأسود والأبيض، وبدأت بعض الألفاظ التي تعدّ من الأضداد تتخذ وتميل لمعنى واحد، كلفظ المولى الذي يطلق على السيّد وعلى الخادم أيضًا، فاستقرّ على المعنى الأول وهو السيّد. [٧]
المراجع
- ↑ "علم البديع"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد قاسم، محي الدين (2003)، علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني (الطبعة الأولى)، طرابلس: المؤسسة الحديثة للكتاب، صفحة 50،51. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 82.
- ↑ الفيروزآبادي (2008)، القاموس المحيط، القاهرة: دار الحديث، صفحة 968،969.
- ↑ أحمد الزيات، إبراهيم مصطفى، محمد النجار وآخرون، المعجم الوسيط، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، صفحة 536.
- ↑ "التضاد"، الألوكة. بتصرّف.
- ^ أ ب فتح الله سليمان (1991)، مدخل إلى علم الدلالة (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة الآداب، صفحة 42،43،44. بتصرّف.