تعريف الحديث الموضوع

كتابة:
تعريف الحديث الموضوع

تعريف الحديث الموضوع

الوضع في اللُّغة: حطّ الشَّيء ووضعه، وسُمِّي بذلك؛ لانحطاط رُتبته، وفي الاصطلاح: هو الحديث المكذوب، والمُختلق، والمصنوع، مع نسبته إلى النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-،[١] وهذا تعريف ابن الصَّلاح له، وعرَّفه غيره بأنَّه ما نُسب إلى النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- كذباً ممَّا لم يقله أو يفعله أو يُقرُّه، ويقع في المرتبة في آخر الحديث الضعيف، وجعلوه قسماً من الأحاديث من باب المعرفة، وليس من باب أنَّه جُزءٌ من الحديث، ويُشير إليه المُحدِّثين بالتَّصريح، كقولهم: موضوع، باطل، كذب، أو قولهم عنه: لا أصل له، أو ليس له أصل، أو لا يصحُّ، ولا يثبُت.[٢]


وهذا النَّوع من الحديث؛ مكذوبٌ ومصنوعٌ ومُفترى على النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- عمداً،[٣] ويُمكن للعُلماء معرفته من خلال ما يقع في متنه دون إسناده بسبب تبحُرُّهم في معرفة السُّنَّة، ومعرفتهم للسيرة النبويَّة، ومن العلامات التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- لمعرفته ما يأتي:[٤]

  • اشتماله على كلامٍ مُجازفٍ لا يُمكنُ للنبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يقوله؛ كالكلام المُبالغ فيه، أو التَّهويل من غير ضابطٍ، ويَكثُر هذا النَّوع في أحاديث التَّرغيب والتَّرهيب، كقولهم: من صلَّى الضحى كذا وكذا ركعة أُعطي ثواب سبعين نبيَّاً.
  • اشتمالهُ على كلامٍ يُكذِّبه الحِسُّ والواقع المحسوس المُشاهد، كقولهم: الباذنجان شفاء من كلِّ داء.
  • اشتمالهُ على السَّذاجة والقُبح، أو بعض الكلام الذي يُسخرُ منه، كقولهم: لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً.
  • اشتمالهُ على مُخالفةٍ لِصريح القُرآن، كقولهم عن مقدار الدُّنيا: إنَّها سبعةُ آلاف سنَةٍ، ونحن في الألف السَّابعة.
  • اشتمالهُ على مُخالفة صريح السُّنة ومناقضته، كالأحاديث الواردة في مدح اسم مُحمد وأحمد، وأنَّه من تسمَّى بذلك لا يدخل النَّار، ومن المعلوم أن دُخول النَّار لا يكون على الاسم أو اللقب، وإنَّما يكون بالإيمان والعمل الصَّالح.
  • اشتمالهُ على إنكار الصَّحابة -رضوان الله عليهم- على عدم نقله مع سماعهم له، كقولهم: إن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أخذ بيد علي وأخبرهم أنَّه الخليفة من بعده ولكنَّهم اتَّفقوا على كِتمانه ومُخالفته.
  • اشتمالهِ على البُطلان في نفسه، كقولهم: إذا غضب الله أنزل الوحي بالفارسية، وإذا رضي أنزله بالعربية.
  • اشتمالهِ على كلامٍ لا يُشبه كلام الأنبياء أو الوحيّ، كالأحاديث التي تُثبت العبادة عند النَّظر إلى حِسان الوجوه.
  • اشتمالهُ على تواريخ فيها حوادث مُستقبليَّة، كقولهم: إذا كان سنة كذا وكذا وقع ذلك الأمر، وإذا كان شهر كذا وكذا وقع ذلك الأمر.
  • اشتمالهُ على وصفٍ للطبِّ كقولهم: أكل السَّمك يوهن الجسد.
  • اشتمالهُ على كلامٍ تُكذِّبهُ الشَّواهد الصَّحيحة من القُرآن أو السُّنة.
  • اشتمالهُ على ركاكةٍ في ألفاظه، وما يقترن به من قرائن تُبطله، كقولهم: وضع الجزية عن أهل خيبر.
  • اشتمالهُ على ألفاظٍ لا وُجود لها في المُصنفات الحديثيَّة.


حكم روايته والعمل به

اتَّفق عُلماء الحديث على حُرمة رواية الحديث الموضوع لمن علم بحاله على أيِّ معنىً كان، إلَّا من كان يُريدُ أن يُبيِّن ضعفه، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (من حَدَّث عنى بحديثٍ يُرى أنَّه كَذِبٌ، فهو أحَدُ الكاذِبِينَ)،[٥] وهو شرُّ أنواع الأحاديث الضَّعيفة، وبعض العُلماء جعله قسماً لِوحده،[١] وهو من الأحاديث التي يحرَّمُ العمل بها؛ لما فيها من ابتداعٍ في الدِّين، وإن كان العمل به في الأمور الدُّنيويَّة بناءً على انَّه حديثٌ فهو مُحرَّمٌ أيضاً،[٦] وذكر الإمامُ مُسلم -رحمه الله- في مُقدِّمته أنَّ رواية الفاسق ساقطةٌ وغير مقبولةٍ، واستشهد بقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا).[٧][٨][٩]


وقد بيَّن النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنَّ الوضع في الحديث من أسباب دُخول النَّار، لِقوله: (وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)،[١٠] وأمَّا عُقوبته في الدُّنيا فهي التَّعزير كما ذكر ذلك ابنُ حجر الهيتميِّ، وفي حال تاب الواضع عن الوضع؛ فيرى الإمامُ أحمد وأبو بكر الحُميدي عدم قُبول روايته بعد التَّوبة، وذهب الإمامُ النوويُّ إلى قُبولها، وقد قسَّم العُلماء من يقوم برواية الحديث الضَّعيف إلى ثلاثة أقسامٍ، وهي كما يأتي:[٨][٩]

  • القسم الأوَّل: الجاهل بدرجة الحديث، وهذا لا إثم عليه، ولكنَّه يُعدُّ مُقصِّراً في بحثه عن درجة الحديث.
  • القسم الثَّاني: العالم بوضعه، وقد رواه ليُبيِّن ما فيه من ضعف؛ وهذا لا شيء عليه.
  • القسم الثَّالث: العالم بوضعه ولكنَّه يذكرهُ من غير أن يُبيِّن وضعه، وهذا القسم يكون آثماً.


كيفيَّة معرفة الحديث الموضوع

يُمكنُ معرفة الحديث الموضوع من خلال العديد من الأُمور، منها ما يأتي:[١١][١٢]

  • العلامات التي تمَّ ذكرها في الفقرة السَّابقة من كلام ابن القيم -رحمه الله-.
  • معرفة طرق الوضَّاعين في صياغة الحديث، والتي تكون من خلال إنشاء الكلام من عندههم، ثُمَّ يضعون له سنداً ويقومون بروايته، أو يأخذون الكلام من نصوص الحُكماء أو الصَّحابة أو التَّابعين ويُسندونه ويرووه.
  • التَّصريح من الواضع بالوضع، كأن يُقرّ الشخص بأنه نقل كلاماً مكذوبا وموضوعا، أو ما يقوم مقام الإقرار، كأن يروي شخصٌ عن شيخٍ، ويسأل الناس هذا الشخص عن تاريخ ولادته، فيذكر تاريخاً يتبيّن من خلاله كذبه، بحيث يكون الشيخ الذي يُحدّث عنه قد تُوفّي قبل ولادة ذلك الشخص.
  • معرفة بعض القرائن في الرَّاوي أو المروي، ومن هذه القرائن الرَّكاكة في الألفاظ، ومخالفة كلامه لصريح القرآن والسنة.
  • التَّصريح من المُحدثين بوضعه؛ كقولهم: باطل، موضوع، لا أصل له، وغير ذلك من الألفاظ.
  • الوهم من الرَّاوي، فينسب قول غير النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى النبي؛ سواء كان بقصد أم بغير قصد.
  • مُخالفة المتن للعقل، وعدم قبوله للتَّأويل، أو كونه خبراً عظيماً ونُقل بِحضور جماعةٍ ولم ينقله غيره، أو الإفراط الشَّديد فيه بالوعيد على الأمر الصَّغير.[١٣]


أسباب وضع الحديث

توجد العديد من الأسباب التي يلجأ إليها الوضَّاعين للوضع في الحديث، ومنها ما يأتي:[١٤][١٥]

  • التَّقرُّب إلى الله -تعالى-: كالأحاديث التي تُرغِّب النَّاس في الطَّاعة، والأحاديث التي توضع في فضائل سور القُرآن أو بعضها، فعن ابن مهدي قال: "قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أُرغّب الناس".
  • الانتصار للمذهب، وتكون في الفرق السياسيَّة، وكان ذلك بعد ظُهور الفتن، وهؤلا هُم أصحاب البدع والأهواء.
  • الطَّعن في الإسلام: وعادةً ما يكونون من الزَّنادقة؛ وذلك للطعن والتَّشويه في الإسلام، كقولهم: "أنا خاتم النَّبيين لا نبي بعدي إلَّا أن يشاء الله"، وإسناده للنبي كذباً.
  • التَّقرُب إلى ولاة الأمر، أو لأجل الكسب والحُصول على المال، كالقصَّاصين الذين يذكرون القصص، أو لأجل الشُّهرة.[١٦]


أين توجد الأحاديث الموضوعة

توجد العديد من الكُتب والمُصنّفات التي أُفرِدَت للحديث عن الحديث الموضوع؛ بقصد بيان كذبه ووضعه، ومنها ما يأتي:

  • أوَّلاً: مصنفاتٌ خاصَّةٌ أُفردت الحديث الموضوع بهدف بيان كذبه: ككتاب الموضوعات لابن الجوزي، وكتاب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطيّ، وكِتاب تنزيه الشَّريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة لابن عراق الكِناني،[١٧] وكتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ويُسمَّى أيضاً بالأباطيل والمناكير، وحَكم على الأحاديث بالوضع لِمُخالفتها لِصريح السُّنَّة، وكِتاب الأحاديث الموضوعة التي يرويها العامَّة والقُصَّاص لعبد السَّلام جد ابن تيمية، وكِتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع للملا علي القاري، وكِتاب اللؤلؤ المرصوع فيما قيل لا أصل له أو بأصله موضوع لِمُحمد بن خليل القاوقجي.[١٨]
  • ثانياً: يوجد بعض المفسرين الذين أخطؤوا بوضع الأحاديث الموضوعة في تفاسيرهم من غير بيانهم للوضع فيها: ويكثر هذا النَّوع من الأحاديث فيما ذُكر عن أُبي بن كعب في فضائل السور، ومن هؤلاء المُفسرين: الثَّعلبيُّ، والواحديُّ، والزمخشريُّ، والشوكانيُّ، والبيضاويُّ.[١٩][٢٠]


الآثار السيئة لوضع الحديث على الأمَّة الإسلاميَّة

توجد العديد من الآثار السيئة المُترتِّبة على الوضع في الحديث، ومنها ما يأتي:[٢١][٢٢]

  • محاولة الطَّعن في الدِّين من خلالها، وإدخال فيه ما ليس منه، وإبعاد النَّاس عن التَّوحيد.[٢٣]
  • مُحاولة هدم العقائد عند المؤمن، وكذلك هدم العبادات بالزيادة فيها، كقولهم: كُلِّ بدعة ضلالة إلَّا البدعة في العِبادة.
  • حُصول الخِلاف بين المُسلمين؛ من خلال وضع الأحاديث لأجل الانتصار للطائفة أو المذهب.
  • مُحاولة تدمير الاقتصاد الاسلامي؛ من خلال وضع الأحاديث التي تُعطِّل الانتاج، كقولهم: "شرار النَّاس التُّجار والزرَّاع"، وتحبيب النَّاس في الفقر.
  • مُحاولة تشويه وإنقاص صورة النَّبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وإزالة هيبته من قُلوب النَّاس.
  • التَّهاون والتَّكاسُل عن القيام بالأعمال الصَّالحة، والتَّساهُل بالمعاصي، كقولهم: "الكريم حبيب الله وإن كان فاسقا والفاسق السخي أحب إلى الله من عابد بخيل".[٢٤]


المراجع

  1. ^ أ ب محمود النعيمي (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 111. بتصرّف.
  2. عبد الله الشقاري (2003)، الآثار السيئة للوضع في الحديث، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 116. بتصرّف.
  3. يوسف الداودي، شرح المنظومة البيقونية، مصر: دار الأندلس للطباعة، صفحة 64. بتصرّف.
  4. جمال بن محمد السيد (2004)، ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 459-469، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:صحيح.
  6. مناهج جامعة المدينة العالمية، الدخيل في التفسير، ماليزيا: جامعة المدينة العالمية، صفحة 350-351، جزء 1. بتصرّف.
  7. سورة الحجرات، آية: 6.
  8. ^ أ ب عبد الله الشقاري (2003)، الآثار السيئة للوضع في الحديث، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 118-124. بتصرّف.
  9. ^ أ ب جمال بن محمد السيد (2004)، ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 452-455، جزء 1. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3461، صحيح.
  11. محمود طحان النعيمي (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 112. بتصرّف.
  12. عبد الله الشقاري (2003)، الآثار السيئة للوضع في الحديث، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 116-118. بتصرّف.
  13. شهاب الدين الخُوَيِّي (2015)، نَظْم علوم الحديث المُسماة: «أقصى الأمل والسُّول في علم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم»، صفحة 114، جزء 1. بتصرّف.
  14. محمود طحان النعيمي (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 113-115. بتصرّف.
  15. جمال بن محمد (2004)، ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 456-458، جزء 1. بتصرّف.
  16. أحمد العسقلاني (1984)، النكت على كتاب ابن الصلاح (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 850-858، جزء 2. بتصرّف.
  17. محمود طحان النعيمي (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 116. بتصرّف.
  18. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، السعودية: موقع الجامعة على الإنترنت، صفحة 48-53، جزء 48. بتصرّف.
  19. محمود طحان النعيمي (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 115-116. بتصرّف.
  20. عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، السعودية: دار طيبة، صفحة 340-341، جزء 1. بتصرّف.
  21. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، السعودية، صفحة 30-39، جزء 48. بتصرّف.
  22. محمد أبو زهو (1378)، الحديث والمحدثون، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 335-338. بتصرّف.
  23. عبد الله الشقاري (2003)، الآثار السيئة للوضع في الحديث، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 126. بتصرّف.
  24. محمد أبو شُهبة، الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، مصر: دار الفكر العربي، صفحة 340-343. بتصرّف.
4966 مشاهدة
للأعلى للسفل
×